استطاع أن يصل إلى ما وصل إليه كبار الفنانين، بل إنه التلميذ الذي تفوق على مُدرسه بعد أن صارت أغانيه وألحانه تسمى أو يطلق عليها مدرسة فنية مستقلة.. ويعتبر أول من أجاد بناء ثلاثية أركان الأغنية اليمنية شعراً.. ولحناً.. وغناء.. هكذا سوف نظل نحن اليمنيين نردد إلى ما لا نهاية وبكل فخر واعتزاز نردد ونقول: وحدويون ولا في مجتمعنا شاذ ولا فينا انفصالي وحدويون ولا هذا جنوبي عاد ولا هذا شمالي بات يحضنا وطن وحدوي اسمه اليمن رفرفي يا راية الوحدة تملي في العلا لي على الوحدويون.. نعم إنها كلمات أتت من رحم فكر يحمل في نبع شرايينه ملحمة وطنية يتدفق بين دمائه مكنون الحب الوحدوي وتختلط معه كرويات الدم البيضاء التي تقف مدافعة بكل قوة عن وحدوية الدم اليمني تقاوم بكل شراسة أي تدخل يأتي باسم التفرقة والتمزق أو الانفصال مهما كان قوة تدفق هذا الدم الدخيل وسط شرايين الجسم اليمني الذي يحاول أن يختلط بدم الوحدة اليمنية ليطالب بعد ذلك بتقاسم الشرايين التي تغذي هذا الجسم الوحدوي ليأخذ حقه وينفصل عن ذلك الجسد... وربما لم يسمع هذا الدخيل ولم يقرأ ما يأتي به نبض الشارع اليمني ولم يتمعن بالكلمات التي صاغها أمير الغيد أو أمير الغناء اليمني قبل رحيله حينما قال.. وحدويون حتى ينهي الله الوجود للأبد هيهات تفصلنا فوارق أو حدود همنا يبقى الوطن وحدوي اسمه اليمن وحدوي طول الزمن إذن أين نحن من تعميد وتأكيد هذا الشاعر الفنان الذي ختم على أبياته بدم فؤاده مؤكداً بقاء اليمن موحد إلى أن يرث الأرض ومن عليها.. نعم إنه شاعر لا يقول الكلمة إلا بعد أن يحضر وسط فكره صدق المشاعر... ولا يقبل بحشو الأحاسيس المتسرعة إذا كانت سائرةً وعابرة... ولكنه يقف على بأب الأمل ينتظر البشائر... لا يصوغ الكلمات ولا يبني اللحن إلا إذا كان بالمعنى حاضر... نعم إنه أعز الناس الذي يشاركك الفرح بالنهار وعند الليل يسامر... يسامرنا بقصيدته المغناء ليسلي همنا وتنتشي الخواطر... نعم هكذا عودنا نزن الكلمة ونضع لها سجع القصيدة وإن كانت ذكريات في سطور.. إنه الشاعر الملهم... والملحن المغرم... والفنان المتيم... إنه أعز الناس في قلوب أحبته.. الفنان الراحل (محمد سعد عبد الله).. الإنسان الذي خلط حبه في أحشاء أحبته وسكن بكل ما يحمل من ثقل العطاء والموهبة وسط أفئدة العامة من الناس دون أن يسبب لهم ثقلاً بالحمل أو التحمل بل استولى على كل المساحات الشاغرة في صدورهم ومع ذلك لم يترك ضيقاً في القلوب أو مضايقة بالأفئدة رغم الاستحواذ الكامل لخماسية الحواس الإنساني رغماً عن حاملها لأن الشاعر الفنان محمد سعد عبد الله يدخل إلى القلوب بدون ترخيص ولا تصريح عبور كون موهبته هي وحدها الرخصة المصرح بها ولحاملها بالمرور إلى حيث يريد صاحبها رغم تواضع أسلوبه وحالته الاجتماعية كونه بأعماله وموهبته يعتبر من عمالقة اليمن والوطن العربي أيضاً فهو علم من الأعلام الكبيرة التي لها ثقلها وسمعتها بل يصنف عند