أول تعليق أمريكي بشأن علاقة واشنطن بإسقاط مروحية الرئيس الإيراني    الإرياني: استمرار إخفاء مليشيا الحوثي للسياسي قحطان جريمة نكراء تستوجب تدخل أممي    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    مجلس التعاون الخليجي يؤكد موقفه الداعم لجهود السلام في اليمن وفقاً للمرجعيات الثلاث مميز    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة محتجز في سجون الحوثيين بعد سبع سنوات من اعتقاله مميز    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    بن مبارك بعد مئة يوم... فشل أم إفشال!!    الجوانب الانسانية المتفاقمة تتطلّب قرارات استثنائية    لماذا صراخ دكان آل عفاش من التقارب الجنوبي العربي التهامي    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    هجوم حوثي مباغت ومقتل عدد من ''قوات درع الوطن'' عقب وصول تعزيزات ضخمة جنوبي اليمن    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    انفراد.. "يمنات" ينشر النتائج التي توصلت إليها لجنة برلمانية في تحقيقها بشأن المبيدات    عودة خدمة الإنترنت والاتصالات في مناطق بوادي حضرموت بعد انقطاع دام ساعات    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    أول رئيس إيراني يخضع لعقوبات أمريكا . فمن هو إبراهيم رئيسي ؟    قادم من سلطنة عمان.. تطور خطير وصيد نوعي في قبضة الشرعية وإعلان رسمي بشأنه    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أذعت خبر سقوط النظام الملكي وقيام الجمهورية في شوارع تعز على متن سيارة «لاندروفر»
المناضل سعيد الجناحي ل«الجمهورية»:
نشر في الجمهورية يوم 02 - 10 - 2012

نقل ساعة الصفر من صنعاء إلى تعز إيذاناً بانطلاق الثورة السبتمبرية الخالدة للقضاء على الحكم الإمامي. اعتلى سيارة «لاندروفر» صبيحة ال26 من سبتمبر 1962م وتقلد الميكروفون ليذيع بيان الثورة وخبر سقوط النظام الملكي في شوارع مدينة تعز.
المناضل سعيد الجناحي في حوار مع «الجمهورية» يروي شهادته على سيرة ومسيرة لأكثر من نصف قرن.
نحتفل هذه الأيام باليوبيل الذهبي للثورة اليمنية الخالدة 26 سبتمبر 1962م التي اندلعت شرارتها الأولى في شمال الوطن.. ما الرؤية الخاصة للكاتب والمؤرخ اليمني سعيد أحمد الجناحي؟
مرحبا بك أولا والشكر موصول من خلالك لصحيفة الجمهورية.. يوم السادس والعشرين من سبتمبر يوم تاريخي في حياة الشعب اليمني، لأنه يمثل انطلاقة ثورة قلبت الأوضاع رأسا على عقب على الساحة اليمنية وأنهت نظاما ملكيا كهنوتيا استبداديا، وأعلنت عن أهداف عبّرت عن إرادة الشعب اليمني الذي انتقل بهذه الثورة إلى مرحلة جديدة أعادت الروح إليه وهيأت له سبل النهضة والتقدم وحددت موقف الشعب اليمني من الاستعمار البريطاني لجنوب الوطن منذ سنة 1839م .. موقف اتسم برفض الاستعمار وهيأ الطريق لتحرير جنوب الوطن. والحقيقة أن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 62م لم تكن ولادة يومها؛ لقد شكلت تتويجا لتراكم نضالي وتضحيات جسيمة للقوى الوطنية منذ أن حول الأئمة شمال الوطن اليمني في ظل رحيل الأتراك عام 1918م إلى مملكة تخص بيت حميد الدين، واستولى الإمام يحيى الذي تسلّم السلطة من الأتراك على السلطة، وحول استقلال البلاد إلى نظام فردي مستبد، وخلال 44 عاما من نضال الأحرار والوطنيين بداية بثورة 48م، ومرورا بحركة 55م تهيأت الظروف وتمكن الوطنيون من الثوار من القيام بثورة السادس والعشرين من سبتمبر.
أراك كررت ذكر القوى الوطنية.. مَنْ هذه القوى الوطنية التي تتحدث عنها؟
القوى الوطنية هي الفئة الطليعية التي آمنت بمصلحة الغالبية العظمى لجماهير الشعب اليمني، ثمة فئة تسيطر على السلطة، وفئة تسير مؤيدة للقوى التي في السلطة، وفئة تنحاز إلى الغالبية العظمى التي تعاني من الظلم والاستبداد، الطليعة الوطنية هي تلك التي تدرك حقيقة الأوضاع القائمة وتعمل على القضاء على الفاسد منها حتى لا تمثّل إلا مصلحة الجماهير ومصلحة الشعب. القوى الوطنية هي تلك التي ارتبطت بمصالح الشعب، والتي وقفت ضد الحكم المستبد في الشمال والوجود البريطاني في الجنوب، وتحملت مسئولية الكفاح من أجل التغيير والثورة.
هل كانت هذه الفئة التي تتكلم عنها ممثلة في حزب أو تيار أو جماعة ما بعينها؟
لقد بدا العمل الوطني ينتظم بفضل الفئة المستنيرة من أبناء الشعب اليمني، وخاصة أولئك الذين أسعفهم الحظ ودرسوا في الخارج، وخاصة في مصر والسودان، وعمل هؤلاء على بلورة فكرة توحيد النضال بإنشاء تنظيم بدأت الفكرة عند عدد من الدارسين في مصر من أبناء اليمن شمالا وجنوبا، ولأن المهام الوطنية تختلف في الشمال عن الجنوب فقد تمكن الأحرار من تشكيل أول حزب وهو حزب الأحرار لمعارضة النظام الإمامي عام 1944م بقيادة عدد من الأحرار، فهربوا إلى عدن هربا من قبضة النظام الإمامي في صنعاء، ثم تطور العمل الوطني في إطار منظم لا يتسع المكان هنا لسرده كاملا، لكن على سبيل الإجمال أستطيع القول: إن التنظيمات الوطنية والقومية المناضلة انتشرت خلال الخمسينيات، وتصاعدت حركة النضال العمالي في الجنوب، ومضت تنظيمات الحركة الوطنية تعمل في الجنوب بشكل علني مستغلة الهامش الديمقراطي، وبعضها زاول نضاله بطرق سرية وخاصة في الشمال..
فيما أعرف أنه لم تكن هناك جماعة ما منظمة في أي إطار قبل وأثناء قيام ثورة 26 سبتمبر عدا تنظيم الضباط الأحرار، حبذا لو تعطينا نبذة سريعة عن طبيعة هذا التنظيم ودوره في القيام بالثورة؟
قبل الحديث عن تنظيم الضباط الأحرار أود أن أشير إلى خارطة القوى السياسية في شمال الوطن أثناء مرحلة الإعداد للثورة، في هذه الفترة كانت القوى المنظمة والنشطة إلى جانب تنظيم الضباط الأحرار هي محور التجار الأحرار، وكان يقود هذا المحور المناضل عبد الغني مطهر، وعلي محمد سعيد، وقد بدأ نشاطه بعد عودة عبد الغني مطهر من المهجر إلى تعز عام 1958م، واتخذ هذا المحور أسلوب الاتصالات الشخصية ولم يكن له تنظيم مثل أي تنظيم حزبي.
إلى جانب هؤلاء أيضا حركة القوميين العرب، وقد تركز نشاط هؤلاء في تعز على قاعدة التنظيم الحزبي السري، وانتشر تنظيمها بين العمال والموظفين والعسكريين والطلبة، وأصبح لها نفوذ واسع وكانت لها علاقة تنسيق مع تنظيم الضباط الأحرار ومحور التجار.
وأيضا التيار الاشتراكي وكان يتمثل بجماعة صغيرة في تعز تعتبر نفسها من الاتحاد الشعبي الديمقراطي، ومن هؤلاء عبد الغني علي وجبر بن جبر، ومحمد الشعبي. وكان لحركة الأحرار شخصيات اقتصر نشاطها في الاتصالات وبلورة رؤية لعمل وطني، ومنهم القاضي عبد الرحمن الإرياني والقاضي عبد السلام صبرة، والعميد حمود الجايفي، والعميد عبدالله السلال، والعقيد عبدالله الضبي، والعقيد حسن العمري، والمقدم عبدالله جزيلان، والشيخ محمد علي عثمان، والشيخ مطيع دماج، والشيخ أمين أبو راس، وعبدالله الصيقل وآخرون.
هناك أيضا إلى جانب من ذكرت حزب العربي الاشتراكي والذي بدأ امتداده إلى اليمن عام 1959م يتواجد في صنعاء بين فئة المثقفين والعسكريين، واتسع نشاطه حتى كان انفصال سوريا عن دولة الوحدة “الجمهورية العربية المتحدة” التي جمعت مصر وسوريا، وعلى إثر ذلك اتُهم حزب البعث أنه وراء الانفصال، لذا تعرض إلى هجوم إعلامي من قبل مصر عبد الناصر مما أدى إلى تخلي الكثير عنه، هذا الحدث أدى إلى تداعي تنظيم حزب البعث وتركه. على ضوء ذلك يمكن الحديث عن نشأة تنظيم سميّ في البداية تنظيم الضباط الأحرار، أعضاؤه من خريجي الكلية الحربية من الذين كانت لهم تجربة حزبية في إطار حزب البعث، تركوا انتسابهم، وآخرون من الذين كانت لهم تطلعات وطنية ومتأثرين بنهج وتجربة عبد الناصر، فعقد الاجتماع التأسيسي في شهر ديسمبر 1961م وسموه تنظيم الضباط الأحرار على قاعدة عدم الانتماء إلى أي حزب آخر. وحين نقيس سرعة انتشار تنظيم الضباط الأحرار والقيام بالثورة رغم أن ما بين إعلان تأسيسه في ديسمبر 61م وسبتمبر 62م لا يتجاوز العشرة الأشهر سنجد أن العوامل التي ساعدت على ذلك هي انضمام شباب من خريجي الكلية الحربية ممن نهلوا معارف ووعيا سياسيا وثوريا من بعض الأساتذة الذين كانوا يدرسون في الكلية، ولذا تمكنت الطليعة المبادرة لتأسيس التنظيم من فرز الضباط الذين عرفوا بمواقفهم الوطنية واختيارهم للانضمام إلى تنظيم الضباط الأحرار، كما إن وجود أعداد من الضباط من خريجي الكلية الحربية في تعز والحديدة مكنت قيادة التنظيم من سرعة تشكيل فرعين في أهم المدن الرئيسية بعد صنعاء، أضف إلى ذلك أن خبرة الضباط الذين كانوا في إطار حزب البعث العربي الاشتراكي في مسائل التنظيم أفادت في وضع هيكل تنظيمي للتنظيم، فقد توزع الضباط بعد اللجنة القيادية في خلايا أساسية لا يزيد عدد أعضاء الخلية عن خمسة أعضاء إضافة إلى عضوية الضباط. وأوجد التنظيم علاقة تنسيقية مع عدد من المثقفين الوطنيين، كما أن التفاف أعضاء تنظيم الضباط الأحرار حول مبادئ واضحة ومحددة توافقوا عليها في إطار التنظيم وهي:
1 تحرير الوطن تحريرا كاملا من القيود الاستبدادية والاستعمارية وإقامة حكم ديمقراطي عادل.
2 القضاء على الرجعية ومخلفاتها من الأوضاع الفاسدة وإزالة الفوارق والامتيازات المختلفة.
3 إنشاء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة مكاسبها.
