البنك المركزي يذكّر بالموعد النهائي لاستكمال نقل البنوك ويناقش الإجراءات بحق المخالفين    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    مكاتب الإصلاح بالمحافظات تعزي رئيس الكتلة البرلمانية في وفاة والده    الثالث خلال أشهر.. وفاة مختطف لدى مليشيا الحوثي الإرهابية    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    أقرب صورة للرئيس الإيراني ''إبراهيم رئيسي'' بعد مقتله .. وثقتها الكاميرات أثناء انتشال جثمانه    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    بعثة اليمن تصل السعودية استعدادا لمواجهة البحرين    انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    ماذا يحدث في إيران بعد وفاة الرئيس ''إبراهيم رئيسي''؟    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    صيد حوثي بيد القوات الشرعية في تعز    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    أول فيديو من موقع سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووصول فريق الإنقاذ "شاهد"    تغاريد حرة.. هذا ما احاول ان أكون عليه.. الشكر لكم    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    تناقض حوثي مفضوح حول مصير قحطان    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هجرة العقول العربية ومسلسل النزيف .. الخطر القادم
نشر في الجمهورية يوم 13 - 07 - 2008

إن مفهوم الخطر القادم الذي يمكن أن يهدد كيان الأمة العربية والإسلامية يختلف تفسيره وفهمه من شخص إلى آخر ومن مجتمع إلى آخر ومن مكان إلى مكان آخر، وتطالعنا نتائج وتقارير المحللين السياسيين والاقتصاديين وكذا الأكاديميين والنخب المثقفة كل يوم بعناوين جديدة، توصف لنا طبيعة الخطر الذي يهدد مستقبل أمتنا، فمنهم من يرى بأن الخطر القادم هو نضوب الثروة النفطية وما سيترتب على ذلك من مشاكل في سبيل الحصول على موارد الطاقة، وآخر يرى بأن شحة مصادر المياه والتصحر هو الخطر الحقيقي الذي يهدد الأمة وأمنها الغذائي.
وبما أن مفهوم الخطر القادم قد يختلف توضيحه بسبب عاملي الزمان والمكان لكل شعب من الشعوب، فإن هجرة العقول العربية والمسلمة، ومسلسل النزيف المستمر منذ عقود، وما يترتب على ذلك من تبعات وخسائر، هو الخطر الحقيقي المحدق بأمتنا كلها، ولا يمكن أن يختلف على ذلك أي فرد من أفراد هذه الأمة.. ولما لهذه الظاهرة من تبعات خطيرة على مستقبل أمتنا بسبب نزيف الأدمغة العربية إلى الخارج فسوف أورد بعض الدراسات وكذلك الإحصائيات المتعلقة بدراسة هذه الظاهرة.. هذه الأرقام المذهلة التي توجب على كل فرد في هذه الأمة التوقف مليّاً والتفكير بجدية حيال النزيف المستمر لأهم مورد تمتلكه الأمة وهم العلماء، ففي مذكرة الأمانة العامة للاتحاد البرلماني العربي حول جوهر الأدمغة العربية ووضع سياسة واضحة لاستيعاب الكفاءات العربية والحد من هجرتها إلى الخارج، المقدمة للاتحاد البرلماني العربي المنعقد في الخرطوم في الفترة من 9 - 11 فبراير 2002م، ورد فيها الآتي:
تعتبر هجرة الكفاءات والخبرات أو ما اصطلح على تسميته (هجرة الأدمغة) أو هجرة العقول، واحدة من أكثر المشكلات حضوراً على قائمة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعانيها البلدان النامية، منذ أن باشرت هذه البلدان بوضع البرامج للنهوض بأوضاعها المتردية الموروثة عن حقب طويلة من الحكم الاستعماري والهيمنة الأجنبية، وتمثل هذه المشكلة بالنسبة للبلدان العربية جرحاً نازفاً يثخن الجسد العربي، وتقف حاجزاً كبيراً في طريق التنمية العربية من خلال استنزاف العنصر الأثمن، والثروة الأغلى من بين العوامل الضرورية للنهوض بتنمية حقيقية متينة الأسس، قابلة للتطور والاستمرار.. ولكي ندرك أبعاد هذه المشكلة وخطورتها على واقع البلدان العربية ومستقبل عملية التنمية فيها قد يبدو من المفيد أولاً إيراد بعض الأرقام حولها.. تشير الإحصاءات المأخوذة من الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية ومنظمة اليونسكو وبعض المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بهذه الظاهرة، إلى الحقائق التالية:
- يسهم الوطن العربي في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية.
