وزارة الداخلية تعلن ضبط متهم بمقاومة السلطات شرقي البلاد    شاهد.. مقتل وإصابة أكثر من 20 شخصًا في حادث بشع بعمران .. الجثث ملقاة على الأرض والضحايا يصرخون (فيديو)    ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيل؟    البحسني يشهد عرضًا عسكريًا بمناسبة الذكرى الثامنة لتحرير ساحل حضرموت    يجب طردهم من ألمانيا إلى بلدانهم الإسلامية لإقامة دولة خلافتهم    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    شاهد ما الذي خرج من عمق الأرض في الحرم المدني عقب هطول الأمطار الغزيرة (فيديو)    إعلان حوثي بشأن تفويج الحجاج عبر مطار صنعاء    بينها الكريمي.. بنوك رئيسية ترفض نقل مقراتها من صنعاء إلى عدن وتوجه ردًا حاسمًا للبنك المركزي (الأسماء)    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    قيادي حوثي يذبح زوجته بعد رفضها السماح لأطفاله بالذهاب للمراكز الصيفية في الجوف    انهيار كارثي للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي    ماذا يجري في الجامعات الأمريكية؟    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    رسالة سعودية قوية للحوثيين ومليشيات إيران في المنطقة    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    ليفاندوفسكي يقود برشلونة للفوز برباعية امام فالنسيا    طفلة تزهق روحها بوحشية الحوثي: الموت على بوابة النجاة!    ثلاثة صواريخ هاجمتها.. الكشف عن تفاصيل هجوم حوثي على سفينة كانت في طريقها إلى السعودية    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    رئيس مجلس القيادة: مأرب صمام أمان الجمهورية وبوابة النصر    الجرادي: التكتل الوطني الواسع سيعمل على مساندة الحكومة لاستعادة مؤسسات الدولة    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    استهداف سفينة حاويات في البحر الأحمر ترفع علم مالطا بثلاث صواريخ    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    ريمة سَّكاب اليمن !    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية ورواية الحلق8
اليمن وأهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 27 - 06 - 2008

الإمام يرفض المساعدات الطبية للقضاء على الطاعون الذي فتك بمليون يمني
خادمة ارتيرية تحاول قتل الإمام بالسم والسكري يفشل في اغتيالهنزع ترابيس مدافع الدبابات
عندئذ أيقن الإمام أن هذه المحاولة الجريئة مقدمة لمحاولات أخرى ، وربما الإطاحة بحكمه عبر انقلاب عسكري ، ولذلك امر بايداع الدبابات المخازن في تعز بعد ان نزع ترابيس مدفعها ، ورغم ان الأمير البدر ولي العهد كان مزهواً بوصول صفقة السلاح الروسي الى ميناء “الصليف” ، لارهاب معسكر غريمه سيف الاسلام الحسن ، إلا أن الإمام امر بتكديس السلاح الروسي في مخازن صنعاء تحت حراسة العناصر الموثوق بها ، خاصة وان موقع صنعاء مفتوح على مختلف ربوع اليمن ، مما يسهل في وقت الضرورة التصدي لأي انقلاب أو غزو عسكري !
ولاشك أن عودة الإمام أحمد من مرحلة العلاج في روما كانت تعني بالنسبة لقوى الثورة اليمنية التحشد واهبة الاستعداد للتحرك والاستيلاء على السلطة بمجرد رحيله إيذاناً بساعة الصفر ، خاصة وكان الجيش بعد إعادة تدريبه العسكري وتشبعه بفكر الضباط الأحرار ، إضافة إلى الأسلحة الحديثة التي تكدست في المخازن قد بات يمثل القوة الرئيسية القادرة على الاطاحة بحكم أسرة حميد الدين والتصدي للقبائل الموالية له والحيلولة دون تكرار عمليات السلب والنهب وترويع الاهالي ..
