عرف الشرق الأوسط الشيشة أو النرجيلة منذ بضع مئات من السنين لكنها توارت لفترة و اقتصر تدخينها في الأماكن العامة على الطبقات الشعبية. .أما الآن فقد عادت لتفرض نفسها و بقوة في بلادنا العربية بين كل الفئات و الأعمار. .البعض لايستغنى عنها و البعض يضطر لتدخينها لمجاراة الرفاق والبعض الآخر لايطيقها لكن الأكيد أن وجودها في المقاهي العربية أصبح القاعدة وليس الاستثناء. "حفلات شيشة للنساء فقط" داخل أحد مقاهي الشيشة بلندن أشعر كأنني انتقلت إلى إحدى العواصم العربية... معظم رواد المقهى من العرب يتكئون على وسائد وثيرة و يتبادلون الحديث والضحكات بينما يستمعون للغناء العربي و يحتسون الشاي في أكواب زجاجية. اللافت للنظر أن غالبية هؤلاء كن من النساء. تتباين هيئاتهن كثيراً فمنهن من ترتدي الجينز ومنهن من ترتدي عباءات طويلة... بعضهن محجبات و البعض الآخر كاشفات شعورهن... لكن كلهن التففن حول الشيشة التي لا يتوقف دخانها عن التصاعد. أثار المشهد فضولي فسألت سامي صاحب المقهى عن مدى إقبال النساء على تدخين الشيشة. أجابنى بأن الحال تغير فبعدما كانت النساء تأتين مع أزواجهن أو عائلاتهن أصبحن يأتين بمفردهن أو في جماعات من النساء. وسامي سعيد بأن زبائنه من النساء يعرفن أنواع التبغ ويحكمن على جودة الشيشة و"تجدن راحتهن" في المقهى لديه حتى إنهن يستخدمن قاعة خاصة بمقهاه لتنظيم "حفلات شيشة للنساء فقط". .ولا يختلف الحال في دولنا العربية، حيث أصبحت مقاهي الشيشة في كل شارع وصار تواجد النساء بها أمراً معتاداً. فما السر في إقبال المرأة العربية على الشيشة؟ تحطيم القيود؟ أجرت الباحثة شاهيناز خليل دراسة ميدانية، أثناء إعداد دراسة الماجستير بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، عن انتشار تدخين النساء للشيشة في المقاهي ووصلت لنتيجة رئيسية مفادها أن المرأة المدخنة تشعر في كثير من الأحيان برفض المجتمع، لكنها "تريد أن تثبت للمجتمع أنه لا فرق بينها وبين الرجل وأنها قد تحررت وحطمت كل قيودها". وتضيف شاهيناز أن هذا لا يعني بالضرورة أن تلك طريقة إيجابية للتعبير عن الحرية لكنها موجودة على أية حال. ما كل الرجالة بتدخن شيشة.. اشمعنى أنا يعني ما ادخنش ليه؟ أماني ويرى الدكتور هاني شعيب الطبيب النفسي المقيم بلندن أن تدخين النساء للشيشة يكون في أغلب الأحوال لإثبات أنهن قادرات على كسر التابوهات وقادرات على الدخول في المناطق المحظورة. ويضيف أنهن "يأخذنها على أنها نوع من التحدي". و تتفق معه فتاة عربية تقول إنها لا تدخن و لاتحب الشيشة لكنها تضطر للذهاب للمقهى مع صديقاتها اللآتي يدخن في الأماكن العامة فقط حتى يظهرن أنهن تمارسن نوعاً من الحرية التي لم تكن متوفرة في الماضي وأنهن مستقلات و"In control" على حد تعبيرها. .أماني تدخن الشيشة منذ سنوات عديدة و تقول بصراحة إنها تدخنها كنوع من إثبات النفس... نوع من التحدي. وتتساءل "ما كل الرجالة بتدخن شيشة.. اشمعنى أنا يعني ما ادخنش ليه؟" تفاح وعنب رغم السلاسة والعفوية في صوت أماني وهي توجه سؤالها، إلا أنه سؤال غير مقبول بالنسبة للبعض. وجهت نفس السؤال لأحد السياح العرب بلندن أثناء احتسائه للشاي في أحد المقاهي بادجوار رود - الذي يرتاده الكثير من العرب - فاعترض على توجيه مثل هذا السؤال، و أضاف «لأ ما تشرب شيشة.. . إحنا نعرف إن الرجل رجل و المرأة مرأة. مو المرأة تقارن نفسها بالرجل وتشرب شيشة. هل الشيشة زادتها هذه؟». .الكثيرات يرون أنها "زادتهن" أو أضافت لهن. فاطمة فتاة يمنية تقول إنها تحب الشيشة "لأني بحس نفسي في راحة لما بشيش .. بعمل مزاج". وإيفيلين من سوريا تقول إنها تحبها وأنها اعتادت عليها. و تضيف إن الشيشة تضفي نوعاً من الجاذبية و القوة على الفتيات.. مدخنة أخرى لا تتعدى العشرين من العمر استبدلت السجائر بالشيشة لأن طعم الشيشة أحلى كما أنها تجعلها صافية المزاج لكن أكثر ما يعجبها في الشيشة هو اختيار نكهات التبغ المختلفة. .يعضد هذا رأي مصطفى الذي يقوم بإدارة أحد مقاهي الشيشة بلندن منذ أكثر من عشر سنوات. فمصطفى يرى أن شركات إنتاج التبغ تلجأ إلى إنتاج تبغ ذي نكهات أقل مرارة من السجائر لجذب النساء للتدخين، وعندما يجربنه، يعجبهن، ويتحول الأمر إلى عادة. عندما سألته عن أكثر النكهات رواجاً بين النساء، قال إن التفاح والعنب تتصدران القائمة بلا منازع. "مظهر طبيعي للمساواة" سألت إحدى المدخنات إن كانت ترى أن تدخين الشيشة يضفي جاذبية على المرأة؟ فأجابتني بدون تردد أن الشيشة تضفي نوعاً من الجاذبية والقوة على الفتيات وأن طريقة قبضة الفتاة على الشيشة قد تدل على شخصيتها. .ربما تقبل بعض الفتيات على تدخين الشيشة رغبة في أن يصبحن أكثر جاذبية، فهل هذا ما يراه الشباب؟ عادل يحبذ الزواج بفتاة تدخن الشيشة فالتدخين يشعره أنها شخصية قوية تستطيع أن تجلس وسط الرجال بدون خوف، كما أن هذا يعني أنه سيستطيع تدخين الشيشة في البيت وسيخرجان سوياً للتدخين فى مقاهي الشيشة. .أما وليد فيرى أن الشيشة تفقد المرأة بعضاً من أنوثتها لأنها تشعره كأنه يجلس مع أحد زملائه في العمل... "هو بيدخن وأنا بادخن". بينما يحيى الذي يدخن الشيشة أيضاً فيرى أن التدخين عموماً شيء سلبي لأنه يضر بالصحة. وأنه "ابتلاء" بالنسبة للنساء والرجال. الدكتور بابيكر مخير مؤسس المجلس الأهلي العربي ضد الإدمان يقوم حاليا بدراسة انتشار تدخين الشيشة في لندن ويرى أن تدخين الشيشة قديم حتى بين النساء لكنهن كن يدخن في داخل بيوتهن. أما الآن، كما يقول الدكتور بابيكر، فقد خرجت المرأة العربية من بيتها وأصبحت تطالب بحقوقها وتعمل مثل الرجل. لذلك فإن تدخينها في الأماكن العامة هو مجرد مظهر طبيعي من مظاهر مساواتها مع بالرجل.بي بي سي