الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    نهضة بركان إلى نهائي الكونفيدرالية بعد انسحاب اتحاد العاصمة    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    السعودية تعيد مراجعة مشاريعها الاقتصادية "بعيدا عن الغرور"    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    الشيخ هاني بن بريك يعدد عشرة أخطاء قاتلة لتنظيم إخوان المسلمين    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تريم الغنّاء عروسة الثقافة الاسلامية 2010م
نشر في الجمهورية يوم 07 - 03 - 2010

تتوّج مدينة تريم (الغنّاء) بمحافظة حضرموت، اليوم، عاصمة الثقافة الإسلامية 2010، بعد أن اختارتها المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو) تنفيذاً لقرارات المؤتمر الإسلامي الرابع لوزراء الثقافة، الذي انعقد في العاصمة الجزائرية في ديسمبر 2004. وتعتبر بلادنا منذ العام 1983 أحد الأعضاء الخمسين من الدول الإسلامية المنضوية في تلك المنظمة الدولية الإسلامية.
وجاء اختيار "إيسيسكو" لهذه المدينة التاريخية لتكون حاضرة الثقافة الإسلامية لهذا العام انطلاقاً من دور أبنائها الذي يسبر أغوار الزمن في نشر الإسلام في أصقاع شتّى من العالم بالموعظة الحسنة، وبالتي هي أحسن وقدموا للعالم الصورة الناصعة والرائعة لهذا الدين الحنيف دين المحبّة والسلام والوسطية والاعتدال، وكانت رحلاتهم وهجراتهم الدائمة في أزمنة خلت وتحديداً منذ بدئها في نهاية القرن الخامس وبداية القرن السادس الهجري سبيلاً لنشر الدعوة في تلك الأصقاع، وبخاصة إلى دول جنوب شرقي آسيا الهند واندونيسيا وسنغافورة لتمتد إلى الصين والفلبين وإلى أفريقيا. وبالرغم من مصاعب السفر والحِل والترحال وتحمّل مرارات وعذابات الاغتراب عن الوطن والأهل، إلاّ أن هدفهم السامي كان قد أنساهم كل ذلك، وبتوفيق من المولى سبحانه وتعالى وبإرادة لا تلين استطاعوا الوصول إلى قلوب كثير من الناس في تلك البلاد البعيدة وإقناعهم باعتناق الإسلام، فذابت فيما بينهم كل الفوارق بما فيها اختلاف اللغات والثقافات وتوحدت قلوبهم ورؤاهم وأفكارهم في ظِلالِ الحق والدين الحنيف (الإسلام). ومن هؤلاء الدُّعاة الأجلاء من فضّل حياة المهجر واستطاع أن يؤسس له فيها حياة جديدة ومواصلة نشر الدعوة، فأنشؤوا مدارس لتعليم علوم الدِّين والقرآن والفقه واللغة إلى جانب اشتغالهم بأعمال التّجارة التي أمّنت لهم العيش الكريم والاستقرار، فيما عاد البعض الآخر منهم للعيش في أحضان الوطن، وفي مسقط رأسهم (تريم)، حاملين معهم بشائر الخير سائرين على دروب العلم، مشتغلين في صروح العلم التي احتضنتها هذه الواحة الغنّاء واحة العلم والعلماء، فدرس على أيديهم أعلام ودُعاة ساحوا وجالوا في البقاع الواسعة من البسيطة؛ سعياً نحو أداء الأمانة والرسالة التي حملوها عن أجدادهم ومعلميهم، فكان أن حالفهم النجاح وأسلم في مجالسهم الكثير والكثير ممن كانوا لا يعرفون عن الإسلام شيئا، فذاع صيتهم ولمع نجمهم في الفضاءات البعيدة؛ بسبب منهجهم الواعي، متّخذين من الوسطية والاعتدال سبيلاً لنشر الإسلام، بعيدين عن أي شكل من أشكال التطرف والغلو والعنف التي نبذها وينبذها ديننا الحنيف.