ومن هنا فرض التنظيم السري لقوى الثورة دوره ، فكان المناضل والمرجعية السياسية التاريخية السيد عبد السلام صبرة حلقة التواصل بين كافة القوى الوطنية المدنية والعسكرية ، والشروع في التعبئة الشعبية والمعنوية بانتظار يوم الخلاص وتحرير الارادة اليمنية ، وهو الذي اخذ على عاتقه كذلك مهمة اقناع القيادات الوطنية في عدن بحتمية الثورة ، فيما نهض الطيار عبد الرحيم عبد الله بهذا الدور كحلقة اتصال بين قيادات الثورة في الداخل وقيادة المعارضة اليمنية التي تقيم بالقاهرة .
الطاعون رحمة بالشعب
كان عبد الناصر قد بادر إلى قطع الطريق على انضمام الامام احمد الى حلف بغداد الاستعماري الرجعي ، ومن هنا كانت فكرة طرح البديل عبر ميثاق جده العسكري الذي يجمع مصر والسعودية ممثلة في الملك سعود واليمن ممثلة في الامام احمد يوم 21 ابريل 1956 ، إذ كانت مواجهة النفوذ البريطاني في شبه الجزيرة العربية تمثل هاجساً أمنياً وسياسياً للدول الثلاثة عهدئذ !
وفي 8 مارس 1958 وافق جمال عبد الناصر على طلب الامام احمد الوحدة مع مصر في اطار اتحاد الدول العربية ، وهي كانت فرصة سانحة امام الحركة الوطنية اليمنية لالتقاط أنفاسها وتعبئة قواها الذاتية للمواجهة الحاسمة مع حكم الائمة ، وهي كانت مهيأة لهذه المهمة التاريخية من طول واشكال القهر والاستبداد الذي كابدته زعامات حركة الاحرار منذ فشل الثورة عام 1948 ، وانتفاضة الشهيد الثلايا عام 1955 ، إذ كانت للامام احمد مقولة تشي بجوره وبطشه بالشعب اليمني “ هم رعيتي وأنا اولى بهم “ ، وهو قد ورث هذا النهج واسلوبه في ممارسة الحكم عن والده الامام يحيى، ولعلي اذكر بالمناسبة مقالاً نشرته مجلة الكشكول المصرية عام 1947 وكانت بقلم الكاتب الاسلامي الراحل عبد القادر عودة احد زعامات جماعة الاخوان المسلمين ، وقال ان الدول عرضت على الامام يحيى تقديم المساعدات الطبية عندما ابتلي اليمن بمرض الطاعون ووفاة مليون يمني ، لكنه الامام يحيى رفض بشدة قائلا: ان الطاعون رحمة يختص بها الله من يشاء من عباده .. فكيف اذن نعمل على رفع الرحمة” !
واقع الحال ان كارثة انفصال الوحدة المصرية السورية ، والثورة الاجتماعية التي تبنتها ثورة يوليو عبر صدور قوانين التحول الاشتراكي عام 1962 ، كانت لها انعكاساتها السياسية السلبية الخطيرة ، فكان التحالف بين الملك سعود والامام احمد في مواجهة شرسة مع جمال عبد الناصر ، حيث نظم الامام احمد قصيدة طويلة من 64 بيتا تندد بالوحدة وبالتحول الاشتراكي وعبد الناصر .. يقول في مطلعها :
هيا بنا الى وحدة مبنية
على اصول بيننا مرضية
قانونها شريعة الاسلام
قدسية الاوصاف والاحكام
ليس بها شائبة من البدع
تجيز ما الاسلام عنه قد منع
من أخد ما للناس من أموال
وما تكسبوا من الحلال
بحجة التأميم والمعاد له
بين ذوي المال ومن لا مال له
لان هذا ماله دليل
في الدين او تجيزه العقول
فأخذ مال الناس
بالارغام جريمة في شرعة الاسلام
ولا يجوز أخذ مال الغير
الا بأن يرضى بدون ضير
والى اخر تلك القصيدة العشوائية التي ظنها الامام أحمد خط دفاعه الفكري والسياسي عن عرشه ، وبوق هجومه الاعلامي ضد عبد الناصر وكل ما كان يمثله من مبادئ القومية والوحدة العربية والاشتراكية ، والطريف ان ينبري الكاتب الصحفي محمود السعدني بالرد على قصيدة الامام احمد عبر قصيدة ساخرة باللغة العامية نشرتها مجلة صباح الخير في حينها، كانت مثار الضحكات والتنور عندما تسربت الى داخل اليمن !
