الحلقة الثانية اهم ما يتميز به اي عمل فني هو قوة و عمق الفكرة الفلسفية و قدرتها على اثارتنا و منذ يومها الاول كانت ومازالت السينما قادرة ان تثير فينا الرعب و المتعة، افلام الواقع للاخوة لوميير و افلام الفنتازيا لجورج مييس، لم تكن عبطاً كانت تنطلق من فكرة، فماذا يعني فكرة فلسفية و كيف نعبر عنها؟ البعض يذهب إلى ان فكرة فلسفية هي عبارة توجز هدف الفيلم او تعطي فكرة العمل، المسألة ليست مجرد عبارة براقة و لامعة توضع على الورق او يتحدث عنها المخرج في حواراته الصحفية، البعض يقوم بالصياغة الجيدة و خلال التنفيذ لا نجد هذه الفكرة و احياناً لا نجد اي افكار عميقة، السيناريو الجيد يعني فكرة خلاقة و ابداعية و فلسفية اي تلخص رؤية العمل، وجهة نظر معينه تجاه قضية انسانية، عندما نشاهد مثلاً فيلم “الختم السابع” للمخرج انجمار بيرجمان، هذا الفيلم يدور حول فكرة الموت، بفزعه و رعبه. كل لقطة تقودنا و تدفعنا للموت كي نجابهه و نحس بشراسته، فكرة الموت يتطرق اليها بيرجمان في كل افلامه و في كل مرة يقذف بنا الى هذا العالم كون المخرج كان يحس بالموت قريب منه، هو لا يهرب منه بل يحاوره و يجادله كحقيقة و واقع و من خلال فكرة الموت تتعدد افكار مهمه مثل الايمان و الالحاد و الحياة بعد الموت، الجنة و النار و غيرها، لذلك عند دراسة هذه الاعمال تتعدد وجهات النظر و يدور حولها جدل بسبب عمق و قوة و روعة الافكار و المضامين الفلسفية. عندما نشاهد افلام لا تتمتع بعمق فكري فإننا ننسى العمل واحياناً نتأسف كوننا اضعنا وقتنا بدون فائدة او متعة مثال هناك افلام مصرية كثيرة كانت تدور حول فكرة الحصول على المال بأي وسيلة و ان السعادة يمكن ان لا تتحقق بالمال، بعضها و اغلبها سقط في الطرح المباشر كيف تحصل الشخصية على المال لشراء شقة و سيارة و اصبح المتفرج العادي يعرف ما سيحدث في الفيلم بعد ان يشاهد المشاهد الاولى، بسبب التكرار و عدم الوعي باللغة السينمائية كأداة تعبير و ليس مجرد سرد حكائي. يمكننا ان نستغل هذه المساحة لإجراء بعض التدريبات العملية اضافة لبعض الحديث النظري و الجمالي لفن السيناريو و يمكن لمن يحب ان يشارك و ان يكون بيننا تواصل عبر البريد الاليكتروني. التمرين الاول : لنقل ان الفكرة الفلسفية هي ان اهمال او انانية البعض قد تسبب ارباكاً او تدميراً لحياة الغير. الفكرة جيدة و مهمة و ربما يمكننا ان نجد لها جذوراً اسطورية و تاريخية، مثلاً انانية جلجامش و حبه لذاته حول حياة مملكته لجحيم لذلك اجتمعت الاله و خلقت انكيدو ليحدث نوعاً من التوازن و يعيد جلجامش لصوابه او يقضي عليه. سوف نبحث عن معالجة سينمائية لهذه الفكرة و يمكنني ان اطرح عليكم حدثاً اعيشه الان قد نخلق من خلاله معالجات عديدة لهذه الفكرة، باختصار قبل ثلاثه اشهر ارسلت للقنصلية بباريس عدة وثائق مهمة لترجمتها و ارسالها لجامعة الحديدة كون هذه الوثائق تحوي تقرير استاذي المشرف حول بحثي و ادئي الاكاديمي، كان المفروض ان ترسل الوثائق لكن حدث تأخير و بعدها تم ارسالها بالفاكس، في نهاية سبتمبر ارسلت شهادة القيد للعام الدراسي الجديد و فعلاً تم ارسال الشهادة للجامعة، اتصلت بأحد الاصدقاء بادارة الدراسات العليا اخطرني بان اي وثائق لم تصل، قمت بإعادة الارسال رغم انه كلفني بحدود ثلاثين يورو اي بحدود عشرة آلاف ريال يمني، اتصل للتأكد يقول انه لم يستلم شيئاً، ساعيد الاتصال به السبت اي 17 اكتوبر قبل نشر هذه الحلقة كوني اكتبها اليوم الخميس اي 15 اكتوبر. قد تسير الامور بشكل جيد و تصل الاوراق و قد يحدث بعض الارباك و قد يتسبب مثل هذا الموضوع في مشكلة ، لكني اثق بالاخوة في مكتب الدراسات العليا و اتمنى ان لا يحدث اي ارباك كوني في مرحلة حرجة و الضعوط النفسية كثيرة بسبب الوضع المادي و الاقتصادي و الدراسة و البُعد عن الاهل و غيرها من الامور. حسناً كيف يمكننا صياغة معالجات لهذه الفكرة بربطها لهذا الحدث؟ سأعطيكم بعض العناصر لعلها تساعدكم في ايجاد المعالجة: حميد عقبي في كابينة التلفون بباريس لمحادثة ذي يزن بالحديدة، حميد يعود مضطرباً لمسكنه، في اليوم التالي يرسل الوثائق بالفاكس تظهر علية علامات القلق، يهاتف الاخ هشام تلفونه لا يرد يتصل بذي يزن يرد و يخطره ان الاوراق لم تصل، يعيد حميد ارسالها بالفاكس و يدفع ثمناً كبيراً، يحاول الاتصال.. التلفونات لا ترد، يرسل بالوثائق عبر البريد العادي ثم الدولي و لا تصل، يضطر لشراء تذكرة سفر لليمن لإيصال الاوراق في الوقت المناسب، يصل لليمن بعد سفر شاق و مرهق، في اليوم الثاني يأتي للجامعة مع الاوراق. يمكننا ان نخلق احداثاً اكثر قوة و يمكننا اختيار نهاية سعيدة بوصول الشخصية و تحقيق هدفها، يمكننا جعل النهاية مفتوحة، يمكننا جعل النهاية مأساوية مثلاً موت الشخصية و تبعثر الاوراق، يمكننا خلق احداث و مفارقات خلال هذه الرحلة الطويلة من النورماندي لباريس، من باريس للمطار، سبع ساعات بالجو اذا كانت الرحلة مباشرة و قد تصل لأكثر من خمس عشرة او عشرين ساعة اذا كانت عبر الدوحة او دبي. سأدع لكم تصور هذه المعالجات و يمكن ان استقبلها عبر بريدي الاليكتروني و يمكننا نشر افضل معالجة شرط الا تزيد عن صفحة واحدة. يمكننا ان نكشف عبر هذه المعالجة عدة افكار اجتماعية و يمكن للبعض الاشتغال على الجانب النفسي للشخصية خلال هذه الصراعات و الرحلة الطويلة، يمكن للبعض فعل بداية اخرى، اضع لكم حرية تخيل الاحداث المهم الا تفلت الفكرة و تضيع منا. يمكن للبعض الاشتغال على الادوات البسيطة مثلاً الاوراق بحيث تصبح لها دلالات تعبيرية او جهاز الفاكس و الادوات التي تستخدمها الشخصية مثل القطار و غيرها، كذلك الاماكن لكل مكان تأثيره على الحالة النفسية للشخصية، لكل مكان ايحاءاته و مناخه الروحي والاجتماعي. مسألة المعالجة السينمائية للفكرة تستدعي احساسنا بالسينما كلغة تعبير و ليست لغة نقل و تصوير الواقع، النسخ و التقليد الزائف لا يمنح القوة و الحياة للفكرة، انا لا اتفق شخصياً مع الرأي الذي يقول معالجة ادبية او درامية للفكرة، السينما ليست فناً ادبياً او درامياً، التفكير و العمل من اللحظة الاولى باسلوب ادبي او درامي يعني انك لا تكتب سيناريو سينمائياً. منذ اللحظة الاولى تصور انك تكتب و تشاهد صور شخصياتك و تسمع اصواتهم، تخيل انك تراهم و تسمعهم و انت جالس بقاعة سينمائية و ليس مضطجعاً على كنبة امام شاشة التلفاز. علينا ان نطلق من فهم عصري و فني للسينما و قدرتها، الفائقة بما تمتلكه من لغة تعبيرية خاصة في رؤية الاشياء و القضايا، فالمتفرج بالقاعة يكون جاهزاً للغوص في هذا العالم و التفاعل معه رغم معرفته ان ما يشاهده هو نوع فني و ليس الواقع، لكن الواقع يظل منبعاً خصباً للفنون، جون كوكتو على سبيل المثال يرى ان السينما واقع اللاواقع و توثيق للاوعي بطريقة صورية، هي نوع من الجنون و الهوس الممتع و المفزع، في اخر فيلم شاهدته هو فيلم « نهر لندن» للمخرج رشيد بوشارب، الذي يتحدث عن احداث لندن في عام2005،تجاوز المخرج ليس لإعادة و البحث عن اسباب هذا العمل الارهابي، بل غاص بنا في عالم روحي و نفسي للشخصيات، و عرض افكاراً عديدة بشكل غير مباشر عن انانية و سوء فهم الانسان لمعنى المحبة و التسامح. ما نشاهده اليوم من افلام عربية ساذجة ليست مثالاً نموذجياً للسينما العربية التي تمر بأزمة يمكننا ان نقول: ازمة فكرية و فنية قبل ان تكون مادية و انتاجية، مشاهدة افلام جيدة و تذوقها يمكنها ان تساهم في صقل الموهبة و هي ضرورية للمحترف، مشاهدة افلام في قاعة مظلمة و على الشاشة الساحرة و ليس على جهاز الحاسوب او التلفاز. نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة و سنتابع في الحلقات القادمة النقاش حول فن السيناريو و نرحب بأي وجهة نظر او اي استفسار و نتمنى تفاعلكم مع هذه الزاوية للتحول الى ورشة عملية نتبادل فيها الافكار كوني لا احبذ اللقاء.. الدروس بشكل تلقيني و نظري، السينما فكر و تأمل، متعة التذوق و الاحساس و الفهم تأتي عبر بوابة الخيال. [email protected]