شهدت القاهرة أمس الأربعاء احتفالاً رسمياً بتوقيع اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس بحضور إقليمي ودولي واسع، في الوقت الذي مازالت فيه مواقف بعض الدول الكبرى غامضة تجاه هذا الاتفاق. وبدأت مراسم الاحتفال بكلمة للواء ممدوح موافي، وهو مدير المخابرات المصرية التي رعت الاتفاق، قال فيها إن الانقسام “كان أمراً استثنائياً على طبيعة الشعب الفلسطيني”. وتنص النقاط الرئيسية للاتفاق على تشكيل حكومة فلسطينية من شخصيات مستقلة تتولى الإعداد للانتخابات والتعامل مع القضايا الداخلية الناجمة عن الانقسام الفلسطيني، على أن يتلو ذلك إعادة إعمار قطاع غزة ورفع الحصار المفروض عليه, وتوحيد مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربيةوغزة. واعتبر موافي أن المرحلة القادمة هي الأصعب باعتبارها مرحلة “استعادة الوحدة” مضيفاً أن مصر ستكون “حاضرة في كافة المراحل القادمة وستكون معهم في متابعة وتنفيذ كل ما اتفق عليه”. واعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس - في كلمته - توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة “طياً لصفحة الانقسام السوداء” مشدداً على ضرورة العمل سريعاً على استعادة وحدة الشعب والمؤسسات. ودعا عباس في الكلمة التي ألقيت خلال احتفال بمقر المخابرات المصرية بالقاهرة، اسرائيل، إلى الاختيار بين السلام والاستيطان. وقال أيضاً إن اسرائيل كانت تتذرع بالخلافات الفلسطينية كي تتهرب من السلام، وشدد على أن العودة إلى المفاوضات معها مشروطة بالالتزام بالاتفاقات السابقة ووقف الاستيطان. يُشار إلى أن بين أبرز الحاضرين كان نائب رئيس الحكومة المصري يحيى الجمل وأمين عام الجامعة العربية عمرو موسى ووزيري خارجية تركيا أحمد داود أوغلو ومصر نبيل العربي ووزير الدولة القطري للشؤون الخارجية أحمد بن عبدالله آل محمود. وفي مستهل كلمته، قال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل: “نحمد الله الذي أكرمنا بالوصول إلى هذه اللحظة, المصالحة الوطنية”. وشدد على أن صفحة الانقسام السوداء “باتت تحت أقدامنا وخلف ظهرنا” مؤكداً الاستعداد لدفع أي ثمن من أجل المصالحة “والتفرغ للمعركة مع اسرائيل”. وقال كذلك إن “حماس” تريد دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، مؤكداً تأييد الحركة العمل على كل الجبهات بما فيها السياسية. وفي أول ردود الأفعال إزاء هذه الاتفاقية قال رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو أمس ان اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس هو “ضربة قاسية للسلام”. وصرّح نتانياهو للصحافيين في لندن, حيث من المقرر ان يجري محادثات مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون: “ما حدث في القاهرة هو ضربة قاسية للسلام ونصر عظيم للإرهاب”. إلى ذلك أكدت السفارة الأميركية في القاهرة ان المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين تعتبر الطريق الوحيد لكافة الأطراف لتحقيق طموحاتهم, وهو الأمن لاسرائيل ودولة مستقلة قابلة للحياة ذات سيادة بالنسبة للفلسطينيين. وذكرت السفارة الأميركية في بيان أمس أن الإدارة الأميركية ستستمر في العمل مع الحكومة الفلسطينية الحالية, وأنه سيتم تقييم الوضع في حال تشكيل حكومة جديدة على أساس تكوينها وسياستها. وقالت السفارة تعقيباً على توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية في القاهرة أمس ان عدم التوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي يضر بالفلسطينيين والمصالح الأمريكية والمجتمع الدولي, مضيفة ان الولاياتالمتحدة ستستمر في الضغط على كافة الأطراف لحل القضايا الجوهرية في إطار اتفاق للسلام. وأكدت دعم الولاياتالمتحدة للجهود المبذولة لتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني في غزة “ولكن من المهم ضمان عدم نقل الأسلحة أو أي مواد أخرى أو مساعدات مالية للإرهاب” مشيرة إلى مواصلة العمل مع مصر والحلفاء في المنطقة لتحقيق ذلك. وأشارت السفارة الأميركية إلى دعوة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون لكل من رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لبحث المصالحة