قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    أقذر أنواع الحروب هي حرب الخدمات... بريطانيا وإسرائيل أشرف من الاحتلال اليمني    تسليم الجنوب لإيران "لا يجب أن يتم عن طريق دول الجوار"    للجنوبيين: أنتم في معركة سياسية تاريخية سيسقط فيها الكثير وتنكشف أقنعتهم    يوفنتوس يتوج بلقب كأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    أوقفوا هذا العار.. إعلان إسرائيلي غاضب ضد ''توكل كرمان'' بسبب تصريحاتها الجريئة عن حرب غزة    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    موقف عامل يمني بسيط يرفع رؤوس اليمنيين في المملكة !!    عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمنيون وصلوا ايطاليا قبل الرومان (وعبد شمس ) شيَّد مدينة بابليون
هذا هو تاريخ اليمن (الإرهاص)
نشر في الجمهورية يوم 07 - 11 - 2006


تأليف/ عبد الله علي الكميم
وهذا التقديس لا يأتيه اعتباطاً ولا يلغيه لمجرد أنه عمل خيالي تفنن في تدبيجه روح شاعر، ولكن لأنه انعكاس تاريخي لبطولة ولعمل ضخم قام به رجل عظيم في موقعه من تاريخ الأمة العربية).
ويمضي فيقول: (ثم كانت أمامي فرصة أخرى كانت روحي تهفو إلى اقتناصها وهي: الاتصال باللغة التي كتبت فيها هذه القصيدة. لقد كنت أثق أنها عربية وأنها لهذا تقدم لي مرحلة من مراحل صور العربية في نموها وتكونها، فانطلقت إليها لا ألوي . لقد كان القرآن الكريم يتحدث عن حضارة (عاد) وعن عروبتها العرباء وكان مؤرخونا يرددون أقوال سابقيهم عن حضارة (عاد) وكانت المفاصل التي تنتهي بها كثير من أسماء ملوك المنطقة - في العراق خاصة، تنتهي بهذا المفصل، وعاد كانت تتحدث العربية العرباء فلا غرابة في أن تكون هذه القصيدة عربية اللغة أصيلة في عروبتها، ثم كان حمورابي وموجته عربيين .جاءوا من الجزيرة العربية مجددين لتاريخ أمتهم ولدمها في العراق.
فانطلقت أحصل لنفسي (مفاصل كتابتها ومنطوقاتها وتقدم بي العمل على ضوء التفسير الاجتهادي المنطوق لتلك المفاصل والرموز ومعانيها)
وهو لا يكتفي بهذا بل يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير فيقول: وسترى في سياق الدراسة التي أنت مقبل عليها لهذه القصيدة لماذا دعوتها (معلقة).
وسيذهلك بقدر ما أذهلني أول مخالطتي لها سعة مدلولها الحضاري وكون بطلها قد ترك طابع قدمية على كل بقعة في الدنيا، وأنه كان منشىء حضارة رائعة سامية بنتها أجيال عربية أولى في القارتين القائمتين وراء المحيط الأطلسي والمدعوين اليوم ظلماً طالماً (بالأمريكيين) وأن هذه الحضارة كانت قد خططت لها خطوط مسارها المستقبلي لتجنبها المآسي التي مرت بها (الإنسانية) في العالم القديم.
وأن (الأفاك) الدولي (كولومبوس) قد عرف بوجود هاتين القارتين عن طريق اتصاله الوثيق بالعرب في المشرق، وفي الأنددلس، وذلك بعد أن انحل عنهما نطاق السرية التي كان القدماء من آبائنا يفرضونه حولهما حماية لهما مما وقع لهما بالفعل بعد أن شاع العلم بوجودهما في الشرق العربي وفي الأندلس.
حين لم يكن في تلك الأيام من وسائل؛ لذلك فلم يبق إلا أن يسلكوا طريق الساحل الغربي من الجزيرة نحو الطريق وطريق إفريقيا الشرقية مهاجرون ساميون حوالي سنة 3500ق.م. واستقروا في مصر مع سكانها الحاميين واختلطوا بهم فكان من نتيجة هذا الاختلاط أن ظهر المصريون القدماء الذين وضعوا كثيراً من العناصر الأساسية في مدنيتنا فكانوا أول من شادوا الأبنية الحجرية وأنشأوا التقويم الشمسي (في ذلك البلد) على حد تعبير جورجي زيدان!!
ويرى المؤلفون وهذا مستقى من الاكتشافات الآثارية الجديدة أن هجرة الساميين (اليمنيين) من شبه الجزيرة العربية لم يقتصر على هجرتهم إلى مصر وإنما هنالك هجرات أخرى رافقت هذه الهجرة زمنياً إلى منطقة الرافدين . وفي تلك الغضون أي في أواسط الألف الرابع ق.م. اندفعت إلى الشمال موجة أخرى من المهاجرين سلكت طريقا شرقياً موازياً للآخر. واستقرت في وادي الرافدين الذي كان يسكنه في ذلك الزمن شعب عريق المدنية هم السومريون.
ولعل الأكثر أهمية من هذا كله ما توصل إليه المرحوم الفرح من تحليله لبعض الوثائق التاريخية المهمة في عهد الملك البابلي حمورابي والملك اليمني السبائي الكبير (شمس عاد بن الملك الملطاط سين مبلاط) الذي بسط نفوذه بعد أبيه على بابل وآشور والذي قام بدوره بتسليم التشريع إلى الملك حمورابي الذي اعتبره (الفرح)أخاً له في تلك القصة والصورة المشهورتين. ونرى أن ذلك يؤكد أيضاً أن شمس عاد هو الشقيق الأكبر لحمورابي ملك بابل وينتج ذلك حقيقة هامة أيضاً ففي أعلى لوحة تشريعات حمورابي المشهورة المشهورة يوجد رسم للملك حمورابي وهو واقف أمام ملك جالس على العرش اسمه (شمس ...) وقد اعتبر الدارسون ذلك الملك الذي يتلقى منه حمورابي التشريعات هو الإله الشمس) ونرى أن القرائن، والصورة نفسها تنطق بأنه شمس عاد (شمس آدد) لأن حمورابي كان ملكاً لبابل تحت السيادة الأعلى (العلياء) للملك شمس عاد ولذلك يتلقى حمورابي التشريع منه، ولأن الجالس على الكرسي -العرش- هو رجل بيده صولجان الحكم وفوق رأسه تاج ويرتدي ثوباً من أثواب ملوك ذلك العصر فهو ملك إنسان، واسمه شمس عاد و(شمس آدد) وقد وصفته النصوص بلقب (ملك جميع البلد إن ملك العالم).
والمهم هنا أنه الشقيق الأكبر لحمورابي ومنه يتلقى حمورابي التشريع.
هذا وقد ذكرت المصادر أن الملك الشهير هذا أعني شمس عاد أو (شمس آدد) كما ورد في النقوش الآشورية كان قد حكم 34 سنة من سنة 1815-1793 ق.م. كان ملكاً على سبأ نيابة عن أبيه الملطاط سين مبلاط الذي كان في بلاد الرافدين. واستمر تدفق اليمانيين إلى البلدان التي سبق أن فتحوها وحكموها كالعراق والشام ومصر. فقد جاء بعد الملك الكبير (شمس عاد) 1815-1793ق.م. الملك شرحبيل بن يُعْفِر بن أبي كرب أسعد (551-593 سبئي 669-627 ق.م). وقاد بنفسه زحفاً على العراق لمواصلة جهود أبيه، وكان شرحبيل من قادة فتوحات أبيه الخارجية التي سلف ذكرها، واستخلفه أبوه على آشور العراق. وكانت مدينة نينوى (الموصل) في آشور مقر الملك شرحبيل، وقام ببناء قصر هناك تم العثور في أطلاله على ألواح مزبورة بالعلامات المسمارية ورسوم كثيرة كانت منحوتة في جدران القصر، وقد اعتبرته الدراسات ملكاً آشورياً .
وتم الاجتهاد في قراءة وترجمة اسمه بلفظ (آشور بانيبال) بينما ذكر د. جمس هنري بريستد اسمه بلفظ: (الملك شوربيلت)وهو الأقرب إلى الاسم الصحيح (شرحبيل)وقد استمر ملكاً لآشور والأقاليم الخارجية بعد وفاة أبيه (سنة 669 ق.م. حيث تذكر تلك الدراسات أنه حكم من 669-627ق.م) ونرى أنه ليس هنالك تعارض بين كونه ملك سبأ وكونه ملك آشور وبابل لأن ملوكيته لآشور وبابل، وغيرهما كانت ملوكية علياء وخاصة بعد مصرع أخيه الملك حسان، وعودة الملك شرحبيل إلى أرض سبأ.
هكذا يتضح الدور الكبير الذي قام به اليمانيون في بلاد العراق والشام ومصر منذ القدم حينما انتقلوا إليها مع حضاراتهم ومعارفهم وعلومهم وتشريعاتهم.
ومن هذه الوقائع نستنتج أن الحضارات العربية كانت تؤول إلى مصدر واحد وأن دولة حمير كانت قديمة واستمرت حوالي خمسة آلاف سنة.
وقد حل الساميون هذا الوادي وهم في حالة البداوة والجهل.. هذا الكلام فيه نظر لما سبقت الإشارة إليه من أن اليمنيين جاءوا بحضاراتهم وعلموا غيرهم فما عتموا أن تعلموا من السومريين مؤسسي حضارة الفراتين في بناء المنازل، والسكن .. ووسائل الري، وفوق ذلك فقد تعلموا منهم كيف يكتبون، من يعلم من ؟!فاليمنيون هم مخترعو الكتابة ومنهم تعلم الآخرون وكان اختراع الكتابة في اليمن أيام عاد أي قبل عشرة ألف سنة من هذا التاريخ (إن كل الخطوط اخترعت في اليمن ولم يكن السومريون من الشعوب السامية ولكن اختلاطهم بهؤلاء العرب الذين نزلوا عليهم في وادي الرافدين أنتج الشعب البابلي الذي شاطر المصريين في وضع الأسس لميراثنا الثقافي)
وهنا موطن الخلاف . فقد حكموا على تاريخ اليمن دون أن يقرءوه!!
إذن فالسوريون في نظرهم ليسوا ساميين والبابليون جاءوا نتيجة اختلاط السومريين بالعرب القادمين من اليمن!!
ويستمر تدفق اليمنيين إلى خارج إطار شبه الجزيرة فهاهم في موجة من موجاتهم يتجهون إلى منطقة الهلال الخصيب (الشام)، (وحوالي منتصف الألف الثالث ق.م. حدثت هجرة سامية أخرى حملت الأموريين إلى الهلال الخصيب، وكان من العناصر التي تألفت منها هذه الموجة الجديدة الكنعانيون، وقد حلوا غربي الشام وفلسطين بعد 2500والساحليون الذين سماهم الأغارقة (الفينيقيين). حتى العبرانيون والآراميون أيضاً خرجوا من اليمن كما يرى هؤلاء المؤلفون (وذلك بين سنتي1500و1200 ق.م. حين تسرب العبرانيون إلى جنوب الشام (فلسطين وتسرب الآراميون (السريان)إلى الشمال إلى سهل البقاع (جوف سورية) الواقع بين جبلي لبنان الشرقي والغربي) وهذا بحاجة إلى مزيد من البحث." رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه " فالموضوع بحاجة إلى بحث كبير ومن علماء محايدين.
وكانت آخر موجة خروج من اليمن قبل الإسلام هي تلك التي قام بها الأنباط (وحوالي سنة 500ق.م. نزل الأنباط الأرض الواقعة إلى الشمال الشرفي من جزيرة سيناء (هذا فيه نظر . فهل الأنباط هجرة يمنية أم أنهم خليط من أقوام مختلفة؟!نحن نعتبرهم خليطا من أقوام شتى . وإن كانوا في الأصل من اليمن).
وهكذا يكون اليمنيون قد غطوا بموجاتهم البشرية المتتابعة مناطق شاسعة من آسيا وأفريقيا وجزءاً من أوروبا. (وهي نظرية بحاجة إلى المزيد من البحث والدراسة العلميين).
والسؤال الأهم هنا هو ما الدور الذي قام به هؤلاء اليمنيون في مواقعهم الجديدة؟ هل جاءوا فعلاً بحضاراتهم، وخبراتهم، وتجاربهم، ونقلوها إلى الأمصار المفتوحة وأسهموا مع شعوبها في بناء حضاراتهم كما هو الحال بالنسبة لحضارات الرافدين والشام ومصر كما يعتقد البعض الآن؟! أم أنهم كانوا أساتذة السومريين، والآشوريين، والكنعانيين والفراعنة وأنهم هم الذين بنوا تلك الحضارات وكان دور السكان الأصليين ثانوياً، وهذا ما تميل إليه الأبحاث العلمية الحديثة؟! كل هذه الأسئلة وغيرها بحاجة إلى إجابات علمية من خلال البحوث والتنقيبات الآثارية القائمة والقادمة، على أن هنالك شواهد تاريخية في الكتابات السومرية، والبابلية، والآشورية، والفرعونية تثبت قدم الحضارة اليمنية وقدم هجرات اليمنيين وخبراتهم العالية في شتى مجالات البناء والزراعة واستئناس الحيوانات، ومدى تأثيرهم في صنع حضارة هذه الأصقاع.
وما رواية المسعودي عن نقش أعمدة الإسكندرية التي كشفها الإسكندر المقدوني وما أعلن خلال هذا الأسبوع (أواخر شهر نوفمبر 1999م عن اكتشاف كتابات سامية في مصر غير الهيروغليفية وأقدم منها إلا أدلة على ما نهدف إليه. بل لقد كشف أول ستار وانبلج الشفق الأول من خلال ما قدمه الأستاذ الباحث (أنور محمد خالد) في كتابه (بحثه) القيم الموسوم (مهد الساميين في أعالي اليمن): (الفراعنة كنعان، الأموريون، الآراميون).
ولمزيد من الأدلة والتأكيد على متانة العلاقات بين اليمانيين والمصريين في عهد الفراعنة وعلى أن اليمن ومصر حكمت من قبل ملك واحد في حدود الألف الثاني ق.م. وعلى أن الفراعنة انطلقوا من اليمن يحملون أسماءهم ومعارفهم وتجاربهم في المجالات المختلفة نورد ما توصل إليه المرحوم الفرح في دراسته للمسألة. قال: إن نصوص ورسائل العَمَارِنَة (تل في مصر) تذكر بعد الملك أمِنْفيس (المُنِبْر/الشمس) ابنه الملك (أمِنْفيس) المذُْعِر ملكاً لمصر وبلدان محور الغرب والبحر المتوسط فيكون ذلك في الفترة (1179-1142ق.م) التي عاد فيها أمِنْفيس ذو المنار إلى اليمن وأصبح ملك الملوك.
وفي حوالي سنة 1170 ق.م تم تمليك رُعمسيس الثالث في مدينة طيبة(1) العاصمة الفرعونية التليدة بجنوب مصر والتي استمرت معقلاً لعبادة آمون الإله المصري الفرعوني والآلهة المتعددة. بينما كانت مدينة العمارنة بوسط مصر هي عاصمة ومقر ملوك الغزاة الفاتحين (المانشويس) منذ عهد أمِنْفيس ذي رياش (بورياش) وابنه أمِنْفيس المنير (الشمس- ذو المنار ثم أمِنْفيس المذُْعِر (ذو الأذعار بن ذي منار) وفي السنة 11 من حكم رعمسيس الثالث في طيبة اندلعت حرب بينه وبين أولئك الغزاة الفاتحين الذين كانوا في مناطق وسط مصر وفي مصر العليا وساندتهم سفنهم الحربية التي يبدو أنها كانت في ساحل وسط مصر بالبحر الأحمر فغزت الساحل التابع لمدينة طيبة. وللملك رعمسيس الثالث واشتبكت مع سفن رعمسيس ويتبين من رسوم نقش رعمسيس الثالث عن المعركة البحرية أن الفاتحين قوم ذوي رياش وذي منار (تتميز سفنهم بأنها يرتفع بعضها ارتفاعاً عمودياً من جهة ومدبب الطرف من جهة أخرى، وبعضها مدبب الطرف من الجهتين، وأنه يضع جنودهم رياشاً في غطاء رؤوسهم وبعضهم خوذات ذات قرنين، ويحملون دروعاً مستديرة).
فتلك هي نماذج السفن التي أشار إليها اليحموم بن المنتاب في قوله:
فلقد بلغت من البلاد مبالغاً
يا ذا المنار وضعضعت لجلالك
قدت الجنود إلى الجنود سريعة
وحملت منها في السفين كذلك
قالت لك الأرضون سمعا طاعة
لم تستطع أن تصطبر لقتالك
وكذلك في قول نشوان الحميري: سار ذو المنارنحو المغرب غازياً حتى أوغل في أرض السودان براً وبحراً. وقد انتهت الحرب مع رعمسيس الثالث بالصلح والاتفاق، فاستمر ملكاً بطيبة وما كان إليها من مصر بينما استمرت مناطق وسط مصر، ومصر العليا بيد الفاتحين الذين كانوا مستقرين بها مع عائلاتهم والذين تُسميهم الدراسات (مانشويس) وقد أصبحوا طبقة جديدة من أهل مصر القدماء وحلّوا محل طبقة الفراعنة، وكذلك استمرت العمارنة عاصمة كبرى، وبها الملك أمنفيس ذو الأذعار ملكاً لمصر وبلدان محور الغرب والمغرب إلى أن مات الملك ذو المنار بأرض سبأ في نهاية السنة 38 من حكمه ويوافق ذلك سنة 1142ق.م.
انظر الشكل رقم (8) في الملحقات وتوضح جزءاً من معركة بحرية لرعمسيس الثالث.
قال الهمداني في الإكليل: ((مات ذو المنار بغمدان)) أي بقصر غُمدان بمدينة أزال التليدة. ولما مات ذو المنار انعقدت الملوكية العليا لذي الأذعار بن ذي المنار.
3- ذو الأذعار بن ذي منار.. الذي أذعر الوَرَى
(79-103للتقويم السبئي/1141-1117ق.م)
هو الملك أمنفيس ذو الأذعار بن أمنفيس ذي المنار بن أمنفيس باران ذي رياش بن قيس بن صيفي بن حِمْيَر ذي ريدان بن سبأ الأصغر وكان اسمه الشخصي (إل عبد) وهو مكوّنُ من كلمتين (إل) و(عبد) مثل اسم (إلشرح يحضب) ومعنى (إل) هو الله تعالى فالاسم (إلعبد) بمعنى عبد إيل، مثل جبرئيل. وكان اسمه الديني (أمنفيس) ولقبه الذي عُرِف وسُمّي به منذ زمنه (ذو الأذعار) وفي ترجمات الرسائل المعثور عليها في العمارنة بمصر (الملك المُذْعِر).
و لنتابع الدكتور البهبيتي في دراساته المضنية لرحلة العرب الأوائل من القرطاجنيين المتحدرين من أصول يمنية إلى أمريكا، وعن جيلجامش، وأنها تعني سورة ذي القرنين اليمني والذي أفردنا له دراسة مطولة كفيلة بوقفة متأنية من قبل المؤرخين، وعلماء الإنسانيات وقمينة بإعادة قراءة وكتابة التاريخ اليمني، والعربي، بل والإنساني بشكل عام. يقول البهبيتي (ولقد تم هذا البحث، وتمت لي نتائجه من واقع دراسة (قصيدة) جيلجامش، مع الاستعانة في استيضاح جوانبه التفصيلية بالقرآن الكريم، وبكتب التفاسير، وبما كتبه الأوروبيون عن تفاصيل ما وقع منهم بعد أن نزلوا القارتين الجديدتين القديمتين جميعاً، وعرفوا طريقهم إليهما، وكانت النتائج حاسمة لا يماري فيها إلا مضل مزيف يعز عليه أن ينهار زيفه فهو كظيم.
ويردف قائلاً: ويشاء الله أن يأتي بعد ذلك الدليل النصي القاطع بصحة ما خرجت إليه قياساً واستدلالاً وفحصاً وتحقيقاً فيحل عالم أوروبي طلاسم لوحات ثلاث كانت في الولايات المتحدة عثر عليها في كندا وفي المكسيك ومن بينهما واحدة كتب عليها بالفينيقية (أنا هاني بن تيم قد مررت من هنا) ويعلق البهبيتي على النص قائلاً: وهاني بن تيم هو من يدعوه المؤرخون اليونان (هانون القرطاجني).
وهو أمير من أمراء البحر العرب كان عاملاً لقرطاجنة على غرب الأندلس، وقد قام على رأس أسطول بحري مؤلف من ستين سفينة من عابرات المحيط تحمل كل سفينة خمسمائة عربي قرطاجني من الرجال والنساء والأطفال، أي ثلاثين ألف نفس ومعهم متاعهم وطعامهم وماؤهم لرحلة تصل قرابة الشهرين إلى القارتين الجديدتين. فبلغهما، ووزع هناك حملة من قومه للنزول الدائم، ثم عاد إلى قرطاجنة فسجل في معبد شمس أخبار رحلته مموهة منكرة مواصلة منه لسرية الرحلة وهدفها، فكان توفيقاً من الله دونه كل توفيق فأفضت خبرته تفصيلاً إلى الكتاب كما أوردته الصحيفة التي قرأته فيها حتى أقطع الطريق على الممارين.
ويسترسل قائلاً: وقد أملت هذه (الاستمرارية الحضارية العربية) علي في منهجي متابعة التطور الإنساني على مجرى التاريخ منذ زمن (جيلجامش) - وسترى أنه ملك من ملوك اليمن القدامى أمم قصته الشاعر العراقي وأنه هو الذي يسميه القرآن الكريم (ذا القرنين).
البهبيتي الذي أعاد قراءة التاريخ العربي اليمني قراءة واعية ومدركة، ومسئولة، وحاول إعادة كتابته كي يقدم للأمة مشروع رؤية علمية لكيفية إعادة قراءة وإعادة كتابة التاريخ اليمني العربي العالمي لاعتقاده الجازم وأنا معه - وكثير من الكتاب، والمؤرخين والعلماء العرب والأجانب المنصفين بأن تاريخ اليمن لم يكتب بعد وأن ما هو موجود ما هو إلا مسخ لتاريخ اليمن الذي هو تاريخ العرب الحقيقي وهو (أي ما كتب) صورة شوهاء لتلك الحقائق العظيمة التي سجلها وأشاد بها القرآن الكريم، وأشارت إليها الكتب السماوية الصحيحة الأخرى، وذكرها الفلاسفة إضافة إلى تخليدها في المعالم الآثارية والآيات المعمارية والصخور وفي الرحلات وبناء السدود، والمدن وما هو مدون، ومكتوب في جميع شبه الجزيرة العربية، وخارجها، بل في جميع أنحاء المعمورة بما قد ذلك أمريكا التي اكتشفها هؤلاء الفاتحون العظام.
إن البهبيتي قد أعاد قراءة التاريخ اليمني والعربي بعامة بعين العالم الناقد، وفي ضوء الحقائق والمعطيات العلمية الحديثة، والموثوقة، والتي لا تماري .
وكتب رؤيته هذه بدم قلبه ودموع عينيه الباكيتين على ما لحق تاريخ آبائه،وأجداده من سخرية وتزييف وتحقير وتشويش وتشويه وامتهان وتجاهل وإتلاف عن عمد من قبل الأعداء، والأصدقاء على حد سواء، فما أصابه من (طه حسين) وأمثاله ليس أقل مما عمل أي عدو حاقد مهما كانت عداوته، ومهما كان حقده وقدرته على التشويه والتزييف!! لنستمع إليه يقول: ثم إنه كان من بين هؤلاء من كان يقرأ المسند القديم وصنوف الخط الذي دون فيه تلك الأحداث في ظل ألوية تلك الدول، وهي لا تزال مرفوعة وقد اتصلت سلاسل هؤلاء العلماء وأوغلت بعد ذلك في الإسلام فكان ابن الكلبي (يمني)وأبوه من بين هؤلاء الذين كانوا يقرءون الخطوط القديمة ويستمدون منها أخبار تلك الأجيال ويحملونها إلى الناس مستقاة من ينابيعها الأولى، فتعارض هذا مع ما استقر عليه العرف في الإسلام فإتهم الجهلة ابن الكلبي بالكذب، ولكنهم لا يكفون أبداً عن النقل عنه لأن الحقيقة أغرى للنفوس من التعلق بمطالع المثل الملحوظ.
