مفاجأة وشفافية..!    تحرك نوعي ومنهجية جديدة لخارطة طريق السلام في اليمن    الدوري الايطالي ... ميلان يتخطى كالياري    "هذا الشعب بلا تربية وبلا أخلاق".. تعميم حوثي صادم يغضب الشيخ "ابوراس" وهكذا كان رده    فوضى عارمة في إب: اشتباكات حوثية تُخلف دماراً وضحايا    شاهد.. شخص يشعل النار في سيارة جيب "جي كلاس" يتجاوز سعرها مليون ريال سعودي    القوات الجنوبية تصد هجوم حوثي في جبهة حريب وسقوط شهيدين(صور)    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    الدوري المصري: الاهلي يقلب الطاولة على بلدية المحلة    الحوثيون يطورون أسلوبًا جديدًا للحرب: القمامة بدلاً من الرصاص!    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بعد فوزها على مقاتلة مصرية .. السعودية هتان السيف تدخل تاريخ رياضة الفنون القتالية المختلطة    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    نهاية الحوثيين : 4 محافظات تُعلن تمردها بكمائن قبلية ومواجهات طاحنة !    كوابيس أخته الصغيرة كشفت جريمته بالضالع ...رجل يعدم إبنه فوق قبر والدته بعد قيام الأخير بقتلها (صورة)    إطلاق سراح عشرات الصيادين اليمنيين كانوا معتقلين في إريتريا    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    الاحتجاجات تتواصل في الحديدة: سائقي النقل الثقيل يواجهون احتكار الحوثيين وفسادهم    شاهد:ناشئ يمني يصبح نجمًا على وسائل التواصل الاجتماعي بفضل صداقته مع عائلة رونالدو    مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع في غزة وتلوح بإلغاء اتفاقية السلام    احتكار وعبث حوثي بعمليات النقل البري في اليمن    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    المبيدات في اليمن.. سموم تفتك بالبشر والكائنات وتدمر البيئة مميز    السلطة المحلية بمارب: جميع الطرقات من جانبنا مفتوحة    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    سلطة صنعاء ترد بالصمت على طلب النائب حاشد بالسفر لغرض العلاج    توقعات بارتفاع اسعار البن بنسبة 25٪ في الاسواق العالمية    مقتل شاب برصاص عصابة مسلحة شمالي تعز    اختتام دورة مدربي لعبة الجودو للمستوى الاول بعدن    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    القيادة المركزية الأمريكية تناقش مع السعودية هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل الأمني بمحافظة أبين    في لعبة كرة اليد: نصر الحمراء بطل اندية الدرجة الثالثة    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    تأملات مدهشة ولفتات عجيبة من قصص سورة الكهف (1)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    مقتل وإصابة 5 حوثيين في كمين محكم شمال شرقي اليمن    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    تعرف على نقاط القوة لدى مليشيا الحوثي أمام الشرعية ولمن تميل الكفة الآن؟    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    25 ألف ريال ثمن حياة: مأساة المنصورة في عدن تهز المجتمع!    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية تحليلية لكتاب .." يحيى المتوكل .. حضور في قلب التاريخ "(3-3)
