قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن بقوة السلاح.. ومواطنون يتصدون لحملة سطو مماثلة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    مأساة في ذمار .. انهيار منزل على رؤوس ساكنيه بسبب الأمطار ووفاة أم وطفليها    أول جهة تتبنى إسقاط طائرة أمريكية في سماء مارب    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوة ليوم عالمي يتم فيه الاستغناء عن خدماته.. لنُجرب «كيف هي الحياة بدونه..؟!!»
«الهاتف السيار».. جهاز صغير استوطن حياتنا..!!
نشر في الجمهورية يوم 17 - 12 - 2012

مَطلب حَضاري رائع.. وأداة مُثلى للتواصل.. يوطد العلاقات ويُقَرب المسافات.. أضحى مع تعاظم ابتكاراته علامة فارقة في حياة كل إنسان.. وقفزة نوعية علمية وتواصلية اجتماعية واقتصادية كبيرة.. ما من شخص « فقير أو غني» إلا ويمتلكه يتصل إلى من يريد ويتحدث مع من يريد و يزعج من يريد.. وهو فوق هذا وذاك «أكبر من مُجرد وسيلة إتصال»..!!
الفائدة الكبرى
«التلفون السيار» ليس من جملة الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها كما يعتقد البعض، فهو بنظر الغالبية العظمى ضرورة ولا كل الضروريات؛ وفي ظل الزحمة الجنونية للاتصال يمكن توصيف العلاقة بينه والإنسان «بالحب من طرف واحد»؛ يسودها مع «حُسن العشرة» تناغم وتآلف مشحون برابطة عدم الاستغناء؛ وهو أيضا ثروة تكنولوجيا أصابت الأرض وغزت جميع قاراته وحملت معه كل شيء ممتع ومسل، ما من أحد الآن لا يمتلك هاتف خاص به يتصل الى من يريد ويتحدث مع من يريد وفي الوقت ذاته يزعج من يريد..
- تتصل به توصيفات عدة منها «المحمول والنقال و الخلوي أو الجوال» وهو قبل هذا وذاك أحد أبرز أدوات الاتصال اللاسلكية عبر شبكة أبراج بث موزعة في إطار مساحة معينة، ومع مرور الوقت أصبحت هذه الأجهزة أكبر من مجرد وسيلة اتصال صوتي، فهي تستخدم كأجهزة حاسوب كَفيّ، ويمكنها التصوير بنفس نقاء ووضوح الكاميرات الرقمية، وتعد أيضاَ أحد وسائل الدعاية والإعلان.
- كما تكمن الفائدة الكبرى لهذا الجهاز السحري بكونه أداة مُثلى للاتصال بين بني البشر يوطد العلاقات، ويقرب المسافات، ويقوم بأدوار مهمة ويقدم خدمات جليلة، يوفر الجهد في الوقت والمال والذهاب والإياب، وما يقال في حق الهاتف العادي يقال أيضاً في حق الجوال؛ إلا أن هذا الأخير ينفرد في أمور خاصة ويكفي أن يكون خاصاً بشخص لا يرد عليه غيره، وبما أن تكلفة المكالمات رخيصة جداً وفي متناول جميع الفئات كنتاج فعلي للتنافس الشديد بين مشغلي هذه الأجهزة، فإن عدد مستخدمي هذه الأجهزة في العالم والعالم العربي في تزايد مطرد يتزايد بشكل يومي تعجز الإحصاءات عن تعقبه.
مكتب مُتنقل
«إنه حياتي..» توصيف «قصير» ذو دلالة كبيرة ورد على لسان فهيم اليوسفي، حال سألته عن أهمية الهاتف السيار بالنسبة له؛ فهيم بعد ذاك تحدث بلغة التعميم وارتقى توصيفه ليشمل الراعي الأمّي في الصحراء، والفلاح في القرية، والحطاب في الغابة، والمسافر بالقطار أو الباص أو الباخرة أو الطائرة، والجالس في المقهى أو المطعم، والحرفي وسائق السيارة ورجل الأعمال والطفل في المدرسة والبنت أثناء الرحلة وفي حال التأخر عن المنزل... إلخ.