الإفاقة من الوهم الخطير
وكانت مصر قد قررت في 27 ديسمبر عام 1961 .. انهاء الاتحاد مع اليمن ، حيث صدر بيان من حكومة الجمهورية العربية المتحدة يحدد الاسباب والدوافع من وراء هذا القرار:
انه لا يوجد في طبيعة أي من الحكومتين ما يجعل قيام مثل هذا الاتحاد كأداة سياسية فعالة ، قادرة على الاسهام الايجابي في تطوير النضال ، ومن هذا الاختلاف في الطبيعة تختلف نظرة كل منهما الى الامور ، ومع ان هذا حق ثابت لكل من الحكومتين ، الا انه من المتعين مواجهة هذا الاختلاف بعد سنوات حاسمة في التجربة وخصوصاً ان الجمهورية العربية المتحدة تشعر بالتزامها العميق امام حركة الجماهير العربية سعياً للعدل الاجتماعي.
إن حكومة الجمهورية العربية المتحدة تجد لزاماً عليها ان تحدد موقفها من قضايا الوحدة والاتحاد في جلاء لا يلابسه شك ، وموقف الجمهورية العربية ان قضية الوحدة والاتحاد لا يمكن ان تقوم على اسس صحيحة ، ما لم يكن هناك توافق بينهما وبين الاطراف التي يعنيها الامر على حلول مشاكل التطور الاجتماعي ، وإذا كانت حكومة الجمهورية العربية المتحدة تعتقد في ايمان راسخ ان الاشتراكية هي الحل الصحيح لمشاكل الواقع العربي، فانها في نفس الوقت .. وبكل ايمانها الذي لا يتزعزع بحتمية الوحدة .. ترى ان توافق النظرة الاجتماعية حيوي لانجاح تجربة الوحدة .
ان حكومة الجمهورية العربية اقبلت على خطوة اقامة الاتحاد العربي ، تملؤها الامال بأن تستطع هذه الخطوة ان تكون أداة في خدمة الشعب اليمني وفي خدمة قضاياه العادلة ، ولكن تجارب السنوات الماضية اكدت بما لا يقبل مجالا للشك ان الشعب اليمني لم يستفد من التجربة ، وان حكومة الجمهورية العربية المتحدة وهي تقدم على هذه الخطوة ، تتمني بالاخلاص لو أدركت حكومة اليمن حقيقة الموقف الذي دعا لها .. والمعروف ان عبد الناصر كان قد حدد في اعقاب الانفصال ابعاد استراتيجيته الجديدة على صعيد الثورة العربية الشاملة، بعد ان ادرك ان الانتصار على الصهيونية والاستعمار يبدأ اولا بتصفية الرجعية العربية .
وفي خطابه يوم 16 اكتوبر 1961 قال عبد الناصر في وضوح وتحديد : لقد وقعنا ضحية وهم خطير قادتنا اليه ثقة متزايدة بالنفس بالغين فقد كنا دائما نرفض المصالحة مع الاستعمار ، ولكنا وقعنا في خطأ المصالحة مع الرجعية ، لقد تصورنا انه مهما كان من خلاف بينا وبين العناصر الرجعية فانهم ابناء نفس الوطن ، وشركاء نفس المصير ، ولكن التجربة أثبتت خطأ ما كنا نتوهمه .. ولابد لنا لسلامة النضال الشعبي ان نخلص انفسنا من هذا الوهم الخطير الذي تركنا انفسنا له ، لابد من ان نقاتل الاستعمار في قصور الرجعية ، وان نقاتل الرجعية في أحضان الاستعمار !
