ضربة موجعة للحوثيين على حدود تعز والحديدة بفضل بسالة القوات المشتركة    ما نقاط القوة لدى كلا من البنك المركزي في عدن ومركزي صنعاء.. ما تأثير الصراع على أسعار السلع؟    كيف أفشل البنك المركزي اليمني أكبر مخططات الحوثيين للسيطرة على البلاد؟    لماذا تصمت البنوك التي عاقبها البنك المركزي؟!    صحفي يمني يفند ادعاءات الحوثيين بركوع أمريكا وبريطانيا    عاجل: الناطق العسكري الحوثي يحيى سريع يعلن تنفيذ 6 عمليات جديدة بالبحر الأحمر والعربي والمحيط الهندي    مانشستر يونايتد يقترب من خطف لاعب جديد    نابولي يقترب من ضم مدافع تورينو بونجورنو    دوري ابطال اوروبا " ريال مدريد " يحقق لقبه الخامس عشر    جريمة مروعة تهز المنصورة بعدن.. طفلة تودع الحياة خنقًا في منزلها.. من حرمها من حق الحياة؟    مشهد رونالدو مع الأمير محمد بن سلمان يشعل منصات التواصل بالسعودية    تنديد حقوقي بأوامر الإعدام الحوثية بحق 44 مدنياً    وصول أكثر من 14 ألف حاج يمني إلى الأراضي المقدسة    سلم منه نسخة لمكتب ممثل الامم المتحدة لليمن في الاردن ومكتب العليمي    تسريبات عن "مفاجآت قادمة" سيعلن عنها البنك المركزي بصنعاء يوم الثلاثاء المقبل    أعظم 9 نهائيات في تاريخ دوري أبطال أوروبا    استشهاد 95 فلسطينياً وإصابة 350 في مجازر جديدة للاحتلال في غزة    صندق النقد الدولي يعلن التوصل لاتفاق مع اوكرانيا لتقديم مساعدة مالية بقيمة 2.2 مليار دولار    بوروسيا دورتموند الطموح في مواجهة نارية مع ريال مدريد    المنتخب الوطني يواصل تدريباته المكثفة بمعسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا للشباب    - بنك يمني لأكبر مجموعة تجارية في اليمن يؤكد مصيرية تحت حكم سلطة عدن    نجاة رئيس شعبة الاستخبارات بقيادة محور تعز من محاولة اغتيال جنوبي المحافظة    عبدالله بالخير يبدي رغبته في خطوبة هيفاء وهبي.. هل قرر الزواج؟ (فيديو)    قرارات البنك المركزي الأخيرة ستجلب ملايين النازحين اليمنيين إلى الجنوب    بنك سويسري يتعرّض للعقوبة لقيامه بغسيل أموال مسروقة للهالك عفاش    مبادرة شعبية لفتح طريق البيضاء مارب.. والمليشيات الحوثية تشترط مهلة لنزع الألغام    موني جرام تعلن التزامها بقرار البنك المركزي في عدن وتبلغ فروعها بذلك    مجلس القيادة يؤكد دعمه لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة الحزم الاقتصادي    مليشيا الحوثي تختطف عميد كلية التجارة بجامعة إب    صلاة الضحى: مفتاحٌ لبركة الله ونعمه في حياتك    تنفيذي العربي للدراجات يناقش أجندة بطولات الاتحاد المقبلة ويكشف عن موعد الجمعية العمومية    هل يحتاج المرء إلى أكثر من عينين وأذنين؟؟    شاهد: مقتل 10 أشخاص في حادث تصادم مروع بالحديدة    تسجيل ثاني حالة وفاة إثر موجة الحر التي تعيشها عدن بالتزامن مع انقطاع الكهرباء    فرحة عارمة تجتاح جميع أفراد ألوية العمالقة    حزام طوق العاصمة يضبط كمية كبيرة من الأدوية المخدرة المحظورة    الحديدة.. وفاة عشرة أشخاص وإصابة آخرين بحادث تصادم مروع    الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين: 18 ألف أسرة نازحة في مأرب مهددة بالطرد من مساكنها مميز    خراب    السعودية تضع شرطًا صارمًا على الحجاج تنفيذه وتوثيقه قبل موسم الحج    بسبب خلافات على حسابات مالية.. اختطاف مواطن على يد خصمه وتحرك عاجل للأجهزة الأمنية    هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وعمراته    قتلى في غارات امريكية على صنعاء والحديدة    الامتحانات.. وبوابة العبور    تكريم فريق مؤسسة مواهب بطل العرب في الروبوت بالأردن    شاهد .. الضباع تهاجم منزل مواطن وسط اليمن وتفترس أكثر 30 رأسًا من الغنم (فيديو)    الوجه الأسود للعولمة    مخططات عمرانية جديدة في مدينة اب منها وحدة الجوار    هل يجوز صيام العشر من ذي الحجة قبل القضاء؟    تحذير عاجل من مستشفيات صنعاء: انتشار داء خطير يهدد حياة المواطنين!    الطوفان يسطر مواقف الشرف    لا غرابة.. فمن افترى على رؤيا الرسول سيفتري على من هو دونه!!    تحذير هام من مستشفيات صنعاء للمواطنين من انتشار داء خطير    جزءٌ من الوحدة، وجزءٌ من الإنفصال    المطرقة فيزيائياً.. وأداتياً مميز    الفنان محمد محسن عطروش يعض اليد السلطانية الفضلية التي أكرمته وعلمته في القاهرة    ثالث حادثة خلال أيام.. وفاة مواطن جراء خطأ طبي في محافظة إب    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دموع يونس الزرقاء
نشر في الجمهورية يوم 02 - 01 - 2009

لو كان البحر سهلاً ، لاستطاع أن يمشي عليه بحثاً عن أبيه الذى لم يعد منذ اكثر من عام ، ومضى عام والبحر أزرق كدموعه ودموع جدته التي لو تكاثرت بحجم ماء البحر ، كما كان يقول والده ، لصارت زرقاء.. وهو من لا يستطيع أن يصدق أن الحاج الطيب ، صاحب الجامع ، قال: إن والده ربما لن يعود .. ولو كان هو من يستطيع أن يقف الى ما بعد وحشة الليل والضوء الخافت الآتي من الفنار بانتظاره لفعل .. لكنه البحر والليل المخيف الذي كان يعود به ، وكل الحكايات التي أسمعه إياها ، والحوت الازرق والصبي الذي عصى جدته وهرب مع البحارة فغرق وظل فى بطنه ، لأنه كان يهاجم السفن التى تحمل صبيان عصاه بسنه .. لو كان البحر سهلاً لاستطاع أن يرى من على حافته التي لا يعرف سواها ، تلك البلاد التي يأكل أصحابها الصغار ، ويعود منها والده مرهقاً كلما نادته الأسماك والسفن .. لوكان البحر سهلاً ، لما انقضى عام كامل كما يقول الحاج منذ رحيل جدته ، وغياب والده خلف ظلمات كان والى وقت قريب ، لا يزال يراها زرقاء .
ومضى عام ، والقرية الصغيرة بعينيه أمام البحر ، لاتراه أمام نسائها الجالسات أمام بيوتهن والصبية الآخرون الذين لهم آباء مثله ، لكنهم مازالوا يعودون .. وسط غابة النخيل والظلام حيث غابت ببساطة ، يغيب هو خارجها كأبيه على الرمل بانتظاره ، يحفر حفرة عريضة ثم يجلس ويدفن جذعه فيها ، وخارجها ، يخرج الفجر من البحر وقبله العصافير ، وقبلها ديوك جدته ، وقبلها عامل الفنار البشع ، وقبله هو ، وقبله هو ، والده الذي لا يزال غائباً.. فلا يمل القواقع الكبيرة يجمعها من كل الأمواج ، ويرصها ، أو يقربها من أذنيه ليسمع صوت والده وزملائه في عرض البحر ، يلاحقون الحوت الذي أكل الصبي العاص.. ولايزال لايمل الرحيل عبر كل الرمل الى حيث الفنار البعيدة هناك رغم كل الشمس في النهار والهواء البارد في المساء ، ثم عائداً نحو أكوام السفن المحطمة هناك ينظر ما إذا كان البحر قد قذف ببعض العظام أو الجماجم أو الأطراف ، أو ربما جثث لم يمسسها الحوت بسوء ، كانت كلها تشبه والده ، لولا ما علق بها من رمال ، فيهرع الى القرية ينادي الحاج الذي يأتي ليسحبها ، ثم يحملها على حماره ليغسلها ، ثم يرصها جوار ما ارتص هناك خلف الجامع الطيني الصغير ، حيث تكثر الأفاعي وتتحلق الغربان ويتساقط البلح على القبور المجاورة لقبر جدته .. يوم عاد مرة ، فألفاها تبكي .. كان ذلك اليوم ، الذي سمع فيه لأول مره قصه ( العام) .. ، وانه قد مضى (عام) على غياب والده .. وهي تمسح رأسه وتسبِح باليد الأخرى كما اعتاد يراها ، لينام على حجرها ذلك اليوم فيصحو على صوت الحاج يسبح أيضاً وهو يعريها من ملابسها ، مستلقية على لوح خشبي جوار الحمام المظلم ، ثم يرش عليها أشياء صدرت عنها روائح لاتشبه رائحة البحر ، ولم تستيقظ ، ثم يلفها بقماش أبيض ، وجوارها بقي الاثنان الى أن أتى رجلان ، ثم أربعة ، ثم خمسة .. حملوها بصندوق الى هناك حيث نامت مع باقي ما يجلبه البحر ، ويعوفه الحوت الأزرق.
