ازمة الانتقالي الشراكة مع الأعداء التاريخيين للجنوب العربي الأرض والإنسان    الانتقالي الجنوبي ثمرة نضالات طويلة وعنوان قضية شعب    فخامة الرئيس بن مبارك صاحب القدرة العنكبوتية على تحديد الضحية والالتفاف    تاجرين من كبار الفاسدين اليمنيين يسيطران على كهرباء عدن    كرة القدم تُلهم الجنون: اقتحامات نهائي دوري أبطال أوروبا تُظهر شغف المُشجعين    كشف هوية القاضي الذي أثار موجة غضب بعد إصداره أحكام الإعدام اليوم في صنعاء    تجدد مواجهة مصيرية بين سكان صنعاء و الحوثيين    ما خطورة قرارات مركزي عدن بإلغاء العملة القديمة على مناطق سيطرة الحوثيين؟.. باحث اقتصادي يجيب    "إنهم خطرون".. مسؤول أمريكي يكشف نقاط القوة لدى الحوثيين ومصير العمليات بالبحر الأحمر    "لماذا اليمن في شقاء وتخلف"...ضاحي خلفان يُطلق النار على الحوثيين    غدر به الحوثيون بعدما كاد أن ينهي حرب اليمن.. من هو ولي العهد الكويتي الجديد؟    عيدروس الزُبيدي يصدر قراراً بتعيينات جديدة في الانتقالي    يمني يتوج بجائزة أفضل معلق عربي لعام 2024    المرصد اليمني: أكثر من 150 مدنياً سقطوا ضحايا جراء الألغام منذ يناير الماضي    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    ضربة موجعة للحوثيين على حدود تعز والحديدة بفضل بسالة القوات المشتركة    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    مشهد رونالدو مع الأمير محمد بن سلمان يشعل منصات التواصل بالسعودية    تنديد حقوقي بأوامر الإعدام الحوثية بحق 44 مدنياً    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    سلم منه نسخة لمكتب ممثل الامم المتحدة لليمن في الاردن ومكتب العليمي    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    بوروسيا دورتموند الطموح في مواجهة نارية مع ريال مدريد    المنتخب الوطني يواصل تدريباته المكثفة بمعسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا للشباب    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    شاهد: مقتل 10 أشخاص في حادث تصادم مروع بالحديدة    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    براندت: لا احد يفتقد لجود بيلينغهام    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الامتحانات.. وبوابة العبور    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع لرؤيا مستقبلية لشباب الثورة!
نشر في الجمهورية يوم 15 - 03 - 2012

لقد آن أوان إطلاق عملية التنمية المستدامة في اليمن:
ضعف الادخار
و يعاني الاقتصاد اليمني ضعفاً شديداً في الادخار من قدر كبير من التبذير و الاهدار. فالادخار العام ظل سالبا على مدى السنوات الماضية. اما الادخار المحلي الاجمالي فقد ظل متدنيا. و لا شك ان ذلك قد جعل اليمن يعتمد على العالم الخارجي بشكل كبير من خلال القروض و المساعدات و تحويلات المغتربين. لا شك ان ذلك قد اضعف الثقة في الاقتصاد اليمني الى حد بعيد.
لقد كان في الامكان زيادة معدل الادخار المحلي العام و الخاص لولا تفشي ظاهرة التبذير. ففيما يخص تبذير الأسرة فان المؤشرات على ذلك كثيرة جدا. انظر فقط الى حفلات الزفاف او الموت او الى العزائم و الضيافات فسيلاحظ ذلك بشكل كبير. و فيما يخص عدم انضباط المؤسسات الاقتصادية فيتضح من العشوائية الكبيرة التي يتم بها التخطيط و التنفيذ للمشاريع العامة و الخاصة و لذلك فان الوقت الذي يستغرقه انجازها كبير جدا مقارنة بنفس المشاريع في الدول الاخرى.
و على الرغم من تدني نسب الادخار فان اليمن قد مارس الاكتناز مما اثر سلبا على عملية التنمية المستدامة. وربما يرجع ذلك الى ضعف الانضباط سواء على مستوى الفرد او الاسرة او الحكومة.
و ظاهرة التبذير منتشرة على مستوى الافراد و المؤسسات. و يتمثل ذلك في حفلات الزفاف و العزاء المكلفة. و كذلك التبذير على مستوى الاكل و الانشطة الاخرى. ففضلات الطعام و نفاياتها كبيرة و تمثل اهدارا كبيرا للموارد النادرة. و من ذلك المبالغة في بناء غرف المنازل و خصوصا من قبل المغتربين و التجار و الميسورين بما يتجاوز الاحتياج الفعلي. الا ترى انه ما من بيت في اليمن تقريبا الا و تخصص ربعها على الاقل لمجالس القات.
و في هذا الاطار فانه يمكن الاشارة الى ان المجتمع اليمني قد بدد ما حصل عليه من دخل كبير نتيجة لتحويلات المغتربين و خصوصا خلال الربع الاخير من القرن الماضي حيث تم انفاق هذه الموارد الكبيرة على انشطة استهلاكية من الاجهزة المنزلية او المنازعات الفردية.
و من يحلل الموازنات العامة خلال الفترة الماضية سيجد بوضوح ضعف الادخار و حجم التبذير. فالنفقات الجارية تمثل ما يزيد عن 90 % من النفقات العامة. و النفقات الاستثمارية والتي تمثل 10 % يتم تمويلها من خلال القروض و المساعدات. و مما يدل على حجم التبذير انه ما من سنة من السنوات الا و هناك اعتماد اضافي مما يعني ان ما يتضمنه من نفقات تعد نفقات غير أساسية و ما هي في حقيقة الامر الا تبذير واضح.
و في هذا الاطار فانه يمكن القول بان اليمن قد بددت موارد النفط على انشطة استهلاكية في الاساس و لم تنجح في ادخار الجزء الاكبر منها و توجيهها الى الاستثمار في المجالات الانتاجية.
و نفس الامر ينطبق على كل من المساعدات و القروض الخارجية و التي استخدمت لتمويل مشاريع او لشراء مستلزمات هي اقرب للاستهلاك منها للاستثمار.
و تنتشر في اليمن ظاهرة الاكتناز اما من خلال التوسع في اقتناء المجوهرات و الجنابي و اما من خلال الاحتفاظ بفائض النقود على شكل اوراق نقدية في الصناديق و البيوت.
و الاكثر استغرابا ان حتى ما يودع في البنوك التجارية من اموال فان هذه البنوك تحتفظ بنسبة كبيرة منها على شكل أوراق نقدية في محافظها او تستثمرها في اذون الخزانة. و لا شك ان ذلك يمثل اكتنازا و تبذيرا في آن واحد.
و على هذا الاساس فانه يمكن القول بان ضعف الادخار و توسع مستوى التبذير و توسع ظاهرة الاكتناز قد اعاق عملية التنمية المستدامة. و من ثم فان معالجة هذه الظاهرة يعد شرطا ضروريا لأي انطلاقة جديدة لها.
تدني مستوى الاستثمار
فعلى الرغم من تخلف اليمن في كل المجالات الامر الذي كان يستدعي زيادة معدلات الاستثمار بشكل كبير فان معدلاته الفعلية خلال الفترة الماضية متدنية جدا. و من الممكن القول بان ذلك لا يعود الى عدم توفر التمويل بل انه يرجع الى عوامل اخرى مرتبطة بعملية ادراة الاقتصاد اليمني. فالتمويل المتوفر و الذي يمكن توفيره اكثر بكثير مما يتم استيعابه في الوقت الحاضر.
و الدليل على ذلك حجم السيولة الكبير لدى البنوك المحلية و كذلك حجم الاكتناز والتبذير في الاقتصاد اليمني. هذا من ناحية و من ناحية اخرى فان حجم المساعدات و القروض الخارجية المتاح لليمن اكبر بكثير مما يتم استيعابه.
و قد يكون في مقدمة الاسباب ارتفاع معدل المخاطر السياسية و الاقتصادية والاجتماعية. لقد اثرت هذه المخاطر فعلا على مستوى الطموح في المجتمع اليمني.
و لعل من اهم هذه الاسباب فشل الحكومات المتعاقبة في استغلال الثورة النفطية والغازية بشكل مقبول. فالاتفاقية التي عقدت مع شركة هنت في بداية الثمانينيات لاستكشاف واستغلال النفط في حوض مأرب-الجوف كانت مجحفة بحق اليمن. و الدليل على ذلك ان شركة هنت قد تنازلت عنها لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها وفقا لهذه الاتفاقية الى شركة نكسن و قد احتفظت شركة هنت بما لا يقل عن 20 % من عائدات الاستغلال بدون أي مقابل. و لا شك انه قد كان بإمكان الحكومة اليمنية ان تتفاوض مع شركة نكسن مباشرة و تحتفظ بهذه النسبة التي ذهبت الى كشركة هنت.
لم يتوقف الامر عند هذا الحد فان الاجحاف بحق اليمن فيما يتعلق باستغلال الموارد النفطية قد استمر الى الوقت الحاضر. اذ ان عشر شراكات نفطية صغيرة قد احتكرت كل عطاء اليمن و شكلت ما يمكن ان يطلق عليه كارتل اليمن مجموعة احتكار النفط اليمني. و وفقا لذلك فانها تتقدم بعطاء متشابهة و هي متفقة على ان تتشارك أي عطاء تفوز به احدها. و من ثم فان هذه العطاءات تكون شكلية و مجحفة بحق اليمن.
هذا من ناحية و من ناحية اخرى فان هذه المجموعة من الشركات قد تقاسمت عملية تشغيل الحقول بطريقة تضر بالمصالح اليمنية. فقد كان من المفترض ان تتولى هذه العملية شركة واحد او شركتين فقط. ففي هذه الحالة فانها ستوفر جزءاً كبيرا من نفط الكلفة و الذي وصل في اليمن الى مستويات قياسية و بدون مبرر اقتصادي الا تعدد هذه الشركات و عبثها في هذا المجال لعدم وجود قواعد واضحة في الاتفاقيات و لا رقابة فعالة على تطبيقها.
و من الغريب ان اليمن لم تستفد من تجاربها هذه مما ترتب عليه ارتكاب نفس الاخطاء فيما يخص استغلال الغاز في حقل مأرب-الجوف. فقد حصلت شركة توتال الفرنسية على حق تسويق هذا المشروع و ان يكون لها اعلى نسبة في اسهم مقابل 12000 الف دولار مثلت رسوم تسجيل شركة وهمية لهذا الغرض في جزيرة برمودا.
و انطلاقا من ذلك قامت هذه الشركة في ادارة هذا المشروع بما لا يتوافق مع المصالح اليمنية. فالأول تم اعتبار كامل راس المال كقروض يتم دفعها مع فوائدها من عائدات المشروع حتى تلك المبالغ التي دفعتها الشركة على اعتبار انها تمثل نصيبها من راس مال المشروع. و لذلك فقد حصلت شركة توتال و حلفائها على ما يقارب من 79 % من عائدات المشروع مقابل لا شيء سواء 12000 دولار. و مما يدل على الاجحاف في حق اليمن انه قد تم توزيع ما يقرب من 39 % من مساهمة المشروع على شركات مثل هنت و نكسن و غيرها بدون مقابل. ان ذلك يدل و بشكل قاطع ان اليمن كان يمكن ان يحصل على الاقل على 60 % من مساهمة المشروع مقابل ما يمتلكه من غاز و معدات في هذا الحقل لو تفاوض بشكل فعال مع شركة توتال او أي شركة اخرى.
هذا من ناحية و من ناحية اخرى فان تصميم المشروع لم يكن في صالح اليمن. فقد تم تضخم حجمه بدون ضرورة و تم بيع كامل انتاج المشروع بالسعر الثابت و في نفس الوقت تم شراء اربع ناقلات غاز. و قد كان من المفترض من وجهة مصلحة اليمن ان يتم البدء فقط بمحطة واحد على ان يتم التوسع فيما بعد بشروط افضل لليمن. و قد من المفترض ايضا ان لا يتم الجمع بين بيع الغاز مقدما و شراء اسطول لنقله. فإما ان يتم بيعه مقدما و بالتالي ضمان تسويقه وتحميل المشتري عملية النقل او ان يتم شراء اسطول النقل و بالتالي بيعه بالسرع الحال.
لم يتم النجاح لا في بناء مصافي النفط حتى للاستهلال المحلي ناهيك عن التصدير. و على هذا الاساس فان اليمن فشل في الاستفادة من النفط فيما يتعلق في استغلالها و زيادة قيمته المضافة.