كما أن اختيار مدينة تريم عاصمة الثقافة الإسلامية يأتي من منطلق ما تمثّله هذه المدينة العريقة من مرجعية دينية وعلمية قديمة وهامة وذات جذور عميقة تمتد إلى عصور تاريخية مختلفة تسافر بنا من حاضر الزمان إلى عهود الإسلام الأولى، وكونها أيضا المدينة اليمنية التي تحتضن مناراتٍ وأربطة وزوايا علمية غارقة في القدم، كان لها دور ريادي ديني كبير وواسع تخرّج منها كثرٌ من العلماء والأعلام من مختلف مناطق بلادنا ودول عربية وإسلامية مختلفة مما جعلها مركزا يشع منه نور العلم والمعرفة.
** روحانيةُ مكان
تعتبر تريم المدينة العاصمة الدينية لوادي حضرموت، وكانت قبل ذلك عاصمة ومقراً لملوك كندة ثم عاصمة لوادي حضرموت قبل مدينة سيئون، وتقع على خط عرض 16 درجة ودقيقتين و57 ثانية شمال خط الاستواء، وعلى خط طول 48 درجة و58 دقيقة و32 ثانية شرق خط جرينتش، فيما تبعد عن مدينة سيئون عاصمة الوادي بنحو30 كلم باتجاه الشرق. اعتنق أهلها الإسلام في السنة العاشرة للهجرة حينما عاد وفد حضرموت من المدينة المنوّرة بعد مقابلته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأرسل الرسول الأكرم -صلى الله عليه وسلم- زياد بن لبيد البياضي الأنصاري عاملاً على حضرموت، وعندما جاءه كتاب الخليفة الأول أبي بكر الصديق (رضي الله) عنه) قرأه على أهل تريم فبايعوا أبا بكر الصديق وارتد نفرٌ من كندة فقاتلتهم جيوش المسلمين، وكان لمن ثبتوا على إسلامهم من أهل تريم دور لا يستهان به في قتال أولئك المرتدين في المعركة الفاصلة بينهم بحصن "النُجير"، 30 كلم شرقي تريم. ومن نتائج تلك المعركة أن جرح فيها عدد من الصحابة، فاستشهدت جماعة منهم بتريم، بعد أن قدموا إليها للتداوي، ووروا الثرى بمقبرة "زنبل" الشهيرة، وسط المدينة، ومازالت قُبورهم شاهدة على ذلك. ويقال إن عددهم 70 صحابياً.
وعلى مرّ السنين اشتهرت الغنّاء تريم بكثرة علمائها وزواياها العامرة بالعلم، حيث ارتادها ويرتادها طلاب علم من مختلف مناطق الوطن اليمني والدول المجاورة ودول الشرق الأقصى وشرق أفريقيا لطلب العلم والاغتراف من علومها في مجالات: تحفيظ القرآن الكريم والحديث والفقه واللغة وغيرها، وتعتبر "معلامة أبي مريِم لتحفيظ القرآن الكريم" من أوائل وأعرق مدارس تحفيظ القرآن في المنطقة، إن لم تكن الأولى على وجه التحديد، وقد عاودت المعلامة العريقة نشاطها بعد قيام الوحدة المباركة ليتوسّع في عدد من مساجد المدينة المعروفة بعد توقف دام طويلاً بفعل الظروف السياسية أثناء عهود التشطير ناهيك عن "رباط تريم العلمي الإسلامي" الشهير الذي بدأ نشاطه في 14 محرم 1305ه، ومازال حتى اليوم مناراً علمياً ساطعاً في سماء تريم فضلاً عن "دار المصفى للدراسات الإسلامية" الصرح العلمي البارز.
واشتهرت تريم بمدينة المآذن، وعُرفت بمدينة ال365 مئذنة جميعها مبنيّة بمادة الطين وفق طراز معماري إسلامي بديع تنتشر في كل أرجائها أبرزها "مئذنة مسجد عمر المحضار"، وارتفاعها نحو 170 قدما، نحو 57 متراً، ومازالت منذ تشييدها في أوائل القرن الرابع عشر الهجري تعانق عنان السماء كنموذج حيّ على المستوى الراقي البديع الذي وصل إليه فن وهندسة العمارة الطينية في تريم خاصة، وفي اليمن بشكل عام، وأصبحت المدينة الزاهية بمآذنها ومعالمها وعلمائها مكانا يفوح منه عبق وأريج روحاني تنشرح له الصدور، وكما ذكر المؤرخون أيضا أن تريم كانت تحتضن 300 مفتٍ، من علمائها الأجلاّء مما جعلها تتبوأ هذه المكانة الإسلامية التاريخية فضلاً عن كونها اشتهرت بمدينة العلم والعلماء. فيما يحتضن جامع تريم في جهتيه الشمالية والشرقية "مكتبة الأحقاف للمخطوطات" كثاني مكتبة للمخطوطات بعد مكتبة "صنعاء"، أسست في أوائل سبعينيات القرن الماضي، وتضم المكتبة تحت سقفها أكثر من 5 آلاف مخطوط من المخطوطات النفيسة والقديمة في علوم الدِّين وشتى العلوم الإنسانية.
** حضارةُ طينٍ
كان الطين مادة من مواد البناء الأساسية منذ فجر التاريخ؛ كونه أولاً من المواد الوفيرة على الأرض، وثانياً لسهولة الحصول عليه وتشكيله واستخدامه؛ لذلك صُنع منه الطوب بأنواعه المختلفة، ومنها ما يُعرف في حضرموت بالمدر أو اللِّبن، وهو الطوب غير المحروق المستخدم في البناء، بالإضافة إلى أن الطين الخام يدخل أيضاً في صناعة الفخّار وغيرها، لذلك فإن علاقة أبناء الغنّاء تريم بالطين علاقة وطيدة تؤكد ارتباطهم بالأرض، فقد صنعوا منها حضارة عميقة الجذور ذات تقنيات هندسية دقيقة وثقافية أيضا وبخاصة لارتباطها بفنون العمارة والبناء.
وتجدر بنا الإشارة هنا ذكر أبرز خصائص ومميزات العمارة الطينية، بحسب دراسات بعض الاختصاصيين في البناء والتشييد، وبحسب ما أثبته الواقع، ومن تلك المميزات ما يلي:
• تعدد الأشكال ونعومة وسهولة التشكيل.
• تعطي الطين إمكانية كبيرة للزخرفة والانسجام وسط الفراغات.
• مقاومة الأحوال والظروف المناخية والتنظيم الحراري، فتجد البناء الطيني دافئا في فصل الشتاء وباردا في فصل الصيف.
• إمكانية ارتفاع المباني الطينية، وللدلالة على ذلك برج بابل المبني من الطين في القرن السابع قبل الميلاد وبارتفاع يصل إلى تسعين متراً، ومدينة شبام الشامخة بمبانيها العالية "مانهاتن الصحراء" وفي العصر الحديث منارة مسجد المحضار بتريم -السابق ذكرها- ويصل ارتفاعها إلى حوالي 56 متراً وغيرها من الشواهد. وقد أضاف أجدادنا إلى الطين مواد التّبن والقش والأثل، وبذلك كانت لهم ريادة التوصل إلى فكرة مدهشة لتحسين مادة الطين بتلك المواد والإضافات التي تزيده قُوة ومتانة وتمسكاً وتطيل من عُمر البناء حتى أصبح البيت الطيني أطول عُمراً من الآخر المبني من الإسمنت بفارق سنوات كبيرة.
ولهذا السبب كانت مباني الأجداد شاهداً حيّا على التفوّق والإبداع الهندسي المتميّز، لذلك فالدعوة لكل الجهات الرسمية والمتخصصين في فن العمارة الطينية، وطنيا ودوليا، إلى الحفاظ على حضارة الطين بفنونها البديعة وتوثيقها وتشجيع أبناء الوادي على التوسّع في البناء الطيني والتخلّي عن ثقافة الإسمنت التي أصبحت تغزو كثيراً من الأحياء في وادي حضرموت عامة، وفي تريم بشكل خاص، في صورة هدفها تشويه الصورة الحضارية والجمالية للمعمار الطيني الذي ذاع صيته عالميا.
