تؤكد الدراسات والمسوحات الميدانية أن شجرة القات أصبحت تسيطر في زراعتها على جزء كبير من مساحة الأراضي الزراعية في الجمهورية اليمنية، رغم ما لهذه الشجرة من أضرار صحية ومادية ونفسية واجتماعية وقبل ذلك كله "أضرار زراعية". مديرية أرحب (20 كيلو متراً) إلى الشمال من العاصمة صنعاء، تعد من أشهر المناطق الغنية بزراعة القات، كما تعد واحدة ضمن قائمة بمناطق زراعية تشتهر بزراعة فاكهة العنب والمعروفة باسم "العنب الأرحبي" نسبة إلى اسم المديرية، رغم تعدد أنواعه وألوانه كالرازقي والعرقي والأسود والبياض والنشان والعاصمي وغيره. إلا أن زراعة القات في قرى هذه المديرية تشهد توسعاً لافتاً للنظر، بل إنها أخذت منحى يجعلها تقضي على ما تبقى من شتلات وغرائس العنب بمختلف أنواعه "الرازقي والعرقي والأسود والعاصمي والنشان وغيره"، وباتت شجرة العنب على شفا جرف هار من الانقراض بعد أن أسقطته شجرة القات من مرتبته الأولى التي كان يحتلها بزراعته على ما يقارب ال80% من مساحة الأراضي الزراعية بالمديرية. رأس الحربة شجرة القات تشكل رأس الحربة أو العامل الرئيسي الذي يقف وراء هذا التهديد بالانقراض لأشجار العنب بهذه المديرية نظراً لما تشهده هذه الشجرة "القات" من توسع مثير للقلق والجدل معاً بزراعتها على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية كانت الى حين قريب تحتضن أغصان وعناقيد العنب بألوانه المختلفة. حيث شهدت قرى عديدة بهذه المديرية ومنها على سبيل المثال لا الحصر "بوسان، ودرب عبيد، والمكاريب، وهزم، وبيت مران، ويحيص والبكول والدرب... الخ" خلال العشر السنوات الماضية توسعا هائل في زراعة هذه النبتة "القات" على مساحات شاسعة من أراضٍ زراعية أزلية (قديمة ومتوارثة) أو التي يتم استحداثها عبر الآلات والمعدات الزراعية الثقيلة. سباق نحو الجنون الحاج يحيى حمزة (60) عاماً، واحد من مزارعين كثر التقيناهم، يمتلك من الأراضي الزراعية المزروعة بأشجار القات ما يقدره أبناء قريته بألف لبنة، تتناثر كقطع زراعية في أنحاء مختلفة من قريته. وبعد أن أصبح يحتل المرتبة الأولى بين أبناء قريته في زراعة القات حسب تصنيف أبناء قريته فإنه يقول: أتمنى لو يرجع الزمان للوراء قليلاً، لكي لا أقطع شجرة عنب أو فرسك أو أية فاكهة قطعتها بيدي وأنا نادم الآن. ويضيف حمزة: بعد أن كنا نجني الأكوام الكبيرة من العنب والزبيب وباقي أنواع المحاصيل الزراعية الأخرى كالبر والشعير والعدس والفول، أصبحنا لا نمتلك من أشجار العنب إلا ما يثمر علينا بالخريف "أي ما يأكله وأفراد أسرته من العنب طيلة أيام فصل الخريف". ويبدي الحاج يحيى تخوفه من أن يأتي يوم لا يجد فيه هو وأسرته هذا الخريف بسبب هذه الشجرة الخبيثة "القات".. ويضيف: نحن وليس في قريتنا فقط أصبحنا نتسابق نحو الجنون بسباقنا نحو التوسع في زارعة شجرة القات. أحمد علي هادي (57) عاماً، والذي يقول إنه قضى عمره عند شجرة القات حسب تعبيره، يعمل على غرسها على أكبر جزء من أرضه الزراعية، وأنه كان يقوم باقتلاع أشجار العنب بمختلف أنواعه وأشجار فواكه أخرى كالفرسك والسفرجل والرمان، شجرة تلو شجرة، إلى أن أصبح اليوم لم يعد يمتلك من شجرة العنب إلا ما يعد على الأصابع من شجر العنب الأسود فقط، أما باقي المحاصيل الزراعية فإنه يشتريها من السوق. شواهد التوسع رئيس جمعية صرواح التعاونية الزراعية بالمديرية لبيب قيس قال: "إن أشجار العنب انقرضت زراعتها فعلاً في قيعان ومناطق زراعية في عدد من قرى هذه المديرية، فيما يستمر الخطر ذاته يهددها بالانقراض في مناطق أخرى. ويوضح رئيس الجمعية الزراعية أن من أبرز الشواهد على ذلك التفشي الزراعي لأشجار القات بهذه المديرية هو أن عدداً كبيراً من مزارعي المديرية بمختلف انتماءاتهم الأسرية وأطيافهم العمرية، أصبحوا يأتون "بالغرس" وهي الشتلات والغرائس الصغيرة من شجرة القات من مناطق زراعية مختلفة من محافظات الجمهورية، وبأغلى الأثمان نظراً لانعدامها واستنفادها في مناطقهم . وفي حين تعتمد زراعة أشجار القات في مناطق وتجمعات تكاثفها على مياه الآبار الارتوازية، فإن أشجار العنب تعتمد في زراعتها وبشكل رئيس على مياه الأمطار الموسمية نظرا ًلانعدام السدود والحواجز المائية، والعشوائية في حفر الآبار التي نجم عنها شح في المياه الجوفية. عواقب وخيمة المهندس الزراعي طلال محمود النهمي يؤكد أن التوسع في زراعة شجرة القات وبشكل رئيسي أعاد تقسيم ورسم الخارطة الجغرافية في عدد من المناطق، بسبب استحداث أراضٍ زراعية جديدة من أراضٍ زراعية تتصف بالأزلية، وهذا بدوره ساهم في إثارة عدد من المشاكل القبلية والتي قد تتفاقم في أغلب الأحيان لتصل إلى الثأر . وقال: إن أي توسع في شجرة القات يقابله استنزاف جائر للمياه الجوفية، كون التوسع يقع على أرض زراعية مستحدثة لا تتمتع بخصائص الأرض الزراعية القديمة التي من مزاياها الاحتفاظ بالرطوبة لفترة طويلة قد تصل إلى السنة الواحدة، وهذا بدوره يولد الحاجة لحفر آبار ارتوازية، الأمر الذي يؤكد التخوفات التي تطلقها جهات رسمية ومنظمات مجتمعية مختصة، من أن حوض صنعاء المائي وأحواض أخرى باتت مهددة بالجفاف نتيجة لهذا التهور في حفر الآبار الارتوازية العشوائية. ويوضح النهمي أن طغيان الجانب المادي لدى مزارعي المديرية واعتمادهم له كمعيار رئيسي في مفاضلتهم الزراعية ابتداء من إقبالهم على التوسع في زراعة شجرة القات على حساب جميع أنواع العنب من ناحية، أو إقبالهم على زراعة نوع من أنواع العنب على حساب الأنواع الأخرى من ناحية ثانية، إضافة إلى غياب التوعية الإرشادية الزراعية، وتفشي ظاهرة الحفر العشوائي للآبار الارتوازية.. كل تلك عوامل تشكل ملامح لخطر كبير يتهدد أشجار فاكهة العنب بالانقراض في هذه المديرية، يضاهيه تهديد لأشجار فاكهة أخرى أو حبوب كانت تشتهر به هذه المنطقة أو تلك وباتت تشهد توسعاً في زراعة القات لذات الأسباب "المادية" ومثال ذلك أشجار فاكهة العنب في أرحب. وخلاصة الأمر أن المزارعين كادوا يجمعون على سبب جوهري واحد مفاده أنهم يحققون عائدا ًنقدياً أعلى جراء زراعة القات في قطعة أرض، في حين لا يحصلون على العائد نفسه في حال كان المحصول الزراعي غير القات. يشار إلى أن مساحة الأراضي المزروعة بالأعناب في الجمهورية اليمنية وفقاً لإحصائية للعام 2006م بلغت 12544هكتاراً، فيما بلغ حجم الإنتاج من فاكهة العنب لذات العام 117580 طناً