اندلعت المواجهات بين أنصار الشريعة وبين اللجان الشعبية في مديرية لودر فبادر التيار السلفي إلى إصدار فتاوى تدعو إلى جهاد من يسمون أنصار الشريعة, وتعالت الدعوات في مساجد لودر ومودية تدعو إلى النفرة والجهاد, وتوالت مواكب السلفيين تتجه نحو لودر قادمة من مركز دماج الواقع في محافظة صعدة والذي يديره الشيخ يحيى الحجوري, وبالفعل اشترك السلفيون في القتال وتقدموا في الجبهة الجنوبية التي تقع في اتجاه العين أحد معاقل أنصار الشريعة..; اشتراك السلفيين في الحرب ضد أنصار الشريعة أثار لغطاً في الشارع اليمني وخاصة في أوساط التيار السلفي الذي يرى بعض أعضائه أن هناك منطقة أخرى أهم من لودر يجب أن يقاتل فيها أهل السنة ضد أعدائهم وهي جبهة كتاف التي تشهد قتالاً بين الحوثيين والسلفيين منذ فترة ليست بالقصيرة.. ما مصلحة السلفيين من قتال القاعدة في الجنوب؟ تشهد اليمن انتشاراً كثيفاً للدعوة السلفية حيث شهدت الدعوة السلفية انقساماً في توجه أعضائها في اليمن, وتميزت إلى سلفية حركية تؤمن بالعمل الجماعي القائم على الجمعيات الخيرية التي تهدف إلى خدمة قطاع كبير من المجتمع, والسلفية التقليدية التي ترى أن الإسلام هو عبارة عن طقوس دينية تؤدى في المسجد وتحرم السياسية وترى أن الديمقراطية منكر يجب محاربته, والسلفية الجهادية التي تؤمن بالعنف والتي تندرج تحته جماعة أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة, إضافة إلى السلفية الإخوانية التي تؤمن بالعمل السياسي وتنفتح على كل طوائف المجتمع, وتجمع في أدبياتها بين السياسية والدين. وعن الخلافات التي ظهرت بين السلفية التقليدية والسلفية الجهادية يرى الباحث في شؤون القاعدة عبدالرزاق الجمل أن دعوات سلفيي لودر إلى الجهاد يأتي بصورة فردية بعيداً عن التنسيق مع قيادات الدعوة السلفية في اليمن, وأنهم عندما وجدوا مدينتهم محاصرة من قبل أنصار الشريعة هبّوا للدفاع عنها ولو باسم الجهاد, وقال الجمل إنه ليس من مصلحة الجماعات السنية أن تضعف أية جبهة سنية في اليمن, فالمد الحوثي المتنامي في الشمال يحتّم على السلفيين التعاون من أجل مواجهة ذلك المد, مستبعداً أن يكون قد صدر فتاوى من الشيخ الحجوري بخصوص جهاد أنصار الشريعة. التيار السلفي وبوتقة الإرهاب ثمة رأي مغاير يتحدث به الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية نبيل البكيري، حيث قال في حديثه ل«الجمهورية» إن الجديد في الفتوى أن السلفيين دخلوا في معركتهم مع القاعدة منطلقين من اختلاف عقائدي وفكري في مسألة قتل المسلم, وهذا يقطع الطريق ويدحض الافتراءات التي ظلت توجه للتيار السلفي بأنه حاضن للقاعدة, والفتوى الجديدة بجهاد جماعة أنصار الشريعة يعكس التمايز الكبير والاختلاف الواضح بين القاعدة وبقية التيارات السلفية, وهو ما سيؤدي إلى سحب بساط الاستخدام الديني لمفهوم الجهاد عند القاعدة, أو تفسير القاعدة للجهاد باعتبار أن الدعوة السلفية في اليمن كبرى الجماعات التي ينظر إليها بأنها تتمسك بالجهاد. واعتبر البكيري فتوى الجهاد ضد أنصار الشريعة بمثابة ضربة قوية للقاعدة التي كانت تتكئ على مثل