كان الوقت متأخراً.. بينما السماء قد اختفت نجومها معلنة عن ليلة ظلماء موحشة.. وممازاد من وحشة الليل البهيم صوت صراصير المساء بصفيرها المتواصل لتكمل تلك الليلة بمراسيمها المؤلمة.. وعلى صوت نباح كلب أو أشبه بالعويل.. كان صوت أتى من ذلك البيت أشبه منه بالمغارة من البيت قد ألم بذلك الصوت ألم وحسرة وبكاء مر أقرب للحسرة منه للألم.. سارت في ظلمة وفي طريقها ظلمة سارت لاتدرى إلى أين تتجه أو أين طريقها لكن شيئاً واحداً هو الذي تعرفه هو كره الناس والحياة.. وملئت عيونها دموع. كادت تعمى عيونها عن الرؤى.. تجر نفسها ببطء لاتستطيع حمل جسمها النحيل الأسمر.. أنه الخوف والجوع والمرض وتحمل في بطنها ثمن غلطة لحظات نزوة وغرور.. إن في أحشائها طفلاً تتضرم نيران وجوده داخلها.. ولسان حالها يقول هذا ماجنته يداي...؟ ظلت تمشي في ذلك الطريق الموحش.. تريد أن تنسى ألمها لكن هيهات أن يتضاعف الأمر أكثر.. و أوشك الفجر أن يبزغ فماهي الا سويعات قليلة ويصبح الجو بارداً والرياح قد عبثت بكل مافي الشارع من أكياس البلاستيك وتطايرت وكأنها غربان من كل لون وبدا الشارع أكثر وحشة عندما ظهر الكلاب في أماكن القمامة يبحثون عما يسد رمقهم وهرولت تحمله هاربة من نباحهم يخشون أن تكون كلباً جاء يشاركهم ماوجدوا لكن ألم الوضع أقعدها.. كسيرة باكية وحيدة تعاني ألم المخاض وألم الخطيئة لم تستطع مقاومة الألم.. لكن موعد نزوتها آن له أن يخرج إلى النور.. ليجعل من ذلك المستور شيئاً مفضوحاً ولأول مرة يحصر الألم القلب والجسد معاً. وصدرت منها صيحات الموت المحقق نعم شاهدت الموت حقيقة أنه العذاب بكل ألوانه.. وفي لحظات قاسية تنزع روحها الحياة مع جسدها وعلى قارعة الطريق خرج صوت من تحتها يبكي بمرارة.. وكأنه يقول لماذا جئت بي في قارعة الطريق.. وفي لحظات صراعها مع الموت قطعت الحبل السري بأسنانها بوحشية لم تعهدها.. خوفاً على طفلها.. لكن الكلاب الجائعة لم تمهلها لتسمع إلى ذلك الصوت الذي ملأ المكان صراخاً وعويلاً.. وانقضت الكلاب على تلك الجثة الهزيلة الصارخة لتنهشها بأسنانها الحادة.. ومزقتها أرباً أرباً أمام ناطريها معلنة بذلك نهاية نزوى كان أولها ضحكة وآخرها دموع ومرة.. لقد صرخت وصرخت لكن أحداً لم يسمعها أبداً وحاولت ضرب الكلب بكلتا يديها الهزيلتين لكن لافائدة من ذلك ترجى. لحظات كان الكلب قد أجهز على ذلك المولود الضعيف وفي لمح البصر تركه جثة هامدة لاحراك بها بعد أن أنهى ماأشبعه من ذلك المولود وفر هارباً تاركاً لها بقايا الجسد ضمته إلى صدرها وتلطخ وجهها بدماء طاهرة ونجسة معاً باكية بألم مضاعف وحسرة عصفت بحياتها بكت عفافها الذي انتهكه كلب البشر وبكت طفلها الذي أكله كلب ولم تجد فرقاً بينهما مرغت وجهها بالتراب لم تعد ترى أن الحياة تستحق أن تبقى بها وارتفع صوت الأذان معلناً بصوت مليء الآفاق بالله أكبر.. بكت بمرارة ليس لها طعم الا المرارة.. ووضعت خدها على التراب ترعشها رعشة الموت وهي تتمنى لو تذكرت هذه اللحظات لحظة نزوتها وودعت روحها الأرض لتلقى رباً رحيماً. وخرج الناس إلى صلاة الفجر ليجدوا على قارعة الطريق جسدين ممزقين، جسد مزقه كلب البشر وكلب أكل روحاً بريئة وأسدل عليها ستار.. كتب عليه الموت نهاية كل حي.