ويحق لزائر تريم أن يصفها بمتحف رائع للقصور الطينية البديعة التي شيّدها البناءون المحليون من تريم مستفيدين من الطراز المعماري السائد في جنوب شرقي آسيا، حيث كانت وجهة من وجهات هجراتهم، كما سلف ذكره آنفا. وتتميز تلك القصور بكثرة أقواسها والنقوش التي تبرز على جدرانها الداخلية وأسقفها ومن الطين أيضاً بعد أن استطاع المبدعون من البنائين التريميين من تطويعها ليرسموا منها لوحات ساحرة. كما أن أبواب ونوافذ تلك القصور لم تخلوا أيضا من الإبداع، فامتلأت هي الأخرى نقوشاً وزخرفة حفرت عليها حتى أصبحت غاية في الفخامة والجمال، فضلاً عن الحدائق والبساتين الخضراء التي اشتهرت بها تريم آنذاك، فجعلت منها واحة غنّاء جميلة وموطناً رئيساً من مواطن حضارة الطين البالغة في الروعة والجمال.
ومن تلك القصور عِشَّة والمنيصورة ودار السلام وحمطوط وقصر القبة وسلمانة وغيرها ناهيك عن قصر الرناد، الذي سبق ذكره، فضلاً عن مآذن مساجدها المعتمدة في بنائها على مادة الطين، وتتخذ الطويلة منها شكلاً دائريا مخروطياً ذات طابع معماري متميّز، فتجدها تتسع عند القاعدة ثم تضيق تدريجيا حتى قمتها مما يجعلها مؤهلة لأن تكون مادة خصبة عند دراسة مميّزات عمارة المساجد في تريم من قبل الباحثين.
ومن المنارات أو المآذن القديمة التي مازالت تشمخ في سماء تريم مئذنة مسجد باعلوي وسط تريم وبالحي القديم (حافة السوق)، ومئذنة مسجد الزُهرة بحي النويدرة شمالاً، ومئذنة مسجد النور بحي عيديد في الغرب وغيرها. ومن البنائين المعروفين على مستوى حضرموت من أسرة آل بن عفيف بتريم، وفي المقدِّمة منهم معلم البناء المخضرم "سليمان عمر بن عفيف" - رحمه الله، الذي استعان بهم العلامة والأديب "أبو بكر بن عبد الرحمن بن شهاب" أحد أعلام وشعراء تريم الذي عاش ردحا من الزمن في المهجر متنقلاً بين الهند ودول إسلامية أخرى، وتُوفي سنة 1936، استعان بهم مع بداية القرن التاسع عشر الميلادي لإعادة بناء مسجد المحضار، وقد أراد لمنارته أن تكون مربّعة وهرميّة الشكل مستوحى من المآذن التي تسود تلك البقاع التي كان يهاجر إليها ويتنقل فيها كالهند وغيرها، وللمرة الأولى في تاريخ العمارة الطينية في حضرموت تم تشييد منارة مسجد المحضار كمنارة مربعة القاعدة هرمية الشكل، وبهذا الارتفاع الشاهق على يد المعلم سليمان المبدع في فن البناء الطيني، الذي استطاع بخبرته الطويلة وإبداعه أن يبتكر حلولاً وأفكاراً للكثير من المصاعب الفنية التي واجهته أثناء عمليات البناء، وقد أثمرت أفكاره وحلوله الكثيرة عن أول وأطول منارة طينية رائعة مربعة وهرمية الشكل في وادي حضرموت، بل وعلى المستوى العالمي. ومن تلك الأفكار استعانته بأخشاب خاصة تم وضعها بصورة أفقية في مقاطع المنارة في حالة تشبه الجسور المسلّحة في البناء الإسمنتي الحديث، ولأن تلك المنارة كانت من المنارات الغريبة على المنطقة في تلك الحقبة الزمنية، فقد تحدّث عنها الرحالة الهولندي فاندر ميولن أثناء زيارته لمدينة تريم عام 1931: "من المؤسف أن هذه المئذنة مبنية على النسق الحديث، المآذن الحضرمية الأصيلة هنا مستديرة وتضيق قليلاً عند القمة، وفي قمتها أعمدة صغيرة تقف عليها القبة ويبرز اللون الأصفر الشاحب واضحاً عكس السماء الداكنة في زرقتها وفوق أشجار النخيل بألوانها الخضراء الرمادية، ولكن هذه المئذنة مربّعة وملونة بالأزرق والأبيض، وفيها العديد من النوافذ الصغيرة وتزينها حواشٍ رمادية، وهي تضيق أيضاً عند القمة، حيث هناك سلالم لولبية من الطين لا تناسب إلاّ الأشخاص النحاف".
