على رواجه وخفة وزنه صار «الهاتف السيار» غاية سهلة للصوص..وبات الخوف من سرقته هم يلاحق كثيرين..خاصة أولئك الذين الذين يحملون فوق خاصرتهم أكثر من جهاز، واللافت في الأمر تفشي هذه الظاهرة في مجتمعنا اليمني بصورة مُقلقة، ساعد على رواجها وجود شبكات مُتخصصة يطلق عليها «الأيادي الذهبية» في إشارة إلى الأنامل الخفيفة التي تظفر بالطريدة دون أن يشعر «المسروق». الدنيا أمان..!! لو فتشنا عن الضحايا لوجدناهم كُثر..على الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة عن ذلك إلا أن المُستطلع العادي يستطيع أن يجزم أن واحداً من بين كل عشرة أشخاص «ضحية»..ويحضرني هنا موقف طريف له حضور في ذاكرتي لأن بطله «بلدياتي».. ذات نهار كان صاحبي عبد العزيز قاسم ماراً من إحدى الشوارع المُزدحمة يحمل في كلتا يديه «مقاضٍ كثيرة» منعته من تحسين وضعية هاتفه فوق الحزام، فاجأه أحد الناصحين بالقول «أنتبه على تلفونك يا خبير..». لم يأبه صاحبنا «عبده» لتلك النصيحة بل رد عليه «الدنيا أمان»..وعلى بُعد خطوات أحس بعدم وجود تلفونه السيار، سارع على الفور بالاتصال..فكان رد السارق «مُش نصحتك تخبي تلفونك..؟!!». طريدة مرغوبة تُعد الهواتف الحديثة والمتطورة غالية الثمن طريدة مرغوبة لهؤلاء اللصوص، وتوجد غالباً مع أشخاص يُستهدفون بعناية..خاصة أولئك الذين تبدو عليهم مظاهر النعمة مثل المغتربون والمسئولون والضباط والموظفون الحكوميون ورجال المال والأعمال وغيرهم. وتعد الأسواق بمختلف مسمياتها مرتعاً خصباً لهؤلاء اللصوص لتسويق «بضائعهم» وعلى الأخص أسواق «القات»المكتظة بآلاف البشر، بالإضافة إلى وسائل النقل العام «الحافلات» و«الميكروباصات»، وأحياناً سيارات الأجرة..بأن ينسي أحدهم تلفونه بداخلها وهي حقيقة أكدها لي محفوظ عبادي «سائق تاكسي» فهو كثيراً ما يخسر مشاوير في تتبع أمثال هؤلاء، «والمُودف» من يقع تلفونه في يد من لا يتقي الله.. يشتري تلفونه واللافت في الأمر وجود أسواق «حراج» خاصة بالأدوات المستخدمة يبيع فيها اللصوص غنائمهم، وهي للأسف الشديد موجودة في غالبية مُدننا اليمنية، مثل «باب اليمن» في صنعاء، ومن لا يستطيع اقتناء هاتف نقال جديد وحديث ومتطور، يذهب إلى هذه الأسواق فهناك سيجد الهاتف المطلوب وبسعر زهيد يقل أحياناً بضعة أضعاف عن سعره الحقيقي. والمفارقة المُضحكة أن بعضاً ممن سُرقت تلفوناتهم يتجهون إلى مثل تلك الأسواق بحثاً عنها، وحصلت مصادفات عاد الكثير فيها خائبين فيما قلة قليلة هم فقط من يجدون ضالتهم، وبالطبع يحصل ما يحصل من مشادات كلامية قد تقود إلى عراك بالأيدي بين البائع وصاحب التلفون الأصلي. وقد حصل أن أشترى محمد بكرين «عامل» تلفون سيار «مُش غريب عليه» ليفاجأ أنه «حق صاحبه» بعد أن التقى بصاحبه طبعاً..أتجه الاثنان إلى البائع المُفتري فوجداه «فص ملح وذاب»..وهنا أضطر صاحبنا للتضحية مُقابل مبلغ زهيد تقبله بإلحاح شديد من صاحبه الضحية الأول «أللي أمه داعية له» . تجارة سوداء أخبرني أحدهم أن الهواتف المُستعملة التي تباع في محلات بيع الهواتف النقالة أغلبها «مسروق»، وهو أمر يؤكد رواج «التجارة سوداء» في بلادنا التي لا يعرف تحديداً قيمة تداولاتها، وفي المقابل ينفي أصحاب تلك المحلات «هذه الحقيقة» على اعتبار أنهم يتجنبون شراء الهواتف من الأشخاص الذين لا يحملون فواتير «وثائق ملكية». يقول رتيب اللوزي «صاحب محل» أنه بعد التفشي المريع لظاهرة سرقة الهواتف النقالة في بلادنا أصبح أكثر حرصاً على عدم الشراء حتى وإن كان الشخص البائع يحمل بطاقة هوية شخصية، مستدلاً بقيام بعض الضحايا عبر شركات الهاتف النقال بتتبع هواتفهم عبر «أكواد خاصة»، وبالتالي تعرض أصحاب المحلات للملاحقة والسجن. أوجاع أرجع كثير من المراقبين تفشي ظاهرة سرقة الهواتف في بلادنا إلى عديد عوامل لعل أبرزها الفقر والبطالة والتفاوت الطبقي بين السكان، وهي أسباب تتكرر على الدوام مع كل عادة مجتمعية سيئة..ولا جديد في هذا الشأن سوى أن تلك الابتكارات التي يلجأ إليها أولئك اللصوص التي تكشف عن عقول نشطة تُفكر ولكن بما يضر ويهدم، ولو كان العكس لأصبح واقعنا أحسن بكثير. وبحسب كثير من الضحايا فإن بعض محترفي مثل هذا النوع من السرقة هم من المواطنين الصوماليين في اليمن والذين عادة ما يعملون في غسل السيارات في الأسواق والميادين العامة وبالأخص في عدن. عندما سٌرق تلفوني.. مما لا شك فيه أن هاجس الخوف من سرقة الهاتف السيار هم يلاحق الجميع دون استثناء..وأختم هنا بموقف طريف حصل لكاتب هذه السطور وهو يتجول في رحاب صنعاء القديمة..كنت مشدوداً منبهراً بما تحمله من كنوز ومآثر..بينما أنا في غاية الدهشة والتأمل ماراً من إحدى أزقتها العتيقة ظهر عليا فجأة زميلي الشاعر أحمد المعرسي..وفي لحظات مُفعمة بتجليات السرد الشفهي تحسستُ تلفوني في خزنته المُتدلية فوق الحزام لم أجده «آه تلفوني سُرق» رد زميلي..«عظم الله أجرك»، واستمر الحديث وأنا في غاية الحزن.. قبل أن نفترق قمت بالمُصافحة الختامية التي دائما ما أعززها باليد اليسرى -للأشخاص الذين أجلهم- لأكتشف أن تلفوني المفقود مختبئ في كف ذات اليد..وفي أجواء من الضحك ودعت زميلي الشاعر وأنا أقول له «أنظر ماذا فعلت بي صنعاء..».