- كُل هؤلاء - حد وصف فهيم- يتواصلون مع من يريدون؛ في الوقت الذي يريدون؛ من المكان الذي يريدون؛ وليس ذلك فحسب فالموبايل أصبح مكتباً متنقلاً محمولاً في الجيب يمكن بواسطته عقد الصفقات التجارية أو الخدمية وتحديد المواعيد أو تأجيلها، أو إلغائها، أو الاعتذار عنها، في الوقت الملائم وبالتالي أصبح ضرورياً لكل إنسان معاصر.
- من حديث فهيم المُفعم بالاستدلالات تعاظمت في مُخيلتي أهمية هذا الجهاز الذائع الصيت الذي أضحى علامة فارقة في حياة كل إنسان، ويُعد قفزة نوعية علمية وتقنية وفنية إبداعية وتواصلية اجتماعية واقتصادية كبيرة وهامة وخطيرة بكل المقاييس، بادرت على الفور في التنبيش عن مكامن الخير وبواطن الشر فيه، وأصارحكم أن النتائج «هالتني» مساوئها والمحاسن، فكان الإدراك العميق «أنه سلاح ذو حدين» ينتقل إلى حيث يوجد الإنسان لا العكس، والغلبة للخير طبعاً.
- يُشاركنا هذا الاستنباط فؤاد أحمد مهيوب «مدرس» فالهاتف السيار حد وصفه لا ضرر فيه إلا إذا أساء الأفراد استخدامه، والتقنية والتقدم مطلب حضاري رائع، لكن يجب أن نفهم طرق استخدامه والغاية منه، وفؤاد هنا لا يُعارض استخدام أي تقنية تساعد على دعم التفكير والرقي إلى مصاف المتقدمين ولكنه وبلا جدل يُعارض وبشدة أن تساء استخدامات التقنية بشكل مؤثر على المُحيطين بحيث يصل الأمر إلى السمعة أحياناً.
عُلب المكياج
ولعل أجل وأقدس خدمات الهاتف السيار -حسب توصيفي- أنه يُجمع ويُوحد على الوصال ونكران الجفأ، ويعمل على زيادة التواصل الاجتماعي في المناسبات وخاصة أثناء الأعياد والمناسبات المفرحة أو الحزينة، وقد يوثق لحظة ما بالصوت والصورة لتصبح شهادة عابرة للقارات تتسابق وسائل الإعلام المختلفة على بثها، كما أنه في متناول كل من يقدر على دفع تكاليفه من الملياردير في سويسرا إلى البدوي في الصحراء، وهو مرن يُولد الشعور بالثقة لدى حامله، و كان ولا يزال مربحاً جداً للشركات المنتجة، وكذلك للشركات صاحبة الامتيازات في احتكار تسويقه وتقديم خدماته، وكذلك كان مربحاً جداً للوكالات المستوردة والبائعين والمبرمجين والمصلحين ... إلخ.
- كما أنه رغم ذلك ذو تأثير عكسي بالغ الخطورة حال استخدمته أياد غير أمينه، فهو سليط اللسان ومشيع للفاحشة ومثير أحاديث الغيبة والنميمة؛ قد يقود إلى الانفصال بين زوجين، أو فراق بين حبيبين؛ أو خصام بين صديقين؛ والأخطر حين يستغل في التجسس لصالح الأعداء؛ وهو أيضا عامل مساعد في زيادته الحوادث المرورية جراء إجراء المحادثات أثناء قيادة السيارات، ومُفسد للمراهقين الذين يستخدمونه في إرسال الرسائل الجنسية والصور الفاضحة المثيرة، ويُسهل تواصل اللصوص والمجرمين.
- وبالعودة إلى فؤاد مهيوب فقد عد «الفاتورة الكبيرة» التي تترتب على خدماته، وسرعة العطب، وعدم توفر الخدمات الكافية لاستخدامه مثل التغطية اللازمة حال يكون التواصل أكثر ضرورة، واستعماله للمباهاة والمفاخرة، مُنغصات أخرى تتوالى في رصيده السيئ؛ وكذا اتهامه بتقليل الزيارات بين الأقارب الذين يكتفوا بإجراء المكالمة دون الالتقاء مكانياً.
