السابعة صباحاً : الرجال مع أطفالهم ، مرتدون أزيائهم المعتادة ومعلقون على ظهورهم ، أو حاملون بأيديهم يومهم الجديد وحقائب ، أخلوا المصاعد وأشعلوا سياراتهم للصبح أو صعدوا إلى باصاتهم ، ويمر اليوم بادئاً بي ، ويمر عمال النظافة وبؤساء الطرقات والشمس ، وتتسامع أذناي بأصوات النساء الباقيات يغنين في مطابخهن عبر أضواء المناور الصباحية ، وأنا ماازال نائماً أحلم بقصة جديدة عن يوم جديد. الثانية عشرة ظهراً : تخرج القطط المتشردة معي تبحث عما يسد يومها المنتصف أو يقارب ، ومن على شرفتي تقيل بعض الغربان هنا وهناك ، وعلى إفريز جارتنا المستحية - ترشف نظراتي وتنشر أحزانها على حبائل صفيري الخليع لاتزال حمامة ترقد ، والرجال ماعادوا وما مل عمال النظافة بؤسهم يستظلون من حرها هناك ، وما الطعام جاهز بعد ولا الصغار ثابوا من مدارسهم .. بقي لي عجوز بغيض على شرفة أخرى ، يستعد لبعثرة ظهيرتي ، وبحثي المطول عن أوراق وقلم. الخامسة مساءً : لا تزال أصوات الصحون المٌفرَغة - تجشآتهم - عبر الفراغات في مسامعي وأنا أراجع معهم ، عارياً أستحم في حمامي ، بعض مادرسوه ، وقتها كانت ، وأنا آخذ منشفتي من على الحبل ، قد فزعت لمرآه يراقبني أراقبها ، فأجفلت بعينيها وحملت ْ، مثلما حملتُ منشفتي ، أحزانها ودخلنا ، وفوقنا الغربان تؤوب إلى مرافئها شبعي والقطط - تتثاءب وتتمطى من تحت السيارات التي وبلحظة كانت تغط بهم فوق أسفلتاتها ، يعبثون بمسائي ، أربعة كانوا أو يزيدون ، مروا باتجاه البحر يضحكون ، لكنهم كانوا عشاقاً لبعضهم ، والنهار عطلة الآن في وجه المغيب ، يحاول استرجاعي ذاكرة ً له ، دون أن أدون ما لم أره بعد ، وما لم يقرأه بعد العجوز في صحائفه ومن اكواب قهوته من على شرفته ، حينها شرعتْ تُسرج بعض نوافذ ونافذتي أظلمت لمرآهم يدعون النهار يرحل دونما حكاية تذكر. الساعة الثامنة مساءً : متى عاد العشاق من بحارهم ، وتحتي يمرون يفزعون القطط من توثبها للعراك ، وتشتعل المرائيب بالأضواء ، وأصوات أغاني من مسجلات سياراتهم ، ولكنه كان قد أشعل مصباح شرفته وخرج من صلاته ناظراً بزوغ أحدهم معهم ، ونادى بعضهم أن عمتم مساء وهذا المعتوه لايزال يراقب جارتكم عارياً ويتسمع أصوات نسائكم عبر المناور ، طويتُ الصحيفة ومن على سريري نزلتُ أواجهه بعيني عبر زجاج شرفتي ، غير أن المنشفة حجبته مثلما حجبتها عني وبقايا الأصوات وبؤساء الطرقات الذين لم أرهم يلوكون التمباك الآن ويرتشفون شاياً رخيصاً وحكايات باليات تحتي - أمامي على مقاعد من مساء. الواحدة صباحاً : يومي راح ، وهجعت أصواتهم في كل الدنيا ، أكاد اسمع أحلامهم بمدارسهم وأعمالهم وضجيجهم اللامرئي الآن .. أكاد أسمع وقع القطرات من صنابيرهم والصمت .. أكاد أسمع المصعد لا يتحرك وشخير بعضهم .. تأوهات رغبتها بي وسعاله الملعون وهو بأحلامه أيضاً يلعنني وجارته الحسناء .. ويح بعضهم يصحو من البؤس يتبول على الطرقات ثم يعود الى أحلامه بالشقاء .. ويحها القطط استسلمت لبعضها في شبق وجنون ، وعشاق لايزالون يراقبون أقمارهم بعيداً عن نظراتي ومسامعي .. ويح البحار هادئة والنجوم ، والطرقات خافتة كأضواء الفنار .. ويل للنهار الذي رحل وويل لي .. مضى اليوم وأنا بعد ما كتبت قصتي.