الفيلم الذي عرض في مسابقة الأفلام الروائية بمهرجان أبوظبي السينمائي، كان عمل رائع يوقظ حاسة طرح الأسئلة بداخلنا بحثا عن إجابات تدعم قيمة الحياة. استطاعت المخرجة الإنجليزية سالي بوتر أن تضع يدها على أكبر جرح ممكن أن يواجه العالم في المرحلة المقبلة، وجعلت كل من يجلس أمام مشاهدة فيلمها «جينجر وروز» أن يكتم أنفاسه وشعوره بالألم ويفكر في السؤال الذي طرحته حدوتتها: هل الانفجار العائلي أخطر أم الانفجار النووي، هل نهاية البهجة في حياتنا ستكون بتوجيه ضربة للمشاعر والوفاء والاستقرار الأسري أم بتوجيه قنبلة نووية يخشى الجميع انطلاقها بين لحظة وأخرى؟! واقع الأمر أن مشهد انفجار القنبلة النووية في هيروشيما الذي اختارت سالي بوتر أن تبدأ به فيلمها، وخوف الجميع من تكرار التجربة، مشهد ليس أساسيا، بل خلفية بنت عليها حالة حقيقية من الذعر والخوف تمهيدا لحالة أكبر سردتها الأحداث وهي الانفجار العائلي، حتى وإن كان الفيلم تدور أحداثه فى لندن عام 1962 فىيزمن الحرب الباردة وأزمة الصواريخ الكوبية، وشعور الجميع بأنهم على حافة حرب نووية تهدد بفناء البشرية، في تلك الفترة ولدت روز وجينجر وكبرنا معا كصديقتين في فترة المراهقة، وفي اللحظة التي تبدأ الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي آنذاك نرى الفتاتين وهما يكتشفان حياتهما وعالمهما بأداء طبيعي ومشرق وبراق، نرى الصداقة والحب واللهو ونرى أيضا الوجه القاتم من الخلافات العائلية والكذب والخيانة وخيبة الأمل، وفي الوقت الذي تبدأ فيه جينجر الاهتمام بالمظاهرات والوقعات الاحتجاجية ضد القنبلة النووية وشعورها بنهاية العالم الذي تحبه، نجدها تصطدم بحالة من التفكك الأسري، أم مهزومة رغم مثاليتها في واجباتها العائلية وأب خائن وهو المثل الأعلى لها، حيث تكتشف جينجر أن أباها على علاقة بامرأة أخرى لكنها تصطدم أكثر حينما يخون الأب زوجته مع صديقة عمرها المراهقة روز، والأب هنا لديه تبرير لكل شيء بما في ذلك الخيانة وتخليه حتى عن دور الأب تحت شعارات أيدلوجية في مفهوم الحرية الشخصية البائسة. فقد قضى سنوات من عمره في السجن إثر نشاطه السياسي والاجتماعي، وكان المشهد العظيم الذي أدته باقتدار جينجر أو الممثلة الشابة «إل فانتينج»، حينما انهمرت في بكاء طويل وتفرج أمام أمها عن السر والعبء الثقيل بأن صديقتها روز أو «أليس إنجينيرت» عملت علاقة حميمية مع أبيها، وفي الصورة وقف الجميع الأب.. الأم، الابنة، الصديقة، لتشكل عالما قاتما أمام جينجر التي وجدت نفسها بائسة كونها في اللحظة التي تدافع فيها عن بقاء العالم الكبير من خطر القنبلة النووية، ربما تفقد عالمها الخاص دون رجعة. فالأب أو المثل الأعلى لم تتحرك مشاعره تجاه الاعتراف بالذنب من باب قناعاته، وأم تصاب بأزمة نفسية وتدخل المستشفى، والصديقة تطلب الغفران والسماح شخصيا دون قناعة فقد أحبت والد صديقة عمرها، وفي النهاية وفي مشهد أكثر من رائع داخل المستشفى تلقى جينجر نظرة على السماء الضبابية التي يشبه سحابها دخان انفجار نووي. وتمسك بمفكرتها وتكتب قصيدة لنهاية العالم، قالت: ماذا سيكون شكل العالم بدون أمي، ماذا لو اختفى وجهها وراء القمر دون أن أرى نظرة عينها وابتسامتها مرة أخرى.
الفيلم الذي عرض في مسابقة الأفلام الروائية بمهرجان أبوظبي السينمائي، كان بمثابة عمل رائع، فهو يعود بنا إلى سينما الحدوتة، وهكذا هي السينما التي أعشقها، التي تخفت بقلبي ثم تعيده بقوة مئات الأحصنة، التي تدفعنا وتلهمنا وتطهرنا وتوقظ عقولنا كي توقظ حاسة طرح الأسئلة بداخلنا بحثا عن إجابات تدعم قيمة الحياة.