مظاهرة حاشدة في حضرموت تطالب بالإفراج عن السياسي محمد قحطان    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    "يقظة أمن عدن تُفشل مخططًا إجراميًا... القبض على ثلاثه متهمين قاموا بهذا الأمر الخطير    شاهد :صور اليوتيوبر "جو حطاب" في حضرموت تشعل مواقع التواصل الاجتماعي    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    المهرة.. محتجون يطالبون بالإفراج الفوري عن القيادي قحطان    ناشطون يطالبون الجهات المعنية بضبط شاب اعتدى على فتاة امام الناس    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    رئيس الوفد الحكومي: لدينا توجيهات بعدم التعاطي مع الحوثيين إلا بالوصول إلى اتفاقية حول قحطان    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    الداخلية تعلن ضبط أجهزة تشويش طيران أثناء محاولة تهريبها لليمن عبر منفذ صرفيت    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الغناء اليمني..تهميش للتجديد وتشويه للتراث
نشر في الجمهورية يوم 03 - 09 - 2009

لكل شعب فلكلوره وله تراثه الموسيقي والغنائي، هذا التراث هو تراكم فني مصاغ بكلمات غنائية كانت رائجة وملبية لذائقة المتلقي في المرحلة الفنية التي قيلت فيها، وبألحان تمثل أفضل ما أنتجه فنانو تلك المرحلة مستلهمين تراث مرحلة سابقة ومضيفين لها ماتجود به مواهبهم من التجديد والابتكار الملائم لمستوى تطور فن الغناء والموسيقى في بنية ومفردات النص الغنائي ومواضيعه، وفي الخروج المتمرد على أساليب التلحين التقليدية التراثية، وكذلك في تطور الآلات الموسيقية وزيادة عددها وقدرتها على عزف الألحان الجديدة بما فيها من جدة وتجديد وتنوع في الفكرة والخيال الموسيقى.
وفي لقاء جمعني بالفنان الكبير محمد مرشد ناجي، قال فيه إن مصر ليس لها تراث غنائي بمثل مرحلة ماقبل مطلع القرن العشرين، وإن تراثها الموسيقي والغنائي بدأ بالتكون والتراكم على يد ملحنين ومطربين عظام كسيد درويش وأم كلثوم والسنباطي وزكريا أحمد ومحمد عبدالوهاب وغيرهم، وحبيبنا المرشدي محق في ذلك، ولكن هؤلاء العظام من فناني مصر تمردوا على غناء قديم لم يشكل تراثا لمرحلتهم الجديدة لأنه لم يعبر عن نفسه وذائقة الشعب المصري، وهو الغناء التركي، وفي رأيي أن مرحلة الغناء والموسيقى منذ الحرب العالمية الأولى وحتى عام 1950م تقريباً كان فناً تجديدياً وحديثاً، ثم صار تراثاً لمرحلة فنية جديداً ظهر فيها فنانون جدد وتطور في النص الغنائي وقوالب التلحين وتوظيف آلات موسيقية جديدة وذلك بفضل نزعات تجديدية عند الفنان القديم والجديد معاً، ولكن ماينبغي التأكيد عليه أن الانتقال من مرحلة فنية قديمة إلى مرحلة فنية جديدة، لم يتم بقرار ملكي ممهور بتوقيع الملك فاروق، ولكنه نتاج ازدهار حركة ثقافية وفكرية في الأدباء والفن والسينما والمسرح والإذاعة..