- ويشاع استخدام الهاتف السيار بشكل غير أخلاقي بالاعتداء على خصوصيات الآخرين وتصويرهم في مواضع غير لائقة، كتصوير النساء في الحفلات والأعراس، وقد صُنع لهذه الغرض هواتف أشبه بعلب المكياج، وسبق لمكتب الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة أن قام خلال العام الماضي بضبط «23» هاتف محمول من هذا النوع ومزودة بكاميرا مموهة، ويمكن للمرأة أن تحملها في حقيبتها اليدوية عند دخول صالة الأفراح دون أن يتم الانتباه إلى أنها هاتف مزود بكاميرا.
الدنيا أمان
على رواجه وخفة وزنه صار «الهاتف السيار» غاية سهلة للصوص، وبات الخوف من سرقته هم يلاحق كثيرين؛ خاصة أولئك الذين يحملون فوق خاصرتهم أكثر من جهاز، واللافت في الأمر تفشي هذه الظاهرة في مجتمعنا اليمني بصورة مُقلقة، ساعد على رواجها وجود شبكات مُتخصصة يطلق عليها «الأيادي الذهبية» في إشارة إلى الأنامل الخفيفة التي تظفر بالطريدة دون أن يشعر «المسروق».
- لو فتشنا عن الضحايا لوجدناهم كُثرا، على الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة عن ذلك إلا أن المُستطلع العادي يستطيع أن يجزم أن واحداً من بين كل عشرة أشخاص «ضحية» ويحضرني هنا موقف طريف له حضور في ذاكرتي لأن بطله «بلدياتي».. ذات نهار كان صاحبي عبد العزيز قاسم ماراً من أحد الشوارع المُزدحمة يحمل في كلتا يديه «مقاضي كثيرة» منعته من تحسين وضعية هاتفه فوق الحزام، فاجأه أحد الناصحين بالقول «انتبه على تلفونك يا خبير..» لم يأبه صاحبنا «عبده» لتلك النصيحة بل رد عليه «الدنيا أمان» وعلى بُعد خطوات أحس بعدم وجود تلفونه السيار، سارع على الفور بالاتصال، فكان رد السارق «مُش نصحتك تخبي تلفونك..!!».
طريدة مرغوبة
تُعد الهواتف الحديثة والمتطورة غالية الثمن طريدة مرغوبة لهؤلاء اللصوص، وتوجد غالباً مع أشخاص يُستهدفون بعناية، خاصة أولئك الذين تبدو عليهم مظاهر النعمة مثل المغتربون والمسئولون والضباط والموظفون الحكوميون ورجال المال والأعمال وغيرهم، وتعد الأسواق بمختلف مسمياتها مرتعاً خصباً لهؤلاء اللصوص لتسويق «بضائعهم» وعلى الأخص أسواق «القات» بالإضافة إلى وسائل النقل العام..
- واللافت في الأمر وجود أسواق «حراج» خاصة بالأدوات المستخدمة يبيع فيها اللصوص غنائمهم، وهي للأسف الشديد موجودة في غالبية مُدننا اليمنية، مثل «باب اليمن» في صنعاء، ومن لا يستطيع اقتناء هاتف نقال جديد وحديث ومتطور، يذهب إلى هذه الأسواق فهناك سيجد الهاتف المطلوب وبسعر زهيد يقل أحياناً بضعة أضعاف عن سعره الحقيقي، والمفارقة المُضحكة أن بعضاً ممن سُرقت تلفوناتهم يتجهون إلى مثل تلك الأسواق بحثاً عنها، وحصلت مصادفات عاد الكثير فيها خائبين فيما قلة قليلة هم فقط من يجدون ضالتهم، وبالطبع يحصل ما يحصل من مشادات كلامية قد تقود إلى عراك بالأيدي بين البائع وصاحب التلفون الأصلي.
تجارة سوداء
أخبرني أحدهم أن الهواتف المُستعملة التي تباع في محلات بيع الهواتف النقالة أغلبها «مسروق»، وهو أمر يؤكد رواج «التجارة السوداء» في بلادنا التي لا يعرف تحديداً قيمة تداولاتها، وفي المقابل ينفي أصحاب تلك المحلات «هذه الحقيقة» على اعتبار أنهم يتجنبون شراء الهواتف من الأشخاص الذين لا يحملون فواتير «وثائق ملكية».
