ليست وحدها المنكوبة، كل شيء في حياتنا بات منكوباً بطريقة أو بأخرى، حتى إحساسنا بالحياة بات معدوماً وليس منكوباً فقط، ونحن نحترق بالشمع أوقات الفطور والسحور، كأن هذا نوع من أنواع التطفيش للمواطن ليغادر وطنه، لا أعرف لماذا هذه السياسة اللوبية معنا، ناسين أن لهذه الكهرباء وزارة ومؤسسات ونهب النهب.. هذا فقط على مستوى الكهرباء.. أما لو تأملتم محطات البترول في صنعاء، فستتأكدون أننا لسنا منكوبين فقط، بل أموات نمشي على الأرض، يزدحم الناس بالمئات وتغلق الخطوط، ويأتي البلاطجة لنهب الناس وسرقتهم، ويموت المرضى بالجلطات بالطرقات، وموت حقيقي، ونكبات حقيقية، حتى بات إحساسنا بالحياة في أي شيء منكوباً لكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، كيف لا، وكهرباء منكوبة، وماء منكوب وأمان منكوب وبترول منكوب، ماذا تبقى يا ناس لنا هنا لكي لا نكون منكوبين. لذلك فوجئت بإعلان محافظ عمران لمحافظته أخيراً بالمنكوبة، والمحتاجة لمعونات من منظمات ومؤسسات، بعد أن دمرت عن بكرة أبيها، وتشرد سكانها من النساء والأطفال والعجائز، وقتل الشباب، كل هذا وجع لن ينسى، ولن ينساه التاريخ لنا جميعاً.. كان يفترض من أول قطرة دم سفكت، وأول بيت شرد، أن تقوم المحافظة عن بكرة أبيها لتوقف حمام الدماء الذي دمر ونكب كل شيء، لا أن ينتظروا حتى تباد، وتتحول لأثر بعد عين، وتهرب النساء فوق البوابير وهن لا يملكن حتى ستائر، أين عروبة ومروءة اليمني، أين شرفه وناموسه.. أين.. ؟! يعني إحنا ننتظر لما كل شيء ينتهي، وتزهق الأرواح، وتهدم البيوت ويشرد الناس، وتحترق القلوب، ويموت الناس جوعاً وكمداً، في نهار رمضان، ثم نعلنها منكوبة. كيف نُكبت مشاعرنا وانتماءاتنا لهذا الوطن، كيف نُكبت أخلاقنا، وكيف نُكب شرف ومروءة اليمني، الذي كان يحافظ على جاره قبل نفسه، ويقتسم مع سائل لا يعرفه، لقمة عيشه، التي قضى يومه في البحث عنها، كيف نُكب إحساسنا بإنسانيتنا، بأن عرضنا واحد وأرضنا واحدة، عمران ليست منكوبة فقط، بل مظلومة ومحرومة، ودم كل يمني ذرف فيها مسئوليتنا جميعاً، أين اليمني الذي كان إذا حصلت هزة أو مشكلة أو كارثة بمحافظة من المحافظات، أرسل البوابير المليئة بكل ما يحتاجه الناس ولا يحتاجوه، اليوم يتقطعون لبعضهم في الطرقات، ويسلب أخوه اليمني شرفه وماله، كأنه يهودي وحتى اليهود لا يفعلون هذا، إلا إذا كان لهم حساب مع ذلك الشخص، لقد نكبنا بكل شيء، بلقمة عيشنا، وبأخلاقنا، وحتى بطموحاتنا وأحلامنا. وعليه فيجب أن يعلن اليمن أنه بلد منكوب، بكل شيء فيه، بكهربائه ومائه وبتروله وحتى بحزنه وفرحه، لقد نُكبت هذه البلاد، لأن من فيها لا يستحقونها، وسيحاسبون على نكبها وتضييعها، فافيقوا قليلاً، قبل أن ينزل علينا عقاب من يمُهل ولا يهمل..