و نفس الامر ينطبق على كل من المناطق الحرة و المناطق السياسية او أي مشاريع للبنية التحتية. و في هذا المجال فان اليمن فشل على مدى عقود من الزمن ان يحل مشكل النقص الحاد في الكهرباء. فالمحطات الموجودة صغيرة و قديمة و تستهلك الديزل. و قد كان بالإمكان ان يتم انشاء محطات كبيرة تستخدم الغاز الذي كان يحرق و يذهب جفاء. و في هذه الحالة كان يمكن ان توفر اليمن ما تحرقه من ديزل و تصدره و تستغل ما تحرقه من غاز.
و لعل من اهم الاسباب على تدني مستوى الاستثمار هو عدم كفاية البنية التحتية الصلبة. فاليمن لا زال يعاني من نقص حاد في الطاقة الكهربائية و قصور كبير في مجال الطرق و تدن كبير في التكنولوجيا الحديثة و البحث العلمي. فالاقتصاد الزراعي لا زال يمثل اهم القطاعات تشغيلا للعمالة و اكبرها مساهمة في الناتج القومي المحلي.
و لعل من اسباب تدني مستوى الاستثمار هو ضعف القطاع الخاص و هيمنة القطاع العام. فالقطاع العام يساهم بأكبر نسبة من الناتج المحلي الاجمالي للعدد الأكبر من المؤسسات التجارية في البلاد. و مع ذلك فانه لا زال يعاني من عدد كبير من المشاكل ويواجه الكثير من العقبات. اما القطاع الخاص في اليمن من مكونين: القطاع الخاص المنظم و القطاع الخاص غير المنظم. فالقطاع الخاص المنظم هو إجمالي عدد المؤسسات الخاصة التي لها عنوان و مسجلة لدى الدوائر الرسمية و معروف نشاطها على وجه التحديد. أما القطاع الخاص غير المنظم فهو إجمالي عدد المؤسسات الخاصة التي ليس لديها عنوان صحيح و غير مسجلة لدى الدوائر الرسمية أو مسجلة ولكن لا يعرف نشاطها على وجه التحديد. فكثير من أصحاب المؤسسات الخاصة لا يعطون معلومات كافية عن اماكن تواجد مؤسساتهم أو عن أنشطتهم بهدف التهرب من الضرائب أو لممارستها التهريب أو لعدم ادراك أهمية إعطاء المعلومات الصحيحة.
و من الادلة على ضعف القطاع الخاص هو غياب التصنيع التحويل و ذلك نتيجة لضعف قدرات القطاع الخاص. فمساهمة القطاع الخاص في اليمن في الوقت الحاضر في الانشطة الاقتصادية قاصر فقط على الانشطة قصيرة الاجل و منخفضة القيمة المضافة. فمعظم انشطته تتركز على الانشطة التجارية. فأما القطاع الصناعي فمحدود جدا. فالقطاع الصناعي في اليمن وما في ذلك المؤسسات التابعة للقطاع العام يضم حاليا 26 مؤسسة صناعية عامة و معظم هذه المؤسسات تعاني من مشاكل متعددة و لذلك تعمل الحكومة الآن على خصخصة معظمها.
و نتيجة لذلك فان الاقتصاد اليمني يعتمد على قطاع النفط. فعلى الرغم من انه يمثل مورد سريع النضوب فانه يساهم بحوالي 30 % من الناتج المحلي، و تمثل الصادرات النفطية حوالي 95 % من إجمالي الصادرات. وتمثل عائدات النفط المصدر الأول للعملة الصعبة. و تمثل حوالي 74 % من الإيرادات الحكومية.
الدليل على ذلك كبر حجم قطاع الخدمات. ان هذا القطاع يمثل رديفا للقطاع النفطي و بالتالي فان نضوب النفط سيؤثر سلبا عليه و على الاقتصاد الوطني. و يأتي في المرتبة الثانية قطاع التجارة والمطاعم والفنادق حيث يشغل حوالي 12 %. أما قطاع الخدمات الحكومية فيشغل ما نسبة 11.4 % و يشغل قطاع الخدمات الاجتماعية ما نسبة 7 % وقطاع التشييد والبناء يشغل ما نسبة 6.6 % و يأتي في المرتبة الأخيرة قطاع الصناعة التحويلية الذي يشغل نسبة 3.7 % فقط. و لا زال القطاع العام و المختلط يساهم بنسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي.
فعلى الرغم من هذه الموارد الطبيعية و البشرية فان اليمن لم يحقق ما كان يمكن تحقيقه خلال الفترات الماضية نتيجة لتدني معدلات الاستثمار. فقد ظل لاقتصاد اليمني يعاني من عجز في الإنتاج و من عدم عدالة في التوزيع. فعجز الإنتاج يتضح من البطالة المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني و من حجم الموارد الطبيعية الكبيرة غير المستغلة. و كذلك من خلال تدني إنتاجية كل من الموارد الطبيعية و الموارد البشرية التي يدل عليه كل من تدني مستويات التعليم و انخفاض العائد عليه و تدني الأجور و العائد على رأس المال.
الابعاد السياسية
من المؤكد ان اليمن فشل في استغلال التغييرات السياسية التي حدثت في النصف الثاني من القرن العشرين في التأسيس لبناء نظام سياسي مستقر و قابل للاستمرار. فمشروع الدولة اليمنية ظل غائبا عن النخب السياسية لصالح الاستحواذ بكل من السلطة و الثروة من قبل قلة قليلة من النخب السياسية.
و من المؤكد ان اطلاق عملية التنمية المستدامة لا يمكن ان يتحقق على ارض الواقع الا اذا كان هناك مؤسسات لدولة حديثة و مستقرة. فالى جانب ضرورة كون مؤسسات الدولة الداعمة للتنمية المستدامة حديثة فانها لا بد و ان تنسجم مع المكونات التاريخية و الجغرافية لليمن.
فمن المؤكد ان النظام السياسي اليمني عبر التاريخ قد تأثر بخصائصه الجغرافية والسكانية والاقتصادية. فعلى سبيل المثال فانه قد كان للتنوع الجغرافي في اليمن تأثير واضح على نظامه السياسي. فجغرافية اليمن تتميز بالتفاوت الكبير في التضاريس والمناخ وبالتالي في الموارد الطبيعية. فبعض مناطق اليمن شديدة الوعورة والبعض الآخر أراضٍ منبسطة. وتتمتع بعض المناطق بمناخ معتدل والبعض الآخر بارتفاع كبير في درجات الحرارة. ويتفاوت معدل هطول الأمطار من منطقة الى أخرى. وتبعاً لذلك فان بعض مناطق اليمن تملك أراضي صالحة للزراعة ومعدلاً مقبولاً من الأمطار في حين تعاني الاخرى من التصحر الشديد. ونتيجة لذلك فان الكثافة السكانية تختلف من منطقة الى أخرى.
و كذلك فقد كان للنشاط الاقتصادي المعتمد على التجارة الدولية تأثير كبير على النظام السياسي في اليمن. في الماضي كانت التجارة هي المصدر الرئيسي للثروة. ولذلك فقد قامت العديد من التجمعات السكانية على طول طريق البخور الذي امتد من المهرة مروراً بحضرموت ثم شبوة فمأرب فالجوف. وقامت كذلك تجمعات سكانية على بعض طرق التجارة في الجنوب الغربي من اليمن أي في عدن وتعز.
وعندما انهارت تجارة البخور حلت الزراعة كمصدر رئيسي للثروة. ولذلك فقد قامت تجمعات سكانية صغيرة ومتناثرة على طول السلاسل الجبلية الغربية والتي تمتد من صعدة حتى باب المندب وعلى بعض القيعان والأودية المتناثرة على المرتفعات الوسطى.
وكذلك فقد اثر موقع اليمن «الجيوسياسية» على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي على الأوضاع السياسية فيه. فإلى جانب تأثير ذلك على ما تتمتع به اليمن من ميزات تجارية واضحة فانه قد اثر على الجوانب الاجتماعية. وقد ترتب على ذلك قدر كبير من انفتاح على السواحل. ولا شك ان هذا الانفتاح قد تعارض مع الانغلاق الكبير الذي ساد في المناطق الزراعية - أي في المرتفعات الغربية والوسطى.
ونتيجة لذلك فقد كانت هناك خاصيتان أساسيتان للثقافة اليمنية، هما: الاعتزاز الكبير بالهوية الوطنية اليمنية وفي نفس الوقت الاعتزاز الكبير بالهوية المحلية القائمة على أساس الانتماء القبلي أو المناطقي. وكما هو معروف فان ذلك قد أدى الى تصارع الهويتين على مر الزمان، الأمر الذي انعكس على طبيعة النظام السياسي اليمني.