فشل السكري فى اغتيال الامام
لا شك أن الذاكرة التاريخية حول الظروف الموضوعية التي سبقت ومهدت الاندلاع ثورة سبتمبر قد تعرضت ولا تزال لشتى ألوان الدس والتشويه, سواء ممن ينسبون لذواتهم بطولات وأدوار غيرهم ، وسواء من المؤرخين الاجانب المغرضين ، الامر الذي يستدعي اعادة كتابة التاريخ اليمني المعاصر وموقع الثورة منه ، وتسريع وتيرة انجاز هذا الهدف الوطني المنشود ، خاصة ان الكثير من شهوده لا يزالون على قيد الحياة .
صحيح ان مركز الدراسات اليمنية برئاسة الدكتور عبد العزيز المقالح قد أسهم بدور هام في هذا السياق ، عندما استدعى للشهادة الرئيس عبد الله السلال والقاضي عبد الرحمن الارياني والمناضل الجليل عبد السلام صبرة ، ثم اصدر الكتاب الضخم في ذكرى مضي 30 عاماً على الثورة بعنون دراسات وشهادات للتاريخ ، فيما صدرت العديد من المذكرات والشهادات المتناثرة التي بادر اليها بعض الشخصيات التي كانت لها بصماتها في تاريخ الثورة والنضال اليمني وبينهم القاضي محمود الزبيري “ابو الاحرار” والشاعر الكبير عبد الله البردوني وله العديد من الكتب في هذا المضمار اذكر منها (اليمن الجمهوري) و(وثائق أولى) و(ثورة اليمن الدستورية) ، ثم ما صدر عن مؤسسة العفيف وصاحبها الاستاذ احمد جابر العفيف من الكتب التي تغطي معظم أحداث الثورة ، وكذا الاستاذ محسن العيني ، واللواء عبد الله جزيلان ثم الاستاذ احمد نعمان الذي املى شهادته في الجامعة الامريكية في بيروت وكذا ابنه الاستاذ محمد احمد نعمان والعميد محمد على الاكوع ، وكذا كتب الدكتور عبد الرحمن البيضاني العديدة والمثيرة للجدل ، ثم كتاب العزي صالح السنيدار “الطريق الى الحرية” وكتاب”التغيير” لاحمد الشامي ، وكتاب الاحرار اليمنيين الذي الفه خمسة منهم حول تاريخ الثورة اليمنية واخيرا ذلك السفر الوثائقي الضخم للشيخ سنان ابو لحوم بعنوان “اليمن – حقائق ووثائق عشتها في اربعة اجزاء ..وغيرهم كثر !
ولا نحسب ان هذا الزخم يغني عن التاريخ العلمي الشامل والموثق للثورة اليمنية منذ كانت حلماً وارهاصاً وحتى كتب لها النجاح المضطرد والديمومة منذ اندلاعها ، وعبرنهج وأسلوب محايد وضمير وطني ملتزم بالحقيقة كيفما كانت !
على أن السمة الاساسية في هذه الكتب والمذكرات او الشهادات تفضي الى الدروس المستفادة من الثورات والانتفاضات التي سبقت الثورة السبتمبرية ، وتكمن في القناعة باستحالة التغيير عبر الدعوات الاصلاحية التي كانت تراهن على مهادنة الحكام ، أو اغتيالهم فحسب واستبدالهم بغيرهم من بيت حميد الدين !