ومن هذا التضارب بين المثل الأقوم والحقيقة الجافة قفز اتهام المؤرخين اليمنيين بالكذب فنفيت أخبار التبابعة الذين امتدت فتوجاتهم إلى قلب الصين، ومنها ما كان لا زال غضاً طرياً حين أظل الإسلام الناس . وقيل: (تكاذيب اليمنيين) !! وما كذب اليمنيون،ولا وهموا وإنما هو التاريخ، والتاريخ جذور الأمة في الزمان وفي المكان، فهو الدليل المثبت لأصالتها، وهو المحيط الذي يبرز كيانها، وهو التحالف مع الزمن الذي يجعل من الأمم ذوات الماضي المرموق وحدات تتميز بين الأمم).
وكما اهتم (نجيب البهبيتي) بتاريخ اليمن المفترى عليه أو المسكوت عنه أو قل إن شئت المتآمر عليه !! فقد اهتم به كذلك المرحوم القاضي عبد الله عبد الوهاب الشماحي . الذي كان بالفعل أحد علماء اليمن البارعين والباحثين بنباهة،وشجاعة في تاريخ أجدادهم، وخرج من أبحاثه ودراساته وقراءاته الواسعة، و لقاءاته بالكثير من العلماء والمؤرخين، والناقدين بنتائج مثيرة للإعجاب حقاً بل نكاد نقول مذهلة وغير متوقعة، ولا مسبوقة مع أنها هي التصور الذي كنت أحمله في ذهني، وهي النتائج التي توصلت إليها وربما قد يتوصل إليها غيري فمن يعطي وقتاً كافياً لقراءة ما هو موجود من مراجع عن تاريخ اليمن وبعد قراءتها أكثر من مرة بل ويدقق في كل كلمة وسطر في التاريخ المكتوب وبالذات تلك المؤلفات القيمة التي تركها لنا عالما اليمن الكبيران(أبو محمد الهمداني) و(نشوان بن سعيد الحميري)وغيرهما ممن عاصروهما أو جاءوا قبلهما (كوهب بن منبه) و(عبيد بن شرية)، ومن ذلك كتب الطبري واليعقوبي وابن والأثير، وابن كثير، وابن هشام الكلبي صاحب السيرة وكتاباته الأخرى، وكتب ابن مسعود، وأخيراً كتب ابن خلدون القيمة..إلخ.
أقول: إن من يقرأ هذه الكتب وغيرها ومنها كتب وأبحاث المحدثين وأهمها كتاب المفصل في تاريخ العرب لجواد علي، كذلك لسان العرب وتاج العروس،وكل ما صدر وله علاقة بتاريخ اليمن والعرب ككل، كذلك تاريخ منطقة جنوب غرب آسيا . ويتفرغ لهذه المهمة الصعبة لا أن يعطيها فائض وقته والزائد من جهده فإنه لابد أن يصل إلى النتائج التي توصلنا إليها وهي:
أن ما هو موجود من تاريخ مكتوب يسمى (تاريخ اليمن) ليس بتاريخ اليمن ولا يمت إلى التاريخ الحقيقي لليمن بصلة، وإنما هي مجموعة هوامش وانطباعات منقولة من هنا أو هناك وهي مكررة في الكتب وتكاد الكتب الموجودة تشكل صورة واحدة مكررة لا جديد فيها ولا إبداع ولا إضافات . أما ما يكشف الآن عن تاريخ اليمن فإنه لا يزال حكراً على أولئك الأجانب الذين يقومون بالتنقيب عنه.عدا النزر اليسير مثل ما يعلن على الصحف من تصريحات وتقارير تفتقر إلى العمق والشمول!! ففرقهم وإرسالياتهم وسفاراتهم هم الذين يقومون بالبحث والتنقيب والدراسات الميدانية والنظرية وهم الذين يعدون للمؤتمرات، وهم الذين يحضرونها، وهم الذين يدرسون الأبحاث والدراسات المقدمة لها، وهم بالتالي الذين يصدرون القرارات والتوصيات ويحتفظون بها لديهم .ونحن إذا حضرنا فيحضر منا اثنان أو ثلاثة قد يكون منهم رئيس الهيئة المختصة كما حدث أن عقد ما سمي بالمؤتمر الثالث للتاريخ والحضارة اليمنية أو ما معناه قبل حوالي سنتين (في أواخر التسعينات!!) كشهود فقط وكأن القضية ليست قضيتنا، أو أن هذه الحضارة ليست حضارتنا والتاريخ ليس بتاريخنا والبلد ليس بلدنا!!وهو تاريخ العرب كلهم بل تاريخ الإنسان ككل ويبدو أن المؤتمر الرابع قد عقد ولن يختلف من حيث الإعداد والحضور والنتائج عن سابقه!! (بالفعل عقد على غرار سابقة!!)فإلى متى تستمر هذه المهازل وإذا لم نكن قادرين فلماذا ندع الغير يعقدون مؤتمرات على هذا المستوى من الخطورة نيابة عنا؟!
وإنني أعتقد جازماً أن وراء هذا التكتم أمراً خطراً جداً، فما من شك أن الكشف عن أسرار تاريخ اليمن سيجعل كل ما هو مكتوب من تاريخ العالم في مهب الريح، وأن العالم لا بد أن يقف إجلالاً وإكباراً لتاريخ اليمن، وأنه لابد أن يعيد قراءة وكتابة وترتيب شجرة التاريخ القديم كاملاً شاملاً فجذور شجرته في اليمن وفروعها غطت معظم الكرة الأرضية، ولا بد من البحث عن كل الجذور وكشفها، ولا بد بالتالي من إعادة النظر في كل ما هو مكتوب عن التاريخ . إنني أقول هذا واثقاً ولابد أن يتم هذا عاجلاً أو آجلاً إن شاء الله.