4 رفع مستوى المعيشة ومضاعفة الدخل القومي زراعيا.
5 إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني اشتراكي.
6 العمل على تحقيق الوحدة العربية الشاملة.
7 المساهمة في إقرار الأمن والتعايش السلمي في العالم.
أما عن العامل الأهم الذي منح تنظيم الضباط الأحرار القدرة على القيام بالثورة هو خلق علاقة مع مصر عبد الناصر من خلال القائم بأعمال السفارة المصرية في صنعاء الأستاذ محمد أحمد عبد الواحد. ففي وثيقة نشرتها في كتابي «المسار النضالي وأحداث الثورة اليمنية» صدر عام 2002م: وهي عبارة عن تقرير سري رفعه القائم بأعمال السفارة المصرية حول الأوضاع في اليمن حينها، أي في يونيو 62م، وجاء في التقرير: لقاء تم بين القائم بالأعمال في السفارة المصرية والملازم علي عبد المغني ممثل الضباط الأحرار، أشار التقرير إلى مطالب الضباط الأحرار، ومن أهمها الدعم المباشر للثورة حتى قيامها وحمايتها من أي عدوان خارجي. كما جاء في التقرير السري تفاصيل حول العلاقة مع محور التجار الأحرار، وذكر التقرير ما تم تقديمه لهذا المحور من دعم.
وما ذا كان رد عبد الناصر؟
كان رد عبد الناصر الموافقة بدعم الثورة وحمايتها تحت كل الظروف، هذا الأمر طمأن الضباط الأحرار وكل الوطنيين، وهو ضمان حماية الثورة. ومن عوامل الإقدام على الثورة بقيادة الضباط الأحرار إلى جانب الأطر التنظيمية وما يحكم المجال العسكري من الالتزام وتنفيذ الأوامر، إضافة إلى الاتصال أو التنسيق النضالي بين قيادة تنظيم الضباط الأحرار وكبار الضباط العسكريين، مثل العميد عبد الله السلال والعميد الجايفي، والعقيد الضبي، والمقدم عبدالله جزيلان.
كل المصوغات التي ذكرتها هيأت للضباط الأحرار القدرة على إنهاء النظام الإمامي بقيادة الثورة، وكانت الفرصة الحقيقية هي بعد موت الإمام أحمد في 19 سبتمبر 1962م وانتقال السلطة إلى ولي العهد الذي أعلن عن نفسه إماما خلفا لأبيه وهو محمد البدر. وخلال أسبوع وفي ظل ارتباك أسرة بيت حميد الدين في ترتيب أوضاعهم تمكن الضباط الأحرار من الإعداد التنفيذي لإنهاء النظام الإمامي، وكانت الثورة التي قادها الضباط الأحرار وشاركت فيها قوى مدنية من الثوار أيضا..
من ناحية ثانية أيضا، وبعد قراءة المشهد من كافة جوانبه إلى أي حد ساهم الانقسام الملكي الداخلي بين جناحي البدر وعمه الحسن في إنجاح الثورة؟
إذا كان موت الإمام أحمد قد هيأ ظفرا لقوى المعارضة وخاصة تنظيم الضباط الأحرار فإن الانقسام داخل الأسرة الإمامية والذي بدأ منذ أن أعلن الإمام أحمد أن ابنه البدر هو ولي العهد؛ إذ كان الحسن أخ الإمام أحمد يرى أن له أحقية ولاية العهد، هذا الانقسام استغله الضباط الأحرار، فقد كانوا يوهمون البدر أنهم معه، ليأمنوا جانبه، ويوهمون أنصار الحسن أنهم معه ليأمنوا شرهم. هذا النهج مكّن قوى الثورة من الإعداد العملي لقيامها، وكما حدث فإن المقدم عبدالله جزيلان مدير الكلية الحربية أعلن حالة التأهب بين القوات المسلحة مما أتاح تجمع الضباط من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار وكل من كان يؤيدهم في الكلية الحربية ومقر الأسلحة في العرضي، وكذا مكّن قيادة تنظيم الضباط الأحرار من تنفيذ خطتهم. وأمام التحركات كان ثمة من يتساءل عن الذي يجري، فإن كان من مؤيدي البدر يقال لهم: إن حالة التأهب لحماية انتقال السلطة إلى الإمام البدر؛ وإن كانوا من أنصار الحسن يقال لهم: من أجل تأمين انتقال السلطة وحماية وصول الأمير الحسن.. هذه الطريقة وفرت حالا من الأمان والثقة، ومكنت الثوار من التحرك تجاه قصر البشائر حيث الإمام البدر والمواقع المهمة، أعقبه تحرك الجيش للسيطرة على صنعاء مفاجأة مما باغت رجال النظام..
أين كان الأستاذ سعيد الجناحي يوم 26 سبتمبر 62م؟
كنت يومها في تعز، وكنت أعمل في شركة الطيران اليمنية، وهي شركة تأسست عام 61م بعد أن انتقلتُ من عدن بقرار تنظيمي في حركة القوميين العرب لرفد تنظيم الحركة الناشئ في تعز، وقد انضممت إلى المرتبة المسؤولة والتي كانت مكونة من المناضل عبد الرحمن محمد سعيد، وعوض الحامد، وعبد الباقي محمد سعيد، وشمسان الذبحاني، ثم انضم إلينا مالك الإرياني، وفي الإطار التنظيمي تحملت مسئولية القطاع العسكري، وكان المسئول الأول عن المرتبة يحيى عبد الرحمن الإرياني لأنه كان في القاهرة، وكان المسئول الأول المناضل عبد الرحمن محمد سعيد، وكنت مسئولا عن الجانب العسكري، ومن أعضاء حركة القوميين العرب من العسكريين النقيب علي عبدالله الكهالي، والملازم سعد الأشول، والملازم أحمد الكبسي، والنقيب محمد مفرح، والملازم محمد الخاوي، وعبدالله الحيمي.
وكانت للحركة علاقات مع تنظيم الضباط الأحرار ومع محور التجار ومحور الأحرار بقيادة المناضل عبد الغني مطهر وعلي محمد سعيد، وقد ضمنت تفاصيل هذه الأحداث في كتابي “المسار النضالي وأحداث الثورة اليمنية”..
أفضّل معرفة دورك أنت شخصياً في هذه الأحداث؟
يمكنني الحديث عن دوري وهو دور يعود إلى موقفي من تنظيم حركة القوميين العرب والعلاقة التي كانت قائمة بين الحركة والقوى الثورية الأخرى وخاصة تنظيم الضباط الأحرار ومحور التجار الأحرار أقول: بحكم عملي مسئولا عن مكتب شركة الطيران في مطار تعز كنت أطلع من خلال تنقلات العناصر الوطنية على الأخبار؛ بل كنت أتمكن من السفر إلى صنعاء بين وقت وآخر ضمن طاقم الطائرة، وبالنسبة لدوري شخصيا فقد كان إلى جانب المشاركة في الإعداد لقيام الثورة، تجلّى في أخطر مهمة وهي نقل ساعة الصفر من صنعاء إلى تعز، لقد كانت تعز منطقة مهمة، باعتبارها عاصمة النظام الإمامي منذ العام 48م، فيها رجالات النظام السابق، وفيها يتواجد الجيش وقياداته، ولن تنجح الثورة دون السيطرة عليها.
كيف نقلت ساعة الصفر من صنعاء إلى تعز؟
من ضمن الرحلات التي أتاحت لي الاطلاع على ما كان يحدث في صنعاء انتقالي على الطائرة الثانية التي حملت أفرادا من النساء والرجال من الأسرة الإمامية أثناء نقل نعش الإمام إلى صنعاء. كان ذلك يوم الجمعة الموافق 20 سبتمبر إن لم تخني الذاكرة، والرحلة الثانية التي سافرت فيها إلى صنعاء كانت يوم الاثنين 23 سبتمبر، كانت الطائرة «الداكوتا» يصعب طيرانها خاصة عند تراكم السحب، لذلك كانت أغلب الرحلات إلى صنعاء يتم المبيت فيها. مساء ذلك اليوم جاء إلى دار الضيافة “المتحف الحربي اليوم” الملازم علي عبد المغني وحين عرف أني موجود أشار إليّ أن أتبعه، وبينما نحن نسير اخبرني بما تم الاتفاق عليه بشأن التحرك لقيام الثورة، قال لي: أخبر الإخوان في تعز أن التحرك سيكون يوم الخميس، عليهم أن يستعدوا ويراقبوا إذاعة صنعاء، فما أن يسمعوا قول المذيع: هنا «إذاعة الجمهورية العربية اليمنية» يتحركون مباشرة.
عدت صباح يوم اليوم التالي «الثلاثاء» تعز فورا، وأبلغت مسئول المرتبة للحركة وأبلغت الضباط الأحرار، ومنهم الملازم محمد الخاوي الذي كان عضوا في الحركة، وفي نفس الوقت منسقا مع الضباط الأحرار، كما أبلغت عنصرين آخرين هما: قائدا محور التجار الأحرار المناضلان عبد الغني مطهر، وعلي محمد سعيد، وفي الطريق إليهما وجدت الأستاذ محمد الحمدي أخا الرئيس إبراهيم الحمدي وأخبرته لتأكدي أنه من العناصر الوطنية. استعد الضباط الأحرار فرع تعز للحدث، وبالنسبة لنا وفق قرار المرتبة المسئولة أشعرنا كل أعضائنا من العسكريين أن ينضموا مع زملائهم من تنظيم الضباط الأحرار، وبالفعل مع الفجر، وما إن سمعت: “هنا إذاعة الجمهورية.. هنا إذاعة الثورة” تحركت مكان الزميل المناضل النقيب علي عبدالله الكهالي في الحارة التي نقطن فيها معا، وتحركنا معا إلى العرضي، حيث كان الجيش مصطفا في ميدان العرضي في حالة استعراض عسكري تأييدا للإمام البدر، وينتظرون وصول القائد العام للجيش العميد الآنسي. ووفق الخطة للسيطرة على تعز تحرك الملازم محمد الخاوي والملازم سعد الأشول مع فرقة من العسكر إلى منزل العميد الآنسي، قائد الجيش ليعلموه بقيام الثورة وأخبروه أن قائد الثورة العميد الجائفي لقرابة تربطه به، وبعد حوار بينهم طلب التأكد من اللاسلكي، وبالفعل تحركوا إلى مبنى اللاسلكي والذي كان عند نهاية ميدان العرضي، وهناك تجمع عدد كبير من الضباط وكنت معهم؛ أبرق عامل اللاسلكي إلى صنعاء وكان الرد بأن الثوار سيطروا على الوضع، وبالفعل أعطى العميد الآنسي أوامره بانتقال الجيش إلى الثكنات، وانتقل عدد من الضباط إلى مكتب القيادة في العرضي، ومنه تمت إدارة التحركات. في ساحة مكتب القيادة كانت توجد سيارة لاندروفر مكشوفة عليها مكروفون ، ومن ضمن الإجراءات كان لا بد من إشعار الناس بقيام الثورة، إذ لم يكن الراديو متوفرا إلا لدى عناصر محدودة، وتقدمت للقيام بالمهمة، وتحركت مع سائق السيارة وكنت أذيع خبر سقوط النظام الملكي الإمامي المستبد وقيام الجمهورية، فاحتشد الناس بالمئات وكانوا يتزايدون حتى وصلوا بالآلاف، وواصلت إعلان الجمهورية والتبشير بعهد جديد.. وقد ازداد المتجمهرون حولنا من المؤيدين للثورة وواصلنا المسير في الشارع الرئيسي وحتى القيادة، وفي ذات الوقت خلق التحرك الشعبي حالة من الرعب لدى رجال النظام القديم الذين كانوا لا زالوا في تعز، وتم اعتقال حوالي 35 شخصا، وفي نفس الوقت عملت قيادة تعز من خلال العميد الآنسي على السيطرة على كل المواقع المهمة ومنها القلعة، ولما أذيع بيان مجلس قيادة الثورة من صنعاء كان النقيب محمد مفرح عضوا فيه، وتولى مسئولية قيادة تعز.
