التقى رجل طماع وحسود في مجلس أحد الملوك، هكذا تزعم الرواية، فقال لهما الملك: لكما عليّ أن ألبي رغبتمكا، ولكن من أعطيته في الأول ضاعفت الجائزة للثاني فتسابقوا في الطلب. نظر الحسود بعين حولاء لهذا التنافس الذي سوف يحرم منه إن قصر في الجائزة وفاز الثاني بأكثر منه. أما الطماع فكان يريد أخذ كل شيء ولا يبقي شيئاً للآخر. ثم إن الرجلين تدافعا كل يريد أن يكون الأول حتى يفوز الثاني بالجائزة مضاعفة. وأخيراً فكر كل واحد بطريقته واستطاع الطماع أن يقنع الحسود أن يبدأ في الطلب، ولكن الحسود كان قد رتب للطماع ما هو أدهى وأمر. قال الملك لهما: هل اتفقتما على من يبدأ وماذا يطلب؟ قالا نعم. تقدم الحسود وقال أيها الملك أرغب منك أن تقلع إحدى عيني؟!. إن مرض الحسد فظيع وقاتل.. ويعقب روبرت غرين في كتابه «شطرنج القوة تحت القاعدة 46»فيقول: إن ظهور المرء أفضل من الآخرين خطر على الدوام ولكن الأخطر من كل شيء هو ظهور المرء بلا عيب ولا ضعف. فالحسد يخلق أعداء صامتين. ومن الذكاء أن يكشف المرء عن نواقص فيه بين حين وآخر وأن يعترف برذائل غير مؤذية لإبعاد الحسد ولكي يظهر المرء أكثر إنسانية وقابلية لأن يقترب منه الآخرون. فالآلهة والموتى فقط هم القادرون على الظهور بمظهر الكمال والإفلات به من العقاب. ويقول بلوتارخ:« من بين جميع اضطرابات الروح يبقى الحسد هو الشيء الوحيد الذي لا يعترف به أحد» أما سورين كيركيجارد الفيلسوف الدانماركي فله تحليل جميل عن الحسد والإعجاب فيقول: إن المعجب الذي يشعر أنه لا يستطيع أن يكون سعيداً بتسليم نفسه يختار أن يصبح حاسداً لمن هو معجب به. وهكذا يتكلم بلغة أخرى فيسمي الشيء الذي هو معجب به غبياً وبلا نكهة وغير ممتع وغريباً. ذلك أن الإعجاب هو الاستسلام السعيد، أما الحسد فهو إثبات نفسه التعيس، وفي القرآن الكريم معالجة لهذه المشكلة من جذورها الأولى عند الشيطان عندما حسد آدم فلم يسجد له. ويذكر القرآن عن أهل الكتاب مرتين ومرة عن المشركين أنهم حسدوا ويحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ويوصي بدعاء الالتجاء إلى رب العباد أن يوقيه من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر حاسد إذا حسد. ولعل علاج الحسد أمرين بعد الدعاء التظاهر بعدم الكمال أو الهرب من الحاسد مثل النجاة من أفعى سامة.