لم يكن أحد يتخيّل أن قوات الأمن ستكون بمثل تلك الوحشية, فما حدث لساحة الحرية, كان فاجعة للجميع, كان مؤلماً وقاسياً على سكان المدينة, كان الأمر بمثابة صدمة غير متوقعة للمرابطين في الساحة وللثوار في جميع ميادين الحرية والكرامة بمحافظات اليمن. في الساعة الخامسة كنت هناك، كانت الشمس تكاد تودّع دنيا الساحة المليئة برقص الأطفال للمستقبل وهتاف الشباب للمدنية وغناء النساء للثورة. كان ذلك الرقص والهتاف والغناء يتزامن مع هجوم مفاجئ لأمن قيران, كانت الغازات الحارقة والمسيّلة للدموع تهاجم الثوار, كنت أرى شباباً وأطفالاً وشيوخاً ونساء يواجهون الرصاص المنهمر على المدخل الشرقي للساحة, كانت معركة غير متكافئة, صدور عارية إلا من اليمن, في مواجهة أطقم أمنية وجنود مدجّجين بالأسلحة. كانت الساحة تقصف وتحترق وتحترق, وكان بعض الناس يخرجون من الساحة, لم يفرّوا من الرصاص؛ بل من الغاز الذي لم يكن مسيّلاً للدموع بل خانقاً للصدور والأفئدة. أمام عيني؛ رأيت شهداء يصعدون إلى السماء وأصواتهم تهز الفضاء: «إرحل» وجرحى يكتبون بدمائهم: «يرحل» وشجاعة أطفال لم أر مثلها في حياتي, وجسارة نساء لم أعهدها في بنات بلدي... استمر الاقتحام حتى وقت متأخر من الليل, قبل منتصفه خرجت من الساحة (يمكن القول إنني فررت)!!... نقلتُ ل«الجزيرة» ما شاهدته, وتابعتُ بقية الأحداث على قنوات الأخبار. خروجي ليلاً من الساحة جعلني أشعر بتأنيب الضمير.. وهذا ما جعلني أقرّر المغامرة؛ أقتحم الساحة بكاميرتي لمحاولة التقاط صور, كانت الساحة خالية إلا من بقايا جنود أمن.. في البداية حاولت التسلّل صباحاً بسيارة فهمي الترب (أحد الصحيين الثوريين) كنّا نرى عمليات النهب تحت حراسة الأطقم العسكرية.. التقطتُ بسرعة بعض الصور من مداخل الساحة؛ كون الوضع لم يكن آمناً.. بعدها, قرّرت الدخول أنا وكاميرتي, كانت الأطقم تذهب وتعود, كنت ألتقط بعض الصور بحذر ممزوج بالخوف, عندما تعود الأطقم أعمل نفسي (نهاباً) أحمل شيئاً ما... الجنود يطلقون النار على المتجمعين في مداخل الساحة, ويتغاضون تماماً عن الذين يقومون بالنهب (طبعاً نهب ما بقي مما سلب وحرق). .. سيظل ما حدث عالقاً في ذاكرتي ما حييت.. (خاطبت نفسي بين ركام الخيام المحترقة) وأضفت: بالأمس كانت هنا ساحة مزدحمة بالثوار, ومليئة بحياة مدنية وطعم مختلف للحياة؛ والآن ساحة محروقة.. قاطعتني روح الثوار: إلا من روح الثورة. قلت بصوت مخنوق: كانت ليلة اقتحام... لم تدعني أكمل وهمست: أحرقت خيام وقتلت أحرار, لكنها لم تحرق قوة التغيير ولا إرادة الثورة. في العصر (قُبيل المغرب تحديداً) عدت إلى الساحة لمحاولة التصوير, بمعيّة أصدقائي عمر دوكم ومنير المجيدي وعبدالصمد, كان الخط المار من المدخلين الشرقي والغربي للساحة قد فُتح للسيارات.. بينما كان الأمن متواجداً في المدخل الجنوبي للساحة, حاولت التقاط صور أخرى.. لمحرقة بشعة.. لن تنسى أحداثها ذاكرتي. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك