قرابة ثلاثة ملايين حاج جاءوا من كل حدبٍ وصوب من كل أرجاء العالم لأداء فريضة الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام امتثالاً لقوله تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) سورة آل عمران – 97 ، جاءوا مكبرين ومهللين يعظمون الله وملبين نداء الحج الذي دعا إليه أبونا إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام بأمر ربه، فقد أمره بالأذان في الناس للحج إلى بيت الله المعظم بيت الله الحرام بمكة فقال له نبي الله إبراهيم وما يبلغ صوتي؟! فقال له المولى سبحانه عليك بالأذان وعلينا البلاغ .. فوصل نداء الحج إلى كل أصقاع الأرض في كل أرجاء المعمورة ولبت النداء الأجيال تلو الأجيال منذ ذلك الحين ليستمر بإذن الله حتى قيام الساعة قال تعالى (وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها واطعموا البائس الفقير) سورة الحج – 28 وقال تعالى (ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوّفوا بالبيت العتيق) سورة الحج – 29.. وهاهم اليوم المسلمون الوافدون من كل أرجاء الأرض يؤدون مناسك الحج التي حددتها تعاليم الإسلام عاماً بعد آخر منذ أكثر من 1400 عام على خطى الدين الحنيف دين خليل الله إبراهيم مرددين التلبية «لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك .. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» .. يؤدون جميعاً وعلى صعيد واحد وبأسلوب واحد مناسك الحج من الطواف والسعي والوقوف بعرفة ورمي الجمرات، موحدين الله ليعكسوا عظمة دين الإسلام، هذا الدين الذي توحدت به الأقوام والشعوب وأمم شتى، تلاشت في ظلاله فوارق الجنس واللون واللغة والفوارق الأخرى إخوة في الدين يدعون ربهم ويشكرونه ويسألونه من على صعيد واحد ومن بيت الله العتيق الذي عظمه الله بقوله (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين فيه مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً) آل عمران – 96 معانٍ ودلالات إن وحدة حجيج الإسلام في أداء مناسك الحج على مختلف مشاربهم وألوانهم وأقوامهم في وقت واحد وزمن واحد من كل عام في هذه الشهور المباركة يمثل بحق تظاهرة دينية فريدة ونادرة تميز الدين الإسلامي عن بقية الأديان والملل وتؤكد عالمية العقيدة الإسلامية السمحة، الدين الذي ارتضاه الله للناس وجعل منه نوراً للعالم يهتدي به البشر، فكان محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمة للعالمين قال تعالى (وما أرسلناك إلا كافة للعالمين مبشراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون) سورة سبأ – 28، وتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك وحدة المسلمين والتفافهم حول دينهم واعتصامهم بحبل الله جميعاً مهما سعى أعداء الإسلام إلى تمزيق وحدتهم وشق وحدة صفهم وخلق الفتن والنزعات الطائفية والمذهبية والصراعات المتعددة التي لا تلبث أن تتهاوى وتزول تأثيراتها ويلتم الشتات ولو بعد حين مادامت الأمة تدرك عظمة وحدتها وخطر انقسامها وفرقتها، وصدق المولى سبحانه حين قال (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران – 110، كما أن هذه الأجواء الروحانية المعطرة بالإيمان التي تنساب من حجيج بيت الله الحرام وضيوف الرحمن في البيت العتيق وفي رحلة أداء مناسك الحج في عرفة والمزدلفة وفي المدينةالمنورة تعكس الروح الإيمانية النقية وصفاء القلوب ونقاء السريرة التي تؤكد براءة المسلمين من الإرهاب - الذي يحاول البعض إلصاقه بالإسلام والمسلمين - براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، فتعاليم الإسلام واضحة وسلوكيات المسلمين معاشة في كثير من دول العالم بل غالبيتها، وتلك الحفنة من الضالين الذين ينسبون إلى المسلمين وليسوا منهم وليسوا من الإسلام في شيء ليسوا سوى صنيعة لأعداء الإسلام يحاول أعداء هذا الدين ضربه بهم في محاولة واضحة للنيل من الإسلام والمسلمين بغير حق في تآمر طويل الأمد بدأ مع بداية إشعاع نور الإسلام الحنيف في الشروق على العالم وتبديد ظلماته التي رزحت تحتها البشرية قروناً طويلة من عبودية وظلم وقهر واستقواء واستغلال. فهاهم ضيوف الرحمن يؤدون مناسكهم لإكمال فريضة الحج والقلوب تهفوا أن تزور بيت الله الحرام وتلبي نداء المولى سبحانه إلى حج البيت العتيق قائلة: (لبيك اللهم لبيك ... لبيك لا شريك لك لبيك... فليهنأ بالفضل حجاج البيت الحرام بطاعة المولى وأداء هذه الفريضة واكتساب الفضل والأجر والثواب العظيم، وجعلنا الله من حجاج هذا البيت وزواره لنيل هذه المكرمة.... وإن في ذلك لأية لأولي الألباب.