مضى عام منذ ذلك الوقت الذي كان فيه لايزال يلهو بأحضان أب ٍ، كلما عاد من بحره ضمه من الساحل حتى الدار ، وظل يقبّله على امتداد الطريق المظلم بين النخيل ، ومن صراته يعطيه كل شئ جديد ، حتى الحلوى والزهور الورقية والدب الذى اقتلع عينيه لأنه لا يتكلم .. بشاربيه المرحين كان يلعب دائماً ، ويعتمر طاقيته التى لا يضيّعها كلما خرج بها الى الدكان الصغيرة في قلب القرية ، يشتري لوالده السجائر ، ويكابر أترابه الذين لا يعرفونه ويتجاهل أمهاتهم أمام المنازل .. مضى عام منذ كان لا يزال يسمع بامرأة شكلها جميل ، لها وجه معلق بإطار على الحائط ، كانت تعيش معهم ، اِلا أن الله أخذها لأنه يحبها ، ولأنها لو بقيت لكان الحوت أكلها .. مضى عام منذ كان لا يخيفه البقاء الى وقت متأخر من الليل أمام البحر بانتظاره ، ولا حتى حين يصمت الصيادون عن الغناء يصلحون شباكهم .. ولاحتى حين تبرق السماء أحياناً فيرى أشياء في الأفق ، قال والده يوما ً أنها جنيات البحر .. قبل هذا العام ، ما كان يخاف الذهاب الى الفنار قاصداً عاملها البشع الذي ما ان يلمحه قادما ً حتى يثبت عينيه اللتين كعيني الحوت عليه إلى أن يتراجع عن قراره على بابها ، ما كان يتمنى أن يصعدها ، علّه يرى من عليها البلاد التى خلف البحر وحيث ، ربما ، لا يزال والده في الطريق ، وربما الحوت يصعد فاكاً فكيه العظيمين الذين بحجم منزلهم ذي الغرفة الواحدة .. مضى عام كامل وهو لا يزال يرحل من أمامها فوق الرمال الى حيث اكوام القوارب والعظام ، ثم عبر النخيل والظلام يثوب الى حيث لا يعنّفه الحاج بنزله الجديد جوار الجامع ، يتقاسم معه الأسماك والجبن اللذيذ والخبز الدافئ ، وقبل ان يدلف الى تلك الزاوية المعتمة بين أكوام البطانيات والخرق التي تصدر منها روائح حنونه كلحية الحاج البيضاء الهادئة ، والتي تهتز وهو يغطيه ببطانية أخرى صغيره ويقول ، حين يسأله ككل يوم كم مضى وكم بقي منذ رحيل والده وحتى عودته ..(عام) ، فيبسم وينام ، ومع سراج الحاج ينطفئ عام من عمر يونس ليبدأ يحلم مبتسماً أيضاً ، ودمع أزرق يتراكم في أعماقه ، بأم كانت صورتها على جدار منزل سكنه أغراب ، وجدة تصنع له الجبن والخبز وتغذي الدجاج وتحلب البقرة ، وأب بشارب مرح وطاقية جميلة ، يعود ناجياً من كل الحكايات والجنيات والحوت الأزرق الذي يأكل الصبيان العصاة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.