بين كثرة التداول واستمرار الغموض ثمة خلط كبير بين الثقافة وعدد من المفاهيم الاخرى الموازية كالحضارة والمدنية على سبيل المثال . وقد تلتبس احياناً مع التراث الانساني ذاته. يشكل مفهوم الثقافة واحداً من اكثر الامور اثارة .. ويعد هذا المفهوم الاكثر تداولاً من اكثر المفاهيم غموضاً ربما رغم كثر جهود “العك” فيه.. وفي حين يرى البعض بأن الثقافة ليست تكديس معلومات ذلك أنك قد تجد بأن هناك انسانا متعلما لكنه ليس بالضرورة مثقفاً. بعض آخريرى بأنها مجموعة من الممارسات تشتمل على اشياء واحداث ووقائع وسلوك تحمل جميعاً ابعادا ًرمزية، أي ضربا من ضروب التجريد، دون ان يبعدها هذا التجريد او الترميز عن ان تكون واقعية وحقيقية. وهذا المعنى قد يكون فيه بعض الحيادية اوالتجني على بديهيات الثقافة ربما. البعض يرى أنها الوحدة المتفاعلة او النظام المتفاعل في مجموعة وعينة من الناس ، وهذه الوحدة تحدد بمشاركة الناس في القيم والمعتقدات والآراء والسلوك المتقبل او المتفق عليه. وفيما يرى المفكر مالينوفسكي مثلاً ان الثقافة جهاز فعال ينتقل بالانسان الى وضع افضل وضع يواكب مشاكل الطموح الخاصة التي تواجه الانسان في هذا المجتمع او ذاك، في بيئته وفي سياق تلبيته لحاجاته الاساسية. يرى آخرون ان الثقافة هي مايبقى في ذاكرتنا عندما ننسى كل شيء.. مصطلح الثقافة اذاًً من أكثر المصطلحات استخداماً في الحياة العربية المعاصرة ، لكنه من أكثر المصطلحات صعوبة على التعريف ففي حين يشير المصدر اللغوي و المفهوم المتبادر للذهن و المنتشر بين الناس إلى حالة الفرد العلمية الرفيعة المستوى ، فإن استخدام هذا المصطلح كمقابل لمصطلح (Culture) في اللغات الأوروبية تجعله يقابل حالة اجتماعية شعبية أكثر منها حالة فردية ، فوفق المعنى الغربي للثقافة : تكون الثقافة مجموعة العادات و القيم و التقاليد التي تعيش وفقها جماعة أو مجتمع بشري ، بغض النظر عن مدى تطور العلوم لديه أو مستوى حضارته و عمرانه . أما في اللغة العربية فيعنى بها الحذق والتمكن ، وثقف الرمح أي قومّه وسواه، ويستعار بها للبشر فيكون الشخص مهذباً ومتعلماً ومتمكناَ من العلوم والفنون والآداب، فالثقافة هي إدراك الفرد و المجتمع للعلوم و المعرفة في شتى مجالات الحياة ؛ فكلما زاد نشاط الفرد و مطالعته و اكتسابه الخبرة في الحياة زاد معدل الوعي الثقافي لديه، وأصبح عنصراً بناءً في المجتمع.. غربياً يشير مصطلح الثقافة إلى ثقافة المجتمعات الإنسانية ،وهي طريقة حياة تميّز كل مجموعة بشرية عن مجموعة أخرى. والثقافة يتم تعليمها ونقلها من جيل إلى آخر؛ ويقصد بذلك مجموعة من الأشياء المرتبطة بنخبة ذلك المجتمع أو المتأصلة بين افراد ذلك المجتمع، ومن ذلك الموسيقى، الفنون الشعبية ، التقاليد المحببة، بحيث تصبح قيماً تتوارثها الأجيال ومثال ذلك الكرم عند العرب ، الدقة عند الأوروبيين ، أو رقصات أو مظاهر سلوكية أو مراسم تعبدية أو طرق في الزواج . فيما الحركة الثقافية تعبير ينصرف الى تغير في طريقة التفكير و الاعتقادات السائدة بخصوص مجموعة من القضايا الثقافية ذات العلاقة بمناحي و فروع معينة ، مما يترتب عليه تغير في طريقة مقاربة و معالجة العمل في هذه النواحي و الفنون و طرق التفكير بحيث تشكل مدرسة جديدة في الفكر أو الفن أو الأدب نطلق عليها اسم حركة ثقافية . غير أن التغيرات التي تصاحب حركة ثقافية ما قد تكون في الغالب نتيجة رد فعل و ثورة على التقاليد الثقافية التي سادت في مرحلة سابقة ، يمكن في العديد من الحالات أن تذوي الحركات الثقافية القديمة و تموت ، لكنها أحياناً تنتفض من جديد و تستعيد بريقها لتشكل حركة ثقافية مجددة غالباً ما تسمى (-الجديدة) . التربية..التعليم..التخصص..الاديان..الاييولوجيا جميعها تؤثر على الثقافة لكن اي منها لايعد هو الثقافة. معرفياً يعتبرها البعض حصيلة ما يتجمع في العقل من معارف وما يكمن في الوجدان من انطباعات وما يستقر في الضمير من عقائد وما يرسّب في النفس من عادات وتقاليد. ومن منطلق التكامل بين مفهومي الحضارة والثقافة قد يرى البعض أنه وان كانت الحضارة هي المظهر المادي للثقافة ، فإن الثقافة هي المظهر العقلي للحضارة. وذلك من منطلق ان الثقافة تترجم الحضارة المادية على اساس مذهب عام في السلوك يعكس القيم المختلفة في الحياة العقلية والوجدانية والمادية والأخلاقية جميعاً. ويرى انصار هذا البعد أن الثقافة مجموعة مكتسبة من الخصائص والصفات تحدد للإنسان نوعاً متميزاً من السلوك يقوم على مجموعة من القيم والمثل والمفهومات يؤثرها ويتمسك بها ويحرص عليها وهذه الخصائص والصفات تتوفر لديه على مر العصور والأجيال. شخصياً أرى أن الثقافة جاهزية الذاتي في مواجهة الطارىء الموضوعي وقد يتفق معي البعض ويختلف آخرون وهذا امر طبيعي وحيوي ذلك ان غير الطبيعي ان نجمد هذا المفهوم في علبة تفسير آني يتغير بعد وقت وجيز او طويل وكل مايفعله هو تأخير وصولنا الى دلالة افضل. عربياً لانستطيع الجزم بدلالة محددة لأن المصطلح اساساً ليس نتاجنا ولذلك علينا ان نتتبع هذا المفهوم في بيئته أولاً ثم نهضمه ونعيد انتاجه ان اردنا التوصل الى شكل دلالي مرضٍ وبالتأكيد نسبي.