عفواً أستاذ سعيد حد علمي أن ثمة معلومة منسوبة لتنظيم الضباط الأحرار تقول: إن الذي نقل ساعة الصفر من صنعاء إلى تعز هو الملازم علي الضبعي أظن في كتاب صدر عن التنظيم اسمه “أسرار ووثائق الثورة اليمنية”؟
أجل.. المعلومة نشرت ضمن الكتاب المذكور، بالصيغة التي ذكرتها أنت، والكتاب كتبه ستة من الضباط الأحرار الذين شاركوا في الثورة وقضى أن علي عبد المغني لم يكن منهم، فقد استشهد بعد أسابيع من قيام الثورة حين كان يتصدر فرقة عسكرية لمطاردة الإمام المخلوع الفار محمد البدر، وقد صدر الكتاب مطلع الثمانينيات وعاتبت الأخ المقدم “حينها” محمد الخاوي، ولم أحاول الإلحاح بتصويب المعلومة، لأنه مع الزمن تتكشف الحقائق، وفي مقابلة تلفزيونية مع الأخ المناضل علي محمد سعيد ذكر المعلومة أنه علم بساعة الصفر من سعيد أحمد الجناحي، الأمر الذي جعلني أذكّر الأخ اللواء محمد الخاوي، وفي ندوة “الثورة اليمنية.. الانطلاق.. التطورات.. المستقبل” التي عقدت في تعز في العام 2005م في تعز قدم اللواء محمد الخاوي ورقة مكتوبة عبارة عن شهادات أورد منها فقرتين أقتبس من النص الأول: “كما كلف الملازم محمد الخاوي بالتنسيق مع حركة القوميين العرب والذي كان على اتصال دائم ومستمر مع أمينهم العام الأستاذ سعيد أحمد الجناحي، والذي كان قد ضم في خلاياه عددا من الضباط خارج التنظيم “أي تنظيم الضباط الأحرار” كالمناضل محمد مفرح واللواء علي عبدالله الكهالي” والفقرة الثانية تناول ساعة الصفر أقتبسها بالنص: “وكلف التنظيم الأخ علي الضبعي للذهاب إلى صنعاء يوم 19 سبتمبر، وعاد يوم 21 سبتمبر حاملا معه قرار القيادة في صنعاء، والذي يتضمن عدم وجود فرصة أخرى للقيام بالثورة إن لم تتحقق خلال الأسبوع الذي يلي موت الإمام ووصول جثمانه إلى صنعاء، فتم توزيع المهام للقيادة بتعز على ضوء المستجدات الجديدة، وفي يوم الثلاثاء وصل الأستاذ سعيد الجناحي حاملا ساعة الصفر لانطلاق الثورة” وأود أن أضيف إلى دوري في الثورة ما ذكر في كتاب أسرار ووثائق الثورة اليمنية، “كان محور التجار الأحرار وقيادة عبد الغني مطهر والذي كانت له علاقات واسعة بين التجار الوطنيين والضباط والشخصيات السياسية المعارضة والوطنية، كما كانت له علاقة وطيدة بالقيادة المصرية، لذا سافر إلى القاهرة في أبريل 62م حيث التقى بالقيادة المصرية أنور السادات والذي كان مسئول مكتب الجزيرة والخليج لدى القيادة، كما التقى الرئيس جمال عبد الناصر، ووضع القيادة المصرية في الصورة لمجمل الأوضاع في شمال اليمن ووضع القوى الوطنية، وطرح تصورا لقيام الثورة على أن تكون في 23 يوليو 1962م وحين طرح على حركة القوميين العرب الفكرة كان رأينا أن الظروف لم تتضح بعد ، ووجد تململاً في بعض الضباط، وخاصة من لهم علاقة بتنظيم الضباط الأحرار لذا حصل التراجع عن الأمر، لكن رأي عبد الغني مطهر ذلك حفز قيادة تنظيم الضباط الأحرار وجعلهم يعدون لتفجير الثورة في تعز، جاء هذا الأمر موثقا في كتابهم أسرار ووثائق الثورة اليمنية. أقتبس فقرة أشارت إلى جانب من دوري وهي: “وهنا دخل التنظيم مرحلة جديدة هي أكثر جدية وخطورة من المراحل السابقة، فقد بدأ يركز على اهتمامه على مدينة تعز باعتباره مركز تجمع عناصر السلطة، كما بدأ يدعم فرع تعز بما يلزم من الذخيرة الخفيفة، وكانت ترسل مغلفة في كراتين مكتوب عليها: هدية للنائب الجليل حمود الوشلي” وذلك بواسطة الأخ سعيد الجناحي الذي كان آنذاك يعمل في الخطوط الجوية والأخ عبد الغني مطهر” تلك محطات من دوري، وحقيقة فإن عضوين من حركة القوميين العرب هما النقيب محمد مفرح والملازم سعد الأشول كانا عضوين في قيادة الثورة، وكان بإمكان الحركة أن توصل العديد من أعضائها إلى سدة السلطة لكن اتجاهنا كان التركيز على قيادة الجماهير فقط..
ماذا عن دور أبناء الجنوب في ثورة 26 سبتمبر ونضالهم المستميت مع إخوانهم في شمال الوطن؟
ما إن قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م حتى استقبلت جماهير الشعب في جنوب الوطن النبأ بفرحة غامرة وشهدت عدن مظاهرات حاشدة تأييدا للثورة في صنعاء، لقد أدركت القوى الوطنية أن قيام ثورة في شمال الوطن يعني أن تحرير جنوب الوطن سوف يتم دون شك، وما أن أعلنت قيادة الثورة عن أهمية تشكيل قوات مقاتلة باسم الحرس الوطني ومن المتطوعين من أبناء الشعب اليمني حتى هب الآلاف من أبناء الجنوب وخاصة من عدن وردفان والضالع وغيرها للتطوع، وكذا المتطوعين من أبناء المناطق المتاخمة لما سمي بالحدود وخاصة ردفان والضالع والشعيب، انتقلوا إلى تعز بيسر، وفي عدن شكلت لجان التسجيل المتطوعين وجمعت التبرعات لتغطية نقلهم إلى تعز.. وهكذا وصل الآلاف إلى معسكر تدريب المتطوعين في تعز حيث تم تدريبهم وتسليحهم ثم نقلهم إلى الأماكن الواقعة في شمال الشمال؛ حيث التحقوا مع قوات الجمهورية للتصدي للملكيين الذين وجدوا الدعم الكبير من أعداء الثورة اليمنية من سلاح ومال وإعلام. وطمعا في المال انحاز إلى صف الملكيين عدد من المشايخ وقبائلهم لكن القوات الجمهورية ومن ضمنها قوات الحرس الوطني تصدوا للعدوان ولقوات الملكيين وشكل ذلك الصمود استمرار الثورة والنظام الجمهوري.
بالمقابل أيضاً كان لبعض الإخوة في الشمال حضور حين اندلعت ثورة 14 أكتوبر في الجنوب وقد عاد بعض إخواننا الجنوبيين من معارك القتال بأسلحتهم أيضاً..؟
حين تم الإعلان عن بداية النضال لتحرير جنوب الوطن اليمني بقيادة الجبهة القومية تم الاتفاق مع قيادة الثورة على عودة أبناء الجنوب من الذين يرغبون في الانضمام إلى النضال المسلح لتحرير الجنوب، وبالفعل غادرت أعداد كبيرة شمال الوطن بأسلحتهم وبالتنسيق مع الجبهة القومية وعادوا إلى مناطقهم للمشاركة في تحرير جنوب الوطن والتي انطلقت من ردفان في الرابع عشر من أكتوبر 63م. وهكذا نجد أن نضال الشعب اليمني في شماله وجنوبه نضال مترابط وإن واحدية الثورة قد تجلت في نضال أبناء الجنوب في الشمال وأبناء الشمال في الجنوب..
من خلال قراءتنا لتاريخ الثورة اليمنية 26 سبتمبر 62م ولتفاصيل الأحداث الأولى للثورة نجد أنها كانت قريبة جداً للنجاح أو كادت في أسابيعها الأولى، ثم ما لبثت أن عادت القوى الملكية والرجعية بقوة كبيرة كبدت الجمهوريين خسائر فادحة في المعدات والأرواح.. ما السبب من وجهة نظرك؟
حقق الثوار نجاحا حاسما بعد معارك دارت في صنعاء وخاصة مع حرس الإمام البدر في قصر البشائر، وفي يوم الخميس كان الثوار قد سيطروا على العاصمة وبعض المدن الرئيسية مثل تعز والحديدة وإب وحجة بدون أية مواجهات، في البداية قررت قيادة الثورة أن الإمام البدر انتهى تحت أنقاض قصر البشائر وتم الإعلان عن ذلك في الإذاعة، لكن ما حدث أنه أثناء القتال بين الثوار وحرس البدر تسلل من الباب الخلفي مستغلا ثغرة وضعت بحسبان خطة الثوار لكن المكلف بسد تلك الثغرة لم يقم بما أُمر به. وفي اليوم الثاني للثورة تحرك عدد من الضباط الأحرار مع فرق من الجنود الذين انضموا للثورة لمطاردة الإمام الهارب في كل اتجاهات المناطق الشمالية، وظل يتنقل من منطقة إلى أخرى أياما، وفي خمسة أكتوبر أذيع من إذاعة البي بي سي البريطانية أن الأمير الحسن عم الإمام البدر الذي كان ممثلا لليمن في الأمم المتحدة قد أعلن عن نفسه إماما وأنه وصل إلى السعودية عن طريق الخرطوم حيث انضم إليه أفراد من الأسرة الإمامية وأعوانهم المتواجدين في الخارج أو من الذين تمكنوا من الهروب إلى جنوب الوطن. وفي 13 أكتوبر أعلنت إذاعة مكة أن الإمام المخلوع البدر لا يزال حيا، في 17 أكتوبر أذيع من إذاعة مكة بيان أعلن فيه تنازل الحسن لابن أخيه البدر وأن البدر هو الإمام الشرعي. من وحي هذا الواقع ووقائع أخرى وجد الملكيون ساحة لتحركاتهم من جهة الشمال، لقد وجدوا كل الدعم من معسكرات تدريب إلى المال والسلاح وكذا الإعلام وأيضا البريطانيون من جهة الجنوب، الذين قدموا المال والسلاح ، ولذا تصاعد العدوان البريطاني على مناطق الحدود الشطرية وتصاعدت قوات الملكيين خاصة أن كثيرا من مشايخ القبائل استهواهم الحصول على الأموال والسلاح وجنيهات الذهب. وإلى جانب الرجعية العربية التي دعمت الملكيين انضم إليها الغرب الاستعماري واستعان الملكيون بعدد من المرتزقة الأجانب وأتت بمدربين من الأردن ومن إيران في عهد الشاه؛ لذلك طالت الحرب ولولا وفاء مصر عبد الناصر بالدفاع عن الثورة اليمنية والجمهورية ربما لما كانت هناك جمهورية، فقد وصلت طلائع من الجيش المصري في أكتوبر ووصل عددهم مع أسلحتهم إلى عشرات الآلاف ولولا ذلك الدعم لما انتصرت الثورة واستمر النظام الجمهوري. وقد شكّل هذا الوفاء المصري لليمن وللجمهورية ما يشبه حرب الاستنزاف للقوات المصرية ولكوادرها المؤهلة فكانت هزيمة يونيو 67م لمصر المعروفة.
