ماذا يريد الحوثي؟    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    قيادات الدولة تُعزي رئيس برلمانية الإصلاح النائب عبدالرزاق الهجري في وفاة والده    تعز.. وقفة احتجاجية لأمهات المختطفين للمطالبة بإطلاق سراح أبنائهن من سجون المليشيا    - البرلماني حاشد يتحدث عن قطع جوازه في نصف ساعة وحرارة استقبال النائب العزي وسيارة الوزير هشام    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس علي عبدالله صالح في تحقيق المشروع الوطني
قراءة تقييمية لرؤية
نشر في الجمهورية يوم 20 - 09 - 2007

الفوضى الداخلية أبرزت شخصية علي عبدالله صالح لإنقاذ المشروع الوطني من الانهيار
"وبذلنا كل الجهود من أجل تحقيق كافة التطلعات الوطنية لأبناء شعبنا الذين منحونا ثقتهم الغالية من أجل السير بالوطن على دروب الحرية والوحدة والديمقراطية والتنمية والنهوض الحضاري الشامل"
علي عبدالله صالح
أي مشروع وطني لابد أن يكون معبراً عن مجموعة من القيم والأهداف التي يصنعها المجتمع وهي أهداف نابعة من فلسفته للكون والحياة والإنسان، والمشروع بطبيعته يحمل وظيفة هدفها تحقيق التقدم والتطور والنهوض الحضاري ويستهدف إصلاح الواقع لصالح بناء مستقبلي يمثل طموح الراهن في إحداث التغيير وفق القيم التي يؤسس لها المشروع ويحدث نقلة إيجابية لتحسين وتجويد حياة الناس ورغبتهم في مستقبل أفضل قادر على مواجهة التحديات وانتهاز الفرص، والحد من المخاطر الداخلية والخارجية.
وعندما نتحدث عن المشروع الوطني فإننا نتحدث عن التاريخ والمستقبل عن مسيرة بدأت ومازالت مستمرة ولها نهج وأهداف وقيم كلية تحدد طبيعة الرؤية والفلسفة الحاكمة لمسارات العمل الوطني والمشروع الناجح لابد أن تشكل أهدافه نسقاً متكاملاً بمعنى أن الأهداف في حالة من التأثير المتبادل فأية حركة في أحد جوانب المشروع تتأثر الجوانب الأخرى وأي خلل في المشروع فإنه يعيد ترتيب نفسه ليعمل بانسجام وتناغم قد يكون نتيجة متغيرات أو تحولات في البيئة المحلية أو الدولية.
والمشروع الوطني عادة ما يكون شاملاً لكافة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والعلمية...الخ مع بعضها البعض في علاقات تبادلية اعتمادية دون أن يلغي هذه الأهداف الأخرى، فالترابط العضوي بين الأهداف من سمات المشاريع الوطنية المتميزة، مما يجعل وصول المشروع إلى غاياته يتطلب حراكاً في جميع الأهداف،مع ملاحظة أن البيئة المحيطة قد تلعب دوراً في عملية الدفع نحو مسارات معينة وهذا يجعل بعض الأهداف تتحرك دون غيرها أو تحصل نقلات ايجابية في هدف وسلبي في هدف آخر ولكن الشيء المحتم أن التداخل والترابط بين الأهداف تجعل التقدم في جانب يخدم الجوانب المتأخرة فالديمقراطية في تطورها وتقدمها تعمل على ترشيد القرار الاقتصادي وتطور من آليات العمل السياسي وتسهم في إدخال أنماط من السلوك المدني على الثقافة الشعبية،وتطور البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفق قيم العصر من الاشتراطات الضرورية لإحداث نقلة نوعية في التحولات الديمقراطية.
ورغم الترابط بين الأهداف إلا أن كل مشروع محكوم بنظام الأولويات فحاجات الواقع ومتطلبات الناس وقواه الحية المعبرة عنه هي المحدد الجوهري للأولويات وتأتي الإرادة السياسية لتعبر عن تلك الحاجة..والإرادة قد تكون قوية ومتحمسة وعلى قناعة بضرورة إنجاز الهدف ولكن يظل الأمر متعلقاً بالعوامل الأخرى المحيطة بصانع القرار ففيما يخص الوحدة مثلاً أخذت وقتاً طويلاً وظلت مطلباً جوهرياً للشعب وقواه الحية ومن ضمن الأولويات منذ النصف الثاني من القرن الماضي ولكن ظروف الصراع السياسي الداخلي والدولي والتناقضات الإيديولوجية والمصالح أعاقت تحقق الهدف.
المشروع الوطني قبل 1978م
خرج المشروع الوطني إلى الوجود من رحم الثورة اليمنية وكانت الحرية هي أصل وجودها وجوهر حركتها وكان الاستبداد واستغلال الدين والاستعمار عوامل كبت خنقت العقل وأغرقت اليمن في حالة من تخلف عميقة ومعقدة وكانت ولادة الثورة من عمق الظرف الموضوعي أشبه بمعجزة ولكن استطاعت النخبة الثورية أن تصنع ظروف نجاح الثورة وفي اعتقادي أن الإرادة الإلهية أعانت القوى المؤمنة من أبناء الشعب اليمني على حسم الثورة وأزالت عوائق الحرية.
وحقق الشعب حريته وبدأ في ترجمة المشروع على أرض الواقع ولكن الصراعات السياسية وسيطرة المقولات الإيديولوجية وغلبة المصالح الأنانية ونتيجة التدخلات الإقليمية والدولية أُدخل المشروع في أزمة تطورت مع الزمن وتعقدت الظروف وبلغت الأزمة حدتها في نهاية السبعينيات ووصل المشروع الوطني إلى حد الانقطاع مع أهدافه أما القراءات التي قدمتها التيارات السياسية فكانت ناقصة ومجتزأة، والدولة اليمنية شمالاً وجنوباً أصبحت منهكة فقد عاشت مشتتة بين مشاريع متناقضة كلها تؤسس شرعيتها على الثورة ولكنها تتحرك بقيم ورؤى مؤدلجة خارج مشروع الثورة وأصبحت النخبة السياسية لاتملك إرادة واحدة بل الإرادات متعددة والمجتمع يبحث عن حقيقته فلا يجد من يعبر عنه وعندما تبلغ الأزمة حدها الأعلى إما أن يموت المشروع لصالح مشاريع جزئية تافهة ومتناقضة مع مصالح المجموع الوطني أو أن يتم إعادة بنائه وقراءاته بصورة جديدة منطلقة من القيم المؤسسة للمشروع كما ظهر في تجلياته الثورية الأولى وهذه النقلة لايمكن حدوثها إلا بوجود نخبة ناضجة وواعية وقيادة كاريزمية تشكل إجماعاً وطنياً ولديهاالقدرة على خلق التوافق والتوازن بين النخب المتصارعة وقادر على إدارة حوار وطني ويملك رؤية واضحة قادرة على فهم البيئة المحيطة ومتواصلة مع القوى السياسية والاجتماعية ومعبرة عن طموح المجتمع بفهم حاجاته ومتطلباته وطموحه ومتجاوزة للنزوع النخبوي والأفكار المستوردة وممتزجة مع المجتمع هنا يصبح القائد قادراً مع النخبة على خلق اتفاق على مشروع سياسي واضح المعالم يعبر عن المجتمع وهنا تخلق دولة وطنية يمنحها المجتمع شرعية وتشكل مركز الولاء لأنها تعبير عن واقعها،ويسيطر على الجميع حس تاريخي جديد يجعل من المشروع قوة قاهرة لكل المصاعب وتتجه قيمه نحو التجدد والتحقق.
عند وصول الرئيس صالح إلى السلطة كان الصراع في أعلى مراحله والوضع الداخلي مشتت والفوضى على وشك الهيمنة على كل شيء فالقوى السياسية والاجتماعية على أهبة الاستعداد للدخول في حرب والتدخل الخارجي يعبر عن نفسه من خلال تلك القوى والإيديولوجيا والمصالح الأنانية مسيطرة على الحراك السياسي وزاد الأمر تعقيداً ضعف الدولة وهشاشتها فالانهيار يكاد يكون هو الغالب على أغلب مؤسسات الدولة حتى الجيش والأمن غير قادر على حماية البلاد فقد أفقده الصراع السياسي ولاءه الوطني وأصبح الجيش والأمن متعدد الولاء.
في المقابل النظام اليمني في الجنوب يتبنى العنف وتبنى استراتيجية هجومية هدفها تصفية النظام الجديد وتحمل ايديولوجية متناقضة كلياً مع طبيعة المجتمع ولكنها قادرة على تعبئة نخبة حزبية تحت شعارات ثورية مدمرة للتضامن والتعاون الاجتماعي ومؤسسة للصراع
والاقتتال في وضعية كهذه يصبح إعادة تعمير الدولة شبه مستحيل فأغلب النخب السياسية في حالة من النزاع والتناقض الإيديولوجي والمصالح وهذا جعلها عاجزة عن تكوين إجماع والقوى الجديدة
غير قادرة على تنظيم نفسها والأزمة بلغت شدتها والجميع في حالة خوف متبادل فالتربص والعداء هو المسيطر وكل طرف يعيد ترتيب أوراقه للانقضاض على الآخرين وفرض رؤيته.
في وضع كهذا كانت مسألة بروز شخصية كاريزمية أما في غاية الأهمية شخصية قوية تمتاز بالشجاعة والجرأة وروح المبادرة ولديها قدرة على التواصل الوجداني مع الفاعلين من خلال الأهداف التي تحملها والتصورات المستقبلية التي تضعها بحماس وتفاؤل وقناعة ولديها قدرة على نسج علاقات حميمة مع المحيط الذي تعمل فيه وكلما كانت الشخصية أكثر استقلالية عن القوى المتصارعة فإن قدرتها تتعاظم في بناء نوع من الإجماع بين القوى المتناقضة كما أن القوى العقلانية والنخب المؤيدة للتغيير ذات الوعي الجديد تجد فيها طموحها فتؤيده وتدعم حركته وتتوسم فيه القائد المستقبلي القادر على التعبير عن حاجة البلاد للأمن والاستقرار وتفعيل مشروع الثورة وإعادة الاعتبار للمجتمع ،لذلك فقد شكل بروز الرئيس صالح بتلك المميزات إنقاذاً للمشروع الوطني من الانهيار.
هنا أصبحت القوى المجددة تتسع فحملة المشروع من القوى المجددة حاملة لواء التحديث يتمثلون الواقع ويوجهون مساراته نحو التغيير في الحالة اليمنية خرجت القوى الناضجة من رحم القوى الوطنية المؤدلجة وإعادة نفسها بإعادة بناء المشروع وإرجاعه إلى أصوله فهم نتاج تاريخ المجتمع وتحولاته هذه القوى الجديدة كانت موجودة وحاولت أكثر من مرة إعادة رونق الثورة ولكنها فشلت لأكثر من مرة مع بروز القيادة الجديدة القادمة من المؤسسة العسكرية والتي منحتها قوة الشعب شرعية الوجود دون ضغط أو إجبار من المؤسسة العسكرية ولم يكن القائد الجديد يمثل رؤية ايديولوجية أو جماعة حزبية أو طائفية وإنما شخصية شابة تشربت الروح الوطنية داخل المؤسسة العسكرية وقادمة من المجتمع اليمني وتحمل همه معها فكان أنموذجاً للقائد القادر على تفهم، وهذا سهل للنخبة الجديدة أن تتحرر من الطرح الإيديولوجي وحكمتها رؤية عقلانية متفهمة للواقع التاريخي لليمن وهذا جعلها قادرة على إعادة إنتاج القيم الثورية بصورة جديدة كأنها خلق جديد بما يتوافق وقيم العصر وطبيعة المستقبل وحركة الواقع وحاجاته.
المشروع الوطني وإعادة بناء الهوية:
لايمكن أن يكون المشروع الوطني واضحاً وقادراً على الفاعلية مالم تحدد الهوية المعبرة عنه بوضوح وقد شكل إعادة تعريف الهوية وإخراجها من التعريفات التي قدمتها القوى السياسية ذات النزوع الإيديولوجي مقدمة أولية لإخراج المشروع الوطني من التفسيرات التي أخرجته عن مساره الصحيح لصالح القيم والعقائد السياسية المستوردة وقد استطاع الرئيس أن يحول الهوية إلى مشروع سياسي متجه دائماً نحو المستقبل وساعد على ذلك تفعيل الحرية التي فتحت آفاق الحوار بين القوى الفاعلة وهنا تم بناء الهوية في مشروع وأصبحت الإرادة اليمنية التي تجسدت في الدولة قادرة على تفعيل حركة البناء لإنجاز الطموحات التي رسمها المشروع الوطني.
وحتى تكون الفكرة أكثر وضوحاً نقول: إن المشروع الوطني الذي أسس له الرئيس استطاع أن يحدد بوضوح معنى ومغزى الهوية الوطنية فالإسلام عقيدة وشريعة ومبادئ الثورة اليمنية والحقائق الخمس المستقاة من تجربة التاريخ اليمني التي حددها الميثاق الوطني والمبادئ الدستورية هي الأسس التي شكلت الأصول الفكرية التي حددت هوية المشروع الوطني وهذه الأصول قوامها مبادئ أصيلة شكل الولاء الوطني جوهرها فأصبحت الهوية متجسدة فيه وهو محمل بالهوية العربية والإسلامية ولا يتناقض معهما بل خلق المشروع انسجام اًوتناغماً يعبر عن الواقع اليمني،فاليمني يشعر أنه يمني عربي مسلم،والوطن اليمني أصل في مركب الهوية وهذا لايعني التقليل من عروبة اليمن وإسلاميته فاليمن دولة عربية مسلمة،كما أن القراءة التي قدمها الرئيس للمشروع بمرونتها جعلت الهوية مفتوحة ومرنة ومؤسسة على الحرية وهذا يجعل من إعادة بنائها مسألة ضرورية للتوافق مع متغيرات الواقع وحاجاته.
وشكل الولاء الوطني مع الحرية والديمقراطية والوحدة اليمنية والعدالة الاجتماعية مرتكزات فاعلة في خلق الانسجام والتوافق في بنية الهوية اليمنية بمعنى آخر أن التركيب الذي اعتمده المشروع للهوية يرسخ الوحدة الوطنية بين أبناء اليمن ويجعلهم قادرين على الحفاظ على السيادة والاستقلال والانفتاح على العالم والخوض فيه والاستفادة من التجارب الإنسانية دون خوف على ذوبان الذات في الآخر وهذا جعل المشروع الوطني قادراً بسهولة على استيعاب الكثير من قيم الحداثة والعمل الجاد على إعادة بنائها بما يخدم الواقع ولايتناقض معها وهذا يفسر غياب النزوع العلماني المتطرف في اليمن أو صرع الحداثة والمعاصرة كما تجلت في كثير من الدول العربية.
مراحل المشروع الوطني في عهد الرئيس صالح
المرحلة الأولى: مرحلة التأسيس وإعادة البناء هدفها التوافق والتوازن السياسي من أجل الأمن والاستقرار والسعي نحو الوحدة «1978م 1989م».
مع نهاية السبعينيات كان جزء كبير من النخبة السياسية اليمنية على قناعة أن المشروع الوطني قد وصل إلى أفق مسدودة وما كانت الاغتيالات والصراع الشطري إلا نتيجة أزمة مركبة ومعقدة يعاني منها المشروع الوطني استطاعت النخبة في الشمال تجاوز الوضع بتقديم قراءة جديدة للمشروع الوطني واختنقت النخبة في الشطر الجنوبي بالايديولوجيا فإعادة القراءة بطريقة خاطئة ورغم المحاولات التي بذلها علي ناصر لإنقاط المشروع إلا أن النخبة الحزبية فجرت حرباً داخلية أدخلت المشروع في أزمة اشد تعقيداً.
وقد لعبت القيادة الجديدة دوراً بارزاً في تحديد طبيعة القراءة الجديدة بحكم انخراطها في المشروع الثوري بلا تحيز أو رؤى ايديولوجية مسبقة في جمع القوى السياسية حول القضايا الأساسية المعبرة عن طموحات الشعب ومن خلال التوافق المصاغ بعناية تشكل إجماعاً سياسياً للمرة الأولى في تاريخ الثورة اليمنية إذا ما استثنينا فكرة الإجماع على ضرورة الثورة على الاستعمار والاستبداد وهذا الإجماع الجديد لم يكن إلا لأنه تعبير فعلي عن طبيعة المشروع الثوري كما ظهر في تجلياته الأولى قبل الاختراقات المؤدلجة من القوى الوطنية ولكن بقراءة جديدة معبرة عن الواقع كما هو وحاجاته ومطامحه شكلته القوى السياسية بمشاركة فاعلة مع القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية واستند على رؤية عقلانية متزنة فكان كأنه خلق جديد.
المرحلة الثانية: مرحلة الانطلاق ومواجهة المخاطر هدفها صيانة الوحدة والتأسيس الديمقراطي وبناء الدولة ومعالجة الاختلال الاقتصادي «1989 2006م».
وأخذت القراءة تتطور مع الزمن وتتفاعل مع البيئة المحيطة ومع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات تغيرت القراءة وتم إعادة بناء المشروع ولكنه ظل وفياً مخلصاً للثورة اليمنية المؤسس الفعلي للمشروع،وكان الهدف عكس محصلة التجربة السياسية الجديدة في بنية المشروع حتى يكون قادراً على التواءم مع المتغيرات والتحولات المحلية والعالمية ويستوعب النقلات النوعية والفعل الايجابي لصالح المشروع وتحققه، فالوحدة وصيانتها والمشاركة الشعبية وتحسين الوضع المعيشي للناس ومواجهة التغيرات في البيئة الاقليمية والعالمية.
ولكن المشروع الوطني تعرض لتهديد عرضه لأخطار جسيمة نتيجة صراع القوى السياسية على السلطة والثروة وفق آليات متناقضة مع المشروع الوطني وقيم الدولة الحديثة وقد أسهمت المصالح الأنانية والقوى الخارجية في تعميق الصراع واصبح الوطن كله في مهب الريح.وأدارالرئيس صالح الأزمة السياسية وفق القيم الوطنية للمشروع والدولة الحاملة له وكانت الحرب هي الأمر الحتمي لحماية المشروع الوطني من السقوط خصوصاً بعد استخدام كل الوسائل لحلحلة الأزمة وأصبح الاستسلام لمشروع الانفصال خيانة وطنية وهي من جانب آخر متناقضة مع العقيدة السياسية للرئيس صالح المتعلقة بضرورة العمل بسرعة وقوة للدفاع عن قيمه السياسية فكيف عندما تصبح كل القيم مهددة؟ومع انتصار الوحدة تبنى الرئيس سياسات كثيرة تصب لصالح بناء الدولة والدفع نحو الأمن والاستقرار وتعزيز المشروع الوطني لعل أهمها إعادة بناء التوازنات الداخلية والاصلاح المالي والإداري والتركيز على فلسفة الإنجاز وإحداث تعديلات دستورية والعمل على تجاوز المخلفات السلبية الناتجة عن الأزمة والحرب،وواجهت اليمن بعد الحرب ظروفاً اقتصادية صعبة وانتشرت كثير من السلبيات في المجتمع ومؤسسات الدولة ودخلت القوى السياسية في المعارضة والسلطة وضعية الحرب الباردة على مصالحها واستخدمت بعض القوى الخارجية المعارضة في الخارج ونتيجة للاصلاحات الاقتصادية المتلاحقة تأثرت الحياة المعيشية للمواطن تم استغلال ذلك من بعض القوى السياسية في الداخل لتهديد الدولة والمشروع الوطني كل ذلك سبب مشاكل كثيرة لليمن وأصبح الأمن القومي مهدداً مرة أخرى وعمل الرئيس باستراتيجية تقوم على تفعيل القيم التي تؤسس للمشروع الوطني واعلاء قيمة الدولة وهذا جعله يعيد بناء التحالفات وتخلى عن سياسة أي توافق لاينسجم مع الدستور والقوانين المنظمة للدولة وهذا دفع مراكز القوى خصوصاً الفاسدة منها للتحرك نحو اشباع مصالحها قبل أن يتم تصفيتها واستغلت نفوذها وتواجدها في السلطة لتضخيم مكاسبها وعبر الرئيس عن استيائه من خلال إعلانه عن مواجهة الفساد واتخاذ الكثير من السياسات لمعالجة وباء الفساد وبناء مؤسسات جديدة لتدعيم الأمن القومي ومواجهة معوقات بناء الدولة وعمل على إعادة تأسيس النخبة بإدخال قوى جديدة من أصحاب الخبرة والاختصاص ورجال الدولة من العناصر المتعلمة والتي تثقفه ثقافة عصرية وتحمل روح الشباب،ونتيجة ذلك بدأت القوى المضادة المتحدية للمشروع الوطني، والفاسدة وأصحاب المصالح الأنانية بتوظيف قوتها لمقاومة أية اصلاحات.
وفي تصوري أن بناء الدولة لم يكتمل بعد ومازال مهدداً ويحتاج إلى وقت وقائد قوي وتلك القوى يعرفها الرئيس صالح وهو القادر على محاصرتها وخنقها خصوصاً وكل الظروف المحلية والاقليمية والدولية ستكون عوامل داعمة للأمن والاستقرار الذي لايمكن أن يتحقق إلا من خلال اكمال بناء الدولة وتحقيق القيم المؤسسة للمشروع الوطني حتى يتحقق التطور والتقدم وتصبح اليمن قادرة على المشاركة الفاعلة بفاعلية في عالم القرن الواحد والعشرين.
المرحلة الثالثة:مرحلة الاستقرار والشراكة وانجاز المهام الصعبة وهدفها نقل المشروع الوطني بكل قيمه وأهدافه إلى آفاق التجديد وإعادة البناء بما يساعد اليمن على مواجهة تحديات العصر.
هذه المرحلة هي حصيلة للقراءات السابقة ولكنها شاملة وظهرت تجلياتها بوضوح تام في البرنامج الانتخابي للرئيس صالح وخطابه السياسي بعد الفوز ،الوصول بقيم المشروع وأهدافه لتعمل بصورتها المثلى.
مميزات القراءات التي قدمها الرئيس للمشروع الوطني
قراءة مثالية لكنها مرنة وبراجماتية وواقعية تطور نفسها باستمرار وتتمسك بالمبدأ والقيمة ولاتفرط فيها وتتموضع حسب حاجات الواقع ورغبته في التقدم والتطور،واقعية تتعامل مع الواقع كما هو ومحاولة تغييره وفق الممكنات المتاحة وعدم المبالغة في نقد الواقع وتحديه وطرح رؤى متعالية لاتتوافق مع طبيعة الحراك الواقعي ولعل قدرته على تجاوز الطرح الإيديولوجي وعدم تبنيه لمقولات الإيديولوجيا الدوغمائية جعلت الرئيس قادراً على تجاوز الطرح المتعالي إلى الطرح الطموح الباحث عن الصواب وفق مقتضيات الواقع ولم تسيطر عليه مقولات اطلاقية لذلك لم يعتقد يوماً أن يملك الحق المطلق وهذا ما جعل الحوار والسلم أحد مرتكزات سلوكه السياسي وهكذا تعامل له سلبياته على سمعة القائد لأن التفكير السطحي يجعل الآخر يعتقد أنه القائد يقبل بعض سلبيات الواقع فالتعامل مع الواقع والعمل على تغييره وفق الممكن تعبر عن نظرة واقعية وعقلانية رافضة للسلب وباحثة عن تغيير بما لايؤثر على التغيير ويجعله اجبارياً قسرياً ولا يؤثر على السلم الاجتماعي والأمن والاستقرار كمحددات جوهرية في سلوك الرئيس السياسي.
قراءة تعبوية ثورية متفائلة لها خطط وبرامج عمل واضحة مستندة على القيم والأهداف التي أسست لها الثورة اليمنية والعمل على بنائها وتعميرها بما يتوافق والتحولات وتنقيتها من القراءات التي أخرجتها من مساراتها الصحيحة لصالح المفاهيم والقيم المستندة على الايديولوجيا أو المصالح الأنانية.
قراءة تملك قوة الإرادة والتصميم على تغيير الواقع واقتلاع مشاكل قراءات المشروع الوطني التي استندت على قيم وعقائد مستوردة لاتعبر عن الواقع بهدف بناء إجماع وطني يتجاوز الصراع العدمي الناتج عن التناقض الفكري الذي أسست له القوى السياسية في الساحة.
قراءة أسست لاستراتيجية تقوم على الحوار والسلم والتسامح في الحياة السياسية وأسست شرعية الدولة على الحرية بإعادة الاعتبار للمجتمع في تحديد خياراته بتأسيس المشروع وفق القيم الأصيلة للمجتمع كالعقيدة الدينية ورؤيتها للحياة والكون والإنسان وبنائه وفق الحاجات المجتمعية وإشراك الناس ومنحهم حرية الاختيار في رسم الأهداف وهذا جعل القراءة معبرة عن الهوية اليمنية كما هي لا هوية متخيلة كما هي لدى التيارات السياسية المتأثرة بتجارب أخرى،وأصبحت السياسة الداخلية والخارجية صناعة محلية.
قراءة لم تكن أحادية ولامتصارعة مع القوى الوطنية حتى المتناقضة مع فلسفة المشروع بل قراءة عملت بشكل جاد وصادق على بناء توافق وإجماع سياسي واجتماعي حول المشروع وتوظيف كل القوى في المشاركة في صناعة المشروع والعمل على تحقيقه.
نظر المشروع إلى مشاكل الواقع وقضاياها نظرة شمولية فتم بناء مشروع كلي متماسك يسير وفق استراتيجيات واضحة نحو الأهداف التي حددها ووفق القيم المؤسسة للمشروع فلم يتم إهمال هدف لصالح آخر ولم يتم تأجيل هدف لصالح هدف آخر ولكنها كانت تسير في مساقات واحدة.
قراءة جعلت من الأهداف متكاملة ومترابطة ولا يمكن تفكيكها فالوحدة رديف الديمقراطية والتنمية مرتبطة بالأم والاستقرار الذي لايمكن تحقيقه إلا بالحريات والحقوق وذلك مرهون بالدور المستقل لليمن الذي يتطلب حماية المصالح الوطنية ودفاعاً عن القضايا القومية والإسلامية وذلك لايتناقض مع إقامة علاقات ايجابية مع الولايات المتحدة بما يخدم مصالح الطرفين.
وضع وتحديد الهدف بحده الأقصى والتمسك به لايمكن المساومة أو التنازل عن الأهداف ثم العمل على تحقيقها حسب القدرة والإمكانات المتاحة.
التعامل مع الواقع والاستجابة للحاجات الملحة دون تجاوز أو إضعاف أو تأجيل الأهداف الأخرى لكن حركة الواقع قد تجعل الجهد المبذول وتوجيه الموارد في جانب معين فرضته الضغوط المجتمعية فالأولوية الاقتصادية لتحسين معيشة الناس لايعني إعلان حالة الطوارئ وإسكات صوت المعارضة،ولايعني وجود أزمة خارجية كقضية حنيش إجبار الناس على اتباع فلسفة القيادة بل تترك للناس لتحديد خياراتهم، والتعبير عن رؤيتهم ومحاسبة الحكومة.
قراءة ترى أن الأهداف لايمكنها أن تتحقق إلا بوجود الشعور بالمسئولية الوطنية والاجتماعية لدى القوى المختلفة والمواطنين وهذه الرؤية تساعد على ترسيخ مفهوم المسئولية الفردية في الاهتمام بالشأن العام أي أن المسئولية جماعية بتعبير الرئيس فالمشروع الوطني هو مسئولية القائد والمواطن فكل فرد يتحمل مسئوليته حسب موقعه.
قراءة الرئيس صالح كانت نابعة من الممارسة الواقعية لذلك لم تتولد لديها تناقضات الفكر والممارسة والطرح المثالي للقضايا ليست إلا ممارسة نقدية للواقع ومحاولة صياغته وفق مايجب أن يكون عليه الوضع وهي محاولة تبشيرية بالقيمة أو الهدف لتجاوز الراهن وسلبيات الممارسة وهذه الطريقة المتحررة ناتجة عن تجاوزه للطرح الايديولوجي المتعالي عن الواقع وهيمنة فلسفة عملية مرنة قادر على توظيف الفكر الجديد بما يخدم حاجة الواقع وتحولاته،وهذا لايعني أن الايديولوجيا لم تكن موجودة بل شكل المشروع الوطني والقراءات التي قدمها بالتعاون مع النخبة الداعمة والميثاق الوطني والأدبيات التي انتجتها النخبة الداعمة في تفسيراتها وشروحاتها للمشروع الوطني وبرامج العمل السياسي هي المشكل الفعلي للايدولوجيا التي يتحرك منها إذا مانظرنا إلى الايديولوجيا أنها مجموعة الأفكار والعقائد والتصورات والتي تشكل كلاً متماسكاً.
تجاوز الرئيس بقراءته الثنائيات المتصارعة فلا أزمة بين الأصالة والمعاصرة ولا بين الدين والدولة أو العلمانية والشريعة ولا بين الوطنية والقومية أو الإسلامية أو بين اللببرالية والعدالة الاجتماعية ولابين الأنا والآخر وهذا التجاوز نتيجة منهجية متعلقة بعملية واقعية فالتناقضات التي ينتجها الواقع يتجاوزها من خلال العمل في الواقع نفسه ومحاولة التجاوز بطرح الرؤية المثالية وتفعيلها مع البيئة وهي القادرة على تعديلها أو هضمها أو رفضها لصالح قيمة جديدة فحركة الإنسان دائماً باحث عن الخير وما ينفعها والصواب النافع للناس يبقى وإرادة الشعوب هي المنتصرة والقادرة على تحديد خياراتها الصحيحة كما يعتقد الرئيس صالح.
المرتكزات الجوهرية في المشروع الوطني
اعتقد الرئيس صالح أن مصدر قوة الشعب لتحقيق النجاح يتمثل في تحديده أهدافه بوضوح وفي سلامة السياسات والخطط التي ترسم للوصول إلى أهداف وغايات النهوض الوطني الشامل،ولأن أهداف الثورة هي عصارة معاناة الشعب اليمني،وفيها تجسدت الإرادة الوطنية التحررية اليمنية فقد ارتكزت قراءته في تحديد مرتكزات المشروع الوطني على أهداف الثورة وهذا جعله يقدم رؤية واضحة للأهداف تقوم على الثقة والوضوح بين الحاكم والمحكوم،ومؤسسة على الولاء الوطني وهذه الرؤية للأهداف أسست شرعية حكمه على أساس ثوري ديمقراطي فلسفتها الانجاز كقوة داعمة للشرعية.
الوحدة حتمية تاريخية
الوحدة اليمنية في المشروع الوطني كما في قراءة الرئيس صالح هدف جوهري وهي الهدف الأسمى والمقدس في بنية المشروع للمشروع ولايمكن للشعب اليمني أن يحقق تطوره وتقدمه إلا بها وهي قدر ومصير الشعب اليمني وبمجرد توليه الحكم اصبحت الهدف الاستراتيجي الأول في سلم أهداف المشروع الوطني وقدمها الرئىس في بداية حكمه كحتمية تاريخية ستجد "طريقها للمثول والتحقق إن عاجلاً أو آجلاً." لذا فقد شغل العمل الوحدوي حيزاً قوياً في سلوك الرئيس السياسي والنخب الداعمة.
وقدم رؤية عقلانية ومتزنة لتحقيقها وركز على ضرورة أن يتجاوز المشروع الوطني اشكالية العنف والتفسيرات المؤدلجة للوحدة وأعاد بناء مضمونها على أسس وطنية وقومية وإسلامية وتبنى استراتيجية تقوم على الحوار والعمل من خلال رؤية مشتركة بعيداً عن التعصب وبدون تهور وفي إطار من المحبة والصفاء وبمناخ من الود وبالأسلوب السلمي الديمقراطي.
أما آلية العمل فتقوم على التفاهم وتوسيع النشاط المشترك والتعاون والتنسيق في المجالات التنموية والسياسية واقامة المؤسسات الشعبية الوحدوية وتبني رؤى موضوعية واضحة وبرامج زمنية محدودة واتباع النهج الديمقراطي الملتزم بالحوار ومصلحة الشعب اليمني.
والوحدة حسب القراءة المقدمة من الرئيس صالح أداة ايجابية تحقق السلم وتتجاوز الصراعات الداخلية وتسهم بقوة في تحقيق الأمن والاستقرار في الجزيرة والخليج وتزيد من قوة العرب.
الديمقراطية خيار محسوم ولاجدال حول حتمية وجودها
قدم الرئيس صالح للديمقراطية قراءة جديدة مختلفة عن القراءات السابقة التي قدمتها القوى السياسية في تعاملها مع المشروع الوطني وتطورت تلك القراءة مع التغييرات والتحولات لتصل إلى مداها النهائي في برنامجه الانتخابي في عام 2006م وكان سباقاً في وضع الديمقراطية في سلم أولويات المشروع الوطني وهذا ساعدها على مواجهة مشاكل الصراع على السلطة والتفت حوله النخب الديمقراطية والفئات الحديثة وأصبحت الديمقراطية أمراً محسوماً ولاجدال حول حتمية وجودها كحق مفروض على الحكام وهذا نقل المشروع الوطني نقلة نوعية.
ووضع الرئيس مبررات منطقية مستقاة من التجربة اليمنية والتجارب الإنسانية والرؤى الفكرية المعاصرة في الفكر العربي يمكن إجمالها في النقاط التالية:
لا يمكن لأي حكم أن يعيش بدون الديمقراطية حيث أصبح من الصعب بمكان القبول بأي شكل من أشكال التسلط والديكتاتورية والهيمنة وسلب الحقوق ومصادرة الرأي وحرية التعبير وتكميم الأفواه في أي مجتمع.
الديمقراطية وسيلة الشعب اليمني الحضارية المثلى لصنع التقدم وتحقيق الانتماء الحقيقي للعصر الذي هو عصر الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لأخيه الإنسان
الديمقراطية نقيض الاستبداد العدو المدمر لحياة الشعوب وهي في خدمة الإنسان وبها يتجاوز كل أشكال الإلغاء للآخرين والإغراق في المصالح الأنانية والاستهانة بحقوق الآخرين وبمقدراتهم وفوق كل ذلك هي حق كفلته الثورة ونظامها الجمهوري.
الديمقراطية ضرورة تاريخية ،واستجابة لحاجات الواقع ،وقيمة عليا تعبر عن حيوية الشعب وروحه النضالية في العطاء والخيرية،وفيها تتجسد معاني "الولاء العميق لله والوطن والثورة".
ويصل الرئيس إلى نتيجة أن تحقيق الديمقراطية يؤول إلى الاستقرار السياسي " وبالأمن والاستقرار نستطيع أن ندفع بعجلة التنمية إلى الأمام"كما يسهم وجودها في بناء الدولة المركزية الحديثة ومنحها شرعية مؤسسة على أسس شعبية دستورية وديمقراطية وجامعة بين الأصالة والمعاصرة.
وقد تعامل الرئيس مع الديمقراطية برؤية متزنة قائمة على فهم الواقع الموضوعي ولم يتعامل معها بتهور بل ظل الواقع هو المتحكم في طبيعة الرؤية المقدمة ففي الثمانينيات رغم قناعته أن الديمقراطية فلسفة ترتكز على فكرة رئيسية مؤداها تقرير حكم الشعب نفسه بنفسه وهو المفهوم التلقائي والبسيط للديمقراطية الصحيحة الذي يعني المشاركة الشعبية في مجمل المسؤوليات الوطنية في كافة المجالات" إلا أن الديمقراطية في هذه المرحلة لم يكن من مضامينها التعددية الحزبية وممارسة النشاط الحزبي،فقد اعتقد الرئىس صالح في هذه الفترة أن العمل الحزبي بكل أشكاله وألوانه وتحت أي مسمى عمل محرم ومضر بالديمقراطية،وتحريم الحزبية حسب اعتقاده لايفقد الديمقراطية معناها فهي "المشاركة الشعبية الواسعة وجدية الحوار وعمقه وشموله والقدرة على تجديد المسارات" وتحقيق مبدأ" حكم الشعب نفسه بنفسه".
وفي الثمانينيات تصور أن الحل للإشكالات التي تفرزها الممارسة الديمقراطية في تصور الرئيس صالح هو مزيد من الديمقراطية والعمل على تجذيرها نهجاً وسلوكاً وترسيخها في الواقع. دون خوف من بعض السلبيات "لأن الديمقراطية تحمي نفسها بنفسها وهي سبيل شعبنا لتحقيق المزيد من الانجازات" وهي ضرورة لحل مشكلة السلطة وتحقيق الانسجام في المجتمع من خلال ممارسة الحرية والمشاركة في تحمل المسئولية فالديمقراطية "هي المخرج للإنسان"..." إن الواحد يعبر عن رأيه ويتكلم بكامل الحرية هي مخرج أفضل من الكتمان والكبت للحريات،لأن الكبت يؤدي إلى الانفجار" و"هي الوسيلة الحضارية لتحمل المسؤولية الوطنية"
وحتى تعمل الديمقراطية بشكل فعال فقد اعتقد أن ذلك يتم من خلال الأدوات التالية:
تأسيس إطار سياسي يتم من خلاله العمل وقد تمثل ذلك في المؤتمر الشعبي العام ومرجعيته الفكرية الميثاق الوطني على أساس أن ذلك يساعد في بناء الديمقراطية ويعمل على تجميع الآراء لبناء اجماع سياسي.
لانتخابات لمؤسسات العمل الديمقراطي والتي تمثلت في :
المجالس المحلية للتطوير التعاوني "المجالس البلدية"
توسيع عضوية المؤتمر الشعبي العام لتوسيع المشاركة في العمل السياسي في إطار الالتزام بالميثاق الوطني.
مجلس الشورى.
النقابات والجمعيات المهنية والحرفية.
ومع الوحدة قدم الرئيس قراءة قريبة من الطرح الليبرالي من حيث الآليات الديمقراطية وطرح رؤية قوية ومتماسكة لفكرة التحولات الديمقراطية يمكن اجمالها في النقاط التالية:
وضع الديمقراطية كقيمة عليا لايحق لأحد أياً كان في أن يفرض وصايته على الجماهير ويحد من اكتمال الديمقراطية بمفهومها الكامل كما طورها العقل الإنساني بحيث يتحقق وجودها الفعلي بممارسة الشعب حقه في حكم نفسه بنفسه عبر تنافس سلمي شريف يتجاوز الصراع السلبي المعيق للبناء الحضاري.
يؤسس النظام السياسي مشروعية دستورية تضمن الحقوق الأساسية للأفراد وفي إطار برلمان منتخب وضرورة أن يمثل الشعب بكل فئاته الاجتماعية والسياسية في السلطة على أن يرتكز النظام على آلية التداول السلمي للسلطة في اطار أن يمتلك الشعب حقه في أن يحكم نفسه بنفسه بدون تسلط أو هيمنة وأيضاً أن تكون التعددية في النظام منهجاً وحيداً للبناء والتغيير والمشاركة في تحمل المسئولية.
دعم المعارضة وتفعيل الديمقراطية الحقيقية لايمكن وجودها إلا بمعارضة قوية بناءة تمارس دورها الوطني في مراقبة الحكومة وتنافسها على الحكم عبر انتخابات حرة تنافسية والمعارضة تستمد مشروعيتها من مشروعية الحاكم فالديمقراطية منظومة متكاملة بشقيها الحاكم والمعارض حيث يكمل كل منهما الآخر،فالمعارضة هي الوجه الآخر للحاكم والرديف الآخر له.
دعم وتطوير وتفعيل المجتمع المدني كمطلب ضروري وملح لتفعيل الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة ومؤسسات المجتمع المدني هي الوجه الحقيقي الذي يبرز فيه العمل الديمقراطي وقواه هي القوى الحقيقية صاحبة المصلحة في الديمقراطية والقوى القادرة على مواجهة ما يناقض مصالح الناس وحقهم في حكم أنفسهم.
لا وجود لديمقراطية حقيقية دون صحافة حرة "والصحف منابر مهمة للديمقراطية وللرأي الآخر وللمشاركة الشعبية وتحمل المسؤولية الوطنية" ومن الضروري منحها حرية كاملة حتى تكون "وسيلة لامتلاك الحقيقة ونشرها والانتصار للحق ورفع الظلم وتصحيح الأخطاء وتعميق المنهاج السليم" والتعددية السياسية مقرونة دائماً بتعددية اعلامية".
استقلال القضاء وسيادة القانون فالقضاء هو الفيصل بين الجميع والديمقراطية لابد أن تكون محمية بالقانون فلا ديمقراطية بدون حماية ولا حماية بدون تطبيق سيادة النظام والقانون.
الديمقراطية مخاطرة ضرورية ربما ينتج عنها اشكاليات فالتحول الديمقراطي عملية معقدة نسبياً فالتحديات والمصاعب والسلبيات الناتجة عن التحول وقلة الوعي الديمقراطية يدفع البعض إلى استغلال الحرية والإساءة للآخرين وخلق الفرقة والشتات أو ممارسة سلوكيات فاسدة كإهدار المال العام وعدم الوفاء بأمانة المسئولية وجعل المصالح الذاتية فوق مصلحة الوطن واللجوء إلى ممارسة العمل السياسي من خلال إثارة القبائل وإثارة النعرات القبلية والمناطقية أو المذهبية أو الطائفية ورغم مخاطرها إلا أنها مخاطرة محسوبة لأنها قادرة على تصحيح وتجاوز أخطائها ومساوئها وترشيد نفسها ومع التجربة يتعلم الناس الديمقراطية وتنتهي الفوضى وتخف.
استراتيجية التدرج لبناء التجربة الديمقراطية، وعلى الرغم من طرح الرئيس لرؤية مثالية للديمقراطية إلا أنه لم يتعامل معها كرؤية منجزة أو فكرة نموذجية ومفهوم ناجز يمكن قسر الواقع عليه وإجباره على لبسه وهذا يعود إلى أن التكوين الفكري للرئيس لم يتأثر بالإيديولوجيات الغربية كبناء كل متماسك وتعامل مع تلك النظريات بعقلية عملية براغماتية بمعنى ماهو مفيد ونافع للواقع اليمني يتم التعامل معه كبناء اجرائي يتم هضمه ودمجه في تجربة النظام السياسي وحياة المجتمع.
التجربة والتدرج هي المنهج الأكثر قدرة على تحقيق الديمقراطية لأنها لاتأتي فجأة ولكنها تنمو وتعزز كل يوم وبالممارسة العملية نكون أكثر قدرة على تجاوز السلبيات واستمرار المسيرة وتراكم الخبرة سيصحح أي تجاوزات وتصبح سلوكاً راسخاً يتقبله الجميع.
الديمقراطية تشكل أهم وأبرز الأدوات القادرة على حل الصراعات السياسية والاجتماعية وبها يتم تجاوز الثقافة والسلوكيات المؤسسة للصراع السلبي لصالح قيم السلم الاجتماعي والتوافق والتعاون وإدارة الصراع بطريقة سلمية فيما يخدم المصالح الوطنية ويحقق مصالح الناس وحاجتهم للأمن والأمان والعيش بسلام حتى يكونوا قادرين على بناء وتعمير حياتهم وتحقيق نهوضهم الحضاري.
الديمقراطية خيار لارجعة عنه و"لا حياد عنه لبناء اليمن الجديد وتحقيق نهضته وعزته وتقدمه".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.