هذا الفكر السلفي, وبيّن البكيري أن هذا التطور الواضح في الفكر السلفي يحسب لهذا التيار وخاصة وقد اندمج تيار كبير منه في الجانب السياسي, وجانب آخر قد انخرط في محاربة القاعدة, ومثل تلك الأعمال التي يقوم بها السلفيون ترد الاعتبار للدعوة السلفية التي كانت تتعرض لحملات إعلامية وتتهم أنها حاضن فكري للجماعات المسلحة. وقال البكيري: إن هذا التمايز يفيد في التعامل مع الجماعات الدينية وعدم وضعها في إطار واحد مما يسهل دمجهم بالعمل السياسي والمجتمع ككل. فتاوى الجهاد ضد القاعدة سواء كان مصدرها من منظر المدرسة السلفية التقليدية يحيى الحجوري أو من بعض طلاب العلم المحسوبين على التيار السلفي تشكل بادرة جديدة في تعامل تلك الجماعات مع بعضها البعض, وتزيح كثيراً من الضبابية حول ذلك التيار. المتحدث الرسمي باسم اتحاد الرشاد اليمني محمد طاهر أنعم يرى في سياق حديثه ل«الجمهورية» أنهم ليسوا مع فتوى تجيز قتال المسلمين فيما بينهم لأنها لا تولد إلا مزيداً من الصراع. الحوار هل الحل ويواصل أنعم: بالنسبة للأحداث الدائرة في أبين فإننا لا نشجع على العنف ولا ندعو إليه ولا نحبذه, ولا نؤيد أية توجيهات سياسية أو اجتماعية أو غيرها تدعو للعنف داخل المجتمع اليمني, ونرى أن الحوار هو الوسيلة الوحيدة الناجحة لحل جميع المشكلات داخل المجتمع اليمني وخارجه. ودعا أنعم الذين يحملون السلاح في وجه الدولة إلى استخدام أساليب أخرى للمطالبة بما يرونه من حقوق وأفكار للإصلاح والتغيير في المجتمع اليمني، مؤكداً في الوقت ذاته أن العنف طريق غير مجدٍ.. داعياً الجهات الرسمية والجيش اليمني الذي وصفه بالعظيم باستنفاد جميع وسائل الحوار وضبط النفس, ومحاولة التعامل مع الجماعات المسلحة بطريقة أكثر مرونة, لأن الدم بحسب وصف أنعم لا يأتي إلا بالدم. وحذر أنعم بعض من يظنون أن الحرب نزهة عسكرية ستنتهي سريعاً قائلاً: الحرب ليست نزهة عسكرية ستنتهي قريباً وقد تمتد لسنوات طويلة والتعامل مع جماعات العنف في أفغانستان والعراق تؤكد أنه لا طريق إلا الحوار. وواصل انعم حديثه: إذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد سنوات طويلة من حربها على الإرهاب قد بدأت تحاول الحوار مع جماعات طالبان وغيرها من الجماعات فكم سنحتاج من الوقت لكي نصل إلى الحوار. أنعم وهو أحد رواد المدرسة السلفية الحركية في اليمن يجدد استنكار اتحاد الرشاد السلفي وإدانته الكاملة لاستهداف وقتل أي جندي أو مواطن يمني, وكذلك استهداف المنشآت الحكومية والشخصية, ويرى مرة أخرى أن طريق العنف طريق مسدود. العنف الذي تنتهجه جماعة أنصار الشريعة لا يصب في مصلحتها, ولن يخدم أجندتها الاستراتيجية، بل قد يفقدها كثيراً من مكاسبها التنظيمية وعناصرها الجهادية التي تؤمن بمواجهة أمريكا وإسرائيل ولا تؤمن بقتل الجنود والمواطنين اليمنيين, وبالتالي فإن العنف الذي ينتهجه أنصار الشريعة في أكثر من منطقة قد يكون بداية النهاية بالنسبة للقاعدة في اليمن, ومرحلة جديدة من التعاون الإقليمي الدولي لمواجهة القاعدة, إضافة إلى أن مواجهة القبائل اليمنية محرقة تصنعها القاعدة لتكتوي بها.