أبناء الوطن من كبار رجالات الدولة اليمنية بعطائه لكنه ومع الأسف الشديد ومع احترامي لكل ذرة رملٍ دُفن فوقها أو تغطى بها.. مات وهو يحمل وظيفة قد توازي درجة الفراش وهي الكلمة التي قالها هو بنفسه قبل وفاته بشهور قليلة وهذا ما يعني أن هذه القامة السامقة والعظيمة بعطائها لا تتناسب مع الدرجة الوظيفية التي مات وهو يحملها وقد كان محقاً بكلماته التي كتبها في عام 1992م تحت عنوان القرار الميت والذي قال في بعض أبياتها.. شاقي كمل عمري ونا أشقي طول ليلي والنهار صابر على راتب بعون الله يكفي للخُصار والبيت يشتي كل شيء لازم نوفر له سبار والناس ذي في البيت قدهم كلهم صاروا كبار هذا يُبا فوطة وذا سروال وذي تشتي خمار أما أمهم مثلي قده آلف على شُرب المرار مثلي تعاني قسوة الدنيا ووسط القلب نار ذا وقت قاسي ضيًع المكسب عليً والضمار وبعد ما قد فاض صبري بعد طول الانتظار قالوا أجت لي ترقية باقع كما الناس الكبار صدقتهم وان الحكاية أصبحت كله هدار وراحت الأيام جالس منتظر ينزل قرار يرفع لي الراتب يساعدني على فك الحصار كل الصحف تكتب وذا المسئول كلم لك جدار حتى أنه توسع بهذه القصيدة التي تتكون من30بيتاً وأخرج فيها من الغُلب المكنون في صدره ليريح بها عن نفسه ويوصل رسالته الخاصة لأهل (الخرش والربط وأصحاب القرار) حتى أنه قال في أخر أبياتها... والترقية لا كأنها أيضاً ولا كان القرار واللي قده وسط المطر يصبر على لفح الغبار ما همني عندي عزيمة واقتدار باعيش ع الروتي وبأزكع بصانونة خُضار بصبر على ما بي ربما تمشي حضا والا بوار نعم إنه أبو مشتاق الذي كان يشتاق لكل عمل فني يقدمه ويخدم فيه الشريحة الأضعف بالمجتمع كونه يرى أن شريحة الضعفاء هم الأكثر حاجة لقراءة وتقديم همومهم لمن بأيديهم مفاتيح أقفال القيود المدججة أو أصحاب العقول المدججة بقيود الهم والمعانات.. والفنان الكبير والشاعر الملهم محمد سعد عبد الله الذي ولد من رحم المعانات وفتح عيناه وهو طفلاً حديث الولادة إلى وطن يحتضنه ليس بحنان ودفء الأسرة المربية والمحبة لفلذة كبدها لكنه فتح عيناه نحو وطن تسكنه العبودية ويقوده الاستعمار البريطاني.. حينها تمنى لو أن رب العزة أبقاه في بطن أمه ولا أن يشاهد أمامه وطن يستعمره الأجنبي.. لكنه خرج إلى النور ليصطدم بلغة موطنه العربي الذي يحيط بسكنه ومكان ولادته إنها لم تكن هي لغة الضاد التي تتفاخر بها الأمم العربية والإسلامية ولكنها لغة دخيلة على أبناء الجنوب اليمني الحر في ذلك الزمن.. ومن هناك بداء أمير الغناء اليمني محمد سعد عبد الله يبني لأبناء لغته سُلم الصعود نحو التحرر بلبنات المفردات الشعرية العربية التي تحمل نكهة العدنيين تارة ونكهة الألوان الغنائية اليمنية بشكل عام تارة أخرى ليقوم هو بنفسه لتركيب الألحان المناسبة لها وهو أيضاً من يتولى بعد ذلك الغناء بكلماته وكان أبو مشتاق وأعز الناس هو أول من أجاد بناء ثلاثية أركان الأغنية اليمنية