أحس به داخلي.. أشم عطره.. أشتاق لرؤية عينيه البريئتين. أتهادى أنا وهو ونفس الموجة.. وتجتاحني النشوة.. كلما أذكر أن هناك من يحتل جزءاً مني.. ثم يتسلط عليه.. وما أسعدني.. دقات قلبي ودقات قلبه تتوحد في جزء من الزمان.. هو أنا.. وأنا هو.. حياتنا مشتركة المشاعر.. الأحاسيس.. وحتى الغذاء. أشعر بنبضاته تخطفني مني تجمعني وإياه.. هي معجزة. نتميز نحن البشر بقدرتنا البليغة على التعبير عما يخالج صدورنا.. نضحك نبكي.. نغضب.. نعلن الرحيل نقرر الانهزام. أمد يدي اليه أتحسسه.. وألقاه.. لم يخب ظني به حبيبي وكيف يخيب ظني به وأنا أيضاً أغلى ما يملك وكل مايملك. فكرة فراقي عنه صعبة بل مستحيلة.. وكيف أخالف مشيئة الله. أقوية أنا لهذه الدرجة حتى أعلم بوجود شخص.. ما داخل محور حياتي.. ثم... أقرر أنه لا يلزمني وأنه غير مرحب بوجوده داخلي. كيف أرفض نبضي.. كيف أوقف الدم بعروقي وهو يجري..؟ كيف أقول لا يا كلي لا تأتي..؟ هل أملك الحق لأصنع مصائر البشر..؟ ما أضفنا نحن البشر.. وكم هو سليط لساننا على الضعفاء.. وكم هم كثر الضعفاء في كوكبي. فكرة البعد والخلاص عنه قاتلة.. هي وانتحاري شيء واحد. أويحق لنا قتل النفس بغير الحق نحن البشر..؟ كانت في العقد الثالث من عمرها.. تناجي جوفها.. وخوفها. ولم نسمع أبداً صدى لصوتها.. ولم نقرأ حروفاً لكلماتها.. ولم نعثر لجريمتها على أي أثر.. شابة.. تشبه الخفافيش بخوفها واختبائها ثم خروجها في كبد الظلام.. ..و كيف تمشي تحت أشعة الشمس..؟ وهي من أعلنت الاستسلام والرضوخ والانهزام.. سابقاً.. و ارتضت لحياتها الاختباء في كهف لجي أعمى وأصم.. هي من قبلت قانون من يعتقد أن بإمكانه صنع الأنظمة والقوانين.. حتى وإن كانت تلك لقوانين في الكثير من الأحيان تخجل وتخشى أن تعلن نفسها راضية العيش تحت الظلال.. بين طحالب المسموح وأحلام الأفاعي.. وسموم العقارب.. كيف كانت ستقاوم جاذبية حبه التي غزت كيانها متسللة إلى أحلامها تقطف منها ما تشاء.. وتقدمها لها على أشهى الأطباق.. مستغلة ضعفها.. حيرتها.. أملها في استعادة ماسرق من سنوات عمرها التي لم تعرفها.. وعوده التي فرقتها عن ذاتها.. بعثرتها بين أحلامها وواقعها.. سرقتها من نفسها.. حتى غدت غريبة عن كل ما عهدته في نفسها يوماً.. متخاصمة مع ذاتها المخطوفة بعد أن ودعت ما بقي من كرامتها عند محل الأحذية الذي يمتلكه صانع الأحلام والقرارات لحياتها. تاركة فوضى الحواس تصنع من رمل أحلامها قصوراً ذات أنهار وسط الصحراء وقصوراً دون أبواب.. (تخلصي منه هذا هو الاتفاق).. كلمات صاحب الفوضى مازالت تخترقها.. هو من سنّ القوانين.. ووحده من أمر بتنفيذها.. وهي من ارتضت لنفسها الوقوع في فخ الفرعون.. والانصياع لسحر سحرته وتسلق حبالهم الواهنة.. وإن لملمت جراحها من يلملمها هي.. وفي داخلها ألف سؤال وسؤال عندما يطلق قطيع الضباع العنان لوحشيته الأنسانية.. وعندما يغرق الغريق في شبر ماء.. وكلما غرّد طير منادياً بلحن الحب والوفاء.. ولحن الفراق.. يزداد القطيع ضراوة ويهمهم شوقاً للافتراس.. وطبعاً كلما ازدادت الفريسة ضعفاً.. طاب طعمها.. وازداد شوق القطيع لأكلها.. واليوم غربة الغربة لا تكفي للملمة الجراح.. و قرار رحيلها نحو البعيد سيصبح بعد عدة شهور بلا قيمة وسيعلن هذا القرار أنه خدع وخدع طويلاً.. رحلة قاتلة.. قررت الشابة المضي بها.. حتى وإن لم تعد يوماً لوطنها. فلم يعد للوطن عنوان.. بعد أن قرر صاحب القرارت نفث الرياح في وجه قصورها الرملية وأنهارها الصحراوية.. ثم الرحيل عن حياتها ووطنها.. دون عودة.. وهل تعود لوطنها وهي لم تعد وحدها..؟ ... فالحلم بداخلها يكبر ويكبر ليصبح حقيقة متجلية أمامها.. بعد بضع شهور.. ولكم تمنت تلك الحقيقة لسنين وسنين.. وكم انتظرت غريزتها زيارة هذه الحقيقة.. وزاد من شوقها الحنين..