يقول البعض: إن روح الثورة ووهجها قد ذهبت به حكومة خمسة نوفمبر 67م التقليدية وحولت مسار الثورة إلى جمهورية إقطاعية بحكم سيطرة القوى التقليدية على مراكز الحكم في الوقت الذي دخلت فيه القوى التقدمية والوطنية السجون والمنافي.. ماذا ترى؟
قبل الحديث عن حركة خمسة نوفمبر 1967م علينا الحديث عن الأوضاع التي سادت البلاد حتى قيام تلك الحركة الارتدادية علينا أن نعود إلى ذاكرة التاريخ وتناول التحولات التي تحققت في فترة ما قبل حركة نوفمبر 67، وهي تقريبا خمس سنوات وخمسة أشهر.
في الواقع لم يرث الوطنيون الثوار الذين أسقطوا النظام الإمامي وأنشأوا النظام الجمهوري مؤسسات أو دستورا أو قوانين تنظم السلطة وحياة المجتمع، لقد كانت البداية من الصفر، ففور نجاح الثورة تم تشكيل المؤسسات السيادية، مجلس رئاسة.. مجلس قيادة الثورة.. مجلس الوزراء.. ولأن الجيش كان مكونا من القبائل في عهد الإمام ويفتقد إلى قوام الجيش الحديث فقد كانت البداية من إنشاء قوات عسكرية من المتطوعين أُطلق عليها الحرس الوطني لمواجهة العدوان الذي واجه الثورة ونظامها الجمهوري من قبل أعداء الثورة اليمنية والدول الغربية والاستعمارية، وهو العدوان الذي استمر سبع سنوات مدعوما بالمال والسلاح تم تقديمه للملكيين لكن الدعم الذي قدم من مصر عبد الناصر، الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي شكل عاملا أساسيا لصمود الثورة والجمهورية، ورغم أن العدوان من قبل أعداء الثورة وبالأخص بريطانيا والدول الرجعية العربية وصل إلى أوجه حين واجهت قيادة الثورة وحكومة الجمهورية أربعين جبهة بداية عام 67م، ومع ذلك تم خلال هذه المرحلة وبعد سبعة أشهر إصدار أول دستور مؤقت وعلى ضوئه تم تأسيس مؤسسات الدولة وصدرت نظم وقوانين تنظم الوزارات والمؤسسات والشركات الخاصة والقطاع العام وإنشاء بنك مركزي وإصدار عملة ورقية بدل العملة الفضية “ماريا تريزا”، وفي مجال التعليم وبعد عام تم بناء وفتح مدرستين ثانويتين، تلاهما العشرات من المدارس، وتأسس التعليم على أساس مجانيته، وكذا تأسس المجال الصحي على أساس أن يكون في متناول كل مواطن مجانا، وتخرج خلال هذه الفترة الآلاف من الضباط العسكريين من مصر فشكلوا دافعا لبناء الجيش الحديث، كما تخرج المئات من الدارسين في الخارج.. وفي هذه الفترة عرف اليمن بناء المصانع مثل مصنع الغزل والنسيج، لقد كانت هذه المرحلة مرحلة التحدي والصمود أمام العدوان والتآمر، ومع ذلك تمكن شعبنا من الانتصار، وكان حصار صنعاء خلال السبعين يوما آخر جولة عدوانية بعدها تم التصالح وعودة الملكيين تحت غطاء النظام الجمهوري. وفي مجال الصحافة صدرت ثلاث صحف يومية وثلاث صحف أسبوعية ومجلة «الجريدة» الرسمية. وما يؤخذ على هذه الفترة هو تنامي الصراع الجمهوري/ الجمهوري، وهو صراع تفاقم على السلطة في ظل غياب نهج واضح، وكذا لضعف العمل الحزبي، والمؤسف أن تاريخ سبتمبر وأكتوبر لم يُكتب على نحو كامل حتى الآن رغم مرور خمسين عاما عليهما.
لنتكلم عن حكومة أو فترة ما بعد خمسة نوفمبر 67م فما بعدها؟
يمكن القول: إن حركة خمسة نوفمبر 67م أنتجت بكل تأكيد وضعا ارتداديا، لقد أتاحت للقوى التقليدية القبلية والعائدين من الملكيين بعد صلح عام 1970 التصدي للنهج الثوري وللقوى الثورية وكبح التطور بعد أن شكل عهد السلال مرحلة لم تتح لقوى الثورة المضادة وحتى تلك القوى التي كانت تعمل وتطالب بالصلح بين القوى الجمهورية والملكيين على قاعدة الدولة الإسلامية بما يعني حسب منطقهم لا جمهورية ولا ملكية!! ومجمل القول: إن ثورة 26 سبتمبر 62م عبرت التاريخ على الساحة اليمنية بل على مستوى الجزيرة العربية، وحملت إلى الواقع اليمني مكاسب لأغلبية جماهير الشعب، مكاسب عظيمة تحققت بفضل الثورتين لكن للأسف الشديد فقدت في ظل دولة الوحدة، الدولة التي هي الأساس هدف الثورة..
