«2» تنظر المرأة الأكثر جمالاً ونضارة في المرآة، فتزهو بجمالها، ويعد الثري الغني أمواله فيسعد ويطمئن، ويرى الملك أو الرئيس أو الأمير الأمة تحتشد له وتلبي أوامره، فيركن إلى الحياة، فما هي إلا أيام تنقضي؛ وإذا الأحوال تتبدل. فكم من جميلة هي حورية من الحوريات، تغضن وجهها وأصبحت عجوزاً في الغابرين، وكم من غني أصبح فقيراً، وكم ملك أو رئيس قوم يصبح نسياً منسياً، وإذا الجميع قادمون على الله ليوفيهم أعمالهم.. فما أحقر الحياة إذا انقلبت فيها الأحوال إلى هذا المآل!!. إن الذين أراد الله بهم خيراً هم المستبشرون حقاً، فهم ينفقون أموالهم في سبيل الله، يشبعون جياعاً ويكسون عرايا، ويؤون مشردين، وينصرون مظلومين، ويعلّمون جاهلين، ويعالجون مرضى. وإذا كانوا فقراء ذكروا الله كثيراً، وعملوا ما استطاعوا من الصالحات، وكانوا قدوة لغيرهم، وإذا كانوا قادة أقاموا العدل وحرصوا على أن يعيش رعاياهم في سعادة، أطعموهم من جوع وأمّنوهم من خوف. وإذا كانوا مواطنين أقاموا بينهم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحرصوا على أن يمنعوا عن وطنهم الخراب والأزمات. إن هذه الحياة قصيرة الأمد مهما طال عمرها ، وإن الإنسان فيها كزرعة حلوة مخضرة، ثم تهيج فتصفر فتصير حطاماً، وفي الآخرة عذاب شديد للأشرار، ومغفرة من الله ورضوان للأخيار. ومن العجب أن الإنسان يدفن أخاه في التراب فلا يعتبر بالموت، وأن الإنسان يسقط أمامه الزعماء والملوك، فيظن أن الحياة خالدة، وأن الجمال البشري يستحيل في الغالب قبحاً فيظن أن الجمال لا يزول، وأن الظلم عاقبته وخيمة فيظلم الناس. وكان أحد الأمراء قد شيّد قصراً فخماً في جوار مقبرة، فدعا أحد الوعاظ ليسمع منه موعظة، فقال له الواعظ: هذه قصورهم وتلك قبورهم. وأهل الله يبكون على أنفسهم كثيراً، خشية لربهم، وخائفين أن يقدموا على ما عملوا من عمل فيجعله الله هباء منثورا. والمسلم لابد أن يضيء قبره بالصلوات والأعمال الصالحات، والعاقل هو من يتخذ له صديقاً وقت الضيق. نسأل الله أن يجعلنا من المقبولين المصطفين الأخيار، وأن يرحمنا إذا صرنا من أصحاب القبور.