** تريم ومعالمها الاثرية -- متابعات:
سميت تريم بهذا الاسم -حسب ما جاء في كتاب "معجم البلدان" لياقوت الحموي- أن تريم إحدى مدينتي حضرموت؛ لأن حضرموت اسم للناحية بجملتها، ومدينتاها شبام وتريم هما قبيلتان سميت المدينتان باسميهما. وقال مرتضى الزبيدي في كتابه "تاج العروس": "تريم سميت باسم بانيها: تريم بن حضرموت". ويؤكد المؤرخون العرب أن مدينة تريم كان اختطاطها في القرن الرابع قبل الميلاد، وجاء في "معالم تاريخ الجزيرة العربية" للأستاذ سعيد عوض باوزير، أن تريم كان تأسيسها في عهد الحكم السبئي لحضرموت، وأنها سميت باسم أحد أولاد سبأ الأصغر أو باسم القبيلة التي من تريم هذا. وهناك رأي آخر يقول إن تريم اختطت في زمن أسعد الكامل من التبابعة الحميريين، وهو إنما كان في القرن الرابع الميلادي ويقرب من هذا الاتجاه ما جاء في كتاب "شرح الصدور" للسيد علي بن عبد الرحمن المشهور من أن حصن الَّرناد بني قبل البعثة النبوية بأربعمائة عام.
وكانت مدينة تريم مقر الحكم منذ أن سميت باسم ابن ملك حضرموت (تريم). وكانت مقراً لزياد بن لبيد الأنصاري، الذي عينه الرسول محمد، والياً على مخلاف حضرموت، وهي اليوم مقر للحكم المحلي بالمديرية.
ومدينة تريم القديمة كانت تتكون من حارتين هما: الخليف، والأزرة، متصلتين بحصن الرناد والسوق النجدية الواقعة حول الحصن. وكانت تلك المدينة محاطة بسور منيع تم هدمه وبناؤه عام 913ه وقد زود بثلاث بوابات: بوابة سدة يادين في الجنوب، والثانية في الجنوب، والثالثة من جهة الشمال.
كما تعتبر مدينة تريم القديمة أثراً تاريخيا، وكذا الحصون والقلاع المرتبطة بسور المدينة أو خارجها, حيث تشتهر مدينة تريم بقصورها الطينية الرائعة ذات الزخارف والنقوش, كما تشتهر بكثرة مساجدها وكان عددها يقارب ال360 مسجداً, وقد شيدت جميع المساجد وخصوصاً القديمة منها على نمط مسجد الرسول والمتكون من بيت الصلاة الذي ينقسم إلى قسمين مغلق ومفتوح وصحن وحمامات. وقد تم إحصاء المساجد المندثرة في تريم ب14 مسجداً تقريبا.
** موقع تريم
تقع تريم في الجزء الشرقي لمحافظة حضرموت وهي أقرب إلى منطقة وسط وادي حضرموت، حيث يحدها من الشمال مديرية قف العوامر ومن الجنوب مديريتا ساه وغيل بن يمين ومن الغرب مديرية سيئون ومن الشرق مديرية السوم، وبمساحة إجمالية تقدر ب2894 كم2.
وتتميز بسطح سهلي منبسط تحيط به سلاسل جبلية من الجهتين الشمالية والجنوبية. ويقع على سطح المديرية عدد من الأودية التي تنحدر من الهضبتين أهمها وادي عدم، الذي ينحدر من الهضبة الجنوبية، ووادي ثبي ووادي الخون، اللذان ينحدران من الهضبة الشمالية. وتصب كل هذه الأودية في المجرى العام في سهل المديرية المسمى بوادي حضرموت حيث التجمعات السكانية والأراضي الزراعية والمعالم الأثرية والدينية.
وتقع تريم إلى شرق سيئون وتبعد عنها بمسافة 34كم وتقع على خط عرض 16 ودقيقتين و57 ثانية شمال خط الاستواء وعلى خط طول 48 و58 دقيقة و32 ثانية شرق خط جرينتش.
** سكانها
بلغ عدد السكان في عام 2003 م 105.552 نسمة وبكثافة سكانية تقدر بنحو 36 نسمة/ كم2. ويتجمع أغلب السكان، 67 في المائة في عاصمة المديرية مدينة تريم.
** معلامات تريم:
- زاوية مسجد باعلوي.
- معلامة باغريب بالسحيل.
- زاوية مسجد نفيع بالخليف.
- معلامة باحرمي بالخليف.
- زاوية مسجد سوية بالخليف.
- زاوية مسجد سرجيس تسمى زاوية الشيخ سعد السويني.
- زاوية مسجد جمال الليل بالرضيمة.
- غرفة الحبيب عبد الرحمن بن محمد المشهور.
- زاوية مسجد الشيخ علي.
- زاوية مسجد فضل بامقاصير.
- مدرسة الحبيب عبد الله بن شيخ العيدروس بالسحيل.
- زاوية مسجد بايعقوب بالمجف.
- قبة أبي مُرَيِّم لتحفيظ القران بالسوق.
- كلية الشريعة جامعة الأحقاف.
- زاوية مسجد الأوابين بالنويدرة.
- مدرسة دار الفقيه الإسلامية للبنات غرب مسجد باعلوي.
- دار المصطفى للدراسات الإسلامية بتريم.
** مساجدها:
باعلوي، السقاف، المحضار، مشيخ بن عبد الله، الشيخ علي (الشرقي)، الجامع، وجدة، الشيخ حسين، السقاف الزهرة، النور بالغويظة، بالفقيه، جمال الليل، باشميلة، سرجيس، الكاف، احمد بالفقيه، عبد الله بن شيخ، بايعقوب، حسين، بامقاصير، عزيزة، باجرش، باحميد، بابطينة، الرباط (بافضل)، باجذيع، بروم، باخطفان، عاشق الهجرين، زين بن عبيد، الحبشي، مدحج، بامروان، درويش، الصفا، علوي السمين، مسعود، باحبليل، الزاهر، الزهرة، بافقيه، الحداد، دحمان، سرور، باهارون، الشيخ عيديد، الماس، بازغيفان، ابن سد، خميس، بامصباح، مدين، سلطان، بافضل الدويلة، الشيخ فضل، الوعل، نفيع، سوية، زخيمة، جمال، قسيمي، خرد، بارشيد، باحرمي، ابن عتيق، النور، الجوهري، صبيع، مولى الحصاة، شكرة، حسن، بالفقيه، مشرق، آل شهاب، إبراهيم، بريح، صاحب الراكة، المصلى، باجابر، روغة، حسن، علي الخطيب، الخير،عبد الله العيدروس، الأوابين، مولى عيديد، الخطيب، أبو بكر السقاف، الحداد بالمحيضرة، السقاف بعيديد، الجبانة، السكران.
** قصور تريم
عشة، المنيصورة، قصر عبد الرحمن بن شيخ الكاف، دار السلام، حمطوط، القبة، سلمانة، والرناد...
** البوابات القديمة لمدينة تريم:
سدة يادين (البوابة الجنوبية)، سدة دمون (البوابة الشمالية)، سدة عيديد (البوابة الغربية)، سدة الحاوي (البوابة الشرقية)، سور تريم.
** عواصم الثقافة الإسلامية
2005 مكة المكرمة. (السعودية )
2006 حلب، أصفهان، تمبكتو.( سورية)
2007 فاس، طشقند، داكار.
2008 الإسكندرية، لاهور، جيبوتي.
2009 القيروان، كوالالمبور، نجامينا.
2010 تريم، دوشنبه، موروني.
2011 نواكشوط، جاكرتا، كوناكري.
2012 بغداد، داكا، نيامي.
2013 طرابلس، باكو، كانو.
2014 تلمسان، بيشكيك، وأقادوغو.
سبأنت: إبراهيم علوي الجنيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.