- إن 50 % من الأطباء و23 % من المهندسين و15 % من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكندا بوجه خاص.
- إن 54 % من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.
- يشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالي 34 % من مجموع الأطباء العاملين فيها.
- إن ثلاث دول غربية غنية هي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تصطاد 75 % من المهاجرين العرب.
- بلغت الخسائر التي مُنيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية 11 مليار دولار في عقد السبعينيات، وتعتبر منظمة اليونسكو أن هجرة العقول هي نوع شاذ من أنواع التبادل العلمي بين الدول، يتسم بالتدفق في اتجاه واحد (ناحية الدول المتقدمة)، أو ما يعرف بالنقل العكسي للتكنولوجيا، لأن هجرة العقول هي فعلاً نقل مباشر لأحد أهم عناصر الإنتاج، وهو العنصر البشري.
وفي دراسة أخرى حول هذا الجانب أعدها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية أكد فيها أن هجرة العقول العربية تكلف الدول العربية خسائر لا تقل عن 200 مليار دولار.. مضيفة: إن الدول الغربية الرأسمالية تعد الرابح الأكبر من هجرة ما لا يقل عن 450 ألفاً من هذه العقول.. ورأت الدراسة أن المجتمعات العربية أصبحت بيئات طاردة للكفاءات العلمية العربية وليست جاذبة أو حاضنة لهذه الكفاءات، الأمر الذي أدى إلى استفحال ظاهرة هجرة العقول والأدمغة العلمية العربية إلى الخارج، خاصة إلى بلدان الغرب.
وذكرت أن 45 بالمائة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، وأن 34 بالمائة من الأطباء الأكفاء في بريطانيا هم من العرب.. مضيفة: إن هناك نحو 75 بالمائة من الكفاءات العلمية العربية مهاجرة بالفعل إلى ثلاث دول، تحديداً هي أمريكا وبريطانيا وكندا.
ونوهت بأن الوطن العربي يسهم ب31 بالمائة من هجرة الكفاءات من الدول النامية إلى الغرب الرأسمالي بنحو 50 بالمائة من الأطباء، و23 بالمائة من المهندسين، و15 بالمائة من العلماء النابهين من العالم الثالث.
البحث العلمي سبب هام لهجرة العقل العربي
إن من الحقائق المذهلة أن مستوى الإنفاق على البحث العلمي والتقني في الوطن العربي يبلغ درجة متدنية «ويعد هذا من أهم أسباب هجرة العلماء»، مقارنة بما هو الحال عليه في بقية دول العالم.. وتوضح الدراسات أن الإنفاق السنوي للدول العربية على البحث العلمي مجتمعة لا يتجاوز 2.0 بالمائة من إجمالي الموازنات العربية، في حين يبلغ الإنفاق السنوي في إسرائيل 6.2 بالمائة في الموازنة السنوية، أما أمريكا فتنفق 6.3 بالمائة، والسويد 8.3 بالمائة، وسويسرا واليابان 7.2 بالمائة، وفرنسا والدانمرك 2 بالمائة.
وترى جميع الدراسات المهتمة بهذه الظاهرة أن ضعف الاهتمام بالعلم والبحث العلمي يعد أحد العوامل المركزية في الضعف الاستراتيجي العربي في مواجهة إسرائيل، وأحد الأسباب الرئيسة وراء إخفاق مشاريع النهضة العربية.
ودعت الدراسات إلى مضاعفة الإنفاق العربي على البحث العلمي إلى 11 ضعفاً عن المعدلات الحالية، وتطوير السياسات المشجعة على تطوير البحث العلمي في كل قطاعات المجتمع وذلك للتمكن من سد الفجوة العلمية والتكنولوجية بين العرب وإسرائيل.. ولهذا أصبحت ظاهرة هجرة العقول العربية إلى الخارج خاصة الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الأوروبية تشكل هاجساً مخيفاً للحكومات والمنظمات على حد سواء.
وأشار المتخصصون إلى أن هذه الهجرة شملت كوادر متخصصة في تخصصات حرجة ودقيقة، وإلى أن استفادة الدول العربية من هذه الهجرة ضعيفة للغاية مقارنة باستفادة إسرائيل من مثل هذه الهجرات.. مؤكدين ضرورة التصدي بكل الوسائل لوقف هذا النزيف الذي يلحق الضرر بالتطور الاقتصادي القومي والتركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية.
