لم يعد ذلك معقولا .. يتناقش الناس بصورة دائمة .. يخوضون في السياسة كأنهم يتنفسون , فيما هو هواء ملوث بالأحقاد والعصبية والجدل والكلام لمجرد الكلام . مذ تركنا الحديث في الفن والأدب وغفلنا عن قول الشعر وتبادل الثقافة وكتابة القصص ورسم اللوحات وعرض المسرحيات وإنتاج الأغاني والحديث عن العظماء من مفكرين وشعراء وفنانين وأدباء .. والتجمع لمناقشة كتاب .. منذ ذلك الحين ونحن نغوص في الوحل .. ننصرف عن أنفسنا وتسرقنا هزائمنا ..وشيئا فشيئا ننسحب نحو الفراغ والتفاهة واللاشيء . وللأسف تأتي السياسة كبديل قاتل لتعبئ الكؤوس الفارغة .. فنندثر أكثر ونحن لا نفكر بل نثرثر بصورة مفرطة ونصرف طاقات كثيرة في غير ما جدوى أو عمل , تأخذنا السياسة بعيدا بعيدا .. بعيدا عن كل شئ .. عن العمل والبناء والفن والإبداع وعن اليمن السعيد الذي توقف عن أن يكون سعيدا منذ غرق الناس في السياسة والجدل والتعصب . اليوم علينا أن نعود ثانية .. أحب أن اسمع الناس يتبادلون الشعر وهم في الباصات كما يتهاترون في المواضيع السياسية , أحب أن أرى الشباب يتجمعون للعب الكرة أو قراءة كتاب .. أحب أن ترسم الفتيات على جدران الشوارع وأن تخرج العائلات إلى الحدائق ليلعب الكبار مع الصغار وترتفع الضحكات .. علينا أن نخلق الضحكة كما نبعث البكاء .. علينا أن نشغل عقولنا ونحرك أيدينا وأقدامنا كبديل عن المكوث في أسن الحديث الروتيني حول السياسة والوضع المتردي .. وعلينا أن نزرع كل يوم شتلة ونهدي كل يوم وردة ونمد يد المساعدة لشخص لا نعرفه لنقول له إن الحياة ستصبح أجمل .. دعونا نقرأ هذا المقطع في رواية آنا غافلدا (معا): (كانت تؤكد أن بفضله , كان المرء يحس بنسمة عليلة في تلك القاعة الفسيحة بل وكان يمكنه أن يشم العطر الفواح لتلك الزهرة حين يمر أمامها) هذه أم تصف رسمة إبنها (زهرة لوتس راقدة على صفحة الماء) بعد أن علقتها في صالون البيت. يتحول الفن إلى حقيقة فلا تعود الزهرة مجرد رسمة بل تفوح منها رائحة حقيقية , وهكذا نبدع لنخلق الحقائق الجميلة لا لتغتصب أرواحنا الوقائع المفجعة .