وإنني أؤكد أن تاريخ اليمن لا يمكن أن يكبته إلا المتفرغون من ذوي العزائم القوية والهمم العالية والكفاءات النادرة والرغبة الجامحة، وممن تتوافر لهم معظم المصادر، ويتابعون كل جديد يومياً أما أولئك الذين لا يعطون إلا من جهدهم المكدود أو أولئك الذين يقومون بأعمال مزدوجة أو المخزنون فإنهم غير جديرين بكتابة هذا التاريخ العظيم أو على الأصح غير قادرين على:
أولاً: كتابة ما لم يكتب من تاريخ الحضارات اليمنية وقد يساوي من حيث الحجم والفترة الزمنية مابين 80-90% من حجم التاريخ اليمني (العربي).
ثانياً: إعادة قراءة ما هو مكتوب قراءة علمية فاحصة ومحايدة .
ثالثاً: إعادة كتابة ما هو مكتوب كتابة تتفق مع أحدث الأساليب في كتابة التاريخ وفي ضوء المعطيات والإمكانيات المتوافرة (في ضوء المعطيات المشار إليها والمكتشفات الجديدة والبحث العلمي المتطور!!
والآن لنرافق المرحوم الشماحي في خلاصة أبحاثه ودراساته واجتهاداته القيمة، ومحاولاته إعادة الاعتبار لتاريخ بلده، تاريخ آبائه وأجداده تاريخ الإنسان العاقل والإنسان الفاعل، الإنسان المبدع المعلم في محاولة لإعادة ترتيب وضع الصورة للتاريخ اليمني الحقيقي العظيم بدلاً من وضعها السابق المعكوس!...! يقول الشماحي:
(لقد استقر أخيراً عن طريق السجلات الجيولوجية والأثرية أن الجزيرة العربية هي من أقدم المناطق التي تخلصت من قبضة العصر الجليدي الرابع، وأنها منذ مائة وخمسين ألف سنة تقديراً انتقلت من الجليد الرابع إلى مناخ دافىء معتدل كثير الأمطار، كثير الأنهار العظام المتحررة من كماشة الجليد، مما مكن الحياة فيها من إخراج الإنسان الأول المعد للحضارة.
فبدأ الإنسان المستعد للتكيف ينمو ويتناسل مع الأجيال المتعاقبة التي استمرت تنمو معها في بطء براعم الحضارة ويستمر ذلك النمو الذي يغذيه المناخ المعتدل الفياض بالخيرات.
واصل الإنسان خطواته بالحضارة نحو الأمام من قبل مائة ألف عام إلى العصور الحجرية الحديثة فما بعدها، بينما كانت أوروبا ومعظم القارتين الإفريقية والآسيوية بما فيها الهند والصين نائمة في سراديب الجليد الرابع.
وما أن بدأت هذه الأقطار تتخلص من خناق الجليد وتحس بالحياة منذ ثلاثين ألف سنة كما قرره (ه.ج. ويلز) في مؤلف.موجز تاريخ العالم صفحة"40" والجزيرة العربية قد قطعت في الحضارة شوطاً بطيئاً تناول فيما أتخيله:
1- آداب الحياة، والسلوك.
2- مبادىء فنون التدوين، والتعليم.
3- صناعة السلم والحرب كإنشاء السفن والأسلحة والمرافىء وطرق المواصلات.
4- العقائد الغيبية وما يتعلق بالفلك والنجوم .
والشماحي يعتبر أن المجتمع اليمني القديم قد مر بمراحل عديدة خلال تطوره فقد انتقل من مجتمع القطيع المرافق للحيوانات إلى مجتمع الكهوف الذي كان يعتمد مطاردة الحيوانات لتصيدها، وعلى ثمار الأشجار وأغصانها وجذورها مشاركاً لذلك الحيوان الذي كان مشاركاً له في كل نشاطاته وسلوكياته ثم انتقل إلى مرحلة استئناس بعض هذه الحيوانات واستنبات بعض النباتات وبالذات الحبوب، وأهمها القمح. كما أثبتت الأبحاث العلمية هذا وجاءت شهادة المؤرخ الإنجليزي توينبي على أن اليمن كانت المهد الأول الذي شهد زراعة أول نبتة قمح بوعي وبقصد. وكانت الرموز هي لغة التفاهم فيما بينهم، ثم تطورت ملكات الصوت بعد تطورات عضوية وفزيولوجية مختلفة فنشأت لغة تفاهم بسيطة فيما بينهم. (وقد تكون هذه اللغة هي جرثومة اللغة العربية القديمة التي ورثتها العرب العاربة، أما فيما عدا رابطة اللغة فما هناك ما يرجع إليه إلا قياس الغائب بالشاهد والماضي البعيد بالماضي القريب).
ويقول الشماحي: أنه بعد المرحلة الطويلة للإنسان البدائي، وبعد المعانات والمشاق، والكر، والفر مع الحيوانات المفترسة، وبعد أن تطور فزيولوجياً وعضلياً، وبعد أن كون جماعات تعيش عيشة الكفاح على ما تنيته الأرض أو يحصل عليه من الصيد تطورت هذه الجماعات (ونشأ عن ذلك استقرار معظم قبائل شعوب الجزيرة العربية إلى حياة الزراعة وتكوين دول القبيلة والمدن وكانت تلك المدن كثيرة وكل مدينة مستقلة عن غيرها في الغالب ويضيف:
ويظهر أن تلك المدن أو القبائل كانت حياة أفرادها قائمة على ضرب من الشيوعية الخاصة بهم القائم هذا الضرب على نظام الأبوة المتمثلة في رئيس القبيلة أو المدينة لا بصفة أنه ملك أو متملك إقطاعي إذ لم يكن حينذاك ملكية تحكم ولا ملكية خاصة ولكن ما مدى امتداد هذا النظام في الزمن ؟ وكيف ومتى تحول؟ وإلام تحول؟ يقول الشماحي: والمفترض أن هذا النظام امتد عشرات القرون، ولم يبدأ التحويل إلا في حوالي الألف العاشر ق.م. تقديراً . إلى الملكية الخاصة، وإلى دولة تشمل عدة مدن، وقبائل، و لربما شملت الأمة في الجزيرة العربية، ويلوح أن هذا التحول المفترض بدأ من عصر عاد، والعمالقة كما سيمر بك.
