في عام 1981م ألقى الشاعر الكبير عبدالله البردوني قصيدته الرائعة «وردة من دم المتنبي» والتي فاز بها بجائزة شوقي وحافظ من مصر ، تلك القصيدة التي يقول عنها الشاعر فاروق شوشه: «إنها قصيدة القصائد للبردوني. » يقول فيها البردوني : من تلظي لموعه كاد يعمى كاد من شهرة اسمه لا يسمى لكن فيها بيتاً يقول : ما اسم هذا الغلام يا بنَ مُعاذٍ؟ اسمه (لا): مِن أين هذا المسمى؟ ودار في ذهني تساؤلات ؛ فمنْ هو ابن معاذ ؟ وما هو اسم (لا) ؟ جاء في كتاب الصبح المنبي عن حيثية المتنبي سُئل «أي المتنبي » في تلك الأيام عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخبر بنبوتي حيث قال: أنا لا نبي بعدي ، وأنا اسمي في السماء “ لا “ . فكان استغلالاً لغوياً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم « لا نبي بعدي » ، لكن المتنبي وظفه بقوله « لا…نبي بعدي !» فكان النبي (لا) ! بل وقال « أنا أحمدُ النبي » - واسمه أحمد بن الحسين- وهنا تكمن التورية بين أحمد الاسم وأحمد الفعل ، ومنْ يا ترى لا يحمد - يشكر - النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟! إن المتابع للشاعر أحمد بن الحسين المتنبي وقصة زعمه النبوة بين اختلاف دارسي شعره يجد في مثل هذه الحكايات تفوقاً آخر لهذا الشاعر العملاق بغض النظر عن صدق هذه القصة من زيفها … أما ابن معاذ فإنه أبو عبد الإله معاذ بن إسماعيل اللاذقي الذي يروي عن المتنبي قائلاً: قدم أبو الطيب المتنبي اللاذقية في سنة نيف وعشرين وثلاثمائة وهو كما عذر وله وفرة إلى شحمتي أذنيه فأكرمته وعظمته لما رأيته من فصاحته وحسن سمته، فلما تمكن الأنس بيني وبينه، وخلوت معه في المنزل اغتناماً لمشاهدته، واقتباساً من أدبه، قلت: والله إنك لشاب خطير تصلح لمنادمة ملك كبير. فقال: ويحك أتدري ما تقول؟ أنا نبي مرسل! فظننت أنه يهزل، ثم تذكرت أني لم أسمع منه كلمة هزل قط منذ عرفته، فقلت له: ما تقول؟ فقال: أنا نبي مرسل. فقلت له: مرسل إلى منْ؟ فقال: إلى هذه الأمة الضالة المضلة. قلت: تفعل ماذا؟ قال: املأ الدنيا عدلاً كما ملئت جوراً. قلت: بماذا؟ قال بإدرار الأرزاق والثواب العاجل لمنْ أطاع وأتى، وضرب الرقاب لمنْ عصا وأبى. فقلت له: إن هذا أمر عظيم أخاف منه عليك وعذلته على ذلك فقال بديهة: أبا عبد الإله معاذُ إني خفيّ عنك في الهيجا مُقامي ذكرتَ جسيم ما طلبي وأنَّا نخاطر فيه بالمُهج الجسامِ أمثلي تأخذُ النكباتُ منه ويجزع من مُلاقاة الحمامِ ولو برز الزمانُ إلي شخصاً لَخضَّب شَعرَ مَفْرقة حُسامي وما بلغت مَشيَّتها الليالي ... ولا سارتْ وفي يدها زِمامي إذا امتلأت عيونُ الخيل مني ... فويلُ في التيقظ والمنَامِ …إلى آخر الحكاية كما يوردها صاحب الصبح المنبي عن حيثية المتنبي. فكان شاعرنا البردوني أن صاغ كل هذا في بيته السابق الذكر : مااسم هذا الغلام يا بنَ مُعاذٍ؟ اسمه (لا): مِن أين هذاالمسمى؟ [email protected]