آفاق التطور الطبي ونهضته المعاصرة فتحت مجالات واسعة لتلافي وعلاج الأمراض مجهولة تماماً أو صعبة العلاج ، وأخرى كان يشوبها غموض لم يكن لها علاج على الاطلاق ، غير أنه نجح تماماً في علاج مشاكل واختلالات افرزتها الظواهر والأخطاء ، كالشلل الدماغي.. وكل ماقدمه العلم إلى اليوم لهذه المشكلة أن وضع قواعد وارشادات ومحاذير معينة لتلافي وقوع هذه الانتكاسة المؤسفة ، وبالمقابل إعادة تأهيل المعاقين من ضحايا هذا الشلل في سن مبكرة للتخفيف والتقليل من آثاره وإعاقاته ما أمكن والتي قد تشمل الجسم كاملاً. إنها مشكلة لا حدود معينة لفداحتها.. تتسبب بإعاقات منفردة أو متعددة على المستوى الجسدي والعقلي والحسي ، قادتنا إلى إجراء لقاء مع الدكتور عارف صويلح اختصاصي أمراض المخ والأعصاب.. فإلى ماجاء وورد في هذا اللقاء.. مكمن المشكلة ? جهل المجتمع بمشكلة الشلل الدماغي أكثر ما يعزز تنامي واتساع هذا الاختلال ، والسؤال هنا.. ماحقيقة هذه المشكلة الكبيرة؟ اجمعت المصادر على أن الشلل الدماغي إصابة مكتسبة للجنين أو للوليد الطبيعي في فترة نمو الدماغ حتى السنة الثالثة من العمر وهي شائعة في مجتمعنا للأسف وذلك جراء التعرض إلى عامل ضار كنقص الأكسجين على الجسم والدماغ أو النزف المؤدي إلى عدم اكتمال النمو أو الخلل لخلايا بالدماغ في الاجزاء منه المسؤولة عن الحركة والقوام والتوازن للجسم ، وتحديداً في الجهاز العصبي المركزي. ونتيجة لهذا الشلل لايتحقق التطور الطبيعي للحركة ، مثل السيطرة على عضلات الرقبة والجذع واستعمال اليدين والجلوس والزحف والوقوف والمشي. قد يظن البعض أن الشلل الدماغي تسببه جرثومة أو آفة ، وهذا خطأ فهو ليس معدياً ولا حتى وراثياً. دواعي الاصابة ? من قولك علمنا ألا عدوى تتسبب في هذا المرض.. فما الأسباب المؤدية لهذا الاختلال ،أن صح التعبير؟ الاصابة بالشلل الدماغي وارد حدوثها خلال فترة الحمل أو اثناء الولادة أو بعد الولادة ، وجملة الأسباب المؤدية إليه كثيرة وفقاً لهذا التصنيف: خلال مرحلة الحمل: سوء التغذية الاصابة بالسكر. تعرض الحامل للأشعة التدخين تناول الأدوية التي تؤثر على الجنين ، خاصة في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل. مضاعفات الحمل مثل «النزيف المتكرر ، انسمام الحمل». اثناء الولادة: الولادة العسرة الطويلة سقوط الحبل السري ضعف الأكسجين على الوليد لدى ولادته وهو مكبل من رقبته بالحبل السري. الاختناق أو الاصفرار الولادي الشديد «اليرقان». الالتهابات الحادة التي تصيب الوليد في أيامه الأولى. بعد الولادة: التهاب السحايا التهاب الدماغ الحوادث المنزلية حوادث الطرق التسمم الاختناق وجود سرطان بالدماغ ارتفاع درجة حرارة الجسم بشكل خطير. تفاوت الإعاقة ?هل هناك علامات فارقة تميز الاصابة بالشلل الدماغي؟ مايميز الاصابة بالشلل الدماغي تعدد اشكال الاعاقة وعدم تشابه حالاتها بين مريضين تماماً ، فالأمر يعتمد على شدة الإصابة التي تعرض لها الجنين أو الوليد أو الطفل الصغير حتى سن الثالثة من العمر ، وكذا تعدد الاجزاء المصابة بالتلف في الدماغ «في الجهاز العصبي المركزي». وعموماً يظهر لدى الطفل نتيجة الاصابة بالشلل الدماغي ، يظهر تأخر في تحقيق دعامات النمو الحركي الطبيعي ، يصاحب ذلك دائماً شد غير طبيعي في العضلات ، وتأخر الطفل في الجلوس واستعمال اليدين وكذا تأخره في الزحف والوقوف والمشي ، مصحوباً احياناً بتخلف عقلي أو سمعي أو بصري أو نطقي ، وكل هذا يعتمد على نوعية الشلل الدماغي الذي يصيب الطفل. أنواع الشلل ? لنقف على أنواع الشلل الدماغي.. ماطبيعة هذه الأنواع وماذا تلحق من أضرار بالدماغ أو اعاقات جسدية؟ أنواع الشلل الدماغي مصنفة بحسب المواضع والأجزاء المتضررة من الدماغ ونوعية الضرر الذي لحق بها ، وتشمل : 1 الشلل الدماغي التقلصي التشنجي: ينتج عن اصابة المنطقة المسؤولة عن الحركة في الدماغ ، وبسببها يعاني الطفل من عدم السيطرة على عضلات الرقبة والجذع ، ويجد صعوبة في بسط اليد أو الذراع أو لف الساقين بعضهما البعض «القرفصاء» ، وذلك لتقلص العضلات التي تطوي المفاصل ، فيتأخر عن الجلوس والزحف والمشي ، وهذا النوع يشكل أعلى نسبة في الشلل الدماغي. ومن أشكال الاعاقة التي يسببها الشلل الدماغي التقلصي: الشلل الدماغي التقلصي الرباعي : وفيه تجمع الاعاقة في الاطراف الأربعة «اليدين والقدمين» مع الجذع. -1 الشلل الدماغي التقلصي الثنائى : وفيه يكون الطرفين السفليين أكثر اعاقة وتضرر للطرفين العلويين. -2الشلل الدماغي النصفي : أي إصابة القسم الأيمن أو الأيسر من الجسم. -3الشلل الدماغي الاثيتودي: وهو ناجم عن إصابة الدماغ الأوسط بترسب المادة الصفراء في نوياته «اليرقان الولادي الشديد». واعراضه : نشوء حركات لا ارادية لولبيه وارتخاء في العضلات والرقبة والجذع ، وتتميز هذه الاصابة بهبوط واختلال في الشد العضلي الذي قد يكون عالياً للحظة ومنعدماً للحظات . 3 الشلل الدماغي المتوازي: مرده إلى اصابة المخيخ المسؤول عن التناسق الحركي والحسي وعن التوازن ، وانخفاض الشد العضلي ، وبسببه يظهر على المريض ضعف التوازن والتناسق الحركي ، أيضاً عدم تناسق القوام وعجز المريض عن الحفاظ على توازنه. 4 الشلل الدماغي المختلط: ينجم عن اصابة مناطق مختلفة من الدماغ ، وتكون اعراضه مختلفة ، وإذا ما تأثرت مناطق متعددة من الدماغ فيمكن أن يعاني الطفل اعاقات مصاحبه ، مثل صعوبة النطق والبصر والسمع والادراك والاستيعاب ونوبات الصرع. لوازم المعالجة ? علاج حالات الشلل الدماغي صعب على مايبدو بسبب اعاقاته الكبيرة ولما يحدثه من اضرار اتلافية بالدماغ.. فما الذي يلزم لعلاج هذه الأضرار أو على الأقل للتخفيف من آثار وحدة الإعاقة بما يكفل ادماج المريض بالمجتمع؟ تعدد الإعاقة الظااهرة لدى المصابين بالشلل الدماغي يتطلب جهوداً عالية مكثفة لتأهيلهم ، لما تستدعيه احوالهم مع الإعاقة من تنوع للخدمات التي هم بحاجة إليها ومن تعليم للحركات الصحيحة ، والاعتماد على النفس في المشي والتحرك واستخدام اليدين في أداء وظائف الحياة اليومية ، والاستقلالية وتطوير المستقبلات الحسية والاستيعابية لديهم لتحقيق اقصى ما يستطيعون في مجال النمو والتطور الأمر الذي يفرض تخصيص برنامج علاجي متكامل يستدعي تعاون فريق متكامل يتألف من: طبيب الأطفال والمتخصص في نمو وتطوير الطفل ، مستعيناً باطقم طبية مختصة في «الاعصاب التأهيل العظام العيون الأنف والأذن والحنجرة». المعالج الفيزيائي لتعليم الطفل الحركة وفق نظرية التطور الطبيعي للطفل. المعالج المهني لتعليم الطفل نشاطات الحياة اليومية. معالج النطق. باحث اجتماعي. اختصاصي التربية الخاصة. حلول وقائية ? ماذا تقدم الوقاية وتدابيرها من حلول قوية للحد من الاصابة بالشلل الدماغي؟ تلافي وقوع وحدوث الشلل الدماغي ممكنة وأكيدة فالحمل السليم والولادة السليمة فيهما ضمان لطفل سليم ، وللحفاظ على هذه السلامة يجب: العناية بالحامل من بداية الحمل ومعالجة مضاعفاته من البداية. التثقيف الصحي للحوامل بأهمية التغذية والراحة والامتناع عن التدخين اثناء الحمل ، وخطورة تناول الأدوية دون اشراف طبي ، وعدم التعرض للاشعاعات اثناء الحمل. اجراء فحوصات لفصيلة الدم ، لاسيما للمقدمين على الزواج واجراء الفحوصات المخبرية للحوامل. توفير مراكز للولادة وتزويدها بالمستلزمات الخاصة. وقاية الأطفال من الأمراض الفيروسية وحوادث المنزل والمدرسة وحوادث الطرق والشوارع. الحرص على متابعة حالة الطفل الذي تظهر عليه عوارض أو علامات غير طبيعية ، بعرضه سريعاً على الطبيب المختص واجراء الفحوصات اللازمة والمبكرة. ولعل من نافل القول أن الوقاية من الاعاقة مهمة جداً للطفل المصاب ، كذلك التشخيص المبكر والمعالجة المبكرة لكل حالات الاعاقة لإتاحتها فرصة أكبر في التحسن والتطور والحد من تشوهات المفاصل. المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني .