تُعتبر الرياضة أفضل الوسائل للتقارب بين الأمم والشعوب المختلفة سواء كانت في حالة سلم أو حرب حتى بات الكثير يستخدم الرياضة في إصلاح ما تفسده السياسة في كثير من الأحيان . صنعاء - سبأ.. ولأن الرياضيين اليمنيين يدركون ذلك جيداً ويوقنون أن قوتهم في وحدتهم، عملوا على توحيد كيانهم الرياضي وقطعوا خطوات كبيرة في هذا المضمار حتى كان لهم ما أرادوا ففاجأوا العالم أجمع بتكوين منتخب يمني موحد في زمن التشطير مستبقين قبل الوحدة السياسية بين شطري الوطن بعامين. لم تثن دهاليز السياسة وزوبعاتها هنا أو هناك رياضيو اليمن في الشطرين من توحيد كيانهم بتشكيل أول منتخب يمني موحد لكرة القدم عام 1988 اعتبره كثير من المتابعين بمختلف مشاربهم السياسية والرياضية والفكرية أرضية هامة ساهمت في تسريع الخطى نحو الوحدة اليمنية الشاملة التي تحققت في الثاني والعشرين من مايو 1990م. üüü لعب ذلك المنتخب أربع مباريات دولية ودية وسط زخم جماهيري كبير وأمام دهشة المتابعين في مختلف أرجاء العالم، كانت أول مباراتين له ضمن الاحتفالات بأعياد الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر مع المنتخب السوداني الشقيق في صنعاء وانتهتا بالتعادل بهدف لمثله.. كما خاض المنتخب الموحد في العام ذاته وبمناسبة الاحتفالية ذاتها مباراتيه الأخريين أمام المنتخب الإثيوبي في ملعب الشهداء بمدينة زنجبار بمحافظة أبين وانتهتا بالتعادل أيضاًً.. إدارة الأخبار الرياضية والشبابية بوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بحثت عن نجوم ذلك المنتخب واسترجعت مع بعضهم ذكريات تلك الفترة الجميلة التي اعتبروها من أجمل الذكريات في حياتهم وفي زمن الكرة اليمنية الجميل ، ما يعكس عمق الروح الوطنية الوحدوية في نفوسهم.. عندما تحدث إلينا هؤلاء النجوم الأبطال عن ذلك المنتخب التاريخي كانت مشاعرهم تفيض بالفرحة والنشوة الغامرتين، مؤكدين بأن لا أحد يدرك تلك المشاعر إلا من عايش تلك اللحظات التاريخية. وأجمعوا على أن الوحدة هي المسار الطبيعي لليمن واليمنيين وأنه لا يمكن أن يعود اليمن إلى ما قبل 22 مايو 1990 لأن الوحدة مطلب جماهيري، مؤكدين وقوفهم سداً منيعاً أمام دعاة التشرذم والانفصال لأنهم عانوا كثيراً قبل الوحدة ويعرفون أكثر من غيرهم بمساوئ التشطيرعلى حد تعبيرهم، معتبرين أنفسهم (الرياضيون) أول من وحد اليمنيين.قائدا أول منتخب يمني موحد النجمان الكرويان السابقان أبو بكر الماس وجمال حمدي يرويان ذكريات ذلك المنتخب الذي كان لهما شرف قيادته تحت إشراف المدربان الكبيران الدكتور عزام خليفة وسالم عبد الرحمن.. يقول الماس " كان شيئاً عظيماً أن نقود أول منتخب يمني موحد في تلك الفترة وكان لوزير الشباب والرياضة في الشطر الشمالي الدكتور أحمد الكباب ورئيس المجلس الأعلى للرياضة في الجنوب آنذاك محمد غالب أحمد دوراً كبيراً في تشكيل هذا المنتخب لأنه كان حلماً تحقق على أيدينا جميعا".. فيما يقول جمال حمدي " أقمنا معسكراً داخلياً في جبل خنفر لمدة عشرين يوماً قبل أن نلعب مباراة المنتخب الموحد أمام إثيوبيا وكان للمدربين عزام خليفة وسالم عبد الرحمن دوراً كبيراً في تعزيز الانسجام بين اللاعبين رغم أن الانسجام كان موجودا من قبل لأننا كنا نتعارف أثناء مشاركاتنا في المحافل والمناسبات الخارجية". üüü ويضيف حمدي قائد أول منتخب يمني موحد " حينما ظهر المنتخب كانت الفرحة الكبيرة تغمر الجماهير لمشاهدتها أول منتخب يمني موحد في ظل التشطير وكانت الجماهير تملأ مدرجات الملعب مرددة الأناشيد الوطنية ، وبعد تشكيل ذلك المنتخب تم إزالة البراميل التشطيرية في المناطق الحدودية بين شطري اليمن". ويستطرد " كان الاهتمام يحيطنا من كل الأوساط الشعبية والرسمية ومن كافة المستويات وعلى رأسها القيادتين السياسيتين في الشطرين آنذاك ". üüü ويتذكر الماس تقدم المنتخب الموحد لعرض عسكري في عام 1988 بصنعاء ويقول " دخل المنتخب متقدما لعرض عسكري أقيم في صنعاء بمناسبة احتفالات بلادنا بأعياد الثورة وبمجرد مرورنا من أمام المنصة الرئيسية تتقدمنا لافتة كتب عليها ، منتخب كرة القدم اليمني الموحد ، حتى وقف جميع من في المنصة من قيادات الدولة وضيوف اليمن وعلى رأسهم فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وسط دوي تصفيقهم الحار تحية إكباراً لنا ". ويصف الماس المشاعر في تلك اللحظات " كانت السعادة والفرحة والمشاعر الجياشة تغمر الجميع، مشاعر لا توصف ودوي التصفيق الحار لاينتهي، وانهمرت دموع الجميع فرحاً بالمنتخب الموحد وهو يتلقى التحية من فخامة الرئيس وجميع قيادات الشطر الشمالي وضيوف اليمن آنذاك.. ويتذكر الماس " كان من ضمن أعضاء الجهاز الفني والطبي والإداري في مباريات ذلك المنتخب الدكتور عبدالرحمن الشرجبي، المرحوم علي عمر ، قاسم أحمد علي ، محمد شرف ، والمرحوم علي الأشول ، وكان الأستاذان حسين العواضي ومحمد سعيد سالم يعلقان بصوتيهما على مباريات المنتخب". üüü وعن لاعبي المنتخب الموحد يؤكد نجما منتخبات كرة القدم اليمنية أبوبكر الماس وجمال حمدي إن ذلك المنتخب شارك فيه عمالقة الكرة اليمنية ونجومها الذين تركوا بصمات واضحة علي الرياضة اليمنية ولم يتكرروا حتى الآن.ويحاول الماس وحمدي تذكر عدد من لاعبي ذلك المنتخب أمثال حارسي المرمى أمين السنيني وعبد الجبار عباس واللاعبين خالد العرشي ، شرف محفوظ ، يحيى جعره، كامل صلاح ، على موسى ، ياسين محمود ، أنور عديني ، أحمد الأحمدي ، إبراهيم الصباحي ، وجدان شاذلي ، فياض بغدادي ، حسين صالح ، عادل الأشول ، محمد حسن أبو علا ، حسين جباري ، جلال الزحيري ، ابراهيم عبد الرحمن ، شنب الحمادي ، ناصر رويس ، وغيرهم ممن دخلوا تاريخ كرة القدم اليمنية من خلال المنتخب الموحد. ويؤكد قائد أول منتخب أول منتخب يمني موحد ابو بكر الماس إن العلاقات الرياضية كانت مستمرة بين الشطرين منذ ما قبل تشكيل المنتخب الموحد رغم كل الظروف ، موضحا أن ذلك المنتخب جاء تتويجا للبطولات المشتركة التي كانت تقام بين فرق الشطرين . ويشير الماس إلى إقامة بطولة كأس اليمن عام 1980 جمعت عدداً من الأندية اليمنية في الشطرين وأحرز فريقه التلال لقب البطولة بعد فوزه في جميع المباريات ، بالإضافة إلى بطولة كأس الاستقلال عام 1983 بين بطلي الكأس في الشطرين فاز فيها التلال على أهلي صنعاء بثلاثة أهداف دون رد. ويناشد النجمان الماس وحمدي المعنيين بتكريم أعضاء أول منتخب موحد باعتباره ساهم بفاعلية في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية الشاملة، وتساءلا " متى سيتم تكريم أول منتخب يمني موحد بعد مرور 19 عاماً من عمر الوحدة؟ ويرى الماس أن أفضل وقت لتكريم أعضاء ذلك المنتخب هو العام القادم 2010 ضمن احتفالات بلادنا بالذكرى ال20 للوحدة اليمنية "22 مايو" وتزامناً مع خليجي 20 المقرر إقامته في عدن أواخر العام القادم. üüü ويلفت إلى أن أول تكريم خارجي حظي به المنتخب الموحد كان عام 1990 في الكويت من قبل المرحوم الشهيد فهد الأحمد الجابر الصباح رئيس اتحاد الكرة الكويتي بمناسبة خليجي 10 الذي استضافته بلاده بعد توجيهه الدعوة لقائدي المنتخب أبو بكر الماس وجمال حمدي والدكتور محمد الكباب وزير الشباب والرياضة في الشطر الشمالي ومحمد غالب أحمد رئيس المجلس الأعلى للرياضة في الشطر الجنوبي آنذاك. من جانبه يصف مسجل أول أهداف المنتخب اليمني الموحد عام 1988 وكذا منتخب ما بعد يوم إعادة تحقيق الوحدة 22 مايو 1990 النجم الهداف شرف محفوظ شرف فكرة ذلك المنتخب بأكثر من رائعة.. ويقول هداف العرب السابق محفوظ " أروع ما في الأمر أنه لم يكن هناك فوارق بين لاعبي المنتخبين اللذين شكلا منتخباً يمنياً واحداً فمشاعر الوحدة كانت محفورة في صدورنا وأحسسنا بأننا عائلة واحدة ولم نشعر بغربة وانسجمنا بسرعة في المعسكرات وفي الملعب ". وأضاف " لم نخسر أي مباراة لعبناها لأننا كنا نرى أن الخسارة تعني فشل المنتخب الموحد فلعبنا بروح واحدة وسط أجواء فرائحية أعجز عن وصفها لايعرفها إلا من عاش تلك اللحظات". ويعتبر شرف محفوظ أن الرياضيين هم أول من وحد اليمنيين قبل أن يوحدهم السياسيون وقال " عندما تحققت الوحدة في 1990 كنا سعداء للغاية لأننا أحسسنا بأننا حققنا الوحدة قبل ذلك التاريخ "، مشيراً إلى أن الرياضيين هم السباقون دائماً لحل المشاكل قبل السياسيين. üüü بدوره أول حارس للمنتخب اليمني الموحد النجم أمين السنيني يؤكد اعتزازه وافتخاره الدائمين بتلك التجربة على مر السنين وبالتفاعل الكبير من كافة المستويات مع ذلك المنتخب الذي ضم نخبة من أفضل لاعبي اليمن حتى الآن.ويلفت الحارس الأمين إلى أنه كان يلعب بالتناوب مع الحارس الآخر للمنتخب عبد الجبار عباس بواقع مباراة واحدة في صنعاء وأخرى في عدن لكل منهما وكان الانسجام بين اللاعبين لايوحي أن ذلك المنتخب كان منتخبين.. ويعتبر السنيني الحفلين التكريميين الكبيرين اللذين أقيما في صنعاءوعدن للمنتخب الموحد وشهد زخما جماهيريا كبيرا، وساما وحدويا على صدور أعضائه.. وفي السياق ذاته تكشف وثيقة موقعة بين السلطتين الرياضيتين في الشطرين عن إعلان الوحدة الرياضية الشاملة رسمياً قبل إعلان الوحدة السياسية بنحو أربعة أشهر.. وتقضي الوثيقة التي وقعت في 8 فبراير 1990م بدمج اللجنتين الأولمبيتين في الشطرين لتصبح لجنة أولمبية واحدة تسمى اللجنة الأولمبية اليمنية بحيث تشرف اللجنة الجديدة على كافة الأنشطة الرياضية المختلفة.. كما تكشف أن ثلاثة اتحادات رياضية هي السبّاقة في توحيد الرياضيين حيث جاء فيها "على الاتحادات الرياضية العامة تشكيل الفرق اليمنية لمختلف الألعاب لتمثل اليمن داخلياً وخارجياً تحت اسم منتخب اليمن للعبة أسوة باتحادات كرة القدم والطائرة والعاب القوى". üüü وتنص الوثيقة على "تشكيل مجلس تنفيذي للجنة الأولمبية اليمنية لتسيير وتنفيذ قراراتها وأنشطتها والإشراف على أنشطة الاتحادات الرياضية اليمنية وتشكل لجنة فنية لإعادة صياغة اللوائح والأنظمة الخاصة باللجنة الأولمبية اليمنية والاتحادات والأندية الرياضية في الجمهورية اليمنية". وتقضي أيضاً ب" دمج الاتحادات الرياضية اليمنية في كيان واحد تحت اسم (الاتحاد اليمني العام للعبة...) ويشكل كل اتحاد سكرتارية لتسيير نشاطه ويستفاد من الكوادر الرياضية في اللجان الفنية العاملة في كل اتحاد أو خارجه بالتنسيق مع المجلس التنفيذي للجنة الأولمبية اليمنية". وجاء في الوثيقة أيضاًً " يعقد مجلس إدارة اللجنة الأولمبية اليمنية اجتماعات دورية كل ثلاثة أشهر على أن يعقد الاجتماع القادم في صنعاء في الفترة من 15- 16 مايو 1990م لمناقشة وإقرار اللوائح والأنظمة للهيئات الرياضية في الجمهورية اليمنية والمهرجان الرياضي لعام 1990".