• هل نحن فعلاً بحاجة لهيئة وطنية عليا لمكافحة الفساد.. لا أعتقد ذلك لأننا وطوال السنوات الأربع الماضية منذ تأسيسها لم نسمع بأنها قامت بأي دور في مكافحة الفساد، وإن كُنا نسمع بين الحين والآخر عن إحالتها لقضايا فساد إلى النيابة العامة، لكنها - للأسف - لم تفضح حتى الآن فاسداً واحداً ولم تتم محاكمة أي منهم رغم كثرة عتاولة الفساد الذين لا يزالون يعيثون في البلد فساداً وإفساداً، فكل ملفات الفساد التي تتحدث عنها لا تتجاوز الأرشفة في الأدراج ولا تخرج منها إلا “لغرض في نفس يعقوب”، بل إن كل ما أعلنت عنه الهيئة من قضايا فساد لم يتجاوز إطار التلميح لا التصريح، حيث لم يحدث أن سمت فاسداً واحداً. • التقارير الدولية تُصنف اليمن كواحدة من أكثر الدول التي يستوطن فيها الفساد حيث تأتي اليمن في المراتب الأولى ضمن قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، كما أن مؤشرات النزاهة والشفافية في اليمن لا تزال تواصل الانحدار من سيىء إلى أسوأ، فوفقاً لتقارير الشفافية التي تصدرها المؤسسات الدولية، فإن اليمن كانت ولا تزال في مرتبة متقدمة من ناحية انتشار الفساد، أي بمعنى أصح أن معدل الفساد في تزايد رغم أنه من المفترض أن تخف هذه النسبة مع وجود هيئة عليا لمكافحة الفساد. •مسئولونا الأفاضل الذين يحبون أن يوصفوا بأنهم “عنوان للنزاهة والأمانة والاستقامة” “جميعهم يعلنون وقوفهم ضد الفساد، ويزعمون أنهم يعملون على القضاء عليه”، أشبعونا حديثاً عن الفساد وعن ضرورة محاربته، لكننا لم نلمس منهم على أرض الواقع أية إجراءات حقيقية وفاعلة لمحاربته أو على الأقل الحد منه، فالفساد لا يزال في تزايد مستمر وربما قد تصل نسبته إلى التسعين بالمائة، حيث لا توجد أية جهة أو مرفق حكومي مهما كان صغيراً إلا والفساد معشش فيه. •في مجتمع كاليمن يصل فيه الفقر إلى ما نسبته 45 % من اليمنيين الذين يعيشون على أقل من دولار أمريكي واحد يومياً، وهي نسبة قابلة للتزايد وفق تقارير صندوق النقد الدولي، مع بطالة مرتفعة في صفوف الشباب، حيث تقدر دراسات اقتصادية محلية وعربية بأن عدد العاطلين عن العمل يبلغ ما نسبته 48 %، وبالتالي فإن استمرار الفساد ينخر في جسد الدولة وأجهزتها إنما ينذر بوقوع كوارث اقتصادية واجتماعية وأمنية على المدى القريب إذا لم يتم تدارك الأمر وسرعة التحرك باتجاه تفعيل إجراءات مكافحة الفساد بصورة عملية. • وأعتقد أن الخطوات العملية لمكافحة الفساد تتمثل في تفعيل القوانين التي تحارب الفساد وأن تكون العقوبة رادعة للكبار قبل الصغار، وأن يحاسب جميع الفاسدين مهما كان حجمهم ومراكزهم دون الحصول على إذن من الوزير أو الجهة المختصة التي غالباً لا تمنح هذا الإذن، وأن تكون هناك رغبة وإرادة سياسية لتحقيق ذلك فعلاً لا قولاً، كما أنه من الضروري أن يتم منح الأجهزة الرقابية المختصة كافة الصلاحيات التي تمكنها من اتخاذ إجراءات حقيقية فاعلة لمحاربة الفساد أينما وجد وتعرية الفاسدين، وهناك الكثير من ملفات وقضايا الفساد التي يجب أن ترى النور وتخرج إلى العلن ويتم محاسبة مرتكبيها بعيداً عن المداراة والمجاملة، ولتكن البداية بالتضحية ببعض رموز الفساد (وهم معروفون) وتقديمهم إلى المحاكمة واتخاذ العقوبات الرادعة بحقهم وتنفيذها، فذلك من شأنه أن يعيد للناس ثقتهم بهذه الأجهزة وقدراتها في القضاء على هذه الظاهرة المدمرة. • أما بقاء هيئة مكافحة الفساد على ذات وضعها السابق أي مجرد تسمية دون أن يكون لها صلاحيات واسعة في تنفيذ المهام التي وجدت من أجلها وافتقارها للشفافية المطلوبة في عملها فإن وجودها كعدمها ولا حاجة لنا بها، لأن وجودها على هذه الشاكلة إنما يجعل منها جزءاً من اخطبوط الفساد، لأنها في حالتها هذه لا تفضح الفساد وتكشفه بل تخفيه وتتستر عليه. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك