الإخواني أمجد خالد وعصابته.. 7 عمليات إرهابية تقود إلى الإعدام    وهن "المجلس" هو المعضلة    سفير مصري: حزب الله يستعد للحرب الشاملة مع إسرائيل هذه الأيام    جماهير الهلال في عيد... فريقها يُحقق إنجازًا تاريخيًا جديدًا!    انقلاب وشيك على الشرعية والرئاسي.. المجلس الانتقالي الجنوبي يتوعد بطرد الحكومة من عدن وإعلان الحكم الذاتي!    نقابة الصحفيين تستنكر الحكم الجائر بحق الصحفي أحمد ماهر وتطالب بإلغائه    في اليوم 235 لحرب الإبادة على غزة.. 36096 شهيدا و 81136 جريحا وعدة مجازر في رفح خلال 48 ساعة    "طوفان زارة"....جماعة إرهابية جديدة تثير الرعب جنوب اليمن و الأجهزة الأمنية تتدخل    فعلها في العام 2019...ناشطون بالانتقالي يدعون الزبيدي "لإعلان عودة الإدارة الذاتية"    انفجار عنيف يهز محافظة تعز والكشف عن سببه    سانشيز افضل مدرب في الليغا موسم 2023-2024    غوندوغان سيتولى شارة قيادة المانيا بلون العلم الوطني    لامين يامال افضل لاعب شاب في الليغا    دموع أم فتاة عدنية تجف بعد عامين: القبض على قاتل ابنتها!    برعاية السلطة المحلية.. ندوة نقاشية في تعز غدًا لمراجعة تاريخ الوحدة اليمنية واستشراف مستقبلها    منتدى حواري في مأرب يناقش غياب دور المرأة في العملية السياسية    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    غوتيريش يدين بشدة هجوم إسرائيل على مخيم للنازحين في رفح    بالإجماع... الموافقة على إقامة دورة الألعاب الأولمبية لفئة الشباب لدول غرب آسيا في العراق    ضربة معلم تكسر عظم جماعة الحوثي وتجعلها تصرخ وتستغيث بالسعودية    استمرار النشاط الإيصالي التكاملي الثاني ونزول فريق إشرافي لأبين لتفقد سير العمل للفرق الميدانية    خبر صادم: خروج ثلاث محطات كهرباء عن الخدمة في العاصمة عدن    الرئيس الزُبيدي: تدهور الأوضاع يحتّم على الانتقالي مراجعة قراراته    استشهاد طفل وإصابة والده بقصف حوثي شمالي الضالع    الهلال السعودي ينهي الموسم دون هزيمة وهبوط أبها والطائي بجانب الحزم    ارتفاع أسعار النفط وسط ترقب المستثمرين لبيانات التضخم واجتماع أوبك+    تدشين مشروع توزيع "19"ماكينة خياطة على الأرامل في ردفان    مجلس الوزراء السعودي يجدد رفضه القاطع لمواصلة انتهاكات الاحتلال للقرارات الدولية    الحكومة اليمنية تبحث مع سويسرا استرداد عرشين أثريين    فلكي يمني يحدد موعد أول أيام عيد الأضحى المبارك وبداية أيام العشر    الوحدة التنفيذية : 4500 شخص نزحوا من منازلهم خلال الربع الأول من العام الجاري    الزُبيدي يؤكد على أهمية المخيمات الصيفية لخلق جيل مناهض للفكر الحوثي    بعد تجريف الوسط الأكاديمي.... انتزِعوا لنا الجامعات من بلعوم السلفيات    وزير الإعلام: مليشيا الحوثي تواصل استغلال مأساة المخفيين قسراً للمزايدة السياسية    انعقاد جلسة مباحثات يمنية - صينية لبحث مجالات التعاون بين البلدين وسبل تعزيزها    انطلاق أولى رحلات الحج عبر مطار صنعاء.. والإعلان عن طريقة الحصول على تذاكر السفر    شاهد .. وزير الزراعة الحوثي يعترف بمجلس النواب بإدخال الحوثيين للمبيدات الإسرائيلية المحظورة (فيديو)    استعدادات الأمة الإسلامية للعشر الأوائل من ذي الحجة وفضل الأعمال فيها    أكاديمي سعودي: التطبيع المجاني ل7 دول عربية مع إسرائيل جعلها تتفرعن    برشلونة تودع تشافي: أسطورةٌ تبحث عن تحديات جديدة وآفاقٍ أوسع    الإعلان عن تسعيرة جديدة للبنزين في عدن(السعر الجديد)    العكفة.. زنوج المنزل    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    استشهاد جندي مصري في الحدود مع غزة والقاهرة تحذر من المساس بأمنها    تدشين دورة إدارة البحوث والتطوير لموظفي وموظفات «كاك بنك»    8200 يمني سيغادرن من مطار صنعاء الى الأرضي السعودية فجر غدا الثلاثاء أقرأ السبب    مغادرة أول دفعة من الحجاج جواً عبر مطار عدن الدولي    سلطان العرادة وشركة غاز صافر يعرقلون أكبر مشروع لخزن الغاز في ساحل حضرموت    دعم سعودي جديد لليمن ب9.5 مليون دولار    - 45أعلاميا وصحفيا يعقدون شراكة مع مصلحة الجمارك ليكشفون للشعب الحقيقة ؟كأول مبادرة تنفرد بها من بين المؤسسات الحكومية منذ2015 فماذا قال مرغم ورئيس التحرير؟ اقرا التفاصيل ؟    الثاني خلال أسبوع.. وفاة مواطن نتيجة خطأ طبي خلال عملية جراحية في أحد مستشفيات إب    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    عالم يمني يبهر العالم و يكشف عن أول نظام لزراعة الرأس - فيديو    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأدباء مكتئبون والصحفيون مزاجيون!
الاكتئاب.. ضحاياه المبدعون
نشر في الجمهورية يوم 16 - 09 - 2007


- ذكرى عباس:
- تمنيت الذهاب إلى طبيب نفسي.. وعشت حالات حزن كثيرة.
- عز الدين سعيد:
- تمرد المبدع وجنونه أساس روحنا.. إنه الجنون الذي أحبه!
- فكري قاسم:
- كل شيء يدعو للاكتئاب.. وعلينا أن نمشي كثيراً وكثيراً
- علي المقري:
- من حق المبدع أن يقرر موته بنفسه والفنان غير المكتئب ليس فنانًا
كثيرة هي الأمراض الشائعة في عصرنا.. لكننا لسنا بحاجة إلى المزيد من الدلائل على صدق وصف عصرنا الحالي بأنه عصر «الاكتئاب النفسي» مقارنة بما أطلق عليه في الماضي« عصر القلق» وبحسب منظمة الصحة العالمية أن «500» مليون هم ضحايا الاكتئاب في العالم بينهم «30» مليونًا عربيًا قابلين للزيادة كما أن 15% من المترددين على عيادات الاطباء يعانون من حالات الاكتئاب النفسي..
لكن لمن يحدث الاكتئاب وما أسبابه وأعراضه وهل لهذا المرض علاقة بالمهنة..؟
وهل صحيح أن الأدباء والإعلامين هم أكثر عرضة للاكتئاب والهوس؟
ومادقة القول إن الاكتئاب مرض مرتبط بالإبداع والمبدعين؟؟
هذا مايناقشه تحقيقنا ..
لحسن الحظ أن الاكتئاب النفسي من الأمراض التي يمكن علاجها أغلبية المرضى «80 90%» من الذين يواظبون على العلاج يتم شفاؤهم بنسب عالية.. ولكن من مشاكل الاكتئاب هو التعرف عليه وعندئذ يجب التوجه إلى الطبيب لتلقي العلاج في الوقت المناسب، حيث إن التأخر في استشارة الطبيب يكون له توابع سلبية على سير الخطة العلاجية فقد تحتاج الحالة إلى فترة أطول من العلاج أو كمية أكثر من الأدوية مع التعرض لنكسات في حالة عدم المواظبة على العلاج.
ومن أخطر أنواع الاكتئاب النفسي عندما لايشعر الإنسان أنه مريض ويحتاج إلى استشارة الطبيب فغالباً مايعاني الإنسان من الاكتئاب ولكنه يستمر في حياته يتصرف بطريقة سلبية، يفكر في أفكار سوداوية، ينعزل عن الناس أو حتى يفكر في ايذاء نفسه والمحيطين به.
والسؤال الذي يطرح نفسه في موضوعنا هل للمهنة علاقة بالاكتئاب؟
وهل المبدعين هم أسهل فريسة لهذا المرض؟.. على المستوى المحلي نسمع عن عشرات الاسماء ممن تعرضوا لنوبات اكتئاب حادة وهم غالباً من المبدعين فنانين تشكليين، أدباء وكتاب صحفيين.. منهم من حاول الانتحار وبعضهم اعتزل الناس وظل حبيس البيت لايتحدث مع أحد ولايريد العودة للحياة الطبيعة.. أسماء كثيرة لايمكن أن نشير إليها لحساسية الموضوع حاولت التواصل مع بعضهم ولم أستطيع، ووجدت صعوبة في أخذ رأي بعض الكتّاب وكأنني اتهمهم بوصمة «الاكتئاب».
زوجة مبدع «مخرج» طلبت عدم ذكر اسمه قالت: هذه السنة الثامنة وزوجي يرفض التعامل مع المحيط الخارجي والناس، يجلس في البيت ينام كثيراً أطلق لحيته وأصبح لايهتم بأي شيء ،وعن الأسباب والدوافع رفضت التعليق!
وهناك من المشاهير عالمياً ممن دفعتهم الكآبة إلى الانتحار كالرسام فان كوخ الذي عبر عن الكآبة في رسالته الأخيرة لأخيه تيو:
إنني أتعفن مللاً لولا ريشتي وألواني هذه، كل الاشياء تغدو باردة وباهتة بعدما يطويها الزمن ماذا أصنع..؟
أسماء كثيرة أقدمت على الانتحار مثل كوستلر، همنغواي، يسيذين، ماياكوفسكى، فرجينياولف،جاك لندن.. الخ.
وفي كتابها بعنوان «سيجئ الموت وستكون له عيناك» أحصت الكاتبة جومانة حداد مائة مبدع انتحروا في القرن العشرين، بينهم خمسة عشر شاعراً عربياً هم: خليل حاوى «لبنان»، منير رمزي «مصر» عبدالباسط مشحور «لبنان»، تيسير سبول «الاردن» ،عبدالرحيم أبو ذكرى «السودان»، إبراهيم زاير «العراق» قاسم جبارة «الجزائر»، كريم حوماري« المغرب»، صفية كتوّ «الجزائر»، أحمد العاصي «مصر»، فخري أبو السعود «مصر»، مصطفى محمد «سورية»..
وإذا عدنا إلى التاريخ فهناك من الدارسين من يقول إن طرفة بن العبد وعمرو بن كلثوم وأبي حيان التوحيدي ماتوا منتحرين.
وهناك من خرج من الكآبة، كالشاعر محمد الماغوط الذي آثر وفاة زوجته عليه وانقطع خلالها عن العالم الخارجي وتوقف عن الكتابة إلا أنه تجاوز محنته وتمكن من العودة للعمل والحياة من العام2000م.
الكاتبة والصحفية ذكرى عباس،تؤكد أن الموضوع مهم وجريء وحساس وتعتقد أن الاجابة الشافية سأجدها لدى المختصين في علم النفس وعلم الاجتماع وتقول: لاتنتظري أن تأتيك اجابات صريحة من أفراد يعترفون بأنهم أصيبوا بحالة اكتئاب أو أنهم يعيشونها في الوقت الراهن، في الوقت الذي نعلم جميعاً أن الغالبية العظمى منا مايزالون يرفضون الذهاب إلى الطبيب النفسائي، خجلاً أو خوفاً، فالنظرة للطب النفسي أو الطبيب النفسي ماتزال سلبية فالاعتقاد السائد أنه لايذهب للطبيب النفسي سوى المصاب بلوثة عقلية، وهو عموماً لايجد سوى نظرات الشفقة والريبة ممن حوله.
أضافت: والطريف أنك مع هذا ستجدين من قد يردد ببساطة بأنه مكتئب وهو تعبير عن حالة الحزن والاحباط التي قد يعانيها بعضنا نتيجة ظروف عامة «كوارث» حروب، مجاعة..
لأن في الاعتراف باحساس الاكتئاب حينها إنما هو تعبير وتأكيد على انسانيتنا، لكن الاعتراف بالاكتئاب نتيجة ظرف شخصي فغالباً لايحدث بل نحاول مداراة ذلك لأن في الافصاح عنه كشف، نرفضه عن ضعفنا، لأن في الحالة الأولى سنجد الاحساس عام ويجد الاحترام لدى الآخرين أما من الحالة الثانية،فلن نجد سوى نظرات الشفقة والعطف وهو أمر نرفضه.
وعن تجربتها الشخصية كمبدعة اصطدمت بالاكتئاب علقت الاخت/ذكرى:
هل تريدين مني اعترافاً ما إذا كنت أصبت بذلك، لا أستطيع التأكيد أو النفي، فلقد عشت حالات حزن واحباط مرات عدة لا أستطيع أن أحصيها، بل حالات حزن شديدة ربما يشخصها الطبيب بمرحلة اكتئاب أولية لأنها لم تصل إلى الرغبة في الانتحار، لا أنكر أنه في بعض الحالات تمنيت الموت، لكن لم تخطر على بالي فكرة الانتحار، في بعض حالات الحزن تلك كنت أهرب معها إلى الشارع أتمشى ساعات طويلة حتى يهُدَّني التعب وأعود إلى البيت لأنام، أو أعرف نفسي في عمل عضلي أو القراءة أو مشاهدة الافلام الحزينة كي تساعدني على تفريغ شحنات الحزن المتراكمة،وفي مرات كثيرة تمنيت لو أستطيع الذهاب إلى طبيب نفسي لمساعدتي ولكنني أعترف لك أنني جبنت عن فعل ذلك، وتمنيت وقتها لو كنت اعيش خارج اليمن، حيث يتعامل الناس مع الطبيب النفسي ببساطة.
وعن أسباب حالات الحزن قالت ذكرى عباس:
أسباب تلك الحالات التي عشتها كثيرة بل كثيرة جداً، وأغلبها كانت صدمات، وهي صدمات لحالات مختلفة،عاطفية، فقدان اعزاء، الحرمان من احساس الأمومة خصوصاً بعد أن أعيش مرحلة الحمل والولادة بكل متاعبها.. ومتعها ثم تكون النتيجة الحرمان من ذلك الاحساس الذي لامثيل له في العالم.. لاسيما بعد فقدان طفلي الأول، صدمات متكررة في أشخاص كانوا يمثلون لي رموزًا ونماذج ومقدمات، صدمات في .. انهيار قيم ومثل عظيمة آمنت بها وغيرها.
وحول علاقة المهنة بالاكتئاب علقت قائلة:-
لا أستطيع أن أؤكد أو أن أنفي علاقة المهنة بالاكتئاب فالمختص يستطيع فعل ذلك ولكن اعتقادي الشخصي أن الأمر يعود إلى الشخصية ذاتها وتركيبتها والاستعداد النفسي والوراثي للاصابة بالاكتئاب، ولو أن الحق يقال إن العلاقة التي بين الاكتئاب والكتابة هي إن الكثير مما نقرأه يبعث على الاكتئاب من ناحية هبوط مستوى اللغة والألفاظ والأخلاق.
شيء واحد أستطيع أن أؤكده لك أنه إذا تم تشخيص ماعشته بأنه اكتئاب فأقول بصدق: إنه يعود الفضل لكثير من تلك الحالات التي عشتها في أنها أنضجتني وجعلتني أكثر قوة وصلابة وقدرة على مواجهة الصعاب فبعد كل مشكلة أخرج أكثر قوة مايؤكدأن أسلافنا هم الأكثر حكمة ومعرفة ودراية من أي طب أو علم أليسو هم القائلين «إن الضربة التي لاتقتلك تقويك».
الصحفي والأديب عز الدين سعيد أحمد يرد بالقول:
دائماً ما نتحدث عن المشكلات النفسية التي تصيب المبدعين في كل مجالات الإبداع، وأظن بأن سبب انطباعنا أن المبدع أكثر عرضة للنكسات النفسية وأكثر عرضة لحالات الاكتئاب بأنواعه المختلفة تعود إلى يقيننا أن المبدع هو أكثر الأشخاص «حساسية» وأكثر الناس رهافة الحس وفي الشعور بالآخرين، الماً وفرحاً ومعاناة!
هذا يجعل الضغط النفسي المستمر على المبدع في نفسية هشة ومتعبة ومعاناة مستمرة لأنه الأكثر إحساساً بوجع الآخرين؟!
هذا الانطباع لدينا مرده إلى تاريخ طويل،وإلى ثقافة تتجاوز الثقافة المحلية أو العربية فهو الطباع على مستوى العالم، الكل يرى أن الفنان التشكيلي أو الموسيقي أو المسرحي أو الشاعر أو الروائي هو الأكثر احساساً بألم الناس ومعاناتهم وهو المسئول عن التعبير عن كل مايحيط به من مشاعر الألم والقهر المجتمعي وهو صوت الاحتجاج الذي نتطلع إليه.
ويزيد الأمر سوءاً عندما نحاصر هؤلاء المبدعين ونطلب منهم ماهو أكثر من مجرد التعبير عن آلامنا نطلب منهم أن يغيروا هذا الواقع الرديء أن يخرجونا من دوائر القهر والقمع والخوف، أن يدافعوا عنا، أليس هم مشاعل الحرية وصوت المظلومين والمقهورين؟!
ونكرر دوماً أن الثورات السياسية والاجتماعية بدأت بثورات الفنانين والأدباء الكّتاب؟!
وهنا يكون الضغط على هذا المبدع أضعاف ماهو على الآخرين ليكون عرضة للاحباط أو نكسة الاكتئاب، إذا شعر بخيبة الأمل أو لم يقدر على أن يعمل شيئاً أو حتى بقى أسير إحساسه المفرط بالألم والقهر!
الجانب الآخر هو أن نفسية الأشخاص الذين يتميزون في جوانب الفنون والأدب تكون أكثر رهافة وتكون أكثر إحساساً بالمحيط الذي يحيط بها هذه الحساسية المفرطة من كل شيء لها ثمنها على صحتنا النفسية والجسدية بكل تأكيد؟!
ويضيف الصحفي عز الدين:-
دعيني أذكرك بشيء آخر هو أن العالم المخترع أو الفنان أو الكاتب ينظر إليه دوماً على أنه شخص مختلف عقلياً ونفسياً هذا راسخ فينا أليس نحن من يقول: «إن الفنون جنون».
وكذلك نحن تربينا على ثقافة تقول : إن الفرق بين الابداع أو الاختراع أو الجنون شعرة؟!
إذا رأيت منظر شخص غريب الاطوار أو يتصرف تصرفًا غير ما اعتاده الناس من السلوك الاجتماعي تقولين بسرعة، ربما يكون فنانًا أو شاعرًا أو كاتبًا، وإذا رأيت شرود شخص وعدم تركيزه أمامك ربما تقولين إنه عالم مخترع أو مجنون أو عاشق هذه ثقافتنا التي أثرت فينا جميعاً.
لكن للأسف البعض أحب هذا التميز ورآه على أنه شيء إيجابي بتصرفات مفتعلة .. لأننا جميعاً مررنا بمرحلة ألهبت خيالنا في أول طريق العمل بالفن والكتابة ألهبت خيالنا قصص الفنانين والشعراء الغريبي الأطوار.. ورأيناه ميزة والبعض منا بقي لديه وهم أنه لن يكون مبدعًا أو لن ينظر إليه هذه النظرة الايجابية كمبدع، إلاَّ إذا مر بحالة اكتئاب أو «جنون معقول».
ومصطلح جلون معقول هذا من عندي، وأنا أدرك أنه متناقض من حيث اللغة والمصطلح ولكن أعني به التصرفات المجنونة التي لاتؤكد الانحراف العقلي أو الانهيار النفسي والعصبي المرضي ولكن فقط من أجل لفت الأنظار وتكون في دائرة القبول الاجتماعي؟!
لأننا جميعاً قرأنا باعجاب شديد «حياة شخصيات» كسرت كل قواعد المجتمع، وخلقت فناً وأدباً جميلاً.
شخصيات تنام في النهار وتصحو بالليل أو تهيم في البلدان والمدن أو غير ذلك.
ولكن دعيني أؤكد حقيقة أن الشخص المبدع هو فعلاً أكثر الناس إحساساً وأكثرهم عرضة للتعب النفسي، ومما يزيد الأمر سراً أننا نحيا في مجتمع لايقّدر الفن ولايؤمن بالإبداع وتحاصرنا ظروف معيشية كارثية بحيث لايجد الشاعر الكبير أو الروائي المتميز أو المسرحي الفذ أوالتشكيلي العبقري أو الموسيقي النابغة من يقدرهم.. ويحسون بحصار الجوع والفقر فتنهار مقاومتهم ويكون الألم الذي لايطاق، عندما ترين نظرة الجحود والازدراء من المجتمع وخاصة من المجتمع المحيط بك كمبدع من الأسرة، والأصدقاء ورفاق الدرب تحسين بالكارثة.
تصرف هؤلاء وجحودهم هو الكارثة التي تدفع بالمبدع إلى ماهو أبعد من الانهيار النفسي وأخطر من الجنون.
إنه جحود وعدم تقدير مدمر تماماً والمأساة أن آثار عدم تقدير المبدع ومراعاة ظروفه ونفسيته منا كمجتمع تتجاوز المأساة الفردية للمبدع لتكون مأساة على المجتمع لأننا ندمر روح التمرد الجميلة في مجتمعنا ونلتقي على هامش الحرية الصادقة، التي نحتاجها ندمر «الإبداع» التي تخرج المجتمع كله من دائرة الرقابة والخوف وهذا الخروج من دوائر الرقابة والقهر والتخلف لاتكون إلا بمبدعين يتجاوزون برؤيتهم الواقع المحيط.
بمبدعين يحملون روحاً شفافة تتجاوز رقابة الآخرين وعجزهم هؤلاء هم من يرى القادم الأجمل ويصنع لنا وقتاً جميلاً وإبداعاً متمرداً يقود المجتمع إلى أفق التقدم والمتعة الرائعة؟!
«انه الجنون الذي أحبه» هكذا وصف عز الدين الاكتئاب في نهاية حديثه وأضاف: الاكتئاب الذي يقودني إلى أن أهرب بنفسي من دوائر الرتابة المخيفة والسقوط في مربع الصور المتشابهة وينقذني من أن أكون مجرد نسخة بالكربون مثل الملايين، وكأننا جميعاً مثل فراخ المزرعة «كتاكيت متشابهة مصنوعة لاتعرف أن تحلم أو تبدع أو تصنع مستقبلاً؟!
القاص والصحفي فكري قاسم يؤكد أن حالة الاكتئاب نفسها هي التي جعلته يتأخر في مشاركته في هذا التحقيق ويقول: داخل كل شخص كتلة اكتئاب تنام وتستيقظ كلما استدعى لها فعل ذلك..وفي رأيه أن النط من فوق الاكتئاب اليومي يتطلب مهارة شخصية أكثر ممايتطلب أن نزور الطبيب.
ويذكر فكري: أن دواعي الاكتئاب في بلادنا غزيرة في وظائفنا كإعلاميين يبدو الاكتئاب كشف حضور يومي وبالله عليك ما الذي لايدعو للاكتئاب؟ لامناخ صحي للعمل، لا رواتب زي الناس، لا ولا ولا..الخ.
كان الكاتب الانجليزي «تشارلز ديكنز» يعاني طويلاً من الاكتئاب لكنه وجد أن المشي هو أفضل علاج ربما علينا أن نمشي كثيراً اذاً أكد الكاتب فكري ذلك وأضاف:
صدر عن سلسلة عالم المعرفة قبل أعوام كتاب عن الاكتئاب إن قرأته تعتبر روشتة علاج ناجعة تغيير المحيط، استعادة التواصل مع أصدقاء لم تعد تلتقيهم حل كلمات متقاطعة، كل هذا يساعد على التخلص من متاعب الاكتئاب واحتراماً للاكتئاب أكتفي بهذا.
الشاعر والكاتب علي المقري يرى:
أن الكاتب أو الفنان له أحياناً نظرة خاصة للواقع الذي يعيش فيه وأحياناً تكون هذه النظرة مغايرة لكثير من الرؤى الموجودة في الواقع وهي قد لاتنسجم مع الواقع، والأديب والفنان إذا لم يمتلك نظرة مغايرة عن الآخرين ففي رأي لن يكون فناناً أو مبدعاً، من هذه العلاقة غير المنسجمة مع الواقع نجدها لاتخلق الكتابة فقط بل تخلق حالة انفصام للمبدع مع واقعه ونجد أحياناً بعض المبدعين يؤمنون مثلاً بحرية المرأة لكنهم لايستطيعون أن يعيشون هذا الواقع والتحرير في واقعهم ليس لأنهم مذنبون إنما قد تكون أسرهم لاتستطيع مساعدتهم على أن يعيشوا مايؤمنوا به هذا الانفصام قد يؤدي إلى الاكتئاب الذي يوصله إلى رفض وعدم قبول لواقع اجتماعي يعيشه المبدع..ليس في ذلك فحسب بل قد يرفض الواقع السياسي بأزماته..ولايتعايش معه فيصل إلى مرحلة الاكتئاب.
ويعتقد الأستاذ علي المقري أن الفنان غير المكتئب هو ليس فناناً بمعنى أنه منسجم مع واقع وتقاليده وثقافة المجتمع بكل أشكالها وأعتقد أنه هنا غير متحرك وغير فنان وغير قلق.
وهناك مبدعون وصلوا إلى مراحل الاكتئاب الأخيرة وانتحروا مثل الروائية/فرجينيا وولف على المستوى العالمي وعلى المستوى العربي خليل حاوي وغيره وعلى المستوى المحلي الصديق العزيز/مختار الضرير الذين يخفون أنه انتحر حتى أسرته، بينما الانتحار في رأي هو من أجمل القصائد التي كتبها ويجب أن نحترمه.
وعن كيفية تجاوز المبدع لحالة الاكتئاب وعدم السماح لها بايصاله إلى الانتحار علق الأخ المقري قائلاً:
أنا لست مع منع المبدع أن لايصل إلى هذه المرحلة ومن حقه أن يصل إلى أي مرحلة يريد ويختار وفي أي ظرف يمر به.
مارأي علم النفس
اذا تناولنا موضوع الاكتئاب من وجهة نظر علمية فلن نكفيه لتوسعه لكن نتعرف عليه ببساطة ونتساءل ما الذي نعرفه عن الاكتئاب؟
الاكتئاب النفسي هو أحد الأمراض النفسية انتشاراً في الوقت الحالي وتؤكد الدراسات العلمية ارتفاع نسبة حدوثه في المستقبل، وهو المرض الذي يؤثر بطريقة سلبية على طريقة التفكير والتصرف ويصاب به الذكور والإناث على حد سواءً الصغار والكبار والمسنيين لايفرق بين مستوى التعليم والثقافة ولا المستوى المادي الجميع عرضة للاصابة به.
الأخت/نجاة أحمد قاسم العشاري مختصة علم النفس التربوي ارشاد نفسي ماجستير جامعة تعز تقول: أول مانسمع أن فلانًا مكتئب فإننا نترجم ذلك بأنه حزين ومنطو ويائس.. وفي الحقيقة هذه هي بعض أعراض الاكتئاب ويعتبر من أكثر مشكلات الصحة النفسية شيوعاً وانتشاراً خاصة في الدول المتقدمة وهو من الاضطرابات الوجدانية «ويشير الوجدان إلى الحالة الانفعالية الداخلية للفرد» ويدل مصطلح الاكتئاب إلى مايتصف به الشخص من حالات انكسار في المزاج والكآبة والحزن وعدم قيامه بأفعال تبعث السرور..بالإضافة إلى مايصاحب هذه الحالات من الحط من الذات وعدم تقديرها ليصل إلى الشعور بالإحباط وكره الذات وفقدان الارتباطات والعلاقات الاجتماعية، وقد يصل الفرد المكتئب إلى آخر محطات المرض وهي الانتحار، حيث أثبتت الدراسات أن أكثر من 70% من الأفراد الذين ينتحرون يكونون مصابين بالاكتئاب وينظر إلى أنه مجموعة من أعراض متزامنة ومترابطة أي أنه مركب من الأعراض التي تظهر في وقت واحد.
والإنسان المكتئب يغرق في هذه الأعراض دون أن يدري، لذلك لابد أن تكون هناك عين إنسان آخر ذو حس ذكي وحريص على صحة المكتئب يلاحظ ويساعد في الوقت المناسب.
وعن التصنيف العلمي لمرض الاكتئاب تشرح الأخت/نجاة بالقول:
صنف الاكتئاب من حيث درجة الشدة في التصنيف التشخيصي والاخصائي للأمراض والاضطرابات النفسية والعقلية في الطبقة الرابعة الصادرة عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي عام 1994إلى:
1 الاضطرابات الاكتئابية البسيطة وهنا يشعر الفرد بالحزن وتحيط به الشكوك وتدني في فهم وتقدير الذات وبطء في الاستجابة نحو الآخرين ولكن كل ذلك لايؤثر في أداء أعماله اليومية رغم وجود بطء وانتكاس في أدائه عن حياته السابقة فهو بالفعل ينخفض مستوى الطاقة والحيوية على سرعة الشعور بالتعب، صعوبة في اتخاذ القرارات، الأرق، والافراط في النوم.
2 الاضطرابات الاكتئابية الشديدة «الحادة»:
هنا يكون شعور الفرد أشد من الاضطرابات السابقة «البسيط» وتظهر أعراض أشد مثل العزلة ورفض الكلام وفقدان الوزن بسبب فقدان الشهية، ويزداد توجيه اللوم والاتهامات للذات، سرعة الغضب أو الانفعال وانخفاض مستوى الاهتمام بكل الأنشطة تقريباً في حياة الفرد وانخفاض مستوى متعة الفرد بكل شيء تقريباً.
وحول أهم الأسباب التي قد تؤدي إلى الاكتئاب فتذكر مختصة الارشاد النفسي:
أغلب المراجع التي تناولت اضطراب الاكتئاب تؤكد أن مايظنه البعض أنه بسبب موت شخص أو طلاق أو فشل أو خسارة مالية أو أي مشكلة يؤدي إلى الاكتئاب ليس صحيحاً فهناك فرق بين الحزن والاكتئاب، ويرجعون الأسباب إلى عوامل وراثية يتم معالجتها عن طريق الهندسة الوراثية وعوامل بيئية «تعني البيئة الاجتماعية» التي عاش فيها الفرد وهي ماأكدتها المدرسة السلوكية وقد أكدت الدراسات أن إصابة الأفراد بالاكتئاب في مرحلة الطفولة والمراهقة يؤدي إلى إعاقة النمو الانفعالي والاجتماعي ويسبب قصورًا في تقدير الذات والعلاقات الاجتماعية ويكون الفرد أقل قدرة على مسايرة الآخرين أو مسايرة الحياة اليومية.
وهناك أسباب ترجع إلى أسلوب التفكير عند الفرد وهو ماأكده العالم «بيك» الذي قرن اسمه باضطراب الاكتئاب وهو من المدرسة المعرفية السلوكية حيث استخدم في علاجه فنيات معرفية وسلوكية وينظر «بيك» Beck إلى الاكتئاب على أنه تنشيط لثلاثة أنماط معرفية رئيسة يسميها الثالوث المعرفي أو الاكتئابي هي الأفكار الاتوماتيكية السلبية عن الذات «أنا فاشل» ورؤية سلبية عن العالم، ونظرة متشائمة للمستقبل، وكل تلك أفكار اتوماتيكية مشوهة للواقع سلبية لا عقلانية، الحط من الذات، الشعور بالذنب عدم الكفاءة، الانهزام ، الحرمان، الوحدة..الخ.
خلاصة القول حسب هذه النظرية الاكتئاب اضطراب في التفكير، اضطراب في الوجدان، فالوجدان والسلوك مرتبط بعنصر المعرفة عند الفرد.
وتضيف الأخت/نجاة العشاري: كذلك يوجد عدد من الأسباب مثل التوتر الانفعالي والظروف المحزنة والخبرات الأليمة والكوارث القاسية والحرمان، الفشل خيبة الأمل، الكتب، القلق ويكون الاكتئاب استجابة لذلك هذا بالإضافة إلى أهم عامل وهو مايقوم به الفرد من محاكمة داخلية يصدر فيها المريض حكماً مرضياً على نفسه.
من هم المكتئبون؟
أكدت بعض الدراسات أن الاكتئاب أكثر شيوعاً في الدول المتقدمة عنه في العالم العربي قد يكون السبب في ذلك الروابط الاجتماعية والإيمان والتقاليد التي تعطي للأفراد بعض الحماية، كما أكدت الدراسات انتشار الاكتئاب بين النساء أكثر منه بين الرجال كما ينتشر بين غير المتزوجين والأرامل والمطلقين أكثر منه عند المتزوجين خصوصاً عند الرجال أما بالنسبة للنساء فيبدو أن الزواج يزيد من فرص الاكتئاب.
ويؤكد الدكتور وليد سرحان في كتابه «الاكتئاب» 2001م أن هناك ميلاً لفئات معينة من الناس للاكتئاب أكثر من غيرها مثل الأشخاص ذوي الشخصيات المتطرفة ومن يعانون من أمراض مزمنة أو خطيرة ومن يتعاطون الكحول والمخدرات وبعض المرضى الذين يعانون من أمراض كالربو، وارتفاع ضغط الدم وقرحة المعدة، وعند نزلاء السجون، وينتشر عند الطبقات الواقعة على طرفي السلم الاجتماعي والاقتصادي أكثر من الطبقة المتوسطة.
لنأكل الفشار!
رغم التواصل مع مبدعات ومبدعين آخرين منهم من وعد وتفاعل ومنهم من تردد ثم رفض التحدث في موضوع اكتئاب المبدعين..أحدهم توفي له عزيز وإحداهن انشغلت في اعتداء همجي على مكتبها وآخر ذكر أنه لايعرف الاكتئاب ولكنه متعب ولايريد الخوض في هذا الموضوع وشاعرة تعطل جهازها وفقدت معلومات هامة محفوظة في الكمبيوتر مماأدى إلى اكتئابها واعتذرت بمنتهى الرقة..وأديب اغلق هاتفه وأخرى شفرت رقمي..الخ.
الموضوع مليء وشائك وكنت أتمنى أن أتناوله في ملف..وليكن البحث عن طرق الوقاية من الاكتئاب فكل الدلائل تقول إنه مرض العصر وقرأت معلومة أن أكل «الفشار» تساعد على التقليل من الاكتئاب..فلنبدأ من هنا إذن ولنأكل «الفشار».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.