الشهر الماضي كان زاخراً باحتفالات أنثوية كثيرة.. يوم المرأة عيد الأم يوم الأرض عيد الشجرة ولم يبقَ إلا أن نحتفل بالشمس والحجارة والصحراء. من السهل جداً أن يبتدع الإنسان في هذا الزمن بدعة ما لتصبح قانوناً يسري على الجميع.. نحن نحتفل كثيراً في مناسبات عديدة، لكننا في كل هذه الاحتفالات الصاخبة التي عادة ما تبعث على الكسل والفتور والملل ننسى أن نحتفل بأنفسنا.. نعطيها حقها في المعرفة الحُرة.. التأمل.. التدبر.. نغمسها قليلاً في بحر الترف وإن لم يكن مجتمعنا ترفياً، إلا أن للأرواح رياضات يجب أن تؤديها وهوايات ينبغي أن تمارسها.. هل جربتم قبل اليوم أن تخرجوا من هذه الأجساد المكتظة بزحمة الحياة إلى فراغ الصمت وهدوء الطبيعة وجمال الكون؟ أعرف رجلاً يحمل من اسمه الكثير، رياضة روحه التأمل في النجوم.. لديه منظار مقرّب يستخدمه ليعيش حواره الخاص مع السماء.. الجميل أن له جيراناً يعشقون التأمل أيضاً وهذا يبعث على الراحة والهدوء. في حياتنا الكثير من الأشياء بحاجة إلى تغيير.. مظاهرنا مثلاً.. أساليبنا في التعامل مع كل شيء حولنا.. أعرف رجلاً إذا لم تسرع زوجته بفتح الباب حين يطرق أول طرقة بيده الحديدية يحطمُ ما يجده أمامه حتى إن كان الذي أمامه طفله أو طفلته.. لماذا لا يكون لنا في كل يوم ساعة ترويح..؟ جربتها مرة واكتشفت أن داخل هذه الأجساد كنوز لم نكتشفها بعد.. لدينا الكثير لنعطيه ولكننا نفتقد الآلية التي نعطي عن طريقها كل ما نستطيع دون أن ينقص ذلك من أرواحنا شيء. غريبة هذه الروح هي بحاجة إلى التزكية أكثر من أي شيء آخر.. زيدوها راحةً بالبذل.. وطمأنينة بالعطاء ورفعة بالتواضع وجمالاً بالحوار.. حاوروا الجمال من حولكم.. هل تزعمون أن لا جمال حولنا؟ بلى.. أطفالنا حولنا.. ومن الرجال والنساء من يشتهي أن يكون له ولد.. شوارعنا محطمة؟!.نعم لكن زُرقة السماء وصفاء السحاب وأسراب الطيور تنسينا السير بحذر على طريق الحياة الطويلة.. الغلاء يعم أسواق الدنيا.. لا نشتري ما نريد.. لا نأكل كل ما نرغب به لا نشرب ما نشعر أنه سيروي عطش قلوبنا وشفاهنا معاً.. لكن لنا أيدي تكتب وهذا عالمٌ بأسره من الجمال.. نمرض.. نملُّ الدواء.. أو لا نستطيع شراءه؟! لكن لنا حواس خمس .. وأخرى لا نعرفها.. تسقينا الأمل لأنها مفاتيح للحكمة والرُشد.. حاولوا أن ترسموا لأنفسكم صورة جميلة فسترونها موجودة على أرض الواقع.. لا تسرفوا في وضع التحسينات على ملامحها لأنها ستذبل حين تهب عليها الرياح.. إنما غذّوها بالتأمل.. وروّضوها حتى تلين، فهذه الأرواح جامحة جموح الخيل على أرض المعارك.. هذّبوا إحساسها بكل شيء جميل.. ولا تعتادوا المرور على آيات الكون مرور الكرام، فالمرء لا يعيش إلا مرة واحدة.. ادعوا أبناءكم بما يحبون من الأسماء وغيّروا الألفاظ التي تعطي الآخرين عنكم انطباعاً بالوضاعة والتقزم وكونوا أكثر دقة في استخدامها مع نسائكم.. أمهاتكم.. أخواتكم.. كل النساء.. لأن الكلمة الطيبة والخدمة الإنسانية التي تؤدونها وأنتم تبتسمون بصمت تفعل الكثير في قلوب الناس. واجهوا الحياة بصدوركم ولا تديروا ظهوركم لها أبداً، لأن خير وسيلة للحياة هي الحياة بكل ما فيها.. لا تحزنوا لما يغمر الكون من زلازل وبراكين وحروب.. فلستم من أعلن الحرب.. ولستم من سُينهيها.. إنما عليكم حين ترون ذلك أن تركعوا في محراب الرحمات طويلاً.. لكم أعينٌ تبصر.. وآذان تسمع.. وأيدٍ تحيطون بها من تحبون وأرواح تسكن أجسادكم لم تزهق بعد، لم تنقطع عنها أسباب الحياة.. فلا تزهقوها بالمعاصي..أو التسربل بالنكد.. لن تستطيعوا بالصراخ أن تعيدوا ما فات.. أو تصلحوا ما انكسر.. فلماذا إذن تصرخون.. وتتركون مساكنكم الهادئة بكم.. لماذا تلحّون في الوصول إلى الهم ومن الممكن أن تسترخوا قليلاً.. قليلاً فقط قبل أن تصرخوا.. ألا تخافون أن تكون هذه هي آخر أيامكم؟! آخر صرخاتكم؟! ألا تخشون ألا ترون بعد اليوم زوجة أو ولداً؟! احتفلوا ببقائكم على قيد الحياة.. نعم ما زال بإمكانكم أن تصلوا أرحاماً مقطوعة أو تطعموا جائعاً.. أو تكسوا عارياً.. أو تدخلوا الفرحة على أهل بيتكم ربما حتى بكلمة طيبة.. لنتفق إذن ليس منّا من يعلمُ ساعة وفاته.. وهذا يعطينا أملاً لنفعل الكثير لكن الكثير مما يرضي الرحمن عنا.. جربوا إذا أصابتكم الكآبة أن تُفرحوا طفلاً لم يذق طعم الفرح.. ستجدون أن تلك الجبال من الضيق ولّت إلى غير رجعة. زوروا مريضاً لتشعروا أن الصحة كنزٌ لا يقدر بثمن.. قفوا على أبواب المقابر لتعلموا يقيناً أن لا أحد منا.. لا أحد سيُدفن على فراشه الوثير.. أو خلف مكتبه الأنيق أو داخل خزنته المليئة بالمال والمجوهرات الثمينة.. حين تمشون كل صباح على أقدامكم قبّلوا وجه السماء بإجلال، لأنكم تطالون الأرض بأقدامكم.. سواكم يتمنى أن يقف مرة ليشهد العالم قامته! وإن أغضبكم مكرُ البشر وخيانتهم فاعلموا أنهم لن ينقصوكم أو يزيدوكم شيئاً.. لأن الله قد قسم كل شيء.. كل شيء في لوح محفوظ. لا تغتروا بصحتكم..وجاهتكم.. أموالكم.. فلن تؤتوا مثلما أوتي قارون أبداً.. أبداً فاحذروا أن ترتدوا زينته التي بسببها خسف الله به وبداره الأرض.. امنحوا الآخرين رسائل جميلة لا تقرأها إلا بصائرهم وأكرموا مثواكم بالكثير من الصالحات.. كل هذا سيفنى..دولٌ عظمى، سياسات ظالمة، حربٌ وسلم، كنوزٌ وورثة، أولاد ونساء فلماذا إذن نكثر الخوض فيما ليس لنا أو ليس منا.. من أراد منكم أن يقنع بما أوتي أو يطمع بما لم يُقسم إلا لغيره فليجرّب مرة أن يحصل على ما يريد بقوته.. لن يستطيع ما دامت السماوات والأرض.. إنه ليس لك.. فلماذا تتعب إذن في الحصول على رزق سواك. أخرجوا هذا المارد الذي يسكنكم، فتشوا دائماً في أنفسكم عن أشياء أجمل وأنا واثقة بأنكم ستجدون أشخاصاً آخرين داخل صدوركم، عيشوا كما أنتم ولا تكثروا بذر الأشواك في طريقكم.. سيكون الكون رحيباً والنجوم ساطعة والقمر منيراً في ليلة تجلسون فيها إلى أنفسكم بصمت في اجتماع مغلق.. كم مضى وكم سيأتي.. ولعل الساعة الآن.. حانت لنبدأ من جديد.. جرّبوا الإقلاع عن الخوف فما من شيء يستحق العناء..