إلخ في حين صدر قبل عدة أعوام، قرار من وزارة الثقافة اليمنية نص على أعتبار كل أغنية مر عليها ثلاثون عاماً أغنية تراثية، وبهذا القرار تحول، وبقرار حكومي، كل العطاء الفني التجديدي لأحمد قاسم والمرشدي ومحمد سعد عبدالله واسكندر ثابت البامدهف والزيدي والمحضار والعطروش وأيوب طارش والزيدي وفناني لحج الكبار وغيرهم تحول إلى عطاء فني تراثي قديم، في حين إنه لايزال إلى اليوم تراثاً خاصاً بكل واحد منهم، وليس تراثاً عاماً مباحاً لكل من هب ودب من مدعي الفن كذباً وبهتاناً، لتشويهه والإساءة إليه، ناهيك عن الحقوق المادية المستباحة خصوصاً ونحن في بلد يدعي أن له تراثاً فنياً عظيماً، لكنه لايحترم هذا التراث بإعادة تقديمه ونشره وتصديره بشكل فني وموسيقي حديث في مهرجان سنوي ينظح لهذا الغرض، واشتراط تقديمه في الإذاعة والتلفزيون، بتوزيع موسيقي جديد ومصاحبة فرقة موسيقية، وحين ندعي أننا نحن اليمنيين وقبل مئات السنين صدرنا الغناء، ندعي ذلك ولانحترم الفنان، ونستلب حقوقه الأدبية والمادية جهاراً دون حياء، وبقرار حكومي، غير مدروس، ولربما كان له هدف آخر غير فني أملته السياسة، حولنا عطاء فنياً تجديدياً وراقياً لفنانين كبار أنجبتهم عدن ولحج وأبين وحضرموت إلى تراث، ولم نحترم هذا التراث على الأقل، في حين وكما هو بديهي أن التنور أفضل من الموفى، والثلاجة أكثر حداثة من الزير، والسيارة تفوقت على ركوب الحمير، وبدون اعتماد القياس، فإن التراث الغنائي للمرحلة الفنية الجديدة ينبغي أن يكون أكثر حداثة في مكوناته ومضامينه ووسائله من الغناء في المرحلة السابقة التي يمكن وصفها بمرحلة التراث، لكننا في اليمن ننتقل من مرحلة سياسية إلى أخرى جديدة ولا تشهد ازدهاراً ادبياً ولا فنياً في المرحلة السابقة ينبئ عن قدوم مرحلة جديدة، إلا ماحدث في عدن منتصف القرن الماضي، ولانشهد في المرحلة الجديدة ازدهاراً أدبياً وفنياً مواكباً لمتغيراتها الشاملة باستثناء المتغيرات السياسية التي تعمل على توجيه كل شيء لصالحها، ففي المحافظات الجنوبية شهدت عدن منذ اربعينيات القرن الماضي ازدهاراً فكرياً وأدبياً وفنياً واجتماعياً، فتطور الغناء، وتحولت عدن إلى بؤرة صهر وإعادة تصنيع لمختلف الغناء اليمني والعربي والأجنبي، لتقدم الأغنية اليمنية الحديثة، وبعد الاستقلال في العام 1967م بدأ تدهور الغناء فيها وفي المحافظات الأخرى، وبدلاً من مساعدة الحركة الفنية على المزيد من الازدهار جرى تأميم الفن، وقمعت الحرية الفنية للفنانين، بقمع حرية الرأي والتعبير وفرض مضمون معين للأغنية، وصودرت الفرق الموسيقي والمسرحية الاهلية ومنعت الحفلات العامة الشعبية وشجعت الأغنية الجماعية من حساب الأغنية الفردية وظهر مفهوم الأغنية التقدمية، وبالتالي قل عطاء الفنانين الكبار ومجايليهم في العصر الذهبي للأغنية اليمنية بعدن، لكن وعلى الرغم من تدهور الغناء في الجنوب اليمني من الاستقلال بسبب المتغير السياسي لم يصدر قرار حكومي باعتبار الغناء والموسيقى لما قبل الاستقلال من التراث، وعومل الفنانين الكبار خاصة باحترام، وتأسست ودعمت الفرق الموسيقية الرسمية الكبيرة، وتم على الأقل تنظيم مهرجان القمندان، وشاركت الفرق المسرحية والموسيقية بكثرة وبفعالية في المهرجانات الدولية، لكن وكما هي عادتنا كما أشرت آنفاً، منذ ثورة سبتمبر والاستقلال الوطني لم ننتقل من مرحلة ازدهار أدبي وفني إلى مرحلة جديدة أكثر ازدهاراً وهو ماحدث في شمال الوطن، حيث كان الغناء محرماً قبل ثورة سبتمبر 19662م وكان مايمارس من غناء بالخفاء وبسرية مرعبة عمره مئات السنين، في أساليبه ومضامينه، وهو بالتالي تراث قديم جداً، وأضع كلمة «جداً» بين قوسين، لأنه ليس تراثاً سبق مرحلة فنية متطورة جديدة، بل لايمكن اعتباره تراثاً، لأنه ومنذ قيام ثورة سبتمبر وإلى اليوم لايزال هو الغناء السائد والمحتفى به والمفضل لدى المتلقي، لأن التغيير في المحافظات الشمالية لم يشمل الفن، ولايزال الغناء فيها محافظاً على مضامينه وأساليبه القديمة، لأنها لم تشهد حركة فنية مزدهرة قبل الثورة تزعمها فنانون وشعراء مجددون كبار ارتقوا بالذائقة الفنية عند الجمهور، وبعد الثورة استمرت الروح المحافظة تفعل فعلها رغم الانفتاح على تطور الغناء والموسيقى في العالم العربي، وظل الغناء طقساً يمارس في مقايل القات، وماحدث من تطور كان محاولات فردية لم تشكل ملامح حركة فنية جديدة قابلة للتطور والازدهار، لتلائم مرحلة مابعد ثورة سبتمبر بمتغيراتها الجديدة، وحصر الغناء الحديث بمصاحبة الفرقة الموسيقية في الحفلات الرسمية في المناسبات الوطنية بمضمون واحد، وكأن ماحدث من تطور هو استخدام آلة العود الحديثة بدلاً من القمبوس، وتحول الغناء التقليدي القديم جداً إلى نوع من المقدس بحجة المحافظة على التراث في غفلة من أن هذا التخوف على التراث ناتج عن التخوف على مقدسات أخرى، فلاعجب أن يقف التخوف على التراث المقدس في وجه فنانين أو ثلاثة نزعوا إلى تطوير الأغنية والتجديد في ألحانها وفي النص الغنائي بالقدر الذي أتاحته لهم مواهبهم وثقافتهم الموسيقية المحدودة، لتبقى محاولاتهم، التجديدية محاولات فردية لم تؤسس لمدرسة فنية جديدة وبالتالي لم تنجح في الارتقاء بالذائقة الفنية لدى الجمهور.
ما الذي حدث بعد تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م كل الذي حدث أن الأمر ازداد سوءاً، وتخلفت الأغنية اليمنية أكثر من ذي قبل، ولم يستفد من يغنون اليوم من انتشار الفضائيات وماتعرضه من غناء متطور في أساليبه بصرف النظر عن الاسفاف في مضامينه، فلم يعد الغناء في العالم بمصاحبة العود وآلة الايقاع، هذا الاسلوب صار متخلفاً منذ عشرات السنين، وهو يصلح فقط في البرامج المتخصصة أو في لقاء تلفزيوني مع هذا الفنان أو ذاك.
