غوتيريش يدين بشدة هجوم إسرائيل على مخيم للنازحين في رفح    بالإجماع... الموافقة على إقامة دورة الألعاب الأولمبية لفئة الشباب لدول غرب آسيا في العراق    ضربة معلم تكسر عظم جماعة الحوثي وتجعلها تصرخ وتستغيث بالسعودية    خبر صادم: خروج ثلاث محطات كهرباء عن الخدمة في العاصمة عدن    استمرار النشاط الإيصالي التكاملي الثاني ونزول فريق إشرافي لأبين لتفقد سير العمل للفرق الميدانية    الرئيس الزُبيدي: تدهور الأوضاع يحتّم على الانتقالي مراجعة قراراته    عاجل: هجوم حوثي جديد على سفينة في المخا وإعلان بريطاني يؤكد إصابتها    فلكي سعودي يكشف عن ظاهرة فريدة اليوم بشأن الكعبة واتجاه القبلة!    مجلس الوزراء السعودي يجدد رفضه القاطع لمواصلة انتهاكات الاحتلال للقرارات الدولية    استشهاد طفل وإصابة والده بقصف حوثي شمالي الضالع    الهلال السعودي ينهي الموسم دون هزيمة وهبوط أبها والطائي بجانب الحزم    الحوثي يسلّح تنظيم القاعدة في الجنوب بطائرات مسيرّة    جريمة بشعة تهز عدن: أب يطلق النار على بناته ويصيب أمهن بجروح خطيرة!    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب المستثمرين لبيانات التضخم واجتماع أوبك+    تدشين مشروع توزيع "19"ماكينة خياطة على الأرامل في ردفان    الحكومة اليمنية تبحث مع سويسرا استرداد عرشين أثريين    منح العميد أحمد علي عبدالله صالح حصانة دبلوماسية روسية..اليك الحقيقة    فلكي يمني يحدد موعد أول أيام عيد الأضحى المبارك وبداية أيام العشر    عاجل: الحكم بإعدام المدعو أمجد خالد وسبعة أخرين متهمين في تفجير موكب المحافظ ومطار عدن    الوحدة التنفيذية : 4500 شخص نزحوا من منازلهم خلال الربع الأول من العام الجاري    الزُبيدي يؤكد على أهمية المخيمات الصيفية لخلق جيل مناهض للفكر الحوثي    المنتخب الوطني الأول يواصل تحضيراته في الدمام استعداداً للتصفيات الآسيوية المزدوجة    مارسيليا يسعى إلى التعاقد مع مدرب بورتو البرتغالي    ياوزير الشباب .. "قفل البزبوز"    بعد تجريف الوسط الأكاديمي.... انتزِعوا لنا الجامعات من بلعوم السلفيات    سد مارب يبتلع طفلًا في عمر الزهور .. بعد أسابيع من مصرع فتاة بالطريقة ذاتها    وزير الإعلام: مليشيا الحوثي تواصل استغلال مأساة المخفيين قسراً للمزايدة السياسية    انعقاد جلسة مباحثات يمنية - صينية لبحث مجالات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها    غرامة 50 ألف ريال والترحيل.. الأمن العام السعودي يحذر الوافدين من هذا الفعل    ''بيارة'' تبتلع سيارتين في صنعاء .. ونجاة عدد من المواطنين من موت محقق    انطلاق أولى رحلات الحج عبر مطار صنعاء.. والإعلان عن طريقة الحصول على تذاكر السفر    شاهد .. وزير الزراعة الحوثي يعترف بمجلس النواب بإدخال الحوثيين للمبيدات الإسرائيلية المحظورة (فيديو)    استعدادات الأمة الإسلامية للعشر الأوائل من ذي الحجة وفضل الأعمال فيها    أكاديمي سعودي: التطبيع المجاني ل7 دول عربية مع إسرائيل جعلها تتفرعن    الإعلان عن تسعيرة جديدة للبنزين في عدن(السعر الجديد)    برشلونة تودع تشافي: أسطورةٌ تبحث عن تحديات جديدة وآفاقٍ أوسع    خمسة ملايين ريال ولم ترَ النور: قصة معلمة يمنية في سجون الحوثيين    بوخوم يقلب الطاولة على دوسلدورف ويضمن مكانه في البوندسليغا    العكفة.. زنوج المنزل    سقوط صنعاء ونهاية وشيكة للحوثيين وتُفجر تمرد داخلي في صفوف الحوثيين    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    استشهاد جندي مصري في الحدود مع غزة والقاهرة تحذر من المساس بأمنها    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    معالي وزير الصحة يُشارك في الدورة ال60 لمؤتمر وزراء الصحة العرب بجنيف    مغادرة أول دفعة من الحجاج جواً عبر مطار عدن الدولي    شيفرة دافنشي.. الفلسفة، الفكر، التاريخ    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البردوني..الذي غادرنا للتو!!
نشر في الجمهورية يوم 10 - 09 - 2012

قبل ثلاثة عشر عاماً وفي مثل هذه الأيام تقريباً كنت أجلس إلى ثلة من الأصدقاء المثقفين والسياسيين عندما جاء صوت عبر الهاتف يخبرنا برحيله المفاجئ.
  
وللحظات طويلة ظل الحزن مخيماً على رؤوس الجميع وكأنه الطير، ثم استأنفت دورة الحديث عن الخسارة الكبيرة التي منيت بها اليمن خصوصاً والحياة الفكرية والثقافية على ساحة الوطن العربي عموماً، وهي الخسارة التي تمثلت في غياب الأديب الكبير والشاعر الفيلسوف والعصامي الموسوعي الفقيد عبدالله البردوني، وهو الأديب الذي فاقت شهرته حدود وطنه إلى آفاق واسعة سواء في دواوينه الشعرية أو في مؤلفاته التي أثارت جدلاً واسعاً، وحركت المياه الآسنة في مجرى الحياة الثقافية العربية، وكذلك في قصائده المؤثرة التي تحولت إلى منشورات سياسية، كما وحلقت قصائده في سماء مهرجانات الشعر العربي في عواصم الثقافة كالمربد في العراق والبتراء في الأردن ونواكشط في المغرب، فضلاً عن القاهرة ودمشق وصنعاء، وكأن تلك الدرر عناقيد من الغضب والسخط للحال الذي وصل إليه العرب وهم يغطون فوق براميل النفط كالمستعمر السري الذي يسرق هذه الثروات دون أن ينبتوا ببنت شفة!!
  
وحسناً إذ يتداعى المثقفون - وفي غياب المؤسسات الرسمية - لإحياء ذكرى فقيد الوطن الكبير الأستاذ عبدالله البردوني وإعادة التعريف بتراثه الإبداعي في شتى الميادين، ومحاولة إعادة نشر إنتاجه حتى يصل إلى العامة من الناس وكذلك الجيل الجديد ممن يجهلون عطاءات هذا الرجل وإبداعاته.
  
فلقد تابعت عديد من فعاليات هذه المناسبة بما في ذلك إطلاق مبادرة تستحق الدعم وهي: تحويل منزله إلى مكتبة ثقافية تخلد اسم الفقيد وتضم بين جوانبها جميع مؤلفات الأديب ومخطوطاته التي لم تر النور حتى الآن، فضلاً عن مقتنياته التي خلفها الفقيد، مع علمي بزهد الرجل حيث عرفته لبعض الوقت وأنا أخط له بعض المسابقات الأدبية التي كان ينشرها في صحيفة (الثورة) منتصف ثمانينيات القرن المنصرم وكذلك ما كان يمليه عليّ من مقالات أسبوعية لنشرها في مجلة “الكفاح العربي” البيروتية.. وقد كان الفقيد بسيطاً في تعامله مع من حوله حيث كان لا يتردد في توجيه التقويم والانتقاد، كما لا يكف عن إطلاق النكات والقفشات والتندر حتى في أكثر اللحظات قساوة.
  
ومن حسن حظي أن رافقته لأول مرة ضمن قوام وفد الأسبوع الثقافي اليمني إلى سلطنة عمان إبان تلك الفترة.. وكان – كعادته - متألق الذهن حاضر البديهة وهو يرحب بالحضور في إحدى الأمسيات الشعرية وعشاق أدبه يتوافدون إلى هذه الفعالية.
  