القبيلة والدولة مفردة جدلية على مدى العقود الماضية.. ما هي رؤيتك هنا بشأن هذا الجدل؟
القبيلة في كل الأطوار مشكلة رئيسية تواجه الدولة النامية، وخاصة البلدان الحديثة التحول إلى النظام المدني الديمقراطي، وفي اليمن شكّل الواقع القائم عشية وبعد قيام الثورة مجالا لبروز القبيلة، فقد عمل النظام الإمامي في الشمال عبر مساره على كبح جماح المشايخ، وخاصة مشايخ القبائل الكبيرة؛ وبعد انتهاء النظام الإمامي أي بعد قيام الثورة انقسم المشايخ فمنهم من أيد الثورة ومنهم من وقف مع الملكية بعد أن تأكد هروب البدر والذي وجد دعما هائلا من أعداء الثورة اليمنية من الدول الغربية وخاصة بريطانيا التي كانت تستعمر جنوب الوطن العربي ومن دول عربية توجست من الثورة اليمنية وامتداداتها إلى بلدانها، وفي خضم الصراع الجمهوري/ الملكي انضم جزء من المشايخ إلى الملكيين وحصلوا على الأموال الطائلة والسلاح مما مكنهم من تجييش الأتباع لصالح الملكيين؛ أما المشايخ الذين أيدوا الجمهورية فمنهم من استمر في تأييده، ومنهم من انجرف نحو التعامل مع الملكيين وظل موقفه بين بين، وحتى المشايخ الذين ظلوا مؤيدين للجمهورية والثورة حصلوا على العطايا المالية والسلاح من حكومة الجمهورية، وأيضا الدعم الكبير من المصريين ماليا وعسكريا، لقد كان لمصر قوات عسكرية كبيرة وصلت إلى اليمن وتم توزيعها في مناطق شمال الشمال لمواجهة القوات الملكية، وبالمال أيضا حاول المصريون كسب المشايخ، إما مباشرة أو من خلال حكومة الثورة وذلك لحماية قواتهم، ومع ذلك فقد ساد القول عن بعض هؤلاء المشايخ وأتباعهم: يجمهرون بالنهار ويميلكون بالليل!! وطبعا وبعد سبع سنوات من المواجهات تكون لدى المشايخ جيش وأسلحة لا عدد لها بما في ذلك الأسلحة الثقيلة، وتراكمت لديهم الأموال، أفضى الأمر إلى أن أصبحوا في السلطة، وخاصة بعد المصالحة التي تمت نهاية 69 وبداية العام 70م وعودة الملكيين إلى البلاد تحت ظل النظام الجمهوري. وفي السلطة تواجد كثير من المشايخ في مجلس الشورى إضافة إلى أن بعض ضباط الجيش ظلوا مرتبطين بقبائلهم وجعلوا منها سندا لبقائهم، وإلى جانب ذلك دخلت العلاقة الرأسمالية في إطار المفهوم القبلي وتطورت العلاقة الرأسمالية بين أوساط المشايخ، إذ أخذوا يصرفون الأموال في بناء المساكن والفنادق وتأسيس الشركات التجارية، وأصبح للبعض علاقة بالخارج يتسلمون الملايين لكسب ولائهم وتحويلهم إلى ورقة سياسية مرتهنة، وبنظرة موضوعية وتفحصية في تطور القبيلة أو المشايخ في شمال الوطن سنجد أن هذا الأمر أدى إلى رسملة المشايخ إلى جانب خوضهم في السياسة، وهي ظاهرة مهمة جدا، أما بالنسبة للوضع القبلي في جنوب الوطن فإنه يختلف تماما، فأثناء الوجود الاستعماري عمل البريطانيون على تجزئة الجنوب ومكنوا المشايخ من الحكم في كيانات صغيرة جعلوها تحت حمايتهم وفق معاهدات حماية واستشارة، أيضا بالنسبة للجنوب فإنه منذ بداية الكفاح المسلح عام 63م حتى بعد الحصول على الاستقلال كان النضال الوطني ضد المستعمر البريطاني وعملائهم من مشايخ وسلاطين ممن كانوا يحكمون الكيانات التي كانت قائمة ومنتشرة في البلاد تحت الحماية البريطانية، ولقد تكلل النضال الوطني في الجنوب بالنصر وكان الاستقلال عام 67م وانتهى الاحتلال وانتقل نضال القوى الوطنية إلى توحيد حوالي 25 سلطنة في كيان دولة واحدة. وكانت البداية أن الجبهة القومية التي وصلت إلى السلطة عام 67م كانت قد انطلقت من الريف واعتمدت عليه، وحين كانت تحرر منطقة من المناطق كانت تشكل لجنة شعبية من العناصر الوطنية تتولى إدارة السلطة في المنطقة، وأنشأت لجنة من ثلاثة أفراد من العناصر المتعاطفة معها، وتولت كل لجنة من تلك اللجان تصريف أمور القبيلة بدلا من الشيخ. أما الخطوة الثانية فقد اتخذت حكومة الاستقلال سياسة المصالحة، وتم عقد مؤتمرات في كل المحافظات ، حضر تلك المؤتمرات أعضاء لجان القبائل واللجان الشعبية والمشايخ من الذين أيدوا الثورة وخرج المؤتمرون بوثيقة عهد وقع عليها كل من حضر المؤتمر، نصت على أن يتخلى بموجبها كل من يحاول التربص وتصفية الحسابات القديمة، وجاءت الخطوة الثالثة وهي إلغاء الانتساب إلى الكنية القبلية ونشر التعليم في المناطق الريفية وتنفيذ المشاريع التنموية، ولعب النهج التثقيفي الحزبي دورا كبيرا في نشر الوعي الوطني الأمر الذي عزز تطور المجتمع المدني في جنوب الوطن. وبعد الوحدة وكما هو معروف عمل النظام على إعادة الحمية القبلية ووصل الأمر إلى أن يكون لعدن شيخ قبلي!! هذه السياسة أفقدت المجتمع في ظل دولة الوحدة مدنيته إلى حد كبير ليس هذا مجال تفصيله.. والمسألة هنا لا تعني محاربة القبيلة أو المشيخة، بل تعني إنهاء مجموعة القيم المتخلفة التي تسير العلاقة بين القبائل والدولة أو القبيلة والمجتمع، ومنها الولاء للقبيلة لا للوطن أو الدولة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.