تعد ظاهرة هجرة الكفاءات والعلماء من الدول العربية إلى الخارج أحد أهم العوامل المؤثرة على تطور الاقتصاد القومي وعلى التركيب الهيكلي للسكان والقوى البشرية، وتكتسب هذه الظاهرة أهمية متزايدة في ظل تزايد أعداد المهاجرين، خاصة من الكوادر العلمية المتخصصة.. وتتمثل أهم الآثار السلبية في حرمان هذه الدول من الاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. وتعاني مصر وغيرها من الدول العربية من آثار هذه الظاهرة، حيث يقدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصريين المتميزين من العقول والكفاءات التي هاجرت للخارج ب428 ألفاً وفقاً لآخر إحصاء صدر في عام 3002 ، من بينهم نحو 0052 عالم.. وتشير الإحصاءات إلى أن مصر قدمت نحو 06 % من العلماء العرب والمهندسين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأن مساهمة كل من العراق ولبنان بلغت 01 % بينما كان نصيب كل من سوريا والأردن وفلسطين نحو 5 %.
ويؤكد الدكتور عبدالسلام نوير - مدرس العلوم السياسة بجامعة أسيوط - في دراسة حديثة، أن الخسائر التي مُنيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية بلغت 11 مليار دولار في عقد السبعينيات، وأن الدول الغربية هي الرابح الأكبر من 054 ألفاً من العقول العربية المهاجرة.
وتضيف الدراسة: إنه في حين تخسر الدول العربية وفي مقدمتها مصر من ظاهرة هجرة العقول فإن إسرائيل المستفيد الأول من هذه الظاهرة بفعل الهجرة عالية التأهيل القادمة إليها من شرق أوروبا وروسيا وبعض الدول الغربية.
وتذكر الدراسة أن مصر تعد الخاسر الأكبر من هجرة الكفاءات في الكم المطلق، ففي أمريكا حوالي 813 كفاءة مصرية، كندا 011، استراليا 07 و53 في بريطانيا، 63 في فرنسا، 52 في ألمانيا، 41 في سويسرا، 04 في هولندا، 41 في النمسا، 09 في إيطاليا، 21 في أسبانيا، وفي اليونان 06 .. وتحظى الولايات المتحدة بالنصيب الأكبر من الكفاءة والعقول العربية بنسبة 93 % تليها كندا 3.31 % ثم أسبانيا بنسبة 5.1 % وتتضمن هذه الأرقام العديد من الفئات في مهن وتخصصات مختلفة، وتتجلى الخطورة في أن عدداً من هؤلاء يعملون في أهم التخصصات الحرجة والاستراتيجية مثل الجراحات الدقيقة، الطب النووي والعلاج بالإشعاع والهندسة الالكترونية والميكرو الكترونية، والهندسة النووية، علوم الليزر، تكنولوجيا الأنسجة، والفيزياء النووية، وعلوم الفضاء، والميكروبيولوجيا، والهندسة الوراثية، والعلوم الإنسانية كاقتصاديات السوق والعلاقات الدولية.
وتلفت دراسة الدكتور نوير إلى القنوات الرئيسة لهجرة الكفاءات العربية إلى البلدان الغربية هي الطلاب في الجامعات الغربية لاسيما المبعوثين الذين ترسلهم الجامعات والمراكز البحثية ولا يعود هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية.. وتؤكد أن مصر تعد من أكثر الدول معاناة من هذه المشكلة، حيث قُدّر عدد من تخلف من مبعوثيها في العودة إليها منذ بداية الستينيات حتى مطلع عام 57 بحوالي 049 مبعوثاً بنسبة 21 % من مجموع المبعوثين خلال تلك الفترة.
وتركز معظمهم في أمريكا، كندا، فرنسا وبريطانيا، وكانوامن المتخصصين في الهندسة والطب والأبحاث الزراعية، وخلال الفترة من 07 إلى 0891م لم يعد إلى مصر07 % من مبعوثيها في الولايات المتحدة.
أهمية إيقاف نزيف الأدمغة
بعض المفكرين يرى أن الوطن العربي لا يعاني من نزيف الدم فحسب بل هناك ما هو أشد من ذلك.. يقول المفكر والكاتب نايف كريم: ليس الدم وحده الذي ينزف في الوطن العربي بل إننا نعاني من نزيف أعمق وأخطر وأشد إيلاماً، إنه نزيف الأدمغة، ومكمن الخطورة في هذا النزيف القاتل أنه يتم بهدوء من دون ضجيج كالذي يثيره نزيف الدماء مع أن مفاعيله وآثاره أشد وطأة على مستقبل الوطن العربي، وتصيب أضراره كل مواطن عربي ولعدة أجيال، ذلك أن حرمان عجلة التقدم في أي بلد من العقول والأدمغة والخبرات اللازمة لتحريكها يترك آثاره السلبية على مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والصحية والتربوية...إلخ.
ويقول تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في الوطن العربي للعام 2002م: إن أكثر من مليون خبير واختصاصي عربي من حملة الشهادات العليا أو الفنيين المهرة مهاجرون ويعملون في الدول المتقدمة، يسهم وجودهم في تقدمها أكثر، ويعمق رحيلهم عن الوطن آثار التخلف والارتهان للخبرات الأجنبية.
وفيما يخص أسباب هجرة العقول العربية يقول الدكتور فاروق الباز، وهو من كبار العقول العربية التي هاجرت مصر منذ ستينيات القرن الماضي، ويشغل حالياً منصب مدير مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن، بعد ما عمل لسنوات طويلة مع وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» في مشاريع استكشاف القمر والفضاء.. يقول: إن لكل عالم وخبير عربي أسبابه الخاصة التي دفعته إلى الهجرة، وهذه تضاف إلى الأسباب العامة المشتركة في الوطن العربي، حيث لا احترام للعلم والعلماء، ولا تتوافر البيئة المناسبة للبحث العلمي والإبداع.
وبالتالي فمن الطبيعي أن يبحث العالم العربي وطالب المعرفة عن المكان الذي تتواجد فيه شعلة الحضارة، إذ عندما كان العالم العربي يحمل شعلة الحضارة قبل مئات السنين كان يأتيه المفكرون والخبرات والعقول من كل حدبٍ وصوبٍ، وبما أن شعلة الحضارة انتقلت إلى الغرب فمن الطبيعي أن يهاجر الخبراء والعلماء إلى المراكز التي تحتضن هذه الشعلة.
ويذكر تقرير رسمي حول العمالة العربية المهاجرة، أعده المدير العام لمؤسسة العمل العربية الدكتور إبراهيم قويدر، أن عدد حملة الشهادات العليا فقط من العرب المهاجرين إلى أمريكا وأوروبا يبلغ 054 ألف عربي، ما يعني أن الولايات المتحدة ودول غربي أوروبا توفر مليارات الدولارات نتيجة لهجرة العقول والمهارات إليها، إذ لم تتعب هذه الدول لتنشئة وتدريب هذه العقول ولم تتكلف عليها، فيما تحمل الوطن العربي كلفة تنشئتها وتدريبها، وهكذا يذهب إنتاج هذه العقول الجاهزة ليصب مباشرة في إثراء البلدان المتقدمة ودفع مسيرة التقدم والتنمية فيها، فيما يخسر الوطن العربي ما أنفقه ويخسر فرص النهوض التنموي والاقتصادي التي كان يمكن أن تسهم هذه العقول في إيجادها.
تجدر الإشارة إلى أن عدداً من الدول العربية كالكويت والعراق وليبيا وضعت برامج وخططاً، وافتتحت مراكز للبحث العلمي بهدف إيقاف هذا النزيف وتشجيع العقول العربية المهاجرة على العودة، إلا أنها لم تنجح إلا باستقطاب القليل من الخبرات نظراً لعدم شمولية المعالجة وعدم النجاح في إيجاد بيئة علمية مستقرة.. بل إن بعض المصادر تشير إلى أن بلداً كالعراق هاجر منه 0537 عالماً في مختلف المجالات ما بين عامي 1991م و8991م نتيجة الأوضاع التي كانت سائدة في العراق وظروف الحصار الدولي التي طالت الجوانب العلمية.
من المسئول عن كل هذا ؟
سؤال يطرح نفسه عن تفشي هذه الظاهرة، ويستفز المواطن العربي كثيراً عندما يسمع بأخبار نزيف الدم في أي بلد عربي، لكنه لا يشعر بتاتاً بنزيف العقول العربية، بل تراه يسهم به عبر دفع أبنائه المتميزين إلى الهجرة لإكمال دراساتهم العليا وبناء مستقبلهم دون أن يكون لنا الحق في لومه على ذلك، فالمواطن الفرد ليس مسئولاً عن عدم توافر البيئة العلمية المزدهرة في الوطن العربي، وإن كان شريكاً مع المجتمع ككل الذي يتحمل مسئولية افتقاد هذه البيئة.
ومن كان حريصاً على إيقاف نزيف الدم العربي عليه أن يعمل أولاً على إيقاف نزيف الأدمغة العربية.. إذ لن يتوقف نزيف الدم العربي قبل أن يتوقف نزيف الأدمغة العربية، فالأمة التي تفرط بعقولها تهون على أعدائها.
وتشير جميع الدراسات المتخصصة بدراسة هذه الظاهرة إلى أن الأسباب الرئيسة لهذه الهجرة هي نتيجة لتشابك جملة من الأسباب والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشخصية، ولكنهم يجمعون بأن أهم أسباب هجرة العقول تكمن في عدم وجود البيئة المناسبة للبحث العلمي رغم الثروات الطائلة التي تملكها هذه الأمة، وتفرز هجرة العقول العربية إلى البلدان الغربية عدة آثار سلبية على واقع التنمية في الوطن العربي.
ولا تقتصر هذه الآثار على واقع ومستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية العربية فحسب، ولكنها تمتد أيضاً إلى التعليم في الوطن العربي وإمكانات توظيف متخرجيه في بناء وتطوير قاعدة تقنية عربية.. ومن أهم الانعكاسات السلبية لنزيف العقول:
- ضياع الجهود والطاقات الإنتاجية والعلمية لهذه العقول العربية التي تصب في شرايين البلدان الغربية، بينما تحتاج التنمية العربية لمثل هذه العقول في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي والتقانة.
- تبديد الموارد الإنسانية والمالية العربية التي أنفقت في تعليم وتدريب الكفاءات التي تحصل عليها البلدان الغربية دون مقابل.
- ضعف وتدهور الإنتاج العلمي والبحثي في البلدان العربية بالمقارنة مع الإنتاج العلمي للعرب المهاجرين في البلدان الغربية.
ومما يلفت النظر في الوطن العربي أنه مع ازدياد معدلات هجرة العقول العربية إلى الغرب يزداد اعتماد غالبية البلدان العربية على الكفاءات الغربية في ميادين شتى بتكلفة اقتصادية مرتفعة ومُبالغ فيها في كثير الأحيان.
وبعبارة أخرى فإن البلدان العربية تتحمل بسبب هذه الهجرة خسارة مزدوجة لضياع ما أنفقته من أموال وجهود في تعليم وإعداد الكفاءات العربية المهاجرة، ومواجهة نقص الكفاءات وسوء استغلالها والاستفادة منها عن طريق استيراد الكفاءات الغربية بتكلفة كبيرة.
ما الحل ؟
إن الحل في مواجهة هذا الخطر القادم، الخطر الحقيقي المحدق بالأمة، المهدد لمستقبلها، لا يمكن تجاوزه ما لم يعِ ويدرك كل فرد في الأمة حقيقة هذا الخطر، ويفهم خطورة الموقف، يمكن لنا حشد الطاقات والاستعداد للمواجهة.
نعم إن كل فرد في الأمة كبر شأنه أو صغر لابد له أن يخوض هذه الحرب الضروس لتجاوز هذا الخطر، بل يجب على الأمة (كل الأمة) رفع شعار الجهاد العلمي بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وتسخير جميع طاقات وإمكانات الأمة لرفع هذا الشعار.. يجب على إعلامنا خوض المعركة، ويجب على رجال الدين حشد الطاقات ورفع راية الجهاد المقدس ضد هذا الكابوس، كما يجب على الدولة الممثلة بمؤسساتها، وأخص بالذكر - هنا - وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، كونها هي الجهة المخولة برسم وتنفيذ مثل هذه السياسات، العمل على إنشاء صندوق خاص للبحث العلمي، وذلك بهدف إنشاء البنى التحتية المناسبة للبحث العلمي، والعمل على دعم المؤسسات والأفراد العاملين في هذا القطاع.. نعم صندوق خاص لدعم البحث العلمي.. كما يجب أن تتفاعل الأمة وبجميع شرائحها في دعم هذا الصندوق، بل يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك أن تستقطع مبالغ مالية دعماً لهذا الصندوق من مرتبات جميع موظفي الدولة، بل ويجب على مجلس النواب إقرار مشروع لفرض ضريبة البحث العلمي على كل منتج محلياً كان أو خارجياً.. نعم ولِمَ لا..؟! ألسنا في خطر؟! أليس ديننا الحنيف يدعونا للذود عن أنفسنا ومقدساتنا؟!
أرجو من الله العزيز أن تتجاوز أمتنا هذا الخطر، وتنتصر عليه.. أرجو ألا يُحرم أي فرد من أفراد هذه الأمة الأجر والثواب المستحق مقابل دفع هذا الخطر عن الأمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.