كانت الوحدة اليمنية أعظم إنجاز تاريخي وحضاري، فلماذا لم يواكبها حراك مزدهر في الموسيقى والغناء في الأغنية الوطنية على الأقل واليوم إذا أردنا الاستمتاع بأغنية رائعة عبرت بصدق فني راق عن الوحدة اليمنية عدنا إلى مرحلة ماقبل تحقيق الوحدة اليمنية لنجدها على سبيل المثال وليس الحصر في أغنية أحمد قاسم «الوحدة اليمنية» والسبب أن فن الغناء بعد الوحدة ازداد تخلفاً، لأننا في اليمن ووفقاً لما قلته آنفاً تعودنا الانتقال من مرحلة مزدهرة فنياً إلى مرحلة أقل ازدهاراً، كما حدث في المحافظات الجنوبية، ومن مرحلة متخلفة فنياً إلى مرحلة أكثر تخلفاً كما حدث في المحافظات الشمالية، ففي المحافظات الجنوبية ونتيجة لتأميم الفن ظلت مرحلة ازدهار الغناء قبل الاستقلال هي المرحلة الأكثر رقياً من مرحلة مابعد الاستقلال وفي المحافظات الشمالية وبسبب الانفتاح الثقافي والفني، تناقص تأثير قدسية التراث، بانتشار الفضائيات، ولكن لتظهر نظرة متعصبة للغناء التقليدي القديم باعتباره الغناء اليمني الاصيل الذي يتذوقه الجمهور اليمني كله، وماعدا ذلك فهو غناء غير يمني مقلد للغناء المصري تحديداً، وصارت الأغنية اليمنية التجديدية أغنية طربية غير يمنية «1» في حين أن الغناء كله طرب.
وقد ساعد في ذلك أن الغناء التقليدي القديم استمر محتفى به في المحافظات الشمالية، ولذلك أراد القائمون على الإذاعة والتلفزيون فرضه على الجمهور في المحافظات الأخرى بأسلوبه القديم، ليغدو هذا التراث تراث اليمن الوحيد، في حين أن لكل محافظة تراثها، وفلكلورها وهذا مايميز اليمن بالغنى والتنوع ولايضير وحدة الشعب اليمني، مما فاقم من تخلف الذائقة الفنية لدى الغالبية العظمى من الجمهور، ومما ساعد من قمها أن معظم إن لم يكن كل الفنانين «الفنانين مجازاًَ» من أبناء المحافظات الشمالية يعرفون جيداً أهمية التجديد في الأغنية، لكنهم يتجنبونه، بل ويخشونه لأن جمهورهم العريض في المحافظات الشمالية لم يألف التجديد في الغناء وغير شغوف بالأغنية الحديثة، وأي ارتقاء بذائقته الفنية سيصرفه عنهم إلى فنانين مجددين، وبالتالي يخسرون مكانتهم الفنية الوهمية القائمة على الشهرة والانتشار وليس على التميز، ويخسرون الجمهور ومكاسبهم المادية من سوق تريد الكاسيت، إلا أن مايخشونه سوف يقع لامحالة بتأثير الأغنية الحديثة عبر الفضائيات، وعدم قدرتهم على مواكبتها، لأن معظمهم أنصاف مواهب أو بلا موهبة، ولأن ثقافتهم الموسيقية متدنية جداً إن لم تكن صفراً لذلك يعزف كل واحد منهم على العود وهو يغني، لاضفاء هالة فنية والحصول على لقب فنان، والملاحظ أن معظم فناني المحافظات الشمالية والمشهورون منهم تحديداً ركيكون جداً في العزف على العود، لأنهم لايطورون من مستواهم بعزف الألحان اليمنية والعربية الحديثة، بل يعزفون ألحاناً تراثية معادة ومتشابهة، دافعين شعار المحافظة على التراث، هذا التراث الذي تحرص الاذاعة والتلفزيون على تكريسه وفرضه كتراث وحيد وأوحد لليمن، ولذلك تفتح لهم الأبواب وتعد السهرات ولا أدري من أوكل إليهم مهمة المحافظة على التراث، كما أن مواهبهم الصغيرة إن وجدت واصواتهم التي في معظمها لاتصلح للغناء، وعزفهم الركيك على العود يشوه التراث ويسيء إليه، ويتناسى الجميع عمداً أن أساطي الغناء اليمني القديم قد حفظوا لنا التراث وقاموا بتوثيقه ولم يتبق سوى تقديمه بتوزيع موسيقي حديث في مهرجان سنوي والقيام بهذا الدور من مهام وزارة الثقافة.
