الفجرُ كان مضرَّجَ الكفين مربدَّ السريرة والأفق كان يموج بالشهقات... والأفلاك ساهمةً... وأحداق البنفسج غيرَ مطرقةٍ تحدِّق في الخوارق. ها قد تفتّح في الشتاء ربيعنا وتنفست عبقاً مواكبنا ومال الزنبق الوردي... سالفةً تعانق صارماً... ومسدساً يهفو لتقبيل الزنابق وتزف “حورة” أي عرس خارج الأشياء ثَمَّ؟! على عيون الزهر موكبه يسير وزغرداتٌ من فحيح الليل تتبعه، وينكسر الضياء والفجر يهرب خارج الأشياء... داخلها... يفر، والأفلاك لا تدري بلهفتها... ولا ندري! أفي قلب الزمان نحيا؟ أم الأفلاك تسكننا ويشرب دمعنا ضوء القمر...؟ البحر مذهولٌ وإن ذهولنا بحر زوارقنا به رُمّاننا المقطوف. “حورة”... خافق ثُقبت جوانبه وماء البحر فوق جراحنا... يرسو ويصطخب الذهول الأفق شكلٌ قرمزيٌ والمدى... ما بين حد السيف والياقوت ينحصر المدى ومسدسٌ غسقٌ وإطراقٌ وشيءٌ من تفاهاتٍ... وأحقادٍ تتوِّج رأس ثعبانٍ يطاردنا فيأتي البحر... يهجر موجه فيكون حامينا الأخير ويكون ملجأنا الأخير ويظل مُزْن الورد والرمان منهمراً وهذا البحر يشهد أن “حورة” لم تكن تروى ولكن الكهوف غيلانها عطشى وما انهمرت مواجعنا ولكنا انهمرنا في الرحيل لنسمّر الرمان في أغصانه ونقول: طوبى! إن قابلةً تُعِدُّ لترفع البحر الوليد. ونجفل غير أن الروض، غابات الجباه نسيت مخاوفها وطمياً من بقايا السد ثبتها وللإعصار سطوته وغنَّاء الزنابق رسمت بأعينها الجريمة والشموخ يخر نصغي ثم نسمع هاتفاً يروي الحكاية: لم ترتطم هاماتهم بالأرض إذ سقطت ولكن التراب أرغى وأزبد ثم قام فقابل القطف الثمين ما بين حد السيف قابلهم وحيث انثال وابلُهُ المقنى، كان كفاً من عقيق صدّت عن الألق السقوط وأودعت كبد السحاب هذا النمير الأقحواني الندى الوردي هذا الابتداء هذا المدى الممتد ما بين الزنابق والسماء هذي البداية حين نقبلها وهذا الانتهاء أي انتهاء!؟ نهدت بصدر الصخر رماناتنا فعرفنا معنى الجلنار وعلمنا أن الفجر يسبقه الشفق والليل لا يأتي إذا لا يستدير بنا الأفق وعرفنا مختلف الطرق ها إننا نأتيك من بحر تكونه ينابيع الحنق. ماذا بأيدينا إذا ما الفأس داعب دوحنا والخسف عانق روضنا ورُمينا بالقدر النزِق!؟ ماذا بأيدينا لباقات الزهور نعدها ولشعر طفلٍ عابثٍ ولحلمةٍ ولماء ينبوع وللزيتون تهفو؟! لكنهم دسوا المسدس عنوة وأبت أناملنا الرهان وتوزعت ما بين وجه الأرض والأفق الملفع بين سالفة وسيف! بين الزنازن والحدائق بين أعيننا ومعتكر اليباب بين النشو وبين غابات المقابر... شوقاً توزعت الأنامل لتعيد ترتيب الدقائق والثواني والزمان وتعيد يا صنعاء نسجك من جمان من سرائرنا تنمقه ومن رغباتنا، شهواتنا...! هلاَّ حنوت! إننا رهن الرهان وإننا رهن الرهان.
أدري بأنكِ مثل وجه الريح غامضة وقلبِ الليل موحية وأجواز الفضاء. وأقرُّ يا صنعاء أن قراءة العينين ساهمتين صعب وأن سركِ طلسم وهواكِ، عشقكِ، مثل أعماق المحيط وإنني لا أعرف السر الكمين لكن... هل نسيتْ خطاي الدرب حين أكون متجهاً إليك وحين يحملني الحنين إلى التهجد والصلاة هناك في محرابك القدسي حيث تفيض أنفسنا ابتهالات بلون الطيف ينسجنا بها الشوق المجنح؟
مدهوشةٌ خطواتنا، والركب مدهوشٌ وحادي العيس، والنغم الشجي ولدتْ به والدرب دهشتنا وها إنّا إلى المحراب في ومض البروق أورادنا عقد من النجمات لامعة وهذا النهر يتلوها خشوعاً والمدى. أي المسافات التي تثني البروق عن التجاوز والسفر؟ عين تحاول أن تغادر من ملامح وجهك الفضي والأيام ذاكرة وشيء من تبتل حقل البنفسج ضارع والريح تعبره وأيدينا وها إن السماء تطل من عينيك صاعقة تصورنا على شكل ابتهال أو مدار لكِ وحدك الغيمات مثقلة وذاكرة الزمان وإليكِ هذا الضوء مرتحل ولك الأناشيد السنية والبهاء ونادرة الشموس ولك الرجاء والفجر مهرتنا إليك لكِ الرجاء لكِ الرجاء. 7/5/1982 «حورة»: ساحة في مدينة حجة، كان يتم فيها إعدام الأحرار في عهد الإمامة.