خبر تسرُّب امتحانات الثانوية العامة ليوم أمس الثلاثاء لم يكن خبراً عابراً؛ فقد كان خبراً مخزياً ومزعجاً أحدث ألماً، وذكّرنا بوجع مزمن ومصيبة حلّت على التعليم شوّهت الحاضر وهدّدت المستقبل بالويل والثبور..!!. كل من يحمل ذرّة وعي وحب لهذا الوطن يشعر بغصّة حقيقية وهو يرى التعليم يُحرق ويتلاشى بفعل أبنائه والقائمين عليه. تسرّبت الامتحانات وأُلغيت الاختبارات وأُجّلت إلى يوم آخر، وأُحيل عددٌ من المتهمين وليس التربويين «هؤلاء لا يجوز أن نشرّفهم بلقب التربويين» إلى التحقيق؛ وهو إجراء صائب والصواب هو بالعقاب الذي سيُتخذ ضد من تثبت عليهم هذه التهمة التي ترقى إلى درجة خيانة الأمانة والتفريط بمستقبل الوطن. هؤلاء خونة للوطن أدركوا أم لم يدركوا، لو كان التسريب أمراً منفصلاً لهان الأمر، فكثير من الدول يتم فيها التسريب بسبب شاذ هنا أو هناك؛ لكن الأمر عندنا أصبح كارثة قومية، والشذوذ هنا ظاهرة، وأصبح الغش هو الأصل، وعدم الغش هو الاستثناء الذي يمكن أن يتعرّض صاحبه إلى المهانة والتحقير، ومن لا يُمارس الغش بلا ضمير وجبان بل ربما تتعرّض حياته إلى الخطر. لقد انقلبت الأمور رأساً على عقب، وأصبح الغش حقاً من حقوق الطلاب وأولياء أمورهم الذين يتجمّعون بلا حياء ولا شرف ولا «ناموس» أمام اللجان ليمارسوا الغش، والبعض يستخدمون القوة، وهناك أحداث دامية وقعت وتقع بسبب فرض الغش..!!. ما الذي جرى للناس..؟! كان أولياء الأمور يرفضون مساعدة أولادهم للنجاح ب «الدهفة» ولو علم أحدهم أنه تم ترفيع ولده دون حق؛ اعتبرها جريمة بحق ابنه، كان الآباء يفهمون مصلحة أبنائهم، وماذا يعني أن يعتمد الطالب على الغش، إنها فضيحة طول العمر، بإمكانكم أن تذهبوا إلى الجامعات لتروا فضائح وليس طلاباً، بل إلى المدارس لتروا كوارث وليسوا معلمين، هؤلاء هم من يفرزون هذه الحالة، فكل إناء بما فيه ينضح، والذي كان نتيجة تراكم فساد شامل لسنوات المنجزات لدولة العائلة والتوريث والفساد الممنهج الذي هندس من قبل أفسد حكم عرفه اليمن ومازال يحاول أن يخرّب حتى النفس الأخير. الغش جناية مُخزية في التعليم التي تحتاج إلى إعلان حالة الطوارئ لسنوات، وطلب مساعدة دولية وإنسانية لعمل تطهير حقيقي من الأمية وضياع الأمانة داخل المؤسسة التعليمية التي أصبحت عبئاً حقيقياً على الوطن ومزرعة تفقس الأميّة والبطالة والعيب الحضاري وشباب خاوية عقولهم من كل شيء إلا من المحاربة على الغش وقيمه بكل بجاحة..!!. الغش أحد أهم كوارث اليمن؛ بل الكارثة الأولى التي تحتاج وحدها إلى ثورات مستمرة وتضحيات حتى نتخلّص؛ ليس من الغش؛ وإنما من ثقافة الغش ومنتجاته المبثوثة في البيت والمدرسة والشارع، ونرى نتائجها المدمّرة في كل مكان وفي كل مؤسسة، والقادم أسوأ مالم ينقذنا الله من هذا الوباء الذي خرّب التعليم، وماذا تبقّى لنا لو فقدنا التعليم..؟! لا شيء. [email protected]