وفي المحافظات الجنوبية تدهورت الأغنية كذلك منذ الاستقلال الوطني على الرغم من وجود وظهور فنانين متميزين موهوبين والسبب أن الغناء صنعة لايزدهر إلا في ظل نشاط أدبي وفني مزدهر، وقد تضاءل هذا النشاط منذ تأميم الفن بعد الاستقلال الوطني، وتدهورت الأغنية أكثر إلى حد التخلف تماماً بعد الوحدة، بسبب المركزية في الانتاج وصار على فنان من أي محافظة يرغب بتوثيق أعماله الفنية الذهاب إلى صنعاء للحصول على الميزانية أن يريق ماء وجهه خلف أبواب المسئولين في المؤسسة، الذين لايعرفون الفنان الحقيقي من الفنان المدعي، ولذلك تصرف الميزانية لمن يستحق ولمن لايستحق.
وبمعزل عن الغناء الفلكلوري والشعبي في الرقصات الشعبية والأفراح ومواسم الحصاد والمناسبات الدينية الذي يحتاج فعلاً للحفظ والتوثيق، يوجد لدينا اليوم في اليمن نوعان من غناء الصنعة النوع الأول غناء حديث تطور وتراكم منذ اربعينيات القرن الماضي وتوقف إنتاجه منذ تحقيق الوحدة اليمنية وتجري منذ ذلك الحين محاولات تهميشه وتحويله إلى تراث قديم بقرار حكومي، إلا أنه تراث مرحلة استعمارية كما يبدو أنه لايحظى باهتمام الجهات المسئولة باحيائه والاحتفاء برواده، كما أن فناني اليوم المشهورين «فنانين مجازاً» من حاملي شعار المحافظة على التراث لايتعاملون معه باعتباره تراثاً وفقاً للقرار الحكومي وبالتالي لايحافظون عليه، وهذا ماوقاه من التشويه والنهب والسرقة في حين أن مايقدمونه من غناء متخلف إنما هو تشويه لغناء هو تراث التراث عمره مئات السنين، وهذا هو النوع الثاني من الغناء الصنعة الموجود والسائد في اليمن اليوم.
وعليه نكون في اليمن قد قلبنا الأمور رأساً على عقب، فالغناء التجديدي والمتطور الذي يسمى جهلاً وبهتاناً بالغناء الطربي بدلاً من تسميته بالغناء اليمني الحديث الذي ينبغي على الجهات المسئولة تعميمه وتشجيع فنانيه الجدد، إلا أنها وبدلاً من أن ترفع من ذائقة الجمهور في المحافظات الشمالية تحديداً وكل المحافظات عامة اعتبرته تراثاً بقرار حكومي، وجعلت من الغناء المتخلف الذي يشوه التراث الاصيل هو الغناء المعاصر إلا أن الحقيقة ستظل حقيقة، فهذا الغناء الحديث الذي صنعه في عدن فنانو أربع محافظات يمنية هي عدن ولحج وأبين وحضرموت، سيبقى هو الفن الغنائي والموسيقى الحديث والمعاصر لليمن إلى ماشاء الله خصوصاً وأنه لايقل رقياً وتجديداً في مستواه الفني عن الغناء العربي والمصري تحديداً في مرحلة انتاجه وتراكمه، وهو يتفوق اليوم على معظم مايقدم من غناء في أكثر من بلاد عربية وعلى كل الأغاني الهابطة في الفضائيات وأشرطة الكاسيت.
ولن يتحول إلى تراث كما أراد القرار الحكومي إلا بظهور مرحلة فنية جديدة تنتج غناء يفوقه تطوراً وتجديداً راقياً، أما الغناء المتخلف السائد اليوم فهو تكرار مشوه للتراث لن يدوم طويلاً في عصر الفضائيات إلا إذا لم تقم الجهات المسئولة ممثلة بوزارة الثقافة والإعلام بدورها الوطني الهادف إلى تحريك ركود الساحة الأدبية والفنية للارتقاء بالذائقة العامة لدى الجمهور في فن الغناء وفي غيره من الفنون، وفيما يلي عدد من المهام التي ينبغي عليها القيام بها لتحقيق هذا الهدف:
احترام الفنان ودعمه ومساندته ومنحه حقوقه الأدبية والمادية.
