ما أشد حاجتنا نحن اليمنيين إلى ثقافة السلم والتسامح، والإخاء والتصالح، وتغليب لغة العقل والحكمة والتعايش والقبول بالآخر، مهما كان حجم الخلاف، على لغة الثأر وحب الانتقام والإقصاء، والقبول بمبدأ الشراكة والمسئولية فيما يخدم المجتمع. فبعد أن قبلنا بمبدأ الحوار وسيلة وحيدة وثقافة راقية لإنهاء خلافاتنا وأزماتنا وتنازل بعضنا لبعض حباً في اليمن وطيّاً لصفحة الماضي ومآسيه، وخرجنا بوثيقة الحوار الوطني والإجماع الوطني، لا مجال الآن لأن نعود إلى الوراء، ونزايد على بعضنا البعض ونكذب على أنفسنا أن اليمن أصبحت تحت الوصاية، حيث تنبري صحف الكذب والبهتان، وأقلام الحقد والإفلاس الأخلاقي والمهني لتنال من الحكومة وأنها جلبت لليمن الوصاية، غير مدركين أن هذا القرار الأممي يأتي مكمّلاً ومنسجماً مع مخرجات وثيقة الحوار الوطني التي تنص على فرض هيبة الدولة ونزع كل الأسلحة الخارجة عن إطار القانون.. وهذا هو المطلب الشعبي لبناء الدولة المدنية، دولة الحقوق والمواطنة المتساوية، والعدالة.. وها هي الفرصة تلوح أمامنا كيمنيين لنجعل من وثيقة الحوار الوطني مشروعاً وطنياً نسير على ضوئه بتفاؤل وتسامح صوب المستقبل الذي ينتظرنا بغدٍ أفضل إن أحسنا إدارة مخرجات الحوار وتجاوزنا الأخطاء والتعصبات الحزبية والمكايدات السياسية ورواسب الماضي بكل مآسيه.. فهل نستطيع أن نتجاوز الماضي ونفتح صفحة جديدة عنوانها المصالحة الوطنية والتعايش والتسامح؟. أظن أنه بإمكاننا تجاوز الماضي مهما كان أليماً وقاسياً، إذا خلصت النوايا ووجدت الإرادة السياسية، وكما أدهشنا العالم بسلمية ثورتنا في بلد يعج بالسلاح، نستطيع أن ندهش العالم أيضاً بحكمتنا وتسامحنا وقد تسامحنا مع قاتلنا ونحقق المصالحة الوطنية ولينعم الجميع في بلده بالأمن والأمان. ليس مستحيلاً ما أقوله إذا عزّزنا ثقافة التسامح بالوعي الوطني، وبنينا جسور الود والإخاء في أوساط المجتمع، وأعلينا من قيم الخير والمسئولية والنزاهة والكفاءة، والتزمنا بمبادئ الدستور والقانون، ونشرنا ثقافة أن كل فرد مسئول ومُلزم بتغيير وإصلاح بلاده، ويعمل لخدمة وطنه ورقيّه وتقدمه.. فالأوطان تُبنى بالقيم والمُثل والأخلاق، وتدمّر أيضاً بضياعها. فحين تغيب ثقافة التسامح والتعايش تظل ثقافة العصبية والإقصاء والتخوين.. والفرز الحزبي والمناطقي، وكل طرف يتهم الآخر، فلا قبول بالرأي الآخر. وحين تغيب ثقافة الحوار والمصالحة الوطنية تنشأ الأحقاد والعصبيات المقيتة، وحين يغيب المشروع الوطني الجامع تنشأ المشاريع الصغيرة والضيقة. فهل نستطيع كيمنيين أن نعبر إلى المستقبل ونواكب ازدهاره بسلاح الحكمة والتسامح وتحقيق المصالحة الوطنية، لا بثقافة حمل السلاح والثأر والانتقام؟..