الفلسطينية والتطورات الأخيرة. وأعربت عن رضاها بما عبّرت عنه الحكومة المصرية من التزامها بالتمسك بالاتفاقيات السابقة بما في ذلك معاهدة السلام مع اسرائيل, مؤكدة استمرار التعاون بشكل إيجابي مع الحكومة المصرية في العديد من القضايا الثنائية والإقليمية. وأضافت ان “الولاياتالمتحدة ملتزمة بقوة بدعم المرحلة الانتقالية في مصر, وهي المرحلة التي لن تعمل على تحسين الأحوال المعيشية للشعب المصري فحسب بل سيكون لها تأثير على المناخ السياسي لمنطقة الشرق الأوسط”. ورحّب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، باتفاق المصالحة الفلسطينية شريطة أن ‘لا يؤدي هذا الاتفاق إلى تقويض عملية السلام مع اسرائيل'. وقال الناطق باسم الأممالمتحدة مارتن نيسيركي في بيان صحفي: ‘الأمين العام يرحب بالجهود التي بذلت في سبيل تعزيز المصالحة الفلسطينية وبالمساهمة المصرية المهمة في هذا الشأن، مضيفاً ‘أنه يأمل أن تجري المصالحة الآن بطريقة تعزز هدف السلام والأمن واللاعنف'. في هذه الأثناء رحب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ “من حيث المبدأ” باتفاق المصالحة الفلسطيني.. وقال الوزير هيغ بعد اجتماع مع نظيره المصري نبيل العربي في القاهرة: “إننا نحيي مبدأ المصالحة والجهد الذي قامت به مصر”.. لكنه أضاف: “لايزال هناك عمل يتعين القيام به وسنحكم على كل طرف حسب أفعاله”. ودعا الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر المجتمع الدولي إلى دعم المصالحة الفلسطينية وحكومة الوحدة الوطنية المرتقبة، محذراً من أن النأي عنها يعني جولة جديدة من العنف في الأراضي الفلسطينية ضد اسرائيل. جاء ذلك في مقال له نشرته صحيفة “واشنطن بوست” يثني فيه على توقيع المصالحة بين حركتي التحرير الوطني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس) في القاهرة، ويصف اللحظة ب«أنها حاسمة». ويقول كارتر: إذا ما دعم المجتمع الدولي وأميركا هذه الجهود، فإنهم يساعدون الديمقراطية الفلسطينية ويهيئون قاعدة لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة قادرة على صنع السلام مع اسرائيل. ويضيف: إن الاتفاق بين فتح وحماس يجب أن يُنظر إليه على أنه جزء من “الصحوة العربية” والرغبة في رأب الصدع، مشيراً إلى أن الطرفين يفهمان أن هدفهما الرامي لإقامة دولة مستقلة لا يمكن أن يتحقق في ظل الانقسام. وفيما يتعلق بالموقف العربي والإسلامي فقد وصف الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين أوغلي توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية في العاصمة المصرية بالإنجاز التاريخي. وقال أوغلي في بيان صحفي أمس ان هذا الاتفاق من شأنه أن يعيد للقضية الفلسطينية زخمها وحضورها على الساحة الدولية بعد التراجع الذي شابها جراء انقسام الصف الفلسطيني. وأشاد برعاية مصر لاتفاق المصالحة وما بذلته في سبيل تذليل العقبات أمام الاتفاق, مثمناً في الوقت نفسه الجهود السعودية إضافة إلى الجهود التي قامت بها أكثر من دولة عضو في المنظمة.. وشدد أوغلي على أن المنظمة ستواصل دعمها للفلسطينيين في المحافل الدولية, مؤكداً ان الشهور القليلة المقبلة تستلزم عملاً فلسطينياً دؤوباً وجاداً لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي. وفى سياق متصل رحب البرلمان العربي باتفاق المصالحة والوفاق الوطني الفلسطيني الذي وقّع في القاهرة أمس بين حركتي فتح وحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى تحت رعاية مصرية. وأوضح رئيس البرلمان العربي علي سالم الدقباسى في تصريح له أن التوصل إلى هذا الاتفاق الذي أسهمت فيه جهود كل من المملكة العربية السعودية ودولة قطر وسوريا ومصر والبرلمان العربي يعد انتصاراً حقيقياً للشعب الفلسطيني ويطوي صفحة مؤلمة من الانقسام الفلسطيني وخطوة على الطريق نحو إعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية والتوجه نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وجاء رد فعل الحكومة الألمانية على المصالحة التي تمت في القاهرة بين حركتي فتح وحماس بالكثير من الريبة والتحفظ. وقال وزير الخارجية الألمانية جيدو فيسترفيله في برلين إن الحكومة الألمانية لا يمكن أن تتقبل