صيد حوثي بيد القوات الشرعية في تعز    عاجل : التلفزيون الإيراني يعلن رسميا مقتل رئيس البلاد ووزير الخارجية في تحطم مروحية    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرر .. عن جمرات نثرية للأديب المفكر عبدالرحمن طيب بعكر
نشر في الجمهورية يوم 01 - 03 - 2007

لم ينل كتاب جمرات نثرية «الصادر عن الهيئة العامة للكتاب «1» برقم إيداع «259» لسنة 2003م ما نالته مؤلفات الفقيد بعكر من الشهرة والانتشار على الرغم من سمو مكانته وفرادة موضوعه وصدوره عن أهم مؤسسة أدبية وثقافية في اليمن.
علي بعكر أحمد عزي
على الرغم من صغر حجم الكتاب «84» صفحة من القطع المتوسط إلا أن هذا الكتاب يشكل مادة خصبة للباحثين عن الجمال النثري اليمني والإسلامي وهذا يرجع إلى ندرة الكتابات النثرية وخصوصاً على الساحة اليمنية من جهة ومن جهة أخرى وهي الأهم الثقافة العالية والتوسع المعرفي والإحاطة شبه المكاملة بمجريات الساحة الأدبية قديمها وحديثها التي يتمتع بها المؤلف الذي وعلى الرغم من شهرته كشاعر ومؤرخ ومحقق إلا أنه اثبت بهذا المؤلف وغيره من المؤلفات الأدبية «2» أنه عملاق من عمالقة الأدب الكلاسيكي اليمني إن لم يكن عملاقه الأوحد..
واقر سلفاً انني لن استطيع أن أقدم لهذه الجمرات ماتستحقه من الاستعراض والتعريف وحسب هذه الشررات شرف الكتابة عن هذا السفر الصغير في حجمه الكبير بمحتواه.
وسوف اتبع الطريقة التي دأب المؤلف عليها في تبويبه للكتب الأخيرة «3» بوقفات بل سوف اتوقف مع كل عنوان في هذه الجمرات ومن الله سبحانه استمد العون والتوفيق.
مدخل
عنوان هذا الكتاب ذو طبيعة رومانسية إختاره المؤلف بذكاء ولن نستشف جمال هذه التسمية إلا عندما يخبرنا بالأسباب التي دعته لكتابة هذه الرسالة في آخر الكتاب «جاءت هذه الرسالة لتدعو الناشئة إليه وترتفع ارواحهم وتصقل مواهبهم وتشحذ هممهم لمواجهة الواقع المتردي وإحباطاته المغزيه وانحطاطاته المبكية » «4»، ولقد أفرد لعالم الشعر هذا العالم الأثير إلى نفسه القريب إلى قلبه بتسميته عناقيد وكان من المناسب أن يختص عالم النثر بهذه التسمية..
ويفاجئنا ونحن في رياض هذا المدخل بهذا التكرار الذي جنح إليه في كتاباته الأخيرة بحديثه عن عوامل الابداع (الثقافة، الموهبة والاهتمامات) علماً أنه قد سبق وتحدث عنها في أكثر من كتاب يحضرني الآن كتابه (ابن علوان وشاعر العدل والتوحيد) فقد تحدث عن هذه العوامل في هذا المدخل وفي بداية الوقفه الأولى وإنما بإسلوب شعري ونثري رائع ولعل السبب يرجع إلى انه أبحر وغاص كثيراً حتى استخرجها.
ولقد نبه المؤلف في مدخله هذا إلى أنه أهمل بعض الرموز الأدبية في عالم النثر كالجاحظ مع انه أورد له نصاً دعائياً «6» في هذا المدخل معللاً ذلك بقوله واسجل صادقاً انه ماكان لي أن أطفئ توهج جمر هذا البحث بالنصوص الجاحظيه المودعه التي لاترفع حقاً ولاتضع باطلاً لولا أن صاحبها كان ولايزال علامة بارزة في تطور النثر العربي.
وقسم لنا في هذا المدخل وعدد أنواعه التعليمي والامتاع الاخباري والامتاع البلاغي والتفجر الروحي «7» ونوه في حديثه عن الشفاهيه والإسلوبيه في النثر وان التكلف والصنعه هما منعتا من جريان نهر النثر وحولتا الادب من ادب طبع إلى بهرج التصنع وهو ما حدث مع الحريري والحصابي..
وقد كنت أعتقد أن هذا الكتاب قد كتب متفرقاً على شكل مقالات متفرقة ثم عنّ له جمعها وماكان ذلك الاعتقاد إلا لما لاحظته من إهمال الرموز ادبية يمنية وعربية وإسلامية.. وتجده يختصر في الحديث خوف الإطاله مع ان النص لايتجاوز الثلاث صفحات نص ابن قيم الجوزيه مثلاً.
وقد يتأكد لي خطأ ما ذهبت إليه عندما اخبرني الأستاذ محمد عبدالرحمن نجل المؤلف ان الكتاب ولدت فكرته وجمعت كتاباً.
الوقفه الأولى
في بداية هذه الوقفة والتي أفردها لمن طارت بهم أرواحهم الطيارة إلى السموات العلى فأبدعوا تحليقاً وأمتعوا شوقاً وتشويقاً.
وأول من توقف عنده الامام أبو حامد الغزالي الذي وصفه بأنه شاهد على حضارة أمته ورائد لعلاجها «8» واختار له النص الذي تحدث فيه عن تجربته الروحية «من كتابه المنقذ من الضلال».
وعلى الرغم من انه وصف هذا النص بأنه وضع في سرد اخباري وعرض قصصي وبصيغة تقريرية محضة«9».
يعود ويقول لقد عرض تجربته في صفاء ونقاء بعيداً عن أي تعمل وتكلف فكان النص بل الكتاب ممتعاً مبدعاً روحياً وتربوياً وأدبياً«10».
ولعلك لاحظت حماسته وتعاطفه مع الامام الغزالي وتجربته الروحيه فالنص متوسط القيمة وللامام الغزالي في هذا الكتاب والاحياء ومعيار العمل وميزان العمل له نصوص غاية في الإبداع ولكن اعجاب المؤلف بهذه التجربة وصاحبها جعلته يفضله عما سواه.
أما محطته الثانية في هذه الوقفه فإنها زمانياً تأتي بعد قرنين كاملين من القرن الخامس إلى القرن السابع وتوقف عند الامام ابن قيم الجوزية ومن بين كل كتاباته اختار لنا نصاً وصف كاتبه بأنه قد وفق في إفراغه في قالب فني رفيع..
والنص ه عن وداع رمضان ولم يحدد لنا عن أي كتاب أخذه وإن كان أشار في هامش بأن بعض مقاطعه مفقود في النسخ الأصلية.
واكتفى بثلاثة مقاطع منه « خوف الإطالة» على الرغم من أنه وصف بانه جسد ممتشج الأوردة والشرايين بحيث يستعصي اقتطاع بعض عن بعض «11» وفي آخر محطاته في هذه الوقفه توقف ويا ليته أطال التوقف وامتعنا عند القطب وأول ماقاله عنه ان اعتذار له والتمس له العذر في تلك الأقوال التي كانت تصدر عنه «مافي الجبه إلا الله» «لنا الحق» .. وقال ما قاله الامام الغزالي ماصدرت إلا عن لبس واختلاط وهو مايحدث للسائرين إلى الله ،وقال «ولقد تشدد عليه الامام الشوكاني في مطلع شبابه ثم عاد عند النصح ليحسن الاعتذار له ويتوقف عن القول فيه».
والنص الذي اختاره له من كتاب «ط ،س الازل والجوهر الأكبر والشجرة النورية».
وهو بعنوان أحمد النبي الأمي.. وإن كان هذا النص الجمرة أصغر نصوص هذه الجمرات حجماً إلا أنه وكما وصفه الفقيد المؤلف جمع أعلى معاني الأشياء وأرقى الحقائق إلى ضرام نفسه ومشبوب عاطفته وتوخز مشاعره فجاء من كل ذلك بأعلى سموات الابداع في حديثه عن خاتم النبوات ووارث الرسالات ومحقق الكمالات محمد صلى الله عليه وسلم.
اختتام هذه الوقفة
الكتابة هي انعكاس لحياة كاتبها وهذا مانلاحظه عند تأملنا في النصوص المختارة فمثلاً النص الثاني فيميل الفقيد بعكر إلى الصوفية وهو ما جعله يختار رموزها وكتاباتهم في هذه الوقفة والنص الثاني عن عدد وداع رمضان مازال «يقرأ من مساجد حيس عند حلول خواتم رمضان».
وهذا السر في اختياره يؤكد ذلك بقوله فتشعر وأنت ترى وتسمع ما لهذا الوداع من شجى والتياع.
وانهم وحدهم العارفون الحقيقون من بني البشر ممن سبقت لهم منا الحسنى وفتح لهم الأزل بابه وولجوا إلى ساحة الخلود وكان يتمنى على الله تعالى ان يطلق روحه من قيودها ويلحق بالركب.
قيدها الأول لذات الجسد
قيدها الثاني انشغال بالولد
قيدها الثالث مال لايعد
قيدها الرابع جاه لايرد
فإذا جاوزتها اجمعها
سلماً وجهك للفرد الصمد
ذقت حرية دنت واشرقت
بفيوضات هو الله احد«13»
الوقفة الثانية
تحت عنوان امطري لؤلؤاً جبال سرنديب كانت هذه الوقفه هي تشكل عمود الكتاب الفقري والباعث الحقيقي لميلاد هذه الجمرات فالمؤلف يرحمه الله عضو رابطه الادب الإسلامي وكان متواصلاً بها حتى اللحظات الأخيرة من حياته وبرئيسها الامام أبو الحسن الندوي «14» وأراد اتحفهم بهذا البحث بعد ان اتحفهم بكتابه القيم حسم الموهبه.
ولقد استهل بتلك الرحلة القلمية التي بدأها بمصر تم الهلال الخصيب والعراق وتركيا واليمن واختتم بالهند ويعجبني في الاديب بعكر «جمال وحسن استهلاله» فهو من الادباء النادرين الذين يجيدون المدخل يحدثك عن الاحمر فيجمع لك في اسطر تاريخ الغيمات يحدثك عن النعمان فيلخص لك تاريخ المعافر ثم يتحدث لك عنه وماذلك إلا لسعه إطلاعه وغزارة معلوماته.
بعد ذلك ولج بنا وبلا سابق انذار للحديث بلبل الشرق مولانا الإمام أبي الحسن الندوي الذي قال عنه وعن نصه المختار من روائعه وبدائعه«انفتحت لي نافذة الهند وانفتحت حديقتها لبصري وبصيرتي»«15»
وعلى الرغم من عدم اتفاقنا معه في اختيار هذا النص وكل نصوص هذه الوقفه لوجود ماهو أجمل وأغلى قيمة منها إلا أننا نتفهم الأسباب الداعية لذلك والتي أشرنا إليه سابقاً ولقد شعر بذلك ففي اختتام وقفته يصف هذه النصوص عدا الرابع بأنها ذات موضوع إنساني معتاد الولوج مسلوك النهج لدى كثيرين«16»
الإمام أحمد أبو الكلام آزاد استاذ نهرو وزميله في السجن..ورسائله إلى عبدالكبير اليمني ومرافعته في وجه رئيس المملكة الإنجليزية«نقلاً عن كتاب الإيمان والحياة للقرضاوي» هما المحطة التي توقف عندها..ولقد استهل هذه المحطة بالحديث عن«الأحمدون في الهند» أحمد السرهندي وأحمد بن عرفان وأحمد أبو الكلام آزاد.
المحطة الثالثة في هذه الوقفه كانت مع شاعر الإسلام إقبال والحديث عن الخطأ الذي ارتكبه عبدالوهاب عزام في ترجمة شعره إلى شعر وانه بجهود الإمام أبي الحسن الندوي تم تلافي هذا الخطأ «ولقد فطن أبو الحسن وهو الجامع لناصية كثير من اللغات الأردية، والفارسية والعربية والانجليزية لذلك الخطأ فاجتنبه وترجم شعره في شكل فقرات نثرية..«17» واختار له نصاً لصيقاً بالعربي تحدث فيه عن الأدب والفلسفة والتعليم وهو أكبر هذه الجمرات النثرية حجماً ومن اقلها حرارة..
في محطته الأخيرة في هذه الوقفة والتي وقف بها عند مولانا جلال الدين الرومي«هذا العظيم الخالد ممن أحبتهم الأرض والسماء وتسابقت إليه قلوب العباد من مختلف الملل»«18»
ولقد كان منطقياً وجمالياً أن يكون مكان هذا الطود هناك مع أصدقائه الروحانيين في الوقفة الأولى «ولقد رأه بالأفق المبين» فالنغمة من تلك النغمة والقامة من تلك القامات ولكنه الإتحاف والحب للرابطة الأدبية ورئيسها اللذين جعلاه ينظر إلى نسبة البلخي الأفغاني البعيد ويده كل ماسواه وهذا هو ذات الشيء الذي حدث معه عند كتابته لسفره الرائع.
«كواكب يمنية في سماء الإسلام» من حبه لليمن أورد فيه أعلام لاتربطهم باليمن إلا مثل تلك الرابطة البلخية،أما النص الذي اختاره له فهو من ديوانه«الرائع» المثنوي بعنوان من أحوال العارفين وقد اشتمل هذا النص على عدة تناولات كلامية بإسلوبه الصوفي الرفيع الذي تفرد به«19»
اختتام هذه الوقفة
تعجبت كثيراً من عدم إيراده يرحمه الله لنص ووقفه مع الإمام أبي الأعلى المودودي وذلك لما أعلمه من حبه واعجابه به من جهة ومن جهة أخرى لأنه أحق من غيره ممن أوردهم بالتوقف عنده والاستماع منه..ولقد رثاه الفقيد بعكر عند موته بمرثية من أجمل المراثي:
قمر الشرق ويعسوب الجماعة
غاب والآفاق تستجدي شعاعه «20»
ولقد خص هذه الوقفه بنماذج نثرية من البلد المهد وللوطن الذي لايزال أنفس تراثه الشعري وأروع ابداعاته متوارياً عن الأنظار..اليمن البلد الأول اللاشيء والآخر في كل شيء«21» مانحب أن نشير إليه هنا أن اليمن رموز نثرية وقامات أدبية سامقة كانوا أحق وأولى بهذه الوقفة ولعله اكتفى بشهرتهم وكان يهتم بالنثر المتواري عن الأنظار..وأمثال هؤلاء كثير جداً وفي كل مجالات النثر من أمثال الإمام أبوالحسن الهمداني وعماره اليمني وابن حمير وابن هيتمل وغيرهم الكثير.
وفي هذه الوقفه حط الرجال في أولى محطاته عند الإمام بشر بن أبي كبار البلوي الذي وصفه في كتابه «شاعر العدل والتوحيد» بأنه الرائد النثري الأول في تاريخ الأمة وليس اليمن وأن مقتطفاته النثرية تفوق كتابات الجاحظ«22».
ووصفه في هذه الجمرات«وأنه في مجال الرسالة مقدم على كل ناثري العربية سابقين ولاحقين واحسب هذا قابلاً للتعميم في سائر المجالات النثرية «32».
وأورد له ثلاث رسائل سوف يشعر القارئ لها بالجفاء من أول قراءة كما حدث معي ولذا نصح هنا بقراءتها للمرة الثانية وعند ذلك يستذوق ذلك الجمال الذي تحدث بعكر وسيؤكد من انطباق ذلك الوصف الذي أطلقه عليها..
وفي محطته الثانية توقف عند أبي الغيث جميل «الذي هو من كبار أعلام التصوف وآية من آيات المولى سبحانه «24»
ولقد بالغ في كيل المديح لهذا العبد الصالح وما أحسب ذلك إلا لتأثره بالصوفية والمتصوفين والنص الذي اختاره له أخذه عن كتاب طبقات الخواص للشرجي بسيط ومتواضع ..وهو عبارة عن مقتطفات من أقواله.
مجد الدين الفيروزأبادي صاحب القاموس هو محطته الثالثة في هذه الوقفة «كبير لغويي الأمة» ومجدالدين ممن وفد إلى اليمن في عهد الدولة الرسولية وتزوج ابنة الملك الرسولي الاشرف الثاني اسماعيل بن الفضل..«ولذا فنحن نعجب في إيراده في هذه الوقفة الخاصة باليمن».
