كان الشاعر ابن هانئ الأندلسي صوتاً أجشَّ أشبه بمحطة إعلامية اليوم في أدبه وشعره وفصاحته، شاباً متطلعاً يحزنه ذلك الضعف والهوان الذي وصلت إليه دولته في الأندلس، وكفيلسوف ومفكر فإنه قد رأى في شباب الدولة الفاطمية ما يمكن ان يعيد شباب الدولة الإسلامية والتي بدأت تنمو في افريقيا. وكان يؤسفه ان يتحالف أبناء جلدته مع الأجنبي لزعزعة هذه الدولة الجارة والقضاء عليها، وكان لا يخفي رأيه الصريح مع هذه الدولة التي رأى فيها الأمل القادم، لما ضاق به الحاكم وضاق برأيه، اتهمه بالفلسفة!! وكانت تهمة الفلسفة آنذاك كافية لأن تفصل الرأس عن الجسد بدون أي لوم أو سؤال آخر.. لأن فيها الكفر والزندقة كما كانوا يعتقدون!! فاضطر ابن هانئ أن يترك مدينته (اشبيلية) متجهاً نحو افريقيا، الدولة الواعدة حتى وصل إلى المعز لدين الله، وقد سبقه صيته ولاحت في الأفق شهرته، فاستقبله المعز وأكرمه وقدره كما قدر موهبته الإبداعية، لأنه كان بحاجة إليه لما يمثل من أهمية أدبية رفيعة تمثل ظاهرة إعلامية بالمصطلح الحديث، إذ بقي يسجل الانتصارات ويؤرخ لوقائعها حتى ضمَّ مدينة القاهرة إلى حوزته، ويذاع النَّبأ العاجل شعراً على لسان ابن هانئ: يقول بنو العباس هل فتحت مصر.. فقل لبني العباس قد مضى الأمر وقد جاوز الاسكندرية جوهر(1) .. تسير به البشرى ويقدمه النصر وفي هذه الأثناء كان حكام الأندلس يتابعون حياته وأنشطته هناك في أفريقيا مع المعز الفاطمي، وما يمثل نشاطه هذا من خطر عليهم فقرروا تصفيته والقضاء عليه وأرسلوا إليه من يغتاله وهو في الطريق إلى مصر تابعاً للمعز بعد فتح القاهرة، ففعلوا ونفذوا خطتهم الغادرة ولا يزال شاباً يضج بالحيوية والنشاط سنة 362ه(2). هامش (1) جوهر : هو القائد العسكري الذي دخل القاهرة. (2) بتصرف عن (الأندلس) صفحات مشرقة، كتاب العرب (58 - اكتوبر 2004م)90.