وقد تحولت بعض المدن إلى دويلات صغيرة بعد أن انضم بعضها إلى بعض، كما فعلت نفس الشيء بعض القبائل الصغيرة، بل ربما اتحد بعض المدن مع بعض القبائل فكونت دولاً (ويبدو أن هذا الدور من التحول نشأ من بروز شخصية قوية طامحة دفعته قبيلته أو مدينته إلى الغزو وضم عدة مدن أو قبائل إليها، وقد يخرج الغزاة تلك القبائل، وسكان المدن المغلوبة من مواطنها،لذلك تطلع أبناء الجزيرة العربية إلى ما حولهم ولعوامل أخرى. كانت تلك الموجات قبل التاريخ إلى خارج الجزيرة . فاندفع أبناء الجزيرة العربية منذ العصر العادي والعملاقي وما قبله، اندفعوا إلى خارج الجزيرة إلى أفريقيا وأوروبا وبقية آسيا في أوقات متعاقبة حاملين معهم حضارتهم وعلومهم التي طبعوا بها مواطنهم الجديدة في آسيا وأوروبا وأفريقيا).
وتحت ضغط الحقائق كما يقول الشماحي إلى جانب عوامل أخرى مختلفة تضاعفت عوامل هجرات العرب (منذ عشرة آلاف عام ق.م. ولكن من أين كانت تأتي هذه الهجرات؟ وكيف كانت تتم ؟ يجيب الشماحي قائلاً: وقد قرر معظم الباحثين اليوم أن الجزيرة العربية وبالأخص جنوبها هي الجزء الذي واستطاع الباحثون أن يعدوا منها خمس موجات قبل التاريخ وخمسا بعده آخرها وأقواها العرب المسلمين)
ويروي لنا الشماحي رحمه الله نتائج لقاءاته بالعلماء والمؤرخين العرب والعالميين عند عقد المؤتمرات واللقاءات الثنائية كما يروى نتائج أبحاثه الشخصية وتأملاته فيقول: وقرر الباحثون إن موجات ما قبل التاريخ أمتدت على إفريقيا الشمالية والبلقان وإيطاليا وأسبانيا انظر التفصيل بمقالات عادل عبدا الحق في مجلد الحوليات الأثرية السورية المجلد السابع عام 1957م.
كما أشار إليه معالي الدكتور محمد معروف الدواليبي في مؤلفة دراسات تاريخية ص 9،8،7،5 قال: لقد تقدمت البحوث العلمية ومن خلال الآثار الحضارية القديمة تقدما مذهلاً وجزمت بحقيقتين علميتين جديدتين
أولاهما: أن الحضارة الإنسانية الأم نشأت في جزيرة العرب، وفي جنوبها على الضبط ثم اضطرت هذه الحضارة تحت ضغط الجفاف في الجزيرة-فريقاً من أصحابها من أكاديين وبابليين، وغيرهم إلى الانتقال والانتشار على جوانب الرافدين في العراق وما حولها كما اضطرت فريقا آخر من أصحابها، وهم الفراعنة بجميع أسرهم الجنوبية والشمالية إلى الانتقال أيضا والانتشار على جانبي النيل .
ثانيهما: أن الأبحاث الأثرية العلمية أيضا أكدت أن هجرات عربية أخرى امتدت منذ ما قبل التاريخ على كل من إفريقية الشمالية، والبلقان وإيطاليا، وأسبانيا كما وصلت أيضا إلى كل من قفقاسية، وبحر الخزر من جهة، وإلى ترنسالفانية، وسلوفاكيا وأعالي بوهيمية في ألمانيا عن طريق مجرى الدانوب من جهة أخرى، وأخيراً إلى كل من فرنسا، والجزائر البريطانية وأيرلندة والدانمارك وغيرها من جهة أخرى.
و(البونيون) امتدت هجراتهم إلى الجزائر، وتونس، وإلى أوروبا، وإليهم يرجع بناء مدينة (بونه) في الجزائر المعروفة اليوم بمدينة (عنابة) وأن تسميتها باسم (بونه) ما هو إلا أشارة إلى اصل سكانها وأن هجرتهم من اليمن وقد بنوا عدة مدن في أماكن أخرى من العالم يشير بذلك إلى مدينة (بون) في ألمانيا مؤكداً أن هؤلاء البونيين هم من بون اليمن أي (بون صنعاء، المقصود به قاع البون (الذي أطلقت عليه وما حوله من الجبال منطقة القصور). وتقع فيه مدينة عمران والقصر وتطل عليه قصور ناعط ومدينة ريدة والقصر والجنات والخدرة وغيرها من المدن والقصور كثير، وكما نعرف أن مدينة ريدة هي مسقط راس أبي التاريخ اليمني (الهمداني) وكان فيها قصر تُلْفُم (أو تلقم) المشهور ويقال أن فيها القصر المشيد والبئر المعطلة..إلخ إن هؤلاء البونيين عرفوا بالكنعانيين البونيين)
ويرى الشماحي أن اليمنيين قد نزلوا إيطاليا قبل وصول الرومان إليها بزمن طويل وأن شعوب مصر والشام ترجع إلى أصول عربية، وأن العرب حين خرجوا إلى مناطق هجراتهم خرجوا متحضرين بل كانوا مالكي ناصية الحضارة، ويعلل هذا بتشابه الحضارات في أصولها. ويؤكد أن هجرة اليمنيين شملت إفريقيا الشمالية، وسائر أوروبا قبل التاريخ (وهذا هو أهم وأخطر ما قيل في هجرات اليمنيين وفي عضة (ذي القرنين) وأنهم وصلوا أمريكا، وتركوا هنالك أثاراً لهم، وهذا ما أيده الدكتور نجيب البهبيتي وهي قضية تكاد تكون من الناحية العلمية مفروغ منها وكذلك من الناحية التاريخية .