وهناك شبه اجماع على ان نشأة الحركة الوطنية اليمنية كانت وليدة ضعف الامام يحيى في المواجهة العسكرية مع السعوديين اوائل الثلاثينات ، وقد عبرت الحركة الوطنية اليمنية عن نفسها عهدئذ من خلال النقد والسخط والتذمر في مجالس تعاطي القات ، وقد صور الدكتور عبد العزيز المقالح هذه الحالة في قصيدة قال فيها :
ناشدتك الاحساس يا أقلام
أتزلزل ونحن نيام
لما أهبت بها أطارد نومها
ضحكت بجفنها الاعلام
وصرخت في أسماعها فتحركت
لكن كما يتحرك النوام
مجلة الحكمة
في هذه المرحلة ظهرت لاول مرة مجلة الحكمة ورغم انها كانت تصدر في صنعاء وتحت اشراف السلطة الحاكمة ، لكنها كانت بصيصاً من الضوء على الافكار التقدمية ، وبعدها كان طريق الاحرار الى مصر وابرزهم محي الدين العنسي واحمد حسين الحورش ، فيما وصل الى عدن مطيع دماج وعقيل عثمان والشهيد عبد الله ابو راس ، ثم تبعهم القاضي الزبيري والاستاذ نعمان وزيد الموشكي ومحمد ناجي القوسي ، ومن ثم كان تأسيس “حزب الاحرار” في عدن ، لكن الانجليز اعترضوا على نشاطه السياسي بدعوى عدم حصوله على ترخيص رسمي ، حتى نجح الاستاذ نعمان في تأسيس الجمعية اليمنية واصدار صحيفة “صوت اليمن” التي كان لها دور جماهيري كبير في الترويج لقيام الثورة الدستورية عام 1948 ، حيث كانت تتبنى توجهات الاحرار في مقاومة الاستبداد وحكم الشورى وسعادة الشعب والدعوة الى الاتحاد العربي والوحدة الوطنية !
والشاهد ان الايام المجيدة التي سبقت موعد اندلاع الثورة ، ثم اندلاعها قد حفلت بأحداث غاية في الاثارة ، وتشهد وقائع التاريخ أن الامير البدر ولي العهد الذي كان يدير دفة الحكم نيابة عن والده الامام احمد اثناء مرضه ، عندما نقل مقر الحكم من تعز الى صنعاء ، الامر الذي استدعى اجراء التعديل اللازم في الخطة التي سبق وان وضعها تنظيم الضباط الاحرار لتفجير الثورة ، وإذ، كانت مفاجأة وفاة الامام احمد مدعاة لتسريع وتيرتها وحسم خياراتها ، فقد كان نجاح الوشاة والجواسيس في حاشية الامير البدر بعد ان اصبح الامام الجديد – سواء بالعلم او التنبؤ باندلاع الثورة سبباً اخر في التعجيل بموعدها ، بل ان بعض الرواة الثقات يؤكدون على ان البدر كان يعتزم التنكيل بالضباط الاحرار بعد ان عرف بعض أسمائهم لكن الثورة كانت أسبق منه .
ومن هنا كان حرصي بعد وصولي لاول مرة الى صنعاء على جمع ما تيسر من المعلومات كما هي عن الوقائع والملابسات خلال تلك الفترة والاستماع الى الشهادات كما هي قبل ان يطويها النسيان او يطولها التعديل والتشويه او الاكاذيب !
وبينما يؤكد البعض أنه تم استدعاء عبد الله السلال من بيته ليلاً حتى يتسلم زمام قيادة الثورة في اخر لحظة ، بديلا عن اللواء حمود الجائفي الذي اعتذر عن القيام بهذه المهمة ، يرى البعض أن شرارة الثورة اندلعت بينما كان الامام البدر مجتمعاً مع المشير السلال قائد حرسه والقاضي عبد الرحمن الارياني والشيخ محمد عثمان ، عندما طلب السلال فجأة الاذن له بالمغادرة على وجه السرعة الامر الذي أثار دهشة البدر وشكوكه اذ كان قد اتفق مع السلال على مناقشة بعض الامور العاجلة !