فقد ترتب على هذا التصارع قيام أنظمة سياسية مختلفة تعكس هاتين الميزتين الثقافيتين. ان ذلك هو ما يفسر حدوث عدم الاستقرار في بعض مراحل تاريخية مختلفة في اليمن وكذلك وقوعه تحت الاحتلال الأجنبي. ويتمثل ذلك في قيام دويلات صغيرة في «اليمن الكبرى، قبل الإسلام مثل (قتبان، اوسان، حضرموت، سمعى، اربع، جبا، تفيد، مراثد، رعن). وكذلك فانه قد شهد ثلاث دول كبيرة هي «معين وقتبان وسبأ» وخضع للاحتلال الأثيوبي والفارسي.
تمثل دولة معين اكبر دولة في تاريخ اليمن. من الملاحظ ان لفظة معين التي عرفت فيه هذه الدولة لا ترمز الى اسم الأسرة الحاكمة وإنما ترمز الى رخائها او الى اسم عاصمتها. وقد امتد نفوذ هذه الدولة ليشمل اليمن بكامله وشمل ايضا مناطق خارج اليمن والتي امتدت الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط وإيران وأعالي الحجاز. بل ان البعض يرى ان نفوذ هذه الدولة قد امتد الى كل من فلسطين ومصر وبعض الجزر اليونانية (دبلوس). وقد مثلت هذه الدولة المركز الرئيسي للثقافة العربية قبل الإسلام.
وعلى الرغم من كون الحكم فيها كان ملكياً وراثياً إلا انه لم يكن شديد المركزية وكان استشارياً . فالملك يستشير أقاربه ورجال الدين وشيوخ القبائل ورؤساء المدن. وقد كان لكل منطقة او مدينة من يمثلها في الحكومة المركزية. وكان كذلك للملك من يمثله في المقاطعة او المدينة. ولذلك فالملك لم يكن مطلق التصرف.
وقد كان التقسيم الإداري لهذه الدولة يقوم على أساس المحافد والذي يتولى الحكم فيه كبير باسم الملك الذي تفرغ للمسائل العليا. وكان يتم اختيار ما أطلق عليه بالكبراء من قبل عامة الناس. وقد كان لهم دور يجتمعون فيها لمقابلة الناس والبت في الأمور الهامة والفصل في الخصومات.
أما الدولة القتبانية فقد قامت على أجزاء كبيرة من اليمن. وامتدت هذه الدولة من الجنوب الغربي من اليمن (باب المندب)، الى عدن في الجنوب والى بيحان في الشرق. وقد كان نظام الحكم فيها ملكياً وراثياً يميل الى المركزية. اذ انه كان يقوم على التمييز وبشكل واضح بين سكان الريف وسكان المدينة. وعلى الرغم من وجود مجالس حكم محلية في كل من القرى والمدن إلاَّ ان وظائف هذه المجالس كان استشارياً في الغالب. ولذلك فان السلطة الحقيقية كانت في يد الملك. ومن الواضح ان هذه الدولة قامت في إطار التنافس على الثروة. والدليل على ذلك ان معظم النقوش التي تحمل شعار هذه الدولة قد حملت نصوص تتعلق بالضرائب وقوانين التجارة.
أما الدولة السبئية فلم تقم على أساس التراضي وإنما على أساس القوة والحروب، التي لم تقتصر على تلك التي قامت بين الدول التي كانت قائمة آنذاك وإنما امتدت لتشمل الحروب بين العوائل المالكة نفسها وبينها وبين المناطق الخاضعة لها.
فمن المعروف أن مؤسس الدولة السبأية هو الملك عبد شمس الملقب ب«سبأ» لأنه أول من مارس السبي في الأرض اليمنية. ولا شك ان ذلك يدل على تعطش هذا الملك للسلطة والتوسع حتى لو ترتب على ذلك تحويل بعض اليمنيين الى عبيد.
ومما يؤيد ذلك كثرة الحروب التي خاضها هذا الملك مع كل من بقايا الدولة المعينية او الدولة القتبانية وكذلك مع العديد من مشايخ وأمراء المناطق اليمنية.. وقد ورَّث هذا الأسلوب من التعامل مع اليمنيين لأبنائه.
فالانتصارات التي سجلها نقش النصر الشهير- والذي عثر عليه في معبد صرواح- هي في الحقيقة تسجيل لانتصاراته على اليمنيين وليس على الأعداء الآخرين وذلك بهدف السيطرة والتوسع وليس بهدف حماية الدولة ولا الدفاع عنها.
ومما يشير الى أسلوبه في الحكم غير الديمقراطي ادعاؤه -كما ورد في النقش المذكور -انه قد أصبح ملكاً على اليمن بأمر من الآلهة وليس بسبب اختيار الشعب له. ولذلك فقد جمع بين السلطة السياسية والسلطة الدينية. ونتيجة لذلك لم يتورع عن اعتبار المناطق اليمنية التي استولى عليها إقطاعيات خاصة مملوكة له.
وكما يشير النقش المذكور فقد شغل هذا الملك في إقامة التحصينات العديدة حول المدن والمناطق اليمنية التي استولى عليها. فقد احتوى النقش المذكور على عدد الممالك التي سقطت في قبضته وعدد الملوك الذين حولهم الى عبيد. فقد تضمن النقش المذكور أسماء المناطق التي غزاها ومن ضمنها المعافر (الحجرية) واوسان ويافع ودثينة وحضرموت والجوف وهرم ونجران وغيرها.
ان ذلك يدل بدون شك على ان نظام الحكم السبئي -و وريثه الحميري- كان حكماً مركزياً استبدادياً كهنوتيا. ومما يؤكد ذلك آثار بذخ هذه الدولة والتي ما زالت باقية الى يومنا هذا وخصوصاً فيما يتعلق بالمعبد والقصور الملكية في كل من صرواح ومأرب والقلاع السبيئة والحميرية المنتشرة في معظم مناطق اليمن.
والأكثر أهمية هو انه وسع أملاك قبيلة فيشان والتي كان ينتمي إليها. وقام بتعلية قصره سلحين في مأرب. لم يتورع في الحديث عن الأراضي الكبيرة التي انتزعها من ملاكها وإضافتها الى ممتلكاته الخاصة او ممتلكات قبيلته.
وعلى الرغم من رفع هذه الدولة لشعار توحيد السبئيين حتى يكونوا يداً واحدة فان ما تحقق في الواقع كان هو تفرق أيدي سبأ والذي عكسه المثل المشهور الذي ما زال يردد حتى الوقت الحاضر. فقد قاوم العديد من اليمنيين هذه القبضة الشديدة الامر الذي أدى الى قيام تحالفات واسعة بين الحكم المركزي وبين الاقطاعيين في مختلف المناطق اليمنية. لكن ذلك ما لبث ان عمل على تقوية سطوة الاقطاعيين الامر الذي أضعفهم واضعف السلطة المركزية في نفس الوقت. فتحت ضغوط هؤلاء فما لبثت الدولة المركزية إن تقدم التنازلات تلو التنازلات. ومما يدل على ذلك التغيير المستمر لاسم المملكة من مملكة سبا الى ملوك سبأ وذي ريدان الذي أشار الى تقسيم اليمن الى مملكتين الأولى والتي احتفظت باسم مملكة سبأ وكانت خاضعة لأحفاد كهلان بن سبأ من غير حمير. أما الثانية فقد سمَّت نفسها «ذي ريدان» وكانت خاضعة لأحفاد حمير بن كهلان بن سبأ.
وقد عمل ذلك على استمرار الصراع بين الجانبين وبدون انقطاع. ولقد ترتب على ذلك انقسام اليمن الى العديد من مناطق النفوذ مما حولها الى ما يشبه الحكم الفيدرالي. والدليل على ذلك هو تطور لقب المملكة الى لقب «ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت» ما حولها من الأعراب. لم يتوقف الامر عند هذا الحد بل عملت الصراعات بين ملوك هذه المناطق على تشرذم البلاد اليمنية الى مشيخات وإمارات صغيرة غير قابلة للبقاء والاستمرار.
ونتيجة لذلك فقد استنجدت هذه المناطق بالحبشة التي لبت الطلب واحتلت اليمن. لكن المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الحميريين لم تقبل بالاحتلال الحبشي واستمرت هي الأخرى بالمقاومة وبالتالي فإنها سعت للحصول على عون الفرس الذين لبوا ذلك فأخرجوا الحبشة من اليمن ولكنهم حلوا محلها كمحتلين.