- أرجع كثير من المراقبين تفشي ظاهرة سرقة الهواتف في بلادنا إلى عديد عوامل لعل أبرزها الفقر والبطالة والتفاوت الطبقي بين السكان، وهي أسباب تتكرر على الدوام مع كل عادة مجتمعية سيئة، ولا جديد في هذا الشأن سوى أن تلك الابتكارات التي يلجأ إليها أولئك اللصوص التي تكشف عن عقول نشطة تُفكر ولكن بما يضر ويهدم، ولو كان العكس لأصبح واقعنا أحسن بكثير.
عندما سٌرق تلفوني..!!
مما لا شك فيه أن هاجس الخوف من سرقة الهاتف السيار هم يلاحق الجميع دون استثناء، وأسرد هنا موقف طريف حصل لكاتب هذه السطور وهو يتجول في رحاب صنعاء القديمة، كنت ذات نهار مشدوداً منبهراً بما تحمله تلك المدينة من كنوز ومآثر.. بينما أنا في غاية الدهشة والتأمل ماراً من إحدى أزقتها العتيقة أطل عليا فجأة زميلي الشاعر أحمد المعرسي، وفي لحظات مُفعمة بتجليات السرد الشفهي تحسستُ تلفوني في خزنته المُتدلية فوق الحزام لم أجده «آه تلفوني سُرق» رد زميلي.. «عظم الله أجرك»، واستمر الحديث وأنا في غاية الحزن..
- قبل أن نفترق قمت بالمُصافحة الختامية التي دائما ما أعززها باليد اليسرى - للأشخاص الذين أجلهم- لأكتشف أن تلفوني المفقود مختبئ في كف ذات اليد.. وفي أجواء من الضحك ودعت زميلي الشاعر وأنا أقول له «انظر ماذا فعلت بي صنعاء..».
في حضرة الاتصال الكبير..
«الهاتف السيار» نِعمة كبيرة يَقضي بها الإنسان حاجاته بأقرب طريق وأيسر كلفة، وبالمقابل ثمة مَحاذير كثيرة ينبغي الانتباه لها، تتجلى أبرزها في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه؛ لأنها لحظات ينبغي التخلص فيها من أي شيء يعكر صفو ذلك التحليق الروحاني، سواء من منغصات معنوية متصلة بهموم الحياة ومتطلباتها - وهذه أثرها على الفرد نفسه- وأخرى مادية يلحظها الجميع، والهاتف السيار أبرزها على الإطلاق.
- تتناثر العبارات التوعوية الداعية إلى إغلاق الهاتف السيار عند مدخل كل مسجد؛ ولأن الإنسان مجبول على النسيان دائماً ما يتكرر انبعاث نغمة شاردة جاءت في مكان وزمان غير مناسبين، في لحظات خنوع وخشوع ملأى بالاستكانة والاستغفار، ويكون تعكير تلك النغمة أعظم في حال كان الصوت المنبعث أغنية ماجنة تعذر على صاحب السيار غلقه على الفور؛ من السهولة جداً استحضار هذه المواقف من مرتادي بيوت الله، وتتلخص أشنع التوبيخات عندما تتجه أعين المصلين - بمجرد تسليم الإمام- صوب المعني بالاتصال، والمفارقة المضحكة عندما لا تتفق أعين المصلين على مُتهم بعينه فهي كثيراً ما تطال «صاحب التلفون واللي جنبه واللي جنبه..!!»
لكزة قوية..!!
يحرص يوسف عبد الباري الوجيه في كل مرة يذهب فيها إلى المسجد أن يغلق تلفونه السيار، وفي لحظة شرود مبعثها هموم الحياة نسي تلك العادة، فجأة رن التلفون بنغمة حماسية عم صداها الأنحاء والسكون لحظتها مطبق بفعل الصلاة السرية.. ما حدث ليوسف بعد ذلك موقف طريف نادراً ما يتكرر، فقد بادره المصلي الواقف أمامه بلكزه لكزة قوية آذت خاصرته وكلفته صرخة قوية «آه» طغت على رنة تلفونه السيار..!! لينهي بصعوبة صلاته تلك وهو يدعو بقلب خاشع أن ينتقم ممن أذاه.
- عبارات العتاب لم تنبعث بعد الصلاة من فم صاحبنا يوسف فقد سبقه المعتدي بغليظ الكلام؛ وما كان منه إلا أن وقف حائراً أمام كبر سن المعتدي ولحيته الكثة وسواكه العريض، لم يتفوه ببنت شفه بل سلم أمره لله وانسحب منكسراً لا يشكو بثه وحزنه إلا إليه.
كيف فهو الإمام..؟!!
مشهد آخر هذه المرة ليس فيه لكز أو توبيخ، وصل عبد الرحمن سعيد - بطل هذا المشهد- مع انتهاء صلاة الجماعة الأولى، ليتم اختياره على الفور إماماً للجماعة الثانية لصلاة المغرب، وهو يصدح ما تيسر من كتاب الله «رنَ تلفونه السيار، ارتبك.. تلعثم خلط بين أكثر من سورة..عبد الرحمن وصف تلك اللحظات بالأصعب في حياته؛ سيطرت عليه لحظات إرباك شديدة حال سرده المشهد كأنه عايشه للتو.. واللافت في الأمر أن صاحبنا لم يوبخه أحد لا بالعين ولا باللسان، كيف وهو الإمام؟!!.
- أختم هنا بمشهد أخير عايشت تفاصيله وكان سبباً مباشراً لهذا الاستطلاع، ذات نهار أديت صلاتي بجوار أحدهم كان قد وضع تلفونه السيار موضع سجوده، وبينما نحن وقوف من التشهد الأوسط رن ذات السيار وبدلاً من يغلقه صاحبه قام بفتحة وكان على الجانب الآخر صوت نسوي مرتفع لا يعرف إلا التوبيخ -أzنها زوجته- فما كان من صاحبنا إلا أن هم بإغلاق تلفونه مُضحياً بركعتين مبتدئا الصلاة من جديد..
- بالإضافة إلى إلصاقهم العبارات التوعوية الحاثة على إغلاق الهاتف السيار في رحاب بيوت الله يحرص بعض مُشرفي المساجد التنبيه على ذلك عبر مكبرات الصوت.. واللافت في الأمر ما دعا إليه الشيخ/حسن غالب الفقيه -إمام مسجد بأن يقوم القائمين على المساجد باعتماد غرامات مالية على المُصلين في حال صدور رنات من هواتفهم المحمولة أثناء الصلاة، وأن توضح العقوبات في ذات الملصقات، وأن تكون تلك المبالغ لصالح خدمات المسجد.
أضرار
الإفراط في استخدام «الهاتف السيار» يقود إلى أضرار صحية كثيرة، بدأً بالسرطان، وصولاً إلى العبث بخلايا الجهاز العصبي والتناسلي، وتدمير الحيوانات المنوية، والصداع وارتفاع ضغط الدم وحدوث تلف في المخ، وفقدان البصر، وإصابة العصب السمعي بأورام، ويُحدث أعطال بأجهزة تنظيم ضربات القلب، ويقلل من النوم، ويشجع على الإصابة ب «الزهايمر» والأهم من كل ذلك أن التقليل من استخدامه يُبقي خَطرهُ «مَحدُود..»
يوم عالمي
جهاز صغير استوطن حياتنا وصار مبعثا فريدا للسخرية والتندر، أحياناً يقوم أحدهم بعمل «رنة» لزميل له، فيذكره من بجانبه بمقولة شاع تداولها « ثلاثة لا يدخلون الجنة.. من ضمنهم فاعل الرنة!!»..
- هو نفسه التندر يطال حتى المُسميات العديدة للهاتف السيار التي بمعظمها تحمل دلالات معبرة فهذا «الشاقي» كناية عن قوة تحمله، و«الغطاس» لا يعبث به الماء، و«الرنان» لقوة صوته؛ وهناك أيضاً «القمري » « الساحر » «الدمعة» «الزلزال» وغيرها من الأنواع ، ويطلق عليها تلك التسميات أيضاً على سبيل الترويج والدعاية وأحياناً للتفاخر بين الناس في مجالسهم بامتلاك فلان من الناس لهذا النوع أو لذاك الاسم.
- كما يقال للشخص الذي ليس على مبدأ واحد «أبو شريحتين» والتلفون السيار منه بريء وشتان بين الثرى والثريا، وأنا في ختام هذا الاستطلاع أدعو ليوم عالمي «للجوال» يتم فيه الاستغناء عن خدمات هذا الجهاز الذائع الصيت في يوم ما من أيام العام وباتفاق أممي، دعونا نجرب لنرى «كيف هي الحياة بدونه..؟!!».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.