والنص المختار هو عبارة عن رسالة المجد إلى الأشرف وجواب الأشراف يصفه بعكر بأنه «شهادة بعظمة العالم والأمير كيف أن التبحر العلمي واقبال الدنيا بكل مغرياتها على العالم الرباني لاتزده إلا عزوفاً عنها وحنيناً إلى مناهل الخير..»«25»
في محطته قبل الأخيرة من هذه الوقفة يتوقف بنا عند آيه زمانه علماً وصلاحاً الإمام الموسوعي الخضم الزاهد المؤيد يحى بن حمزه ،ولقد كان ينوي يرحمه الله افراده بمؤلف مستقل يتناول حياته وكتبه بشيء من التفصيل ولكن حال الأجل دون ذلك ومما قال عن هذا الإمام:
جئت شوقاً إلى اعتناق الحقيقة
واحتفاء بالهيئة المرموقة
وإماماً كابن حمزة يحيى
مفرد في احتفائه بالحقيقة «26»
واختار له نصين من كتابيه «الطراز الجامع بين أسرار البلاغة وحقائق الإعجاز» هذا الكتاب الذي جعل بعكر يعتبره مؤسساً لعلم البلاغة بل ويتفرد بالكثير من المصطلحات والرائق الفائق من النصوص »27
والكتاب الثاني هو «تصفية القلوب» الذي قال عنه بأنه كتاب الإمام ابي حامد الإحياء وانه اتى فيه بالجديد من الشواهد والأدلة والترتيب«27»
في آخر محطات هذه الوقفة الأخيرة مسك الختام المصلح الكبير أحمد بن علوان الذائد عن حقوق المستضعفين الصارخ في وجوه الملوك عن المظلومين الناقل انين المقاع المجهود إلى مسامع السقف المتكبر،الناشر أسرار القرآن الناصر أحكام السنة ،الراعي حقوق الأمة،المخترق الحجب وصفاً للنعيم الأخروي في عرضه المنثور أو المنظوم الذي لايشاركه فيه أحد ولم يسبقه إليه ولم يلحقه ذو محبرة أو قلم داخل اليمن أو خارجها عبر القرون «28» وواضح جداً مدى حبه وتأثره بهذا المصلح الذي جعله يبالغ في وصفه أي مبالغه ولقد اختار له أربعة نصوص قصيرة المطلع على كتاب المؤلف «في ركاب ابن علوان» في تعليقاته على نصوص الفتوح..يجد نصوصاً أكثر اشراقاً ووضوحاً وتأثيراً.
اختتام الوقفه
وإن كنا أخذنا عليه في وقفته السابقة ومبالغته في اغداق كيل المديح على نصوص غاية في الزهاده والبرود فإننا هنا نأخذ عليه انه وقع في خطأ حذر منه هذا الخطأ الذي يمنع جريان نهر الإبداع النثري وأورد لنا نصوصاً مسجوعة متكلفة مقامات الحريري والصابي افضل منها على كل حال.
اجمالي وداعي
الاستاذ الأديب خالد الرويشان وزير الثقافة المحترم
بفضلكم رأت هذ الجمرات النور..وهناك أكثر من أربعة عشر مخطوطة قيمة مازالت حبيسة الأدراج فهلا تكرمتم بطبعها أو حتى بعضها على الأقل وتكونوا بذلك قدمتم أجل وأفضل خدمة للثقافة والمثقفين..
الفهرس
إلى روحه الطاهرة بمناسبة مرور اربعين يوماً على وفاته وحنيني لك يكوي أعظمي
والثواني «جمرات» في دمي «29»
هوامش
1 صدر للأديب الفقيد بعكر من الهيئة العامة هذا الكتاب عندما كان رئيسها الأستاذ خالد الرويشان وكتاب شاعر المخا حاتم الأهدل ورئيسها الاستاذ فارس السقاف.
2 حسم الموهبة مطبوع وشاعر العدل والتوحيد (وسياحة) خمسة اجزاء مخطط وغيره.
3نفس المصدر
4 جمرات ص83
5 جمرات ص3
6 جمرات ص3
7 جمرات ص3
8 جمرات ص15
9 جمرات ص22
10 جمرات ص30
11 سجادة الخفر ص61
12 اقامت رابطة الأدب الإسلامي بصنعاء اربعينية تأبينية للفقيد وللشيخ محمد كامل الآني بتاريخ 27/2/2006م.
15 جمرات 32
16 جمرات ص50
17 ص40
18 جمرات ص46
19 جمرات 48
20 اجراس للمؤلف
21 جمرات حر
22 شاعر العدل والتوحيد ص16
23 الجمرات ص56
24 جمرات ص61
25 جمرات ص69
26 الرجل الذي احبه الهرم والحرم ص250
27 جمرات ص64
28 جمرات ص75
29 البيت للدكتور إبراهيم ناجي من قصيدة الأطلال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.