نشر في الوسط يوم 29 - 07 - 2009

قراءة/ قادري أحمد حيدر وقبل البدء في تقديم قراءة حول اتفاق جدة ، أو المصالحة الوطنية كما يحب تسميتها الأستاذ القدير محسن العيني ، في كتابه " خمسون عاما في الرمال المتحركة " من المفيد إيراد أهم الفقرات المتصلة بالموضوع مما ورد في الكتاب الحواري مع الفقيد يحيى المتوكل ، يقول : " برغم التوقعات التي حملناها حول المساعدات السعودية لمواجهة آثار الحروب إلا أنها خابت ". ويضيف : " إن الآمال التي كنا نعلقها على عهد ما بعد المصالحة في انتقال اليمن إلى مرحلة التطور والبناء تلاشت ( ... ) ولم تثمر المصالحة ما كان يتوقعه الناس " . ولا داعي هنا لإيراد الفقرة التي أكدت على إصرار السعوديين اعتبار الحرب على اليمن قضية يمنية / يمنية داخلية ليس للطرف السعودي دور ولا ضلع فيها ، وموافقة الطرف اليمني على الشرط السعودي وقبوله كمدخل لاعتراف السعودية بالنظام الجمهوري ليس إلا ، ومن هنا قولنا : إننا أمام تسوية أو اتفاق إذعان وخضوع ، واستسلام ، وهو حقيقة اقل ما يمكن ان يقوله المرء أمام الحالة التي وصلت إليها اليمن بعد ما يسمى اتفاق جدة ، أو المصالحة وليس لدي أي تعليق على مجمل إجابات الفقيد يحيى المتوكل ، سوى التأكيد أننا أمام رجل سياسة ، ودبلوماسية محنك ، من طراز رفيع وفريد ، قياسا إلى عمره في ذلك الحين الذي لم يتعد السادسة والعشرين ، وفقاً لسنة ميلاده في الكتاب . ويمكنني القول إنني أمام قضية ما يسمى المصالحة ، أو التسوية السياسية مع السعودية في جدة مارس 1970 ، وجدت نفسي أمام سياسي ناجح ، ومحام ممتاز ، ولكنه بصدد الدفاع عن قضية فاشلة وخاسرة سياسيا ، في لحظة هي تعبير عن قمة المأساة التراجيدية والكوميدية معا ، لحظة هزيمة سياسية ، ونفسية وأخلاقية ووطنية ، لحظة هي تعبير عن مأزق الفكر السياسي لجمهورية نوفمبر 1967، الذي قاد البلاد إلى حتفها الوطني فيما يسمى اتفاق المصالحة ، نظام اعترف به العالم كله من شرقه إلى غربه ، القريب والبعيد ، وبقي لسنوات يستجدي شرعية من نظام بلا شرعية ، كل شرعيته آتية من خارجه ، نظام هو طرف أساسي في الحرب على ثورة 26 سبتمبر ، وشعبها ، طيلة ثماني سنوات كاملة ، وبدلا من أن يطالبه بالاعتذار ، والتعويض عما ألحقه بالاقتصاد والتنمية ، وما أزهقه من أرواح الأبرياء ، ومئات الآلاف من الشهداء ، وما تركه من دمار وخراب ما تزال آثاره السياسية والمادية والنفسية ، والمعنوية ، والوطنية تجر أذيالها حتى اللحظة ، نجده يذهب إلى عقر داره يكافئه ، وبطالبه بالسماح بان يسمى نفسه وسيطا بين يمنيين احتربوا بدون قضية ولا هدف ، وكأن العدوان والخراب ، والشهداء والتضحيات لا معنى لها في قاموسهم السياسي ، المهم اعتراف السعودية ، مع بقاء مصالح النخبة القبلية والعسكرية ، وسيظل مطلبنا السياسي والوطني التاريخي هو مطالبة نظام المملكة السعودية بالاعتذار والتعويض عما لحق باليمن واليمنيين من خلال العدوان الاستعماري / والسعودي ، ومن هنا ندعو الى تشكيل لجنة وطنية يمنية عليا للمطالبة بالاعتذار والتعويض عما لحق بثورة 26 سبتمبر ، وبالاعتذار والتعويض كذلك عما لحق بالجنوب من الاستعمار البريطاني وهي مطالب سياسية وطنية يمنية تاريخية لاتسقط بالتقادم وسيحمل لواءها اليمنيون في الجنوب والشمال جيلا بعد جيل . معنى المصالحة: هل كنا حقا أمام حالة مصالحة وطنية ؟ وهل ما جرى مصالحة وطنية ، وفقا لتسمية البعض لها ؟ ثم ما هي الإضافة الوطنية التي قدمها الاتفاق ، أو المصالحة للحالة السياسية ، والوطنية اليمنية في ذلك الحين ؟ خاصة وان الاتفاق أو المصالحة جاءا بعد انكسار الحصار ، وانتصار المقاومة في السبعين يوما ، ولم يتبق سوى بعض الجيوب الملكية الصغيرة مبعثرة ولا تدري ماذا تعمل؟! ، ولا إلى أين تذهب ، بعد ان اختلف بيت حميد الدين فيما بينهم حول مستقبل الحرب وجدواها ، ووجد الداعم السعودي بالمال والسلاح ، ان استمرار الحرب صارت عبثية ومكلفة ، وبلا معنى. يجب الاقرار بدء بان المصالحة الوطنية هي رؤية معرفية فلسفية ، وهي ثقافة ، وشكل من أشكال الاعتراف بالآخر ، واقرار بالتعدد والتنوع ، ان المصالحة الوطنية هي ثقافة سياسية حديثة لم يألفها العقل السياسي التقليدي ( القبلي العسكري ) ذلك ان المصالحة الوطنية انما هي مفردة من مفردات ثقافة التسامح ، وحين نقول التسامح الوطني ، أو المصالحة الوطنية ، إنما نعني بذلك أننا أمام حالة من ثقافة القبول بالآخر ، والاعتراف بحقه في الحياة ، وبحقه في الشراكة والمشاركة في اتخاذ القرار ، وفي السلطة والثروة ، وإذا ما أسقطنا مفهوم المصالحة الوطنية كحالة من حالات التسامح السياسي ، على واقع وحقيقة ما جرى في العام 1970م مع السعودية ، وكان من نتائجه عودة القوى الملكية ، فاننا لانرى فيما جرى مصالحة وطنية ، ولا ما يعبر عن حالة من حالات التسامح الوطني تجاه الآخر ، خاصة وان مقدمات ما يسمى بالمصالحة الوطنية ، أو اتفاق جدة مارس 1970م كانت عملية تصفيات دموية ، واقصاءات سياسية وعسكرية لقوى أصيلة في قلب القيادة الجمهورية ، تم استبعادهم ، واقصاؤهم وسجنهم وتشريدهم لأنهم كانوا يحلمون ان يتم القبول بهم شركاء في السلطة ، بما يعني غياب الحد الأدنى من ثقافة التسامح والتصالح ، الم يكن الجمهوريون الشباب في قلب القيادة الجمهورية هم أحق بالمصالحة الوطنية والتسامح السياسي معهم ، وعدم الاعتداء على حقهم السياسي والوطني بالمشاركة ، بدلا من الذهاب إلى الملكيين ، والسعودية ، ان اصدق وصف وتسمية لما جرى في جدة مارس 1970م إنما هي تسوية سياسية انتقصت الحق السياسي والوطني لليمنيين ، تسوية ناقصة من موقع التابع ، حددها ، وفرض شروطها وبنودها ، ومضمونها الطرف السعودي ، تسوية حرفت القضية الوطنية اليمنية عن مسارها ، ووضعت اليمن الشمالي تحت الوصاية السعودية . والحقيقة ان فكرة التسوية السياسية او المصالحة كفكرة إنما بدأت مع مؤتمر اركويت في السودان العام 1964م الذي رأس الوفد الجمهوري فيه الاستاذ محمد محمود الزبيري ، وترأس الوفد الملكي احمد محمد الشامي ، ومن برط دعا الزبيري كذلك لإيقاف الحرب ، والسلام ، والمصالحة ، وبعد اغتيال الزبيري 1/4/1965م اخذ التيار الجمهوري المشيخي القبلي ، وبقايا الأحرار اليمنيين لواء الدعوة لوقف الحرب ، "والسلام "، والمصالحة ، دونما رؤية ولا برنامج سياسي ، او وضوح حول معنى ومفهوم المصالحة ، والسلام ، ومع تشكيل حكومة النعمان في ابريل 1965م قدم الأستاذ احمد محمد النعمان