مروان الغفوري حدثني يسوع.* عندما صلبوني أفقتُ لم أكُن في ثيابي، ولكنني في ثياب خصومي علقتُ. * وماذا تركت هُناك؟ - طفلةً في جناحِ النبيّ، وساقيةً في جفون الملاك. هل رأيتَ على الأرض، بعد رحيلي، صفاتي؟ * رأينا حروباً بلا وجهةٍ، والمنايا فِداك. - آه، هي الأرضُ منذ انفجاري، كنجمٍ كبير، بلا وطنٍ، والحروبُ بناتي. * دلّنا، يا يسوعُ، لنهرِ الجنونِ، توضّأ بغاباتنا، واستحمْ بغصون الهلاك دلّنا للطريق إليكَ، أيا غيمةً من نسيج العيون نحنُ خيرُ القرون - بلا علّةٍ - وضحايا أناجيل آبائنا، فاجلُ عنّا سواك. أينَ كنتَ؟ - أنا؟ في حواف الجنونِ أقمتُ كنتُ كوناً وحيداً، وكان الضياءُ ردائي لم أكن جائعاً، كان ليلي لحاءً لليلي وتحت سياجِ العيونِ استرحتُ كنتُ كنتُ، وكان الطريق إليّ نابعاً من قلوبٍ تدحرجها في الجبالِ قلوبُ النساء. وكان الرجالُ ينامون في صفتي، يعبُرون من الرمحِ للريح، يستخلصون من النهدِ حَبَّ الضياءِ. وكنت .. على حافةِ النهرِ مستسلماً للرحيل إلى أي شيء بلا صرّةِ، غير ما سوف يحمله الريحُ لي من دُعائي. كنتُ كوناً شديد الحُدود، وكان العدوُّ سمائي. * نهرُ الجنونِ، إذن؟ - وطريقٌ إلى دالّةٍ غطست في نواةِ الزمن، كنت كوناً وحيداً، وكان الإلهُ يحدّثني عن شتائي وروميّةٍ سوف تسقطُ من شاهقٍ، عن دمٍ طار من شفتيها ودلّ دمائي لشفاهِ المحن. * اهدِني يا يسوعُ إلى أي معنى، إلى صفةٍ سقطت من صفاتِك. إلى جنة ذبلت في يديك، إلى عشِّ أنثُى، إلى عدمٍ رائعٍ كيقين بناتِك. - عدمي في ازدهارِ يقيني صفتي في يميني وإن شئتَ أن تهتك السرّ عني فلا تسلك الدرب إلا وحيداً، بلا وطنٍ خلف ظهرِك أو خبزةٍ في الجبينِ. * بل؟ - بالزمانِ الكثيف، بإضبارةٍ في شتاتِ المُقَلْ بما يترك القاتِلون على النارِ من دم أعينِهم بما يتكدّس في قمّة الاشتهاءِ من الخوف، والنارِ، والارتخاء. عدمي جنّتي، وحضوري فنائي فلا تهتك السرّ، بيني وبينك، إن دمَي زمني، ورُفاتي شفائي. * فمن أين جئتَ، إذن؟ - كنتُ كوناً شديد الخفاءْ مغرقاً في استوائي وجودي معادلةٌ في وجودي، وحدودُ حدودي هوائي. ولما استوى الماءُ بالجوعِ وانشرخت قامتي كان عرشي من الماء، كان إزاري من الخبزِ والفقراءُ لحائي. * كم كنتَ وحدَك، كم .. - وكم أنتَ عندَك * أجل. ولكنّ لي، رغم خوفي من الناسِ، لي جسدٌ عامرٌ باشتهائي وفتاة أبدّلها كل شهرين، لي سعةٌ بين خمرين لي جمرةٌ في أعالي فؤادي تنيرُ إن انسلخت دمعةٌ من غنائي. - أما أنا فدموعي ضيائي جسدي طائرٌ في نفايات هذي الوجوه وأنثاي تخرجُ من عدمٍ سابحٍ في فنائي عدمي خيمتي، والنجومُ شوائي. * وفي أي نهرٍ سألقاك؟ - عند نهر الجنون طالعاً من جروح المُحال خاملاً في شقوق السؤال خلف دوامة الخير والشرّ، تحت سريرٍ يوحّد سرّ دمٍ جائعٍ لدمائي. ألقاكَ، صدري كمينٌ وفزّاعتي .. نخلةٌ وذقون. * وكيف سأدركُ أنك أنت اليسوعُ، وأني أنا من رآك تلمّ مدائننا، وألمّ حصاكَ؟ - حسناً .. سوف أوقف شمسك عند المغيب وأطلقُ شمسي وأسكبُ حبري على جثّةٍ، فيدبّ بها خدَرٌ، ونحيب لأطفئه في غدٍ ذاع في مقلتيكِ، وأمسي. ابتسم حينها، إنني كل شيءٍ هُناك. * ولكنني… - دع هواك يذُد عن هواكْ وتحممْ بما لستَ تدري لستُ سرّاً تفتّتهُ في البريّةِ، حتى وإن قلتُ: إن البريّةَ سرّي دع هواك يذُب في الخلايا عميييقاً ليطلق سرّي!