قصر السلاح
في هذه اللحظة كانت ست دبابات طراز “34.تي” واربع مدرعات اخرى قد وصلت من الحديدة ودخلت صنعاء وراحت تقصف قصر البشائر ، وخلالها قتل ثلاثة من رجال الحرس وترك غيرهم مراكزهم بينما ظل الامام البدر وحده مع حريمه ، حتى تمكن من الهرب الى الخارج بعدما فشل الضابط حسين اسماعيل السكري في اغتياله عندما خانه سلاحه، في الوقت الذي تسرع السلال باعلان وفاة البدر !
والشاهد أن مختلف الروايات اكدت على سقوط نحو مائة قتيل خلال محاولة اقتحام الثوار قصر البشائر ، ثم قصر السلاح الذي كان من المستحيل التصرف في بندقية او طلقة رصاص من محتوياته بدون اذن كتابي موقع بامضاء وختم الامام ، ولولا ان السلال تدخل شخصياً بحكم منصبه ورتبته العسكرية الكبير لسقط المزيد من القتلى وربما كانت الثورة قد دخلت من متاهات خطيرة !
يقول العميد السكري انه بعد حادث محاولة اغتيال اللقية للامام احمد ، كان لقائي بالملازم على عبد المغني في الحربية .. وتساءلت : ماذا نفعل من أجل البلد وكان صالح الاشول حاضراً واذا بهما يعرضان على الانضمام لتنظيم الضباط الاحرار ، وكانا قد سمعا بدوري والاخ صالح الدوسي في سرقة قائمة باسماء بعض الضباط الاحرار من احد جواسيس الامير البدر ، فلما خطب الامام البدر بعد وفاة والده الامام احمد ، عندئذ كان لا مفر من التعجيل بموعد قيام الثورة !
ثم يتابع السكري شهادته : وصلتني اشارة من الملازم على عبد المغني للقيام بمهة اغتيال البدر وارسل صالح الرحبي لمساعدتي ، لكني رديته وقلت له انني ملتزم وحدي بالمهمة ، وكنت انذاك قائد فرقة الحرس ، وعضواً في احد خلايا الضباط الاحرار مع محمد النعامي ويحيي الفهمي ومحمد اليدومي وحسين السخيمي وصالح ناصر العروسي وعلي الشعبي ومعظمهم من حرس البدر ، وكنت قد أجريت تدريبهم على المهمة عند مرور البدر اثناء خروجه من الديوان في الطابق الارضي .. وعندما شرعت سلاحي لقتله واطلقت رصاصتين اتضح انني لم افتح الامان كاملا ، خاصة وانه لم يكن سلاحي الشخصي .. والمشكلة ان زملائي في التنظيم كانوا بانتظار سماع طلقاتي ايذانا بالتحرك حسب الخطة الموضوعة ، واستطعت ان اهرب عبر “عقود خزيمة” الى بيتي ، لكن حرس الامام لاحقني في الوقت الذي كانت دبابات الثورة قد وصلت ، وعندئذ بات الحرس على يقين بأنني مشارك في الثورة حيث اقتادوني الى داخل القصر ، وحين حاولت القفز من “المفرج” عاجلوني بطلقة .. وهكذا راح جرحي ينزف بغزارة بينما كانت الثورة قد استولت على السلطة بالفعل .. حيث عاجلني طبيب تشيكي واضطر الى فتح انبوبة في بطني للتغذية .. وبعدها سافرت الى القاهرة للعلاج !