تأسيس ودعم النقابات الفنية في كل مجال فني ومساعدتها لتأدية مهامها.
إنشاء الغرف الموسيقية والمسرحية والأدبية في مدارس التعليم الأساسي «الابتدائي والإعدادي».
دعم الغرف الموسيقية والمسرحية الاهلية وتشجيع تأسيس المزيد منها «دعم مادي لخمس سنوات».
تأسيس المراكز الثقافية وبناء المسارح في عواصم المحافظات وفي عواصم المديريات ذات الكثافة السكانية العالية.
دعم وشجيع تنظيم الحفلات العامة الأهلية من قبل الفرق الموسيقية الاهيلية أو عدة فنانين «دعم مادي سنوات».
منع الغناء على آلة العود والايقاع في السهرات الفنية التلفزيونين تأسيس فرقة موسيقية تتبع الفضائية اليمنية وأخرى تتبع قناة يمانية.
الوقوف بحزم أمام ظاهرة سرقة الألحان التراثية.
زيادة ساعات بث الأغاني اليمنية الحديثة والأغاني العربية لكبار الفنانين اليمنيين والعرب.
إقامة مهرجانات سنوية للأغنية اليمنية الحديثة وأغاني التراث يكرم فيها كبار الفنانين.
إضافة السيرة الذاتية لبعض الفنانين الكبار وشعراء الأغنية المرموقية في كتب مادة القراءة للتعليم الأساسي والثانوي.
إنتاج أعمال درامية إذاعية وتلفزيون عن السيرة الذاتية والفنية والتاريخية لكبار الفنانين.
الوقوف بحزم أمام عبث شركات الانتاج الخاصة والزامها بعدم السماح لأي فنان بتسجيل وتسويق أغاني التراث أو ألحانها بكلمات أخرى أو الأغاني الحديثة لكبار الفنانين ومنعها من تسجيل حفلات المخادر والأعراس والحفلات العامة وتسويقها.
العودة لنظام إجازة الاصوات والملحنين وتشكيل لجان لإجازة الأغنية «كلمات ولحن وغناء» في كل محافظة بدلاً من الاكتفاء بإجازة النصوص الغنائية.
زيادة عدد البرامج الفنية في الإذاعة والتلفزيون بمصاحبة الفرقة الموسيقية.. اتاحة الفرصة للفنانين الكبار والفنانين الشبان الموهوبين لتسجيل أعمالهم في الإذاعة والتلفزيون.
إصدار المجلات الفنية.
النظر لأهمية ازدهار الحركة الأدبية والفنية نظرة وطنية لا نظرة سياسية.
منح الفرصة للمشاركة في المهرجانات الموسيقية الخارجية للفنانين المجددين ففي البلاد العربية يعرفون الكثير عن التراث اليمني ويجهلون ما أسهم به فنانونا في مجال الغناء التجديدي والحديث.
الورقة المقدمة في ندوة خاصة بالأغنية اليمنية نظمها منتدى عدن الأهلي مساء الثامن من رمضان الجاري الموافق 29/8/2009م.
يكرر المذيع عبدالملك السماوي عبر برنامجه في الفضائية اليمنية أن الأغنية العدنية هي الأغنية الطربية، وهذا خطأ، أولاً لأن الغناء كله طرب فيما عدا الهابط والمسف، وثانياً لأن الأغنية العدنية هي الأغنية اليمنية التجديدية الحديثة.
«2» جمعني مقيل بفنان مشهور جداً من أبناء صنعاء عمره الفني نحو خمسة وعشرين عاماً اعترف فيه بأنه لايفهم في المقامات الموسيقية وأنه أثناء عزفه على العود لايعرف غير التصبيع بأصبعين فقط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.