برنامجه السياسي الذي دعا إلى تبني جملة من القضايا والأسس العامة ، لمعنى بناء الدولة الحديثة ، والموازنة ، داعيا إلى المصالحة بين الأطراف المتحاربة ( الجمهوريين ، والملكيين ) وانجاز مشروع السلام في البلاد ، مؤكدا على قضية بناء الدولة على أسس المبادئ البرلمانية ، وجيش وطني ، وبعدها مباشرة نهاية ابريل 1965م تبنى الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر وزير الداخلية ، دعوة القبائل الجمهورية والملكية للمشاركة في لقاء أو مؤتمر وطني لتسوية القضية اليمنية ، وكانت هذه الدعوات مقدمة سياسية لمؤتمر خمر الذي عقد في مايو 2/5/1965م وأسس عمليا وسياسيا لخطاب عمومي فضفاض مجرد عن المصالحة ، محاولين استثمار اسم الزبيري الشهيد في هذه المعركة السياسية الخاسرة ، لقد كان مؤتمر خمر هو تعبير سياسي عن الإرادة المشيخية القبلية بامتياز ، والدعوة للمصالحة ، والسلام ، وإيقاف الحرب ، جاءت في حمى الهجوم الإيديولوجي والسياسي على مصر عبدالناصر حيث دعا المؤتمر إلى إخراج القوات المصرية ، ورفض دورها العسكري ، ومساعداتها ، وجاء مؤتمر الطائف 10/9/1965م ليعلن المصالحة مع السعودية والملكيين ، وقيام الدولة الإسلامية اليمنية ، وهي الفكرة التي اخذ تبلورها أكثر من أربع سنوات ، حتى اختمرت ، وأنجز نصفها الثاني في جدة مارس 1970م ان مؤتمر الطائف وبنوده وقراراته التي حملت شعار المصالحة ، وغطاء السلام ، ووقف الحرب . والذي عقد في مدينة الطائف السعودية في قلب الحرب السعودية والاستعمارية على الثورة والجمهورية ، إنما كان تقف خلفه القوى الإقطاعية ). والمشيخية القبلية الملكية ، وبعض العسكريين المتذمرين من السياسة المصرية في اليمن ،هدف مؤتمر الطائف الذي حمل شعار المصالحة والسلام ، مثله مثل مؤتمر خمر ، إنما كان يهدف إلى تعزيز دور ومكانة السعودية في حل القضية اليمنية كما يقولون وفي هذا المؤتمر تم التنازل عن الخيار الجمهوري ، أو وضع الخيار الجمهوري في موازاة ومقابل الخيار الملكي ، باعتبارهم شعار الدولة الإسلامية اليمنية هو البديل المناسب لحالة اليمن . وفي شهر أكتوبر 1967م ونتائج مؤتمر قمة الخرطوم التي رفضها السلال ، وصف جمهوري واسع ، وعلى إثر مظاهرة 3 أكتوبر 1967م وتوتر الأوضاع الداخلية بين الأجنحة الجمهورية المختلفة ، تم الاتفاق على تشكيل لجنة مصالحة وطنية كاسم وشعار وفي غفلة من الناس وبدون أية رؤية ولا مشروع سياسي حول ماذا نعني بالمصالحة السياسية والوطنية ؟ وما هي المداخل العملية والسياسية لتنفيذها وتحقيقها ؟ حيث أعلن الشيخ عبدالله الاحمر ان المصالحة ممكنه مع السعودية والرموز الملكية ، وليس المصالحة داخل صف القيادة الجمهورية المصطرعة فيما بينها ، والتي كانت بحاجة ماسة سياسيا ووطنيا إلى المصالحة الوطنية والانتقال بعدها للحديث عن المصالحة أو التسوية السياسية مع الآخرين في الخارج ، وعلى خلفية ذلك المنظور السياسي الأحادي للمصالحة عند بعض حاملي لوائها ، فقد عقد في الحديدة أول اجتماع لها على قاعدة الحفاظ على النظام الجمهوري ، وأهداف ومبادئ ثورة 26 سبتمبر ، على ان ترفض وساطة اللجنة الثلاثية ، ويحل اليمنيون مشاكلهم بأنفسهم ، عدا أسرة آل حميد الدين. وكانت هذه هي الخطوة السياسية الأخيرة قبيل إعلان قيام انقلاب 5 نوفمبر 1967م الذي تبني بالكامل ، قضية المصالحة وعمل على إخراجها سياسيا على مراحل ، ولكن على خلفية وقاعدة تصفية الجناح الثوري الجمهوري في قمة السلطة ، والجيش والأمن ، وأجهزة الدولة المختلفة ، وإنهاء حالة التوازن الوطني في الجيش وفي السلطة والدولة ، التي أشار إليها محقا الفقيد يحيى المتوكل ، وجاءت أحداث 23/24 أغسطس 1968م لتحسم حالة ازدواجية السلطة القائمة بين أجنحة وتيارات القيادة الجمهورية . لصالح القوى التقليدية والمحافظة وهو ما أشار إليه كذلك الأستاذ الفقيد يحيى المتوكل ، ومن حينها بدأت تتحول دعوات وشعارات المصالحة مع السعودية من خطاب ، وقول سياسي إلى خطوات عملية قيد الإعداد ، والتنفيذ ، وهو مالم يكن في ظل قيام حالة التوازن الداخلي التي كانت قائمة إلى ما قبل أحداث 23/ 24 أغسطس 1968م . ان فكرة التسوية مع السعودية بالطريقة التي تمت ، هي فكرة كانت قائمة في عقل ، وذهن ، وحلم المجاميع المشيخية القبلية ، وبعض بقايا الأحرار اليمنيين ، وبعض العسكريين الذين انحازوا لأسباب خاصة مع مشائخ القبائل وهذه الأطياف السياسية والاجتماعية سعت جاهدة إلى تحميل مصر ، وعبدالناصر مسؤولية الحرب واستمرارها ، مع ان الحقائق والوثائق والاتفاقات تؤكد ان الطرف السعودي والاستعماري البريطاني ، ومعهم الرجعية العربية هم من كانوا يقفون ضد إيقاف الحرب باشتراطهم التخلي عن النظام الجمهوري ووضعه بين خياري الملكية ، والدولة الإسلامية ، إلى جانب شرطهم حول عودة بيت آل حميد الدين ورفض اتفاقية جدة بين عبدالناصر ، وفيصل عام 1965م إلى جانب إفشالهم لمؤتمر حرض خير دليل على ذلك . وبقيت فكرة المصالحة ، أو التسوية كامنة وغير جاهزة للتطبيق ، بسبب توسع وامتداد الحرب السعودية ، والاستعمارية على ثورة 26 سبتمبر وامتدادها لتشمل أكثر من 40 جبهة عسكرية خلال 64 65 66م وبقي الجناح السياسي القبلي التقليدي حامل لواء الجمهورية القبلية ، والدولة الإسلامية اليمنية ، هو من يطرح فكرة المصالحة ، والسلام ، وإيقاف الحرب بين القوى المتحاربة ، في محاولة للمساواة بين الجمهوريين ، والملكيين ، وبهدف وضع الشعار الجمهوري في مقابل وموازاة شعار الملكية ضمن شعارات وطروحات غير واضحة وغير محددة تحولت معها شعارات ومفاهيم ، السلام ، وإيقاف الحرب ، والمصالحة ، إلى مفاهيم وشعارات ، سياسية ملتبسة ، وغامضة ، ومراوغة ، وغير مفهومة ، ويمكنني القول بكل ثقة ومن خلال التجربة
السياسية التاريخية ، ان القوى السياسية والاجتماعية التقليدية ( المشيخية ، والعسكرية، والدينية ) حاولت ممارسة الاستخدام الوظيفي السياسي لمفاهيم وشعارات السلام ، والمصالحة، وإيقاف الحرب ، ضد الدور المصري المسلح في اليمن ، وفي مواجهة التيار الثوري الجمهوري في قلب القيادة الجمهورية ، مستخدمة أخطاء البيرقراطية العسكرية المصرية لصالح تمرير أهدافها وشعاراتها ، قضية حق أريد بها باطل . ان المصالحة الوطنية ، والتسامح الوطني ليسا خطأ ، ولا خطيئة ، أو جريمة ، وليسا عيبا في حد ذاتهما ، خاصة إذا ما كان هدفهما تنقية الأجواء الوطنية ، وخلق مناخ سياسي وطني صحي وسليم ، يعزز ويرسخ اللحمة الوطنية الداخلية ، ان الدعوة