الخادمة الاريترية تحاول قتل الامام بالسم
ويزيح العميد محمد عبد الواسع الستار عن صفحات مجهولة حول المرحلة التي مهدت القيام لثورة يقول : كانت الانظار تتجه جميعاً للقاهرة بعد قيام ثورة يوليو ، وأنا شخصياً كانت لي اتصالات بالقاهرة في هذا السياق عبر محمد عبد الواحد الملحق الاداري بالسفارة المصرية وقتئذ ، وقبل خمسة شهور تحديدا ً قبيل اندلاع الثورة التقيت بالاخ عبد الغني مطهر في صنعاء ، وأفشي لي سر الخطة الرامية لقيام ثورة جمهورية .. لكن الخلاف كان حول من يتزعمها ، وعندما طرح اسم الملازم على عبد المغني ابديت تحفظي لصغر سنه أولاً ولانه غير معروف على الساحة السياسية ثانيا لكنه اكد لي انهم مقتنعون به ، خاصة وانه قائد تنظيم الضباط الاحرار !وعندما تناقشنا حول الشخصية الوطنية المتعين ان يسند اليها قيادة الثورة طرحت اسم السلال فوراً ، فهو مقدام ومحنك ملتزم رغم اعتراض عبد الغني مطهر باعتبار ان السلال قائد حرس الامام ، ومن ثم طلب مقابلته ، وبعدما تم اللقاء والحوار بينهما ، عاد يؤكد على انه الشخصية المطلوبة ، وعندما عرف السلال سبب اللقاء قال : أنا معكم .. اعملوا على بركة الله !
بعدها كان اللقاء الموسع والحاسم على طريق صنعاء الحديدة على بعد 45 كيلو متر من صنعاء ، وكان من بين حضوره القاضي عبد السلام صبرة وحسن العمري وعبد الغني مطهر ومحمد سعيد وعبد القوي حميم حيث جرى اول تخطيط للثورة ، ثم كان تكليف عبد الله الضبي بتسليمي مجموعة من المتفجرات والاسلحة وارسالها الى تعز لتفجير الامام احمد ، ولم يكن معنا في هذا اللقاء عبد الله جزيلان على عكس ما كتب في مذكراته !
ويتابع العميد محمد عبد الواسع حديثه : لكن للاسف ان التجارب التي اجريناها على المتفجرات في منطقة “بوعان” فشلت لان الصاعق او المفجر لم يأت معها ، وبعدما فكرنا في اغتيال الامام احمد بالسم ، واستطعنا تجنيد خادمته الاريترية للقيام بالمهمة ، فكانت تدس جرعات السم تباعاً في طعامه ، لكن وفاته بالمرض كان الاسرع ، في الوقت الذي بدأت شكوك الامام الجديد البدر تحوم حولي ، وحتى نزع رتبتي بدعوى تأمري على والده ثم عليه.. لكن السلال والضبي اقنعاه باعادتي الى الخدمة العسكرية حتى لا يغضب الاحرار باعتبار انني انتمي لهم !وحين العودة لكتابه تاريخ الثورة السبتمبرية ، فلا اقل من البحث والتقصي عن الجنود المجهولين وسبرأغوار المهمات النضالية الجليلة التي قاموا بها ، وبينهم على عامر الذي كتب عنه العميد على عبد الله السلال ، واشاد بدوره المجهول في توزيع منشورات الاحرار إبان ثورة 1948 ، ثم منشورات الضباط الاحرار الذين فجروا ثورة 26 سبتمبر عام 1962 ، وكان يلجأ الى توزيع هذه المنشورات في المسجد المجاور لدار الشكر ، فكانت تصل الى بيت الامام المجاور وتصيبه بالهلع والارتباك .
وقال العميد على عبد الله السلال ان هذه المنشورات .. كانت تصل كذلك الى عامة المصلين في المسجد وتثير فيهم الحماس والرغبة في الخلاص من حكم بيت حميد الدين ، وللاسف لم يستدل على مكان على عامر بعد نجاح الثورة ، وكان ذلك ايضاً مصير المناضل محمد محمد عبد الله الفسيل ، وكان كاتباً وشاعرا ً، وعايش الاحرار من امثال السلال والزبيري والمروني وكان قد شارك في ثورة 1948 ، وذاق التعذيب الواناً في سجن حجة ، ولما افرج عنه عاد مجددا الى توزيع منشورات الثورة !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.