منظمة تشكك في حق اسرائيل في البقاء, في إشارة إلى حركة حماس. وأضاف فيسترفيله عقب لقاء مع نظيره العراقي هوشيار زيباري: “هذا خط أحمر بالنسبة لنا”. وأكد الوزير الألماني ضرورة التخلّي عن العنف والاعتراف بالاتفاقيات الموقّعة بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وكان رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض قد رحّب في وقت سابق بتوقيع اتفاقية المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة، معرباً عن أمله في الشروع فوراً في تنفيذ هذا الاتفاق. وقال فياض للصحافيين، على هامش احتفال نقابة الصحافيين الفلسطينية باليوم العالمي للصحافة: “هناك فرحة عارمة بتوقيع هذه الاتفاقية التي تعتبر الخطوة الأولى نحو المساهمة في إقامة الدولة الفلسطينية”. وأضاف: “لطالما انتظرنا هذه الخطوة في إعادة وحدة الوطن التي تشكل مكوناً أساسياً من مكونات الجاهزية لاستكمال بناء الدولة الفلسطينية”. وأوضح فياض ان “العالم كله شهد أن السلطة الفلسطينة تجاوزت مرحلة الجاهزية لبناء الدولة”، مشيراً إلى ان التوقيع على اتفاقية المصالحة “يعد خطوة في غاية الأهمية”. وتابع: “من المهم الآن الشروع في اتخاذ الإجراءات للبدء في تنفيذ الاتفاقية على الأرض”. من جانب آخر، هنّأ رئيس الحكومة المقالة في غزة اسماعيل هنية في اتصال هاتفي كلاً من الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل والأمين العام لحركة الجهاد الاسلامي رمضان شلح، حسبما أفاد بيان صدر من مكتبه في غزة. وأكد هنية خلال الاتصال “الاستعداد التام لبذل كل الجهود اللازمة من أجل تطبيق المصالحة على الأرض”. وفي ثاني ردود الأفعال الاسرائيلية في أعقاب اتفاق المصالحة بين فتح وحماس دعا نائب وزير الخارجية الاسرائيلي داني ايالون الاتحاد الأوروبي إلى وقف تمويل السلطة الفلسطينية في حال عدم اعتراف حركة حماس باسرائيل ونبذها للعنف. وقال ايالون في زيارة يقوم بها لاستونيا التقى فيها وزير الخارجية الاستوني اورماس بايت: “بصفتكم أكبر ممولين للسلطة الفلسطينية لديكم مسؤولية كبيرة للتوضيح للفلسطينيين أن عدم امتثالهم لشروط اللجنة الرباعية سيقابل بفرض عقوبات”. على صعيد متصل رحّبت دولة قطر باتفاق المصالحة الفلسطينية الذي تم التوقيع عليه أمس في القاهرة بين الفصائل والقوى الفلسطينية برعاية جمهورية مصر العربية. وأعرب وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة قطر أحمد بن عبدالله آل محمود عن أمله في أن يسهم هذا الاتفاق في تعزيز وحدة الصف والكلمة بين الفلسطينيين بما يحقق طموحات الشعب الفلسطيني ويحفظ وحدته الوطنية. كما رحّبت دولة الإمارات العربية المتحدة باتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين والتوافق الفلسطيني الشامل حول هذه المصالحة من خلال مشاركة جميع الفصائل الفلسطينية في التوقيع على هذا الاتفاق بالقاهرة. وكان الرئيس الفلسطيني محمدود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قد عقدا اجتماعين ثنائيين في القاهرة أمس عقب حفل توقيع اتفاق المصالحة بحضور وفدي حركتي فتح وحماس المشاركين في الحوار, جرى خلالهما مشاورات حول تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة وسبل تنفيذ الاتفاق على الأرض وإزالة أية عقبات تعترضه. ومن المقرر أن تشرع حركتا فتح وحماس وباقي الفصائل الفلسطينية عقب هذا الاتفاق في تنفيذ ثلاث مهام رئيسية كأول خطوات إنهاء الانقسام الداخلي المستمر منذ أربعة أعوام. وقالت مصادر فلسطينية إن أول خطوات تنفيذ الاتفاق ستركز على إنهاء المشاورات الخاصة بتشكيل حكومة التوافق الوطني من خلال الاتفاق على اسم رئيس الوزراء والوزراء. هذا وقد عمّت مظاهر الفرح والاحتفال غالبية المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ابتهاجاً بتوقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس في القاهرة أمس الأربعاء برعاية مصرية. وتجمّع مئات الفلسطينيين في ميدان الجندي المجهول وسط مدينة غزة رافعين الأعلام الفلسطينية واللافتات المرحبة باتفاق المصالحة والمطالبة بحمايتها وتحقيقها على الأرض، وأخرى مشيدة بدور مصر في إنهاء الانقسام الفلسطيني الذي استمر نحو أربعة أعوام.