يتضارب رأيان حول بداية ظهور الجنبية، ففي حين تؤكد شواهد قبور أثرية، نقش عليها الخنجر الهلالي، أن بداية ظهورها العام 3000ق.م، يؤكد تمثال لمعبد يكرب مرتدياً جنبية اكتشف في أعمال الحفريات الأميركية مطلع الخمسينيات في معبد أوام أن العصر السبئي للدولة الحميرية «500ق.م» قد احتزمها وارتداها، وأيهما كان صائباً فإن الجنبية مازالت تحتفظ بمجدها القديم ورونقها التاريخي، أكثر من أي شيء آخر. ويبدو أن الرأي الثاني أقرب للصواب، إذ تؤكده النقود الذهبية الحميرية التي زينت مقابض الجنبية القديمة. والجنبية كاسم، تذهب التعليلات إلى قول يبدو واحداً، في أنها اشتقت من «جنب» الرجل لملازمتها إياه. وللجنبية حضور موروث في الذاكرة الشعبية والوجدان الجمعي العام، فهي زينة متخصريها من الرجال، وهي للسلم أكثر منها للحرب، وكثيراً ما تظهر كأداة صلح، تشفع لها قيمتها الاجتماعية في فض خلافات شائكة، خاصة على الصعيد القبلي، حينما يتفتق غمدها عن وردة سلام وحب. وفي الأعراس والأعياد والمناسبات الاحتفالية ترقص مع البرع والشرح، مستعرضة قدراتها على إدهاش العيون بلمعانها المجيد.. وكأي شيء يشعل الأخيلة لا تغيب الجنبية عن دائرة الأساطير، ولضمان عبور ناجح من حياة العزوبية إلى بيت الزوجية، ولكي تسلم العروس من نزغات الشياطين، يعطيها العريس جنبيته، ليلة زفافها، في مناطق يمنية مختلفة، كتقليد دائم. تتكون الجنبية من المقبض «رأسها» وعنوانها وعليه تتحدد قيمتها المادية والمعنوية التي قد تصل إلى ما يربو عن مليون ريال يمني، والمقبض نفسه هو ما دفع بأحد المشائخ لشراء جنبية بمليون دولار، حسب روايات، وحسب مصادر فإن قيمتها التاريخية ترجع إلى الإمام شرف الدين، أحد أئمة اليمن في القرن السادس الهجري. أما القرن الصيفاني فهو أجود أنواع المقابض والأغلى ثمناً وهو من قرن وحيد القرن ولكونه قرناً وحيداً كان الأجود والأغلى، ويعود تاريخه من «200» إلى «500» سنة وتزيد، والصيفاني يزداد شباباً كلما ازداد عمره، ويأتي بعده القرن الأسعدي «40 60» سنة ويليه الزراف والكرك وغيرهما.. وفي جميع الرؤوس توضع دائرتان من الذهب الحميري أو الفضة تسمى الزهرتين.. وللجنبية نصل من الحديد الفولاذي القوي، لاسيما الهندوان وجنزير الدبابات ويصنع بطريقة يدوية، غاية في الإتقان.. ومن أنواع النصال: الحضرمي.. الجوبي.. الصنعاني.. الذماري.. وقد تكتب عليه نقوش أو رسوم محفورة. ويصل أو يفصل بين المقبض والنصل «المبسم» المصنوع غالباً من الفضة، والحرفيون يتفننون في إبداع أشكاله وزخارفه.. بينما الغمد العسيب فهو من أنواع الأخشاب كالصنوبر أو الطنب ويلبس بالجلد المدبوغ والمصبوغ بلون أخضر، تلفه حبال وخيوط أنيقة، بنظام هندسي دقيق ويغطى أحياناً بالذهب أو الفضة وهو أنواع عدة كالحاشدي ذي الزاوية الحادة والتوزة والبكيلي ذي الزاوية المتفرجة. يأتي الحزام ليشد الغمد والجنبية إلى «الخصر» ويصنع من الجلد المدبوغ أو الأقمشة ذات السمك والمتانة، وقد يطرز بخيوط من الذهب أو لامعة ذات لون ذهبي. ترتبط الجنبية بتاريخ الإنسان اليمني منذ بدأ ظهورها قبل الميلاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهي الآن تترسخ في ذاكرة الشعب الأصيل، موروثاً تاريخياً وتراثاً شعبياً، تثبت الأيام أصالته ويزداد حضوره الوجداني والثقافي، يوماً عن يوم.