ومع هذا فهي قضية فيها نظر وبحاجة إلى المزيد من البحث، والدراسات العلمية والجغرافية، والمناخية والتاريخية، وفي القديم والحديث معاً ومقارنه هذا بما جاء عن طوفان نوح وبناء السفينة، على أن الشماحي لا يتوانى عن تكرار المعلومات الخاصة بهجرة اليمنيين، واتنقالهم إلى أصقاع كثيرة من المعمورة فنجده يقول:
(في مطالع التاريخ ومنذ أربعة آلاف عام ق.م. تدفقت موجات من العرب على بابل والشام ومصر وأن عبد شمس المعروف بسبأ) هو باني مدينة (بابليون) في مصر باسم ولده (بابليون) الذي خلفه على مصر، وأن كلمة (بابليون) وبلبل سامية عربية ومعناها (باب إيلى) وكذلك مدينة (إيليون) وبابل (طروادة) العربية الكنعانية إلى غير ذلك مما افاده معروف الدواليبي بمؤلفه (دراسات تاريخية) انظر صفحات "30،29،28،26،16" ويضيف إن (فلبى) وجماعة من المستشرقين يرون أن اليمن هي مهد العروبة منها انطلقت الموجات البشرية إلى سائر الأنحاء وأن (نمرود) من اليمن انظر ص "232" من الجزء الأول لجواد على)
أما صموئيل لا ينج فيقول عن آثار اليمن القديمة وعمرانها! ليست قاصرة على الساحة اليمنية ن وإنما تتجاوز هذا إلى أنها كانت مملكة عريقة في التقدم، والتمدن والتجارة، وأنها ذات علم، وفن ولهم أحرف هجائية خاصة لا يقل قدمها عن الخطين 0 الهيروغليفي) والآشوري. بل هي أقدم من الخط الفينيقي) (وهذا أمر لا شك فيه فالفينيقيون هجرة من اليمن ضمن الكنعانيين، وكان معهم خطهم الذي أضافوا إليه وعدلوه) وفقاً لظروفهم ومتطلبات حياتهم وتعاملهم مع الأخرين.
ويقول العقاد عن أثر العرب في الحضارة الأوروبية أن الإغريق أخذوا حروفهم من العرب وأن الهنود أخذوها من اليمن).
وقال (هانري ماسبسي): (إن اليمن اشتهرت في كل الأزمان بخصبها وغناها وأن خرائبها تشهد لها بماض سياسي لامع وأن (الشحر)، و(حضرموت) كنتا تُعْرَفان بباب الصين وأن هذه المرافئ ومرافئ عمان تركت البحارة العرب يخلدون أثرهم في تاريخ الملاحة.
ويقول غوستاف لوبون:(لقد ظلت المدن الكبرى في اليمن مدة تزيد عن ألفى عام هي المستودعات التجارية للعالم أجمع وأنها لعبت الدور الذي لعبته البندقية في عهدها الزاهر) أما نهرو فيقول في مؤلفه (من السجن إلى الرئاسة.. لقد كان للعرب قبل الإسلام مستعمرة في جنوب الصين قرب كانتون.
وفي (تاريخ مصر القديم) تأليف المؤوخين محمد عبد الرحمن مصطفى وعبد العزيز مبارك: أن الحضارة بمصر بدأت قبل التاريخ بما يقدر بمائة ألف سنة وأنها أغارت قبل عصر التاريخ على مصر قبائل أسيوية من الجنس السامي (العرب الذين جاءوا عن طريق برزخ السويس استطاعوا أن يؤثروا في حضارة المصريين ولغتهم تأثيرا ًكبيراً).
ويواصل الشماحي نقل زهرات من حدائق الكتب عن عظمة تاريخ اليمن وعن عمق جذوره في التاريخ وأن اليمن هي المهد الأول لكل الحضارات فيقول: (وجاء في كتابي تاريخ الوادي القديم وتاريخ السودان العام لمؤلفهما الدكتور حسن كمال بأن السودانيين، والمصريين من أصل واحد جاء أسلافهم من بلاد العرب وبالأخص من جنوبها عن طريق الصومال وشواطئ أثيوبيه. وأن أصل اللغتين المصرية والعربية واحد، وأن الاختلاف الظاهر ليس إلا نتيجة لإسقاط بعض كلمات في بلاد العرب وبقائها في وادي النيل والعكس.
ويوجز قوله مستخلصا من كلام الدكتور محمد معروف الدواليبي: ولسنا في هذا الحديث الموجز قادرين على أن نلم بما كان لهؤلاء العرب الأقدمين في موجاتهم المتعاقبة قبل الإسلام من آثار لا تحصى ولكن مما لابد منه هو أن نشير بأعظم الفخر إلى الأمور التالية:
أولاً: أن الفينيقيين العرب هم الذين وهبوا العالم الأوروبي أبجديتهم وأن الخط الفينيقي منقول من بلاد العرب . وأن الخط المعيني أقدم منه وأن المعينيين كانت لهم حضارة مزدهرة من الألف الرابع ق.م. وأنهم بواسطة أبجديتهم (بل هي أبجدية عاد من قبلهم بحوالي عشرة آلاف عام) سيطروا على التجارة العاليمة لحاجة التجارة إليها لساناً وضابطا.
ثانياً: أن اليمنيين العرب هم الذين بلغوا مطلع الشمس ومغربها بسفنهم وفتوحاتهم وهم الذين أقاموا سد الصين المشار إليه في القرآن الكريم،وهم الذين وصلوا إلى بحر الظلمات في شمال بريطانيا، وأول من بنى المنارات في تلك المنطقة من البحار العالية لإرشاد السفن في الظلمات.
وتفيد المصادر الأمريكية الحديثة أن هؤلاء العرب هم أول من أتصل بأمريكا في العهود السحيقة في القدم، وحققوا المعجزة في اجتياز البحر المحيط. ومما يشهد على ذلك أسماء بعض الأسماك التي تحمل أسماء عربية أصيلة منذ ذلك العهد البعيد).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.