زبيد» حاضرة علمية وثقافية وإبداعية في اليمن وشهرتها يعلمها الجميع وتاريخ اليمن قد أثبت لها هذه المكانة..ومن هذه المدينة التي تحتضن عشرات المبدعين خرج الشاعر «أحمد ابراهيم صلاح» إلى جمهوره المتلقي بعصارة تجربته الشعرية «عزف على جدار الصمت» في مطبوعة متواضعة صادرة عن «الدرب الثقافية بزبيد» وبعدد من القصائد يتجاوز العشرين قصيدة.. والقارئ الجاد لأعمال هذا الشاعر الذي يمخر عباب القصيدة/ ال تجربة بكل قدراته وإمكاناته وتمخر عبابه القصيدة بكل تطلع إلى الوصول إلى شواطئ الروح..روح القصيدة الإنسان والإنسان القصيدة..ولقد أتيحت لي الفرصة لقراءة مجموعة شاعرنا فظلت كل قصيدة تسلمني إلى الأخرى حتى آخر نص في المجموعة لأجد نفسي بعد هذه الطيافة المتواضعة أمام عزف فريد يحفر في جدران الصمت نوافذ يطل منها صوت الشاعر على الآفاق فيحملنا معه في رحلة سعيدة مع حبات المطر.. كما أشار إلى ذلك استاذنا القدير الشاعر العربي الكبير الدكتور علاء المعاضيدي رئيس قسم الدراسات الأدبية بكلية التربية بزبيد..وحقيقة فإني لا أجد أجمل ولا أروع مما تحدث به الدكتور المعاضيدي في معرض مقدمته لمجموعة شاعرنا «احمد ابراهيم صلاح » لا أجد أجمل مما قاله وأنا أستهل طيافتي المتواضعة هذه في ثنايا النصوص إذ قال أي المعاضيدي «كثيراً ما تختلف حبات المطر في شكلها وفي زوايا سقوطها. ولكنها تتفق دائماً في إنباتاتها للخضرة..وتلوين المساحات الشاحبة بألوان قوس قزح..هذا هو المطر وحين تتاح لك فرصة قراءة حبات المطر الملونة تنتابك لذة عارمة ورعشة تحملك عالياً لتهوي بك. ومع اشتداد خوفك وأنت تهوي ينتابك فرح عارم لتفتح بذرة صغيرة ذراعيها لتنصبك أميراً على عرشها الأخضر المخبوء بانتظار المطر...»ومن النقيضين جمع الشاعر واحدية تجربته الشعرية التي اتخذت من روحه معزفاً يسيل نغماً فيه من لذاذة أفراح الكلمات ما يبدد رعشات الخوف المتكوم جدراناً من صمت الوحشة: «عزف الصمت أغنية الرحيل فانهملت دموع الشموع واهتزت ستائر المكان ،معلنة الوداع الأخير فارتجف الليل الذي يحمل مولده تاريخاً لإشعال سجائري.. فضل الانتحار على الرحيل فمات مشنوقاً على مدخل المكان.. فرفع الآذان، وصحوت على قبلات الندى: تقبل ذلك الصباح الجميل وانتحر الرحيل....» هذا ما أراد استاذنا «المعاضيدي» الإشارة إليه في حديثه عن الخوف والفرح في قصائد أحمد صلاح..فالصمت حينما قرر التمرد على الليل القابع ملء المكان أعلن الرحيل ولكنه الرحيل الذي يعني مغادرة هذا الليل وتجاوزه إلى صبح جميل يحيل سكون الأشياء من حوله إلى حراك ثائر ضد السوداوية المسيطرة وأمام هذا القرار الذي جعل من الصمت صوتاً للبقاء هزم الليل ورحل إلى غير رجعة.. وأمام هذه القدرة الشاعرية التي تضع القارئ أمام أسلوب يكاد الشاعر «صلاح» يتفرد به رغم أي قصور يوجد في بناء القصيدة وهو أنه يسير بك في تعاريج لحظة الخلق لديه ويفرض عليك مشاعره في كل محطة له بدءاً من رعشة الخوف حتى ابتسامة الفرح وكأنه بذلك يعيش رحلة حبات المطر منذ الدمعة الأولى وحتى لحظة ميلاد الاخضرار..وهذه السمة البارزة في معظم قصائد المجموعة «عزف على جدار الصمت» يؤكدها التمازج العجيب بين المتناقضات لدى الشاعر وصولاً بنا معه إلى اتفاق لايكاد يبين ولكنها المصالحة التي تبدو بين الحين والآخر مع إنسانه الآخر في شكل ومضمون يعبران عن الكل المتنافر إلا ما توحي به بعض خربشات الشاعر على جدار الحب عبر عزفه بقيثارة مسافر فهو التناقض المتفق إذن وهو الاتفاق المتناقض وكلاهما الشاعر المسافر في رحلة سعيدة مع حبات المطر:يقول الشاعر في قصيدته «سنة الغبار»: «لا لن أعود ولن أعود وإن بعدت عن المرافئ سأواصل الابحار برغم عاصفة الزوابع وأجدف الأمواج بأطراف الأصابع فمن عادة الربان مواجهة المواجع..» وقبل هذا الإصرار على المضي لدى الشاعر كم يبدو متناقضاً مع ذاته والآخر فيه ومعه في قوله في قصيدة «رسالة من القلب»: «شاءت الأقدار بأن تجرفنا أمواج ليلة هوجاء وتكوني أنت من كسر المجداف وأفشل آخر فرصةٍ للنجاة» وبالقراءة المتأنية لتجربة الشاعر أحمد ابراهيم صلاح في باكورة أعماله السالف الذكر يتبدى لنا مدى إصراره على تأسيس لغة خاصة به صادقة الحس مليئة بالرغبة في البحث الجاد عن هوية شاعر مبدع يصنع من تعرجات عشقه الكبير درباً مستقيماً صالحاً للسفر وللحب والرسم بالكلمات وبألوان قوس قزح على هامة ترابات الروح وحقولها ليصبح الشاعر حينها مطراً متعدد الألوان والأشكال ووحده القادر على ري بذرته الأولى الشعرية لتنمو وتكبر وتزهو إخضراراً في رحلة سعيدة جداً مع الحب والشعر والمطر..تمنياتنا لشاعرنا السير الجاد على درب الإبداع الشعري وتحية من القلب إلى الاستاذ القدير الدكتور علاء المعاضيدي الذي صار ضوءاً شعرياً إبداعياً في تهامة.