من المسلم به أن كل فرد لا يتفق مع أي فرد آخر تمام الاتفاق حول القيام بفعل أو الامتناع عن فعل، ومن المسلم به أيضا أن أي فرد لا يختلف مع أي فرد تمام الاختلاف، لهذا قيل أن الأمور نسبية، فليس هناك من يملك كل شيء وليس هناك من لا يملك شيئا، حتى في درجة الظلم والعدل فليس هناك ظالم كامل الظلم وليس هناك عادل كامل العدل، ليس هناك من يملك الحقيقة كاملة وليس هناك من لا يملك من الحقيقة شيئا، هذا يعني أن الاختلاف في كل شيء جائز بل ولا بد منه والاتفاق على كل شيء غير جائز ولا بد منه. ومن هنا ظهر مبدأ الحوار والشورى والتشاور، والقبول بالدخول تحت هذه المصطلحات لا يعني أن أي طرف مستعد أن يقبل برأي الآخر تماما، فالذي يقبل بالحوار عليه أن يأخذ في حسبانه من أول وهلة أنه غير معني بإقناع المتحاور معه إلى درجة أن يقنعه فكره حتى يقبل به ويلغي الأفكار التي جاء بها. موضوع الأفكار شأنه شأن اختلاف بصمات الأنامل، فكل أنملة تختلف بصمتها عن بصمة جارتها في اليد الواحدة وكل إبهام تختلف بصمتها عن إبهام الشخص الآخر وعلى ذلك يتم قياس الاختلاف على مستوى الفرد والجماعات والدول. إذاً ليس هناك اتفاق كامل بين المتحاورين وإلا لما وصل الأمر إلى الحوار، كمْ نشاهد في الاجتماعات من نقاش حاد أو غير حاد؟ وكل مناقش يريد أن يفرض رأيه على الآخرين أو يقنعهم به فيما الآخرون يعتبرون نقاشه غير ذي جدوى وإنما يسمحون له بطرح أفكاره لغرض السماح ذاته لا للقبول بما يريده المناقش، فهم غير مستعدين أن يقبلوا به من الأساس، ولهذا يكثر الجدل في الاجتماعات، دون الوصول إلى إجماع على أي فكرة، وحتى عندما يقتنع المستمع برأي من الآراء التي طرحت في الاجتماع لقوة حجته فإن زمن الاقتناع لا يتعدى الفترة بين زمن هذا الطرح وزمن الطرح الذي سيأتي من مجادل آخر أكثر حجة، فكل يبطل ما طرحه سابقه وإن اظهر أنه يتفق معه قولاً المهم اعتقد أن التسمية التي وصفت الجدل بالبيزنطي هي ناتجة عن درجة الاختلاف بين الرؤى والأفكار. لدينا في حزب الحق حدث جدل مشابه وكل يريد أن يقنع الآخرين بصحة فكرته وبطلان فكرتهم، فهذا يرى في فكر الآخر ما يتناقض مع فكره ويريده أن يلغي فكره الأصيل ليعمل بفكره الدخيل، وحين جاء دور المفسرين التقليديين من داخل الحزب وخارجه قالوا مؤامرة على الحزب، ونسوا أن الموضوع لا يتعدى اختلاف الرؤى والأفكار. إذاً المشكلة تكمن في تفسير المفسرين لا في فكر المختلفين ومن هنا ندرك أنه لا بد من قبول الآخر والتعايش معه تحت مبدأ وسطي نسبي لا يلغي الآخر ولا يعطي لنفسه كل الحق خاصة ونحن في إطار حزب سياسي في إطار ديني أهم مميزات منهجه هي ميزة القبول بالاجتهاد، والاجتهاد في حقيقته لا يعني سوى إبطال أفكار ورؤى الآخرين، فليس هناك ثبات لأي فكرة في المذهب الزيدي كما في المذهب السني، فما هو اليوم مبدأ شرعي قد يكون غداً مبدأ غير شرعي، فالإمام يحيى حميد الدين على سبيل المثال اجتهد ووصل به اجتهاده في المعاملات إلى نتائج مخالفة لمن سبقه في عدة مواضع، منها الهبة، والوقف، والنذر، والوصايا للورثة، والكفاءة في النسب، وشهادة المدعي بعد طلبه اليمين، وإبطال الشفعة، وشهادة المثل، إلى غير ذلك فاجتهاده شرط مهم حتى تم القبول به إماما، فالزيدي الذي لا يجتهد في مسائل قديمة ويغيرها لا يصلح أن يكون إماماً أو قائدا أو رئيسا بمصطلح العصر. إذا فالاختلاف القائم بين مكونات حزب الحق هو اختلاف لا بد منه حتى يتم القبول بالمختلف معه، لأن الإمعة الذي ليس له رأي ولا فكر لا يصلح أن يكون في إطار حزب الحق. ومن هنا ينبع الرد على المفسرين لاختلاف الرؤى بالمؤامرة، أو الثورة الشبابية، فإطلاق صفة المؤامرة على ما يحدث من رؤى قيادات حزب الحق ليست سوى تهم باطلة يراد بها تدويخ المتابع غير المدرك لماهية المذهب الزيدي. أما من اعتبروها ثورة فلم يأتوا بجديد لأن مبادئ حزب الحق مبادئ ثورية من أساسها، أنا شخصيا مؤيد للمختلفين والمختلف معهم فلا بد من الاختلاف ولا بد من التوافق والقبول باجتهاد المجتهدين. فمزيد من الاختلاف لتصحيح مسار الحزب وإحياء فكره الثوري بعد أن كان منهجه مجمداً بفعل احتكاك قياداته بقيادات أحزاب تقليدية ملزمة بالطاعة العمياء، أثرت مع الأيام على منهجه الثوري. 23/3/2012