ثلاثة عشر عاماً مضت على وفاة العملاق العربي العظيم عبدالله البردوني المولود في قرية ريفية صغيرة اسمها بردون تابعة لمحافظة ذمار في العام 1929م ولد، وفي العام 1999م رحل. عاش الغائب الحاضر مكفوف البصر بعد ان سلبه الله إياه في الخامسة من عمره إثر مرض الجدري الخبيث، عاش البردوني متنقلاً ما بين ذماروصنعاء وألمانيا والعراق، إلا أن صنعاء هي التي عاش ومات فيها، هذه هي الذكرى الثالثة عشرة لرحيل بصير في زمن المبصرين، عملاق في زمن الأقزام، عاش سبعين عاماً كاتباً وشاعراً وناقداً لا يُعلى عليه، عاش بسيطاً متواضعاً يطبع بعض أشعاره وينشرها على نفقته الخاصة كي يقرأها العامة. مثّل اليمن في المؤتمر الثقافي الذي عقد بمدينة المربد العراقية في العام 1971م بمناسبة إحياء ذكرى أبي تمام، ونال جائزة المؤتمر ومطلع قصيدته تلك : ما أصدق السيف إن لم ينضه الكذب وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب بل نال العديد من الجوائز العالمية، أمتاز شعره بجزالة اللفظ وقوة المعنى أهتم بالقضايا الوطنية والقومية.. أثرى المكتبة العربية بالعديد من الدواوين الشعرية والكتب النثرية منها : السفر إلى الأيام الخضر ، زمن بلا نوعية ، لعيني أم بلقيس، مدينة الغد، رواغ المصابيح، في طريق الفجر. ومن الكتب النثرية : اليمن الجمهوري - الثقافة الشعبية. رأى الواقع على حقيقته لا كما يراه المبصرون، تفوق في شعره على جميع الشعراء تقمص الواقع وشخصه بل وتنبأ بالمستقبل، تعرض عام 1948 لسجن العميان على يد الإمام يحيى حميد الدين مكث في السجن تسعة أشهر قال في سجنه. وأنا وحدي الغريب وأهلي عن يميني وإخوتي عن يساري.. وأنا في دمي أسير وفي أرضي شريد مقيد الأفكار عاش البردوني حراً ضاحكاً رغم حزنه وتعبه وعماه قرأ التاريخ العربي وهضمه وخاطب أبا تمام الذي كان مصاباً بالعمى مثله لكنه متوقداً للبصيرة ماذا جرى يا أبا تمام تسألني عفواً سأروي ولا تسأل وما السبب يدمي السؤال حياءً حين تسأله كيف احتفت بالعدى حيفا أو النقب والمطلع لأشعار البردوني يجد أنه تنبأ حتى بالثورات العربية التي سميت بثورة الربيع العربي.. رثى حال المواطن اليمني بقوله : يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن. رحل البردوني ولم يحظ بالتكريم اللائق كشاعر “يمني عربي أممي” لم تجمع حتى دواوينه لولا الرجل الكريم الأستاذ/ خالد الرويشان الذي جمع دواوينه إلى مجلدات، نعم أهمل في بلد قال عنه ميت في قبرين جلدي وبلادي، عندما سافر إلى المربد سألوه: كيف حال اليمن فأجابهم بقوله : “ اليمن مثل وجهي” ويا ترى ماذا يعاني وجهه إنه يعاني من العمى والجدري. قال أحد الأدباء العرب وقوله حق ان الشعر مر بثلاث مراحل فقط هي “قديم ، حديث، بردوني”. نعم إنه شاعر محدث ودأبه الخلق والتوليد الإبداعي والمعرفي والفلسفي ونعم إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور. وسلام عليك يا بردوني يوم ولدت ويوم مت، ويوم تبعث حياً. وله الفخر من قرأ وحفظ للمعجزة الشعرية والإبداعية على مستوى العالم. فالراحل الحاضر هو المنقى والمبرأ من كربون العصر المزيف. ولا خلاف بين اثنين أن الراحل من أهم فرسان قصيدة العمود في العصر الحديث وربما أمهرهم وأخطرهم وأولهم. أخيراً أعتذر للباقي الخالد وليس الراحل والأعمى إنما نحن العميان ونحن الذاهبون بلا ذكرى وأنت الذي تذكر كلما قرأ شعر وكلما تثقف مثقف، وكلما حضرت رسائل الماجستير والدكتوراه وأنت ذو الذكرى الشعرية الطيبة كلما تتابعت الأزمان. فأنت البصير المبصر في زمانك وزماننا وزمانهم، قديماً وحاضراً ومستقبلاً.