في الحديدة فقط دون غيرها تستوقفك معاناة مرضى الغسيل الكلوي المستمرة والتي لم تجد لها آذاناً صاغية، على الرغم من المناشدات والصرخات التي يطلقونها بشكل متواصل. حيث المرض اللعين والفقر الذي لا يرحم أحداً يبعثر ملامحهم ويبصم على وجوههم حياة البؤس والمعاناة والشقاء، فهم يرزحون تحت قسوة العوز المرير وقلة الحيلة ويعانون تجاهل الجهات المعنية ممثلة بوزارة الصحة والسلطة المحلية التي لم تعرهم أي اهتمام. مرضى الفشل الكلوي بمدينة الحديدة حالهم يغني عن سؤالهم عندما نراهم وهم ينتظرون الموت البطيء بعد أن تقطعت بهم السبل وقست عليهم الحياة من الانتظار لجلسات الغسيل عدة أيام، وكأنه لا ينقصهم سوى إغلاق مركز الغسيل الكلوي من قبل الموظفين بسبب مطالباتهم بصرف رواتبهم المتأخرة، كل يوم يأمل المرضى أن تنجلي كربتهم وأن يأتيهم الفرج القريب لمحنتهم، وينتظرون حل أزمتهم المتفاقمة ويناشدون المسئولين في الدولة إنقاذهم من الموت بعد أن أطلقوا النداء تلو النداء وتوالت صرخاتهم، ولكن لا حياة لمن تنادي. نساء.. وأطفال.. وكبار سن وجدناهم يفترشون بوابة وصالة المركز التابع للغسيل بينما البعض الآخر ينتظر في البوابة حتى يأتي دوره في الحصول على بعض المواد التي ستخفف من آلامهم ومعاناتهم. «الجمهورية» زارت مركز الغسيل الكلوي بالحديدة والتقت ببعض المرضى وخرجت بالحصيلة التالية: الحاج أيمن منصور عبدالمجيد أحد مرافقي مرضى الفشل الكلوي يشكو معاناته وهو يمسك بيد ابنه ليجري له جلسات الغسيل الكلوي، ويقول نحن وأبناؤنا نموت بسبب إغلاق مركز الغسيل الكلوي بالحديدة تحت مبرر عدم صرف رواتب الموظفين من قبل وزارة الصحة.. وأضاف: إن مركز الغسيل الكلوي بمحافظة الحديدة في حالة يرثى لها والمريض الذي يقصده للعلاج يصطدم من أول وهلة بحال المركز والازدحام الشديد فيه وبإهمال وزارة الصحة لمطالب الموظفين وصرف رواتبهم ومعاناة المرضى. واتهم أيمن المسئولين بالتسبب في وفاة 2 من المرضى الأسبوع الماضي بسبب الإهمال والتقصير في تأخير صرف رواتب الموظفين والأطباء لمدة 3 أشهر، الأمر الذي جعلهم يغلقون المركز في وجوهنا. وقال: إن السلطة المحلية بالمحافظة عاجزة عن حل المشكلة. الثلاثاء الماضي كانت شوارع الحديدة على موعد مع ثورة نسائية من مرضى الفشل الكلوي، حيث خرج عدد من النساء والمرضى المصابون بمرض الفشل الكلوي في تظاهرة سلمية قاموا من خلالها بقطع شارع صنعاء، أكبر شوارع مدينة الحديدة، ومنعوا مرور السيارات للتعبير عن احتجاجاتهم من تجاهل وزارة الصحة والسلطة المحلية بالمحافظة لمعاناتهم، واحتجاجاً على إغلاق مركز الغسيل الكلوي في وجوههم بسبب رفض الموظفين والأطباء إجراء الغسيل لهم بحجة عدم صرف رواتبهم لمدة 3 أشهر متتالية. وقرر العشرات من مرضى الكلى من النساء والأطفال وكبار السن الخروج في الشارع العام للتظاهر ومنع مرور السيارات بعد وفاة اثنين من المرضى نتيجة رفض الأطباء إجراء الغسيل لهم بحجة عدم صرف رواتبهم بحسب ما أكده عدد من المصابين. وقال الناشط الحقوقي ماهر جميل الصلوي: إن مجلس شباب الثورة المستقل أعلن تضامنه الكامل مع مرضى الفشل الكلوي بالحديدة وأكد أن معاناة مرضى الفشل الكلوي مستمرة في ظل سلطة محلية لا تهتم بصحة وسلامة المرضى. ومن أجل الاطلاع أكثر على وضع مركز الغسيل الكلوي فقد طرحنا جملة من التساؤلات والهموم على مدير عام مركز الغسيل الكلوي بمحافظة الحديدة الدكتور علي الأهدل والذي قال: إن الموظفين أعلنوا توقفهم عن العمل الأسبوع الماضي حتى يتم الاستجابة لمطالبهم وصرف رواتبهم للثلاثة الأشهر المتأخرة، بعد أن تنصلت وزارة المالية ووزارة الصحة من صرف رواتبهم ولمدة ثلاثة أشهر متتالية. وأضاف: «إن الموظفين لم يقصروا إطلاقاً في أداء واجبهم الإنساني تجاه مرضى الفشل الكلوي وقاموا بعمل ما يمكن عمله لضمان استمرار عمل المركز والتخفيف من معاناة مرضى الفشل الكلوي بالمحافظة، لكننا طيلة 3 أشهر نعاني من عوز شديد ولم نستطع توفير رواتب للموظفين المتعاقدين، مما أدى إلى توقف العمل في المركز وإيقاف عمل التصفية والغسيل للمرضى». وقال الأهدل: «لقد اجتمعنا مع محافظ المحافظة أكثر من مرة، وتم الرفع إلى وزيري الصحة والمالية ليتم رفع الميزانية خلال 2013، ولكن لم يتم أي شيء من ذلك بل نفاجأ بالوعود الكاذبة والتي تسبب بيننا وبين موظفي المركز مشاكل كبيرة». ودعا وزيري الصحة والمالية بالتكرم بصرف رواتب الموظفين والمتعاقدين في المركز للأشهر الثلاثة الماضية دون أي تأخير والقيام بمسئولياتهم للحفاظ على أرواح مرضى الفشل الكلوي التي أصبحت حياتهم مهددة بالموت.