شعراً.. ولحناً.. وغناء.. فهو من قال.. قال بن سعد قلبي فوش يا ماه صبر وذاق بالكأس تعذيبه وطعم المرارة والذي حبهم ما عاد با ينفعوه والفائدة منهم ما اليوم قدها خسارة تزوج الست وجاء يخطب عروسة جديدة خائف على ذي العروسة لا تقع في المدارة حتى أنه قال في آخر بيتين لهذه القصيدة المغناة بصوته وكلماته: كلفتوها وزفوها على مطربين وعطروها وباعوها وتمت صهارة والذي قد فهم هرجي وذاق الكلام ما عاد بافهمه وتكفي الحليم الإشارة لقد كتب الفنان الشاعر محمد سعد عبد الله العشرات من كلمات أغانيه التي تغنى بها مثل (أمير الغيد.. ومدلي يازين يدك.. ويأربان السفينة.. ويوم الأحد في طريقي.. ووسط صنعاء شفت ذياك الغزال.. وكل يوم تستلم مني جواب... وماشي عليه لوم.. وأشتي أشوفك.. ومن بلي بالهوى .. وأعز الناس.. وصباح الخير من بدري.. وسرى الليل.. وكلمة ولو جبر خاطر.. وأنا أقدر أنساك.. ويا ناس ردوا حبيبي.. وحسك تقول.. وما با بديل.. والنسيم المسافر.. ويا للي الدلع ضيعك.. وبيني وبينك سر مكنون.. وهناك الكثير والكثير من روائعه الغنائية التي لم تسعفني الذاكرة لحصرها حيث غنا أبو مشتاق وعمره لم يتجاوز الحلم ومن يومها لم يختلف على موهبته اثنان كونه لم يقدم الأغنية ولم يتغنى بها إلا بعد أن يكون قد رددها وأعاد صياغتها وسماعها أكثر من مرة ليراقب ما فيها من نواقص أو اهتزاز ومن ثم إصلاحه بحيث لم يظهر بالأغنية أمام الجمهور إلا بعد أن يكون قد وضعها أمام اختبار عقله وحدسه وأعطاها بعد ذلك تصريح مرور للمستمع والمتابع ولم يلحن الفنان محمد سعد أغانيه لنفسه فقط ولكنه أعطا ألحانه للكثير من زملاء مهنته اليمنيين كما تغنى من ألحانه الكثير من الفنانين العرب أمثال فنان العرب محمد عبده وزميله طلال مداح وهيام يونس وعبادي الجوهر وعتاب وغيرهم.. ولم يأتي نجاح بن سعد هكذا اعتباطيا وأن كانت الموهبة تولد مع صاحبها في أكثر الأحيان إلا أن نجاحه وتمكنه للحن والغناء يأتي كما قال هو بإحدى مقابلاته يأتي بالدور الأول لقرأته ومتابعته لمعاني الدخول والخروج والتحرك اللحني مع الكلمة من خلال مرحلة عمله كضابط إيقاع أولاً مع من سبقوه من الفنانين العمالقة كونه بداء عازفاً للإيقاع خلف الفنانين الكبار ومن هناك بداء يرسم لنفسه خارطة طريق مستوية حتى أستطاع أن يصل إلى ما وصل إليه كبار الفنانين بل أنه التلميذ الذي تفوق على مُدرسه بعد أن صارت أغانيه وألحانه تسمى أو يطلق عليها مدرسة فنية مستقلة حتى أن كل من أتو بعد ويعشقون أغانيه فأنهم يقولون أم ميولهم لمدرسة بن سعد.. والفنان الراحل محمد سعد عبد الله سوف يضل بالفعل مدرسة فنية يتعاقب عليها عشاق الفن اليمني بل والخليجي كونه المفردة الأبجدية الفنية التي ظهرت بالخمسينيات عندما نشأ هذا الفنان الذي أستمر بالعطاء حتى يوم 16 من إبريل من عام 2002م يوم أن صعدت روحه الطاهر إلى بارئها.. رحم الله فنانا الكبير أبو مشتاق في الذكرى الثانية عشرة لوفاته.....