للتسامح الوطني ، والمصالحة الوطنية ، حين تكون مؤسسة على قضايا وأسس ، ومفاهيم واضحة ومحددة ، وفي سياق مشروع سياسي وطني كبير ، وليس لخدمة مشاريع سياسية صغيرة ، تحت وطنية ، ومعادية في جوهرها لقضية الدولة الحديثة وهو ما كانه مشروع جمهورية نوفمبر عبر قاطرة ما يسمى " المصالحة " مع الداخل ، ومع السعودية ، ومن هنا رفضنا المبدئي والوطني لمشروع " المصالحة " عبر القاطرة السعودية ، والذي وضع البلاد عمليا وسياسيا ، تحت الوصاية السعودية باسم " المصالحة " حقا لقد تم اغتيال شعار ومفهوم المصالحة مرتين : الأولى حين استخدم لتصفية المعارضين السياسيين الجمهوريين في قلب القيادة الجمهورية ، بعد إفراغ مفهوم المصالحة من معناه، ومضمونه ودلالاته الفعلية ، والثانية حين تحول مفهوم المصالحة إلى تبعية ووصاية ، وفقدان للسيادة الوطنية ، والقرار السياسي الوطني المستقل . لقد وجدنا أنفسنا حقيقة ليس أمام مصالحة وطنية داخلية ، ولا مصالحة سياسية خارجية مع السعودية ، وحلفائها الاستعماريين ، بل أمام حالة تسوية سياسية كاملة للمسألة السياسية الوطنية اليمنية ، برؤية سعودية مشروطة مسبقاً ، بأن تقبل القيادة الجمهورية النوفمبرية تسوية للمسألة الوطنية اليمنية ( الحرب على ثورة سبتمبر ونظامها الجمهوري ) تقول : أن ما جرى طيلة الثمان السنوات من الحرب ضد الثورة والجمهورية أنها ليست أكثر من حرب يمنية / يمنية ، أنظر حول ذلك بيان السعودية بالاعتراف بالنظام الجمهوري ، هذا أولاً ، وأن الطرف السعودي ليس أكثر من وسيط بين المتحاربين اليمنيين لحل الصراع بينهما وهذا ثانياً : وان لا شروط يمنية خاصة تترتب على هذه التسوية ، مثل الاعتذار ، والتعويض ، وهذا ثالثاً ، وأنه بمقابل هذه التسوية السياسية بين اليمنيين وليس حتى بين اليمنيين ، والسعودية تعترف السعودية بالنظام الجمهوري ، وهو رابعاً ، وان الاعتراف بالنظام الجمهوري يتم بعد الاعتراف بحق عودة القوى الملكية في المشاركة بالحكم ، وهو خامسا ، على ان يشكل بعدها وفداً من الجمهورية العربية اليمنية يذهب للسعودية لإعلان الاعتراف بالنظام الجمهوري ، وهو سادساً ، وتلكم هي شروط التسوية الناقصة التي لم يكن يحلم بها السعوديون ولا يتوقعونها ، خاصة وان التسوية جاءت وتمت بعد ان كسرت القوات الجمهورية الحصار السعودي / الاستعماري / الملكي ، عن صنعاء ، وأصبحت المجاميع الملكية والمرتزقة المأجورين الدوليين يلملمون بقايا أسلحتهم للهروب والمغادرة . ويمكنني القول ان من أهم اهداف اتفاق جدة ، أو ما يسمى " بالمصالحة " إنما يتمثل في التالي : 1 تصفية ما تبقى من القوى الحديثة في السلطة والدولة ، والجيش والأمن 2 حصار النظام الجمهوري الوليد في الشطر الجنوبي من الوطن 3 تحويل مناهج التعليم إلى مناهج مشبعة بالايديولوجية الوهابية ، وإدخال المذهبية إلى التعليم والمجتمع اليمني ، وهو ما نعاني منه حتى اليوم . 4 العمل لاسلمة المجتمع والدولة خاصة في الأرياف ، وإذكاء النعرات المذهبية والطائفية 5 التدخل السعودي المباشر في تفاصيل الحياة السياسية اليمنية ، للتوغل في الشؤون الاجتماعية والمدنية ، إلى حد اختراق مؤسسة الجيش والأمن ، حتى تعيين رئيس الوزراء ، واقتراح البديل له ، انظر وثيقة كمال ادهم ، وغيرها من الوثائق . 