وهكذا نلاحظ ان أسلوب حكم المعين كان هو الأفضل لليمن لأنه مكنها من الاستقرار الداخلي والنفوذ الخارجي. ولذلك فقد يكون من المناسب اتخاذ ذلك أساساً لتطوير النظام الحالي وبما يتلاءم مع التطورات الجديدة وروح العصر.
ففيما يخص التطورات الجديدة فان كلا من التجارة والزراعة لم تعد هي المصدر الأساسي للثروة. في اليمن. صحيح أن مصدرها في الوقت الحاضر هو النفط، لكن المؤشرات المتوافرة حالياً تدل على محدوديته وبالتالي لا يمكن التعويل عليه كمصدر للثروة في المستقبل.. للأسف الشديد فانه لم يتم التعلم من الماضي و لم يتم الاخذ بين الاعتبار بالتطورات الحديثة مما ترتب عليه الفشل الذريع في بناء دولة مستقرة في اليمن.
صحيح ان اليمن قد شهد تغيرا في الحكم في ستينيات القرن الماضي لكن الصحيح ايضا ان هذا التغيير كان شكليا بل يمكن القول بانه كان سلبيا من عدة جوانب. ففي الشمال كان نظام الحكم الذي حل محل نظام الامامة كان نظاما شموليا غير فعال. و على هذا الاساس فانه اسوأ من نظام الامامة الذي كان شموليا و لكنه كان يقوم بالحد الادنى من وظائف الدولة و المتمثل في الحفاظ على الامن و الاستقرار. اما النظام الجديد فلم يوسع المشاركة و في نفس الوقت فقد تخلى حتى عن وظيفة الحفاظ على الامن و الاستقرار. و الدليل على ذلك الانقلابات و الحروب الخاصة و العامة.
و بعد قيام ثورة السادس و العشرين من سبتمبر في الشطر الشمالي فانه لم يتم التركيز على بناء كل من مؤسسات الدولة الحديثة. و ربما يرجع ذلك للانشغال في ذلك الوقت بالحرب الاهلية و ما ترتب عليها من اهدار للموارد فانه لم يتم الاهتمام بتنظيم كل من مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الدولة. . و نفس الامر ينطبق على نظام الحكم في المحافظات الجنوبية بعد الاستقلال. فقبل الاستقلال كان هناك مستوى عال من الحريات و التنوع. اما بعد الاستقلال فقد تم اخضاع البلاد الى حكم شمولي مستبد. صحيح انه كان هناك امن و استقرار ظاهري و لكن في الواقع كان هناك خوف من الطغمة الحاكمة. و الدليل على ذلك كثرة الاعتقالات و المحاكمات غير القانونية و الاعدامات. هذا من ناحية و من ناحية اخرى فان الصراعات بين الأجنحة المتصارعة و التي ترتب عليها ازهاق الارواح و الممتلكات العامة و الخاصة.
و قد استمرت الامور على ما كانت عليه بعد قيام الوحدة في عام 1990. فقد تقاسم الحزبان الحاكمان في الشمال و الجنوب السلطة و الثروة و تم اقصاء الاخرين. و لكن هذا التحالف الهش ما لبث ان تلاشى و تسبب في حرب اهلية قصيرة في عام 1994.
و بعد اقصاء الحزب الاشتراكي انفرد حزب المؤتمر الشعبي العام بالحكم في البلاد. و قد ساعده على ذلك تحالفه الغامض مع التجمع اليمني للإصلاح. و حتى بعد اعلان الطرفين انفصالهما ظلت العلاقة بينهما في السر مما يمكن اعتبارها علاقة غير شرعية.
و هكذا يمكن القول ان هذه التطورات السياسية لم تكن مناسبة و لا مشجعة لانطلاق أي عملية تنمية مستدامة. انه كان هناك قصور واضح في قدرة الدولة على إدارة شئون البلاد وفقا لاختصاصاتها المحددة في الدستور لأنه لا يوجد اي هيكلية تنظيمية فعالة. و نتيجة لذلك فقدت اي قدرة لها على التنسيق فيما بينها و فيما بينها و بقية مكونات المجتمع. و قد تسبب ذلك في غياب كامل لكل من الشفافية و المسئولة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.