بدر بن عقيل مساء ليلة البارحة جاءتني «تعز» بنكهة البن، ومذاق «البلس» وباطلالتها على البحر الأحمر ومدينة المخا وذباب.. والحجرية، وماوية، وشرعب، وجبل حبشي.. وفجأة جلست على حافة سريري لتحكي لي حكايتين عن عطر ايمان.. وصفحات مجد.. فبدأت بحكاية الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، لتقول لي : انه لما بعثه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : «إني بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم» وجاء في خطابه : «إني بعثت لكم خير أهلي». فماكان مني إلا أن وضعته في حدقات عيوني.. وشغاف قلبي، وجعلت له جبل «صبر» سداً منيعاً، واعنته على نشر رسالة الدين الاسلامي الحنيف، ومنحته من جسدي أجمل بقعة ليبني فيها ثاني مسجد في الاسلام «جامع الجند» وكان مركزاً من مراكز الاشعاع الفكري في العالم الاسلامي. ثم لم تتوان ان تخبرني بشيء من حكاية مسجد «الجند» في حاضر الوطن اليمني، فعندما اشتعلت أزمة وحرب اعلان انفصال الوطن في صيف 1994م كان في فناء هذا المسجد والرحاب الطاهرة كلمة الأخ/ علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية «الوحدة أو الموت» فكانت الوحدة.. !! مثلما كانت وحدة اليمن عندما جاء معاذ بن جبل رضي الله عنه برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإن مسجداً مثل هذا جدير بأن يمنحه الأخ رئيس الجمهورية الاعتبار والتقدير والوفاء، وما الاعلان عن تأسيس كلية للعلوم الشرعية في جامع الجند، ونقل وسائل الاعلام الرسمية كل عام شعائر صلاة وخطبتي عيدي الفطر والاضحى من هذا الجامع الا احدى اللفتات الطيبة الكريمة. مساء ليلة البارحة وقبل ان أخلد إلى نومي أصرت «تعز» ان تحكي لي حكاية أخرى من سفر عشقها.. بعد ان صعدنا شموخ الجبل.. واجتزنا ظل الغمام، وغازلنا بهاء القمر، ولامسنا خيوط الشمس.. !! فتحت لي «تعز» بوابة قلعة «القاهرة» وهمست في اذني ان اصافح بانيها الأمير عبدالله بن محمد الصليحي، ومن داخل القلعة جاءتني ثمة كلمات لها اصداء : «لقد كنت حصناً حصيناً للملوك».. «وكنت مقراً للجيش الأيوبي حتى انتهى عصر الدولة الأيوبية. بعد ان قدم من مصر القائد توران شاه، واستولى على القلعة سنة 569 هجرية فماكان منه القائد الرعيني الذي استسلم إلا أن يصرخ بأعلى صوته : تعز علينا ياعدينة جنة نفارقها قسرا وأدمعنا تجري ثم ربتت «تعز» على كتفي برقة.. لتقول لي : إنه في قلعة القاهرة وعندما كانت في حقب مختلفة سجناً للعلماء والأدباء والشعراء والأمراء.. ولدت فيها أرقى قصيدة في الأدب اليمني في منتصف القرن السابع الهجري.. تلك هي قصيدة الأمير الشاعر قاسم بن علي الذروي التي يقول فيها : إن قضيتم من هوانا إرباً ماقضينا من هواكم أربا أو تناءت دارنا عنكم ولم يأتكم منا على الدهر نبا فاذا ريح جنوب جنبت فسألوها كيف حال الغرباء ؟! وهنا.. قلت لتعز : تصبحين على خير.. فدثرني بغطاء من فل وكاذي وهيل، وسطرت على مخدتي وبماء الذهب عبارة «نوم العافية»