ومانيل المطالب بالتمني ولكن تُؤخذ الدنيا غلابا ونحن اجتهدنا فوق الاجتهاد, ورأينا من الغلب والقهر مالم تره غيرنا من شعوب الأرض, والدليل الآن مانعيشه من غياب كل شيء لأجل لاشيء, وحدنا من نتألم وندفع الثمن لكل شيء, لنصل بالأخير لفاتورة كهرباء ولاتوجد كهرباء, وفاتورة ماء وما به ماء وفاتورة دكان وما به بترول, وفاتورة عمر, وعمرنا قارب على الانتهاء ونحن أحياء نتنفس.. لكن تبقى في قلوبنا جميعاً صغاراً وكباراً, وحتى عجائز أمنيات غضة, تهرب بنفسها هنا وهناك, حتى لاتصاب بما نحن فيه, فما عشناه ونعيشه على مره وشقائه لنا كمواطنين إلا أنه فيه مايبشر بشيء, حتى لو كان نزراً يسيراً نسكت وجعنا به, إلا أنه أحدث في أنفسنا شيئاً وسيبقى أثره متوارثاً حتى مع أحفادنا وأحفاد أحفادنا, فمنظر علم اليمن وهو يرتفع, ليعلن الوحدة مازال يحدث في أنفسنا ذلك الإحساس نفسه, على الرغم من كل التبعات القادمة بعده, وماقدمه المواطن للحفاظ عليها كان أكبر من كل مايمكن الحديث عنه, وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عظم هذا الحدث, وقيمته في ذاكرة الإنسان اليمني, بغض النظر عن الأطراف الرابحة والخاسرة منه.. لكنه يبقى الحدث الذي كنا دائماً مانكتب عنه, ونفتخر به بين الدول ونعتبره ميزة متفردة لايمكننا التخلي عنها, مهما مر بنا من وجع وخراب. كنت وكنا نتمنى أن يزورنا هذا اليوم ونحن بحال آخر, في كل شيء, المهم على الأقل بأحسن مما نحن عليه الآن, وأهم هذه الأماني: - الكهرباء التي كانت في أعياد الوحدة تزين الشوارع بالمصابيح والمرافق الحكومية وحتى الحارات والطرقات, والبيوت والمساجد, كأنه عيد من أعياد السنة الذي يُنتظر ويُعد له, ويصطف الناس أمام شاشات التلفاز لرؤية الحفل.. اليوم لانجد كهرباء لمصباح واحد ينير لنا حتى المطبخ, لنطعم أولادنا, فكيف بالشارع والحارة والمرافق الحكومية, بتنا نحاف من رؤية الكهرباء أصلاً وننتظر متى ستغادرنا فقط, وإذا قصرنا مظاهر الاحتفال التي تساعدنا الكهرباء فيها على رؤية الحفل- هذا إن كان هناك حفل أصلاً- فكيف سنراه والتلفزيون طافي, وإن افترضنا تغلبنا على هذه المشكلة بإشعال (المواطير) فأين البترول الذي سيشغلها والمحطات مغلقة, والناس يتقاتلون لأجل دبة بترول بأي ثمن, وعليه فكل محاولاتنا ستكون فاشلة مسبقاً, ولاتوجد أي فائدة من التفكير بأي طريقة لاستخدام الكهرباء. - والماء الذي ماعدنا نراه إلا نادراً- طبعاً الآتي من الجهات المعنية- التي تحسب فواتيرها ولاتتأخر في توزيعها يوماً واحداً, والماء الذي لايأتي إلا كل أسبوعين- إن لم يكن في الشهر إلا مرة لمرتين- كم تمنينا أن يأتي هذا العيد ونحن لانبحث عن الماء كاللاجئين, نبحث عن وايتات ماء لنستطيع العيش فقط.. - والبترول الذي بات كنزاً يتقاتل الناس عليه ويهدرون أوقاتهم وحتى أعمارهم في الاصطفاف بحثاً عنه في طوابير هي الأولى من نوعها في العالم, فحتى من يفكر في الذهاب لحديقة أو منتزه في يوم العيد, فلا بد أن يفكر ملياً ثم يلغي الفكرة, لأنه سيفكر في ذلك الطابور الطويل وكم ستصرف السيارة من ذلك البترول الذي قضى يوماً كاملاً يحارب من أجله, وعليه فلا خروج ولانزهة ولا عيد. - والأمان الذي بتنا لانتجرأ أن نحلم به, حتى في أحلامنا, في وقت يتقاتل فيه أصحاب القرية الواحدة فيما بينهم, وبالبوازيك والقنابل ويموت الأبرياء, كما لو كنا فلسطينيين ويهود- مع احترامي لليهود- عيدٌ مليء بالدموع وصرخات الثكالى على أبنائهن الشهداء من الجيش.. وووووو كم تمنيت ياعيد.. ولكن لاحياة لمن ننادي, دمت عيدنا ودامت أمنياتك..