6 تسهيل تمرير التمويل والدعم السعوديين عسكريا ، وامنيا ، ضد دولة الجنوب 7 إشراف نظام صنعاء على التمويل السعودي لزعماء مشائخ القبائل ، وتشكيل الفرق القبلية المسلحة من سلاطين الجنوب والتي كانت تتحرك كذلك بدعم استعماري سري ، حتى تشكيل " لواء العودة " لمحاربة النظام في جنوب الوطن سابقا من منطقة بيحان والمناطق الحدودية . 8 تمديد فترة التنازل عن الأرض اليمنية مع السعودية عشرين سنة جديدة كنتيجة من نتائج المصالحة ، وصولا للتنازل النهائي عنها اليوم . 9 ولا يمكننا اليوم قراءة الحرب بين الشطرين 1972م سوى تلبية لمطالب سعودية مباشرة وملحة. 10 ومن المهم هنا فهم معنى ان السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي رفضت الاعتراف بالنظام الجمهوري في شمال الوطن ، إلا بعد مايسمى " المصالحة " ولم تعترف السعودية بدولة الاستقلال الوطني في الجنوب إلا في منتصف السبعينيات 11 يجب الاعتراف ان الدعم السعودي المالي ، وغيره لنظام صنعاء ارتبط بمدى قدرته على توتير الأجواء بين الشطرين ، ولتسهيل العدوان على نظام الجنوب من الحدود ، وجميعها من ثمار المصالحة المرة ، القاسية والمذلة ، فأين هي إذاً الوطنية اليمنية في شعار المصالحة أين هي الذاتية اليمنية " ؟ بعد أن فقدنا السيادة والاستقلال الوطني ، وأصبحنا من حينه في حالة هوية وطنية ضعيفة هشة ومفككة وتابعة لهوية سياسية كل مجدها وقوتها وتأريخها السياسي آتٍ من البترو دولار النفطي الذي به تم شراء الذمم ، والنفوس ، والعقول ، وقاد مصائر الشطر الشمالي من الوطن إلى مصائر سياسية وتاريخية لا صلة لها بالمصالحة ، ولا هي حققت شعار الذاتية اليمنية " وأثرت بالنتيجة على ماضي اليمن الشطري كله ، ومازالت تؤثر وتتحكم بمصائر مستقبله الآتي مع الأسف . واستطيع القول ان ما لم تحققه السعودية ، والقوى الاستعمارية الامبريالية ، وأعوانهم بالحرب ، توصلت إليه عبر ما يسمى سياسة المصالحة ، متجاهلين ان فكرة المصالحة ، إنما هي في الجوهر رؤية ، وفلسفة ، وثقافة مدنية ، حوارية ، نقدية عقلانية سلمية هي ثقافة تنوير سياسي وتسامح سياسي ، لاتفهما القوى السياسية الاجتماعية التقليدية ، مناقضة في الجوهر لثقافة الإقطاع المشيخي والقبلي ، وثقافة ، العسكر الانتهازيين الذين تركوا قيادة وحداتهم العسكرية فترة الحصار هاربين إلى خارج الوطن ، وهي مجاميع معتصمة بالفكر السياسي القبلي ، والطائفي ، وهم أكثر من تاجر بقضية الحرب الجمهورية ، الملكية ، فعن أي مصالحة بعد ذلك يتحدثون ، ان ثقافة المصالحة نقيض جذري لهوياتهم السياسية الصغيرة ، القبلية والمذهبية ، والطائفية بعضهم ما يزال حتى اللحظة معتصما ، ومنتميا لتلك الثقافة المغايرة لثقافة التسامح ، والتصالح ، والتعدد ، والتنوع ثقافة الاختلاف ، والنقد والقبول بالآخر . * الفصل السابع ، الثامن فصلان ممنوعان من الصرف سأبدأ التعليق على الفصلين السابع والثامن من الكتاب الحواري بإجابة للشهيد جار الله عمر على سؤال وجهه إليه الصديق الأستاذ صادق ناشر ، والسؤال يقول : في لقاءاتكم مع الرئيس علي عبدالله صالح كيف وجدتم الرجل ؟ وكانت الإجابة المباشرة والصادقة المحتوية للمعنى كله : "هذا السؤال صعب ، إذ لا تستطيع ان تقيم شخصا تقييما دقيقا ومسؤولاً وأميناً وهو ما يزال يحكم ، ولديه القوة ويستطيع ان يلحق بك الضرر ، ولهذا ، فإما ان تكذب وتخادع ، وإما ان تقول كلاما ستعاقب عليه ،جاء ذلك الرد على ذلك االسؤال ، من كتاب " جار الله عمر : قصة حياة .. من شهقة الميلاد إلى رصاصة الموت " ص 43 ، ولهذه الاعتبارات لن ادخل في مناقشة القضايا المثارة في هذين الفصلين ، ليس خوفا ولا تهيبا ، وإنما حذرا من ان احمل متن الفصلين مالا يحتملانه ، وبتجاهل للشرط السياسي التاريخي لإنتاجهما ، ولان إشكالات وقضايا هذين الفصلين ما تزال قائمة ، وتطورات إحداثهما ، ومفعولاتهما جارية حتى اللحظة هذا أولاً ، وثانيا : وهو الأهم أن من يتحكم ويدير هذه الأحداث ما يزال حاكما متربعا في السلطة ، ويهندس أشياءها ،ومن هنا فإن الإجابات في هذين الفصلين قطعا ستختلف قرأتهما على الأقل من قبلي كباحث مدرك لسياق الإجابات ، المختلفة عن السياق الذي وردت فيه إجابات الفصول الستة السابقة ،التي جاءت شفافة ، وسلسة ، وليست مثقلة بضغوط النص السياسي الاستبدادي ، واشتراطاته القهرية الراهنة ، وثالثا : انه لمن الصعب ان يأتي احدهم ليسأل مواطناً عادياً ، أو حتى وزيرا في حكومة أو مستشارا لوزير ، حتى بعد إبعادهما عن مواقعهما عقاباً لهما ، أو لأي سبب كان ، حول رأيه بالسيد الرئيس ، أو إنجازاته ، أو دوره في هذه المسألة أو تلك ، وتكون إجابته متضمنة الحد الأدنى من الصدق ، ذلك لان السؤال غير ضروري ، والإجابة ليست مهمة وغير ملزمة ، بل ولا يجب ان يعتد بها شأنها شأن الاعترافات تحت الضغط أو التعذيب ، وفي تقديري ان إجابات الفقيد يحيى المتوكل عن هذه الأسئلة نفسها في ظروف مغايرة ، وسياقات سياسية أخرى ، قطعا ستكون إلى حد بعيد مختلفة ولذلك فإنني لن احمل إجاباته أكثر مما تحتمل في هذين الفصلين والاهم والأخطر من ذلك كله ، ان الرجل أصبح بين يدي ربه جل وعلا ، وهو ما يصعب الأمر علي أخلاقيا ، وإنسانيا ، فضلا عن ان القضايا المراد بحثها ، والحوار النقدي حولها ، ما تزال تحتمل اكثر من قراءة ، وتطور أحداثها ، ومفعولاتها جار ومستمر ، ولا ندري آفاق تطورها إلى أين ستقودنا ، وهو ما جعلني أحجم عن الخوض فيها ، تاركا أمر بحثها ومناقشتها ، والحوار النقدي معها لكتابات قادمة ، ومن هنا كان عزوفي عن الدخول في مناقشتها ، وكنت أتمنى لو ان الله أمد بعمر فقيدنا ليشهد ما نحن عليه ، وما آلت إليه الأوضاع على كافة المستويات ( اقتصادياً ، اجتماعياً ، وسياسياً ، ووطنياً ، ووحدوياً ) وأنا على ثقة بأنه سيفكر مليا ، وعميقا ، فيما سيكتبه أو سيقوله اليوم ، وفقا للحقائق والوقائع الجارية منذ حرب 1994م إلى حرب صعدة التي تدخل عامها السادس في الحرب الشاملة ، إلى الانتفاضات والاحتجاجات السلمية في المحافظات الجنوبية والشرقية ، وأنا على ثقة بحكمته ، وحنكته ، وبصيرته ، وخبرته ، في القدرة على التمييز بين الأشياء .. إن كل ذلك هو ما جعلني اعزف عن الخوض في مساجلة حوارية مع ماورد في هذين الفصلين واحمله ما لا يحتمل ، واشق على نفسي وعليه ، ولذلك وضعتهما أو جعلتهما في حالة الممنوعان من الصرف .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.