وما إن بدأ مسترسلاً في قراءة قصائده حتى دوى التصفيق إعجاباً بعبقريته الشعرية وقدرته الفذة على ترجمة ما يعتمل على أرض الوطن من محيطه إلى خليجه برؤية ثاقبة وفكر متحرر وصراحة متناهية.
  
ولعلي أتذكر في تلك الأمسية الشعرية الزميل الإذاعي عقيل الصريمي الذي كان إلى جوار الشاعر يقرأ له استفسارات الحاضرين عن شتى القضايا، وفي إحداها وبدلاً من قراءة الاستفسار ناول الورقة مباشرة إلى البردوني، فما كان من البردوني إلا أن علق ضاحكاً بصوته الأجش: جبناك يا عبدالمعين تعين... فخرّ الجميع بالضحك.
  
وقد نوهت إلى هذه الجزئية في انطباعاتي المنشورة وقتها في مجلة (معين).. وعرفت فيما بعد أن تلك القفشة الصحفية استرعت انتباه الأستاذ الكبير عبدالله البردوني الذي أشاد بها في حوار شهير له تحت عنوان “الأدباء يستحقون..” وكنت ولاأزال أعتز بتلك الشهادة التي – لا أنكر – أنها أثارت عليّ حسد البعض من رفاق صاحبة الجلالة وقتها.
  
ومما أتذكره عن الشاعر الكبير عبدالله البردوني وبالذات عند تغطيتنا لفعاليات مهرجان المربد الشعري ذات مرة في بغداد وقد حضر شاعرنا الكبير إلى القاعة وكان كعادته بسيطاً في ملبسه ومظهره كذلك، الأمر الذي ترك بعض التمتمات في القاعة خاصة وإن الشاعر لم يكن معروفاً بما فيه الكفاية حتى ذلك الوقت.
  
وما إن اختتم شاعرنا قراءة قصيدته الشهيرة”أبا تمام وعروبة اليوم” حتى هرع إليه الحضور وفي مقدمتهم كبار الشعراء العرب وبينهم نزار قباني والبياتي يقبلون رأسه إعجاباً بتلك الرائعة التي أعادت للشعر العربي هيبته وصولجانه.
  
وبمعزل عن تراث الرجل الفكري والثقافي الذي أثرى به حياة اليمنيين والعرب بزاد المعرفة والإبداع، فإن للبردوني السياسي رؤية تحليلية عميقة في سبر مسارات الأحداث وتحديداً تلك التي عصفت باليمن منذ مطلع القرن العشرين، وذلك عبر رصده لمجمل تلك التطورات والتي ضمنها كتابه (اليمن الجمهوري) والذي رصد فيه بلغة بسيطة ورؤية تحليلية ثاقبة مجمل تلك المتغيرات والتحولات التي عاشها اليمنيون والتفاعلات الإيجابية والسلبية لمتغير الثورة في واقع محلي وإقليمي مغرق في التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
  
وحيث يعتبر هذا الكتاب مرجعاً لفهم تعقيدات المشهد اليمني في تلك الفترة إلا أنه لم يخلُ من انتقاد البعض وبتأكيدهم ابتعاده عن منهج البحث العلمي الأكاديمي، حيث ردّ عليهم بقوله: “إنني وثقت للحظة التاريخية بعين الرائي، وليس بعين الباحث الأكاديمي..”.
  
كما لا يفوتني هنا الإشارة إلى تفرد رؤية البردوني المبكرة للأحداث والتطورات حتى قبل أن تقع وهو يتنبأ بقيام الوحدة قبل أن تتحقق بنحو عقدين من الزمن، وكذلك في قراءته لأنساق تطورات الأحداث المؤسفة التي بدت تلوح بين الأفرقاء في القيادة السياسية إثر قيام الوحدة اليمنية وهو يردد: (أي العليين يخصي علي!).
  
ترى ماذا كان سيقول لو أنه كان يعيش بين ظهرانينا وهو يشهد هذه المشاحنات وكلهم يشحذون سكاكينهم لا لكي يخصوا بعضهم البعض، ولكن لكي يخصوا الوطن بأكمله!!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.