يُجمع علماء التربية قديما ً و حديثا ً أن المعلم هو أساس العملية التعليمية و على نجاحه يعتمد نجاحها , كما أنه العمود الفقري و حجر الزاوية للنظام التعليمي برمته . كما يؤكد المهتمون بالتعليم أن المعلم إذا ما أ ُعد إعدادا ً جيداً فإن كافة مكونات النظام التعليمي الأخرى ( المناهج , الطالب , المبنى , الإدارة , ....الخ ) ستعمل بكفاءة عالية و سيكون هناك نظام تعليمي جيد . والسؤال المهم هنا : لماذا المعلم اليمني معلم مدى الحياة؟ ولماذا بعض المعلمين «خارج نطاق التغطية»؟ . و للإجابة عن هذا السؤال لابد من التعرف على واقع النظام التعليمي في اليمن حاليا ً , فاليمن كغيرها من الدول المتخلفة تعاني من التخلف في كافة مجالات الحياة و منها التعليم , ويعود التخلف في التعليم اليمني إلى أسباب كثيرة سياسية , واقتصادية , واجتماعية الخ , فتلك الاسباب مجتمعة جعلت التعليم لدينا متخلفا ً لأن التعليم محوره الإنسان , و الإنسان مُكوّن اجتماعي أي أن التعليم يتأثر بكل ما يوجد في المجتمع من سلبيات سواء كانت سياسية أم اقتصادية أم ثقافية . ففي الدول المتقدمة والتي يكون النظام السياسي فيها ديمقراطيا ً حقيقيا ً يرتكز على الحرية و العدالة و المساواة في إدارة شئون البلاد , نجد تعليما ً متطورا ً , و بالتالي نجد تعليما ً حرا ً , ومعلما ً حرا ً , وطالبا ً حرا ً , ومنهجاً دراسياً مرناً ودائم التطور , و مدير مدرسة منتخبا ً , .... الخ . تعليما ً حُرا ً : أي أنه يُقدم برامج دراسية متنوعة ومتطورة ومناسبة لكل ما يحتاجه المجتمع وما يميل اليه الطلاب وما تحتاجه المؤسسات التعليمية . ومعلم حُر : أي أنه يلتحق بكليات إعداد المعلمين طبقا ً لرغباته و ميوله و حبه لمهنة التدريس , عكس ما يحصل عندنا في اليمن , المعلم يلتحق بكليات التربية طبقا ً لمجموعه في الثانوية العامة فقط و هذا يعني تخريج كثير من المعلمين وتوظيفهم في مهنة التعليم دون وجود رغبة حقيقية لديهم في مزاولة مهنة التدريس , وهذا يُفسر ذلك الفشل الذريع لكثير من المعلمين ومحاولتهم الهروب من مهنة التدريس إلى مجالات الإدارة والإشراف و التوجيه التربوي بعد تخرجهم بفترة وجيزة. فكلما كان المعلم مُحبا ً لمهنته عظم لديه اعتزازه بها و ظهر ذلك الإعتزاز بإهتمامه بمظهره و التزامه بالمبادىء و الأخلاق الكريمة. و طالب حُر أي أن الطالب سواء في التعليم الثانوي أو الجامعي أصبح لديه حُرية الاختيار فيتخصص بالأقسام التي تتناسب مع ميوله و رغباته دون تدخل أحد . وهذا عكس ما يحصل عندنا , فالطالب يلتحق بالتعليم الثانوي أو الجامعي طبقا ً لرغبات والديه أو أصدقائه أو طبقا ً لما تقرره الدولة من مجموع الثانوية العامة أو عدد الطلاب في كل كلية أو أي قسم . فالطالب في الدول المتقدمة الديمقراطية يلتحق بالتخصص الذي يرغب فيه و يُحِس أنه سيبدع فيه وسيصبح من المبدعين والمبتكرين , أما عندنا فالطالب يلتحق بتخصصات يرغب فيها آخرون و بالتالي لا إبداع و لا ابتكار – فلا ابداع و لا ابتكار بلا حرية – و هذا يفسر كثرة المبدعين لديهم في الدول المتقدمة وقلتهم لدينا . ففي الدول المتقدمة لا يوجد معلم مدى الحياة , لأن التدريس عندهم مهنة , فالمعلم لديهم يتخرج من كليات إعداد المعلمين ويذهب للبحث عن رخصة لمزاولة مهنة التدريس و طبقا ً لوثائقه يُمنح رخصة لمزاولة المهنة , و فيها كأيِّ رخصة أخرى , بداية و نهاية , و فترة انتهاء , و لمدة أربع سنوات وبعد هذه الفترة لابد من تجديد الرخصة ولكن بشروط أهمها : - التقارير المدرسية - الحقيقية و السرية – عن عمل المعلم طيلة أربع سنوات . - حضوره عدداً من الدورات . - إنخراطه في برنامج الماجستير و الدكتوراه . - تعلم أكثر من لغة . - إتقان وسائل التكنولوجيا الحديثة و استخدام الإنترنت. و إذا لم تُستوف الشروط السابقة تُسحب من المعلم الرخصة و عليه الذهاب لمزاولة مهنة أخرى غير التعليم . وهذا عكس ما يحصل عندنا , هناك معلمون هم الآن «خارج نطاق التغطية» لا ينفعو أن يكونوا معلمين , لقد ملّوا التعليم , وملّوا الطلاب , وحتى ملّوا المناهج وحتى التدريس لم يأت بثماره معهم , و وجودهم كمعلمين زاد من ضعف التعليم في بلادنا , ولكنهم موظفون مع الدولة ولا أحد يستطيع أن يذهب بهم خارج التعليم , لأنهم معلمون مدى الحياة . مما سبق نخلص إلى وجوب تغيّر في النظام السياسي في بلادنا ليصبح نظاما ً ديمقراطيا ً حقيقيا ً لأن ذلك سيتبعه بالضرورة تغيّر جذري في نظامنا التعليمي بكل مكوناته , وهذا سيعني توفير مناهج دراسية متطورة و مرنة و طالبا ً حراً, وعلما ً حرا ً , يلتحق بكليات التربية رغبة ً منه في مهنة التدريس لا رغبة الآخرين أو رغبة الدولة . وهذا يعني أنه سيُلغى شرط درجات الثانوية العامة في الالتحاق بكليات إعداد المعلم وغيرها – ولن يكون هناك معلم مدى الحياة .. حينها سنجد في اليمن مُبدعين و مُبتكرين كُل في تخصصه , بمعنى لا بد من إحداث ثورة حقيقية في التعليم اليمني ابتداء ً من فلسفته و أهدافه و برامجهه و إنتهاء ً